أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الماكينة بتطلع قماش!














المزيد.....


الماكينة بتطلع قماش!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5226 - 2016 / 7 / 17 - 21:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تطاردون منديلاً هنا، ومنديلا هناك، تُطيّره ماكينة جهنمية تُنتج ألوف المناديل السوداء بمعدّل مائة منديل في الساعة. تكمشون منديلا وتودعونه سلّة القمامة، ولا تنتبهون لأكوام المناديل تتراكم في سلالكم قبل أن تطير لتغطّي سماءكم بالسواد وأرضكم بالدم وبيوتكم بشارات الحداد وآذانكم بعويل المُحتضرين وصرخات الأمهات اللواتي صرن ثكلاوات بعدما فقدن أبناءهن في غفلة من الحذر. تلك المناديل السوداء تضخّها ماكينة قوية الباور متينة البنيان، تدعمونها بالصيانة والصقل والتلميع، بينما تلتفتون لبعض إنتاجها لتحرقوه دون أن يكون لديكم العزم ولا القدرة على ملاحقة كل ما تنتج على مدار الساعة، ولا لديكم الرغبة في نزع كوبس الكهرباء عن الماكينة الملعونة.
“الماكينة طلعت قماش"، "قماش طلّعت الماكينة"، قالها فؤاد المهندس، تحت اسم المهندس الشاب سبعاوي في فيلم كوميدي. ظل يهتف ويرقص جزِلا فرِحًا بباكورة إنتاج الماكينة التي صنعها بيديه وجعل لها في غرفته مكانًا يحتلّ الصدارة. قويت الماكينة لأن صانعها يحبّها ويرعاها ويزود موتورها بالزيت وقلبها بالفيتامين ويجلخ تروسها من أي صدأ يقفُ على حديدها. لكن فيلمنا اليوم ليس كوميديا بل تراجيديًّا بامتياز. ماكينة فؤاد المهندس تشبه الماكينات النشطة التي ترعاها حكوماتنا العربية وتُكرّس وجودها لتضخ كل يوم مئات الأمتار من القماش، وآلالف القطع من المناديل السوداء التي تحوّم في سموات العالم تزرع الويل والحَزَن والثكل وتهرق الدماء لتُغطي شوارع المدن في دروب العالم. أول أمس في حي الكرادة في بغداد سقطت مئات المناديل فوق رؤوس العراقيين فأفنت عائلات بأسرها وزرعت اليتم في عيون أطفال والثكل في عيون أمهات. وأمس هبطت مناديلُ سوداءُ في الطائف وعند باحة المسجد النبوي الشريف فحصدت ما تيسّر لها من أرواح جنود سعوديين، واليوم سقطت عشرات من المناديل القاتمة فوق رؤوس فرنسيين فدهست أجسادهم، ما بين أمٍّ وأبٍ وطفل وعجائز وشباب وصِبية. المناديل لا تنظرُ إلى هوية ضحاياها ولا إلى عقائدهم ولا أنواعهم أو أعراقهم أو جنسياتهم، ولا إن كانوا طيبين أو أشرارًا. المناديل السوداء تستهدف بني آدم في كل أرض وتحت أي سماء ومن كل عِرق. هدفُها إفناءُ العالم وتفريغه من الحياة، فالدمُ كلّه هَدرٌ والأجسادُ جميعها مباحة والأرواحُ جميعُها مستباحة.
وأنتم مازلتم تتصيدون المناديل السوداء التي تطير هنا أو هناك، وتولون كامل حبكم ورعايتكم للماكينة التي تُنتج القماش وتُطيّر المناديل.
تقتلون إرهابيَّا هنا أو هناك، بينما ماكينة الإرهاب النشطة تُفرّخ لنا ألف إرهابي جديد مع كل فجر جديد. ماكينة نشطة لا تكلّ ولا تتكاسل، هي أدبيات الفكر التكفيري في المنشورات وعلى الشاشات وفوق هامات المنابر، يحشو بها دعاةُ الفتن أدمغةَ النشء الصغير الخاوية، فيتحولون بليلٍ إلى وحوش ضوار تدمر المجتمعات وتروّع الآمنين وتهدم إرث البشرية الثمين. أنتم تقتلون إرهابيًّا كل يوم، لكن الفتاوى الإرهابية تُفرّخ لكم كل يوم عشرات الإرهابيين. محاربة "الفكر الإرهابيّ" أولى بجهدكم من محاربة "الإرهابيين". حاربوا "دماغ" الإرهاب، قبل محاربة "أصابعه”.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وكرُ الأشرار
- المسجد النبوي .... هل غادرَ الإرهابُ من مُتردَّم؟
- هل احترام حقوق الأقباط عداءٌ للإسلام؟
- شيءٌ من العبث لن يفسد العالم
- حقلُ الألغام
- مصرُ التي نشتاق إليها
- يومٌ من عمري، وشموعٌ كثيرة بعد لم تُقَد
- موسم تسريب الامتحانات
- كيف سمحنا بأن نسقط؟
- ناضجون ومراهقون
- عين الطائر ودو كيخوتي
- البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م ...
- كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟


المزيد.....




- ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال ...
- الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب ...
- المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف - ...
- حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو ...
- الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر ...
- أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام ...
- اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع ...
- شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه ...
- تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الماكينة بتطلع قماش!