|
المسجد النبوي .... هل غادرَ الإرهابُ من مُتردَّم؟
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5220 - 2016 / 7 / 11 - 12:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
=================
مازال صُنّاع القرار العرب يطاردون "الإرهابيين"، ويغضّون الطرف عن "الماكينة" الجهنمية التي تُنتج عشرات الإرهابيين الجدد، مع فجر كل يوم جديد! تلك الماكينة النشطة التي لا تكلّ ولا تتكاسل، هي مفردات الفكر التكفيري في المنشورات وعلى الشاشات وهامات المنابر، التي التي يحشو بها دعاةُ الفتن أدمغةَ النشء الصغير الخاوية، فيتحول شبابٌ صغير مسالم، بين عشية وضحاها، إلى مجرمين عُتاة يدمرون المجتمعات ويروّعون الآمنين ويهدمون إرث البشرية الذي لا يُقدّر بثمن. يقول عنترة بن شداد في مُعلّقته: “هل غادرَ الشعراءُ من مُتردَّم؟"، وأما نحن فنقول اليوم بلسان حزين يقطر منه المُرُّ: “هل غادرَ الإرهابُ من مُتردَّم؟" فأما الشاعرُ عاشق عبلة، فكان يتساءل إن كان الشعراءُ قد تركوا قولا، أو معنى، أو صورة شعرية، لم يرسموها في قصائدهم! فكأنما كلُّ شيء قد قيل، وكلُّ صورة قد رُسمَت، وكل معنى جميل قد استنفده الشعراءُ العربُ في قصائدهم عبر قرون من الكتابة والنظم والتخيّل والهوى. فالمتردّم، وفق ما يقصد عنترة، هو صوغ القول المُحكَمُ نسجُه. وأما المتردّم الذي لم يتركه الإرهابيون من الدواعش وأضرابهم، فهو المكان المُستصلح الآهل. قبل أحد عشر عامًا، حاول إرهابي من تنظيم "القاعدة" استهداف المسجد النبوي الشريف، الذي شيّده الرسول عليه الصلاة والسلام بيديه في المدينة المنورة بعد عام واحد من هجرته وصحبه من مكّة المكرّمة إلى يثرب. وهو ثاني أقدس الأمكنة لدى الأمة الإسلامية وقِبلة الحجيج والمعتمرة وزوار آل البيت وأضرحتهم الكريمة. قبل أحد عشر عامًا أقدم الإرهابيُّ "صالح العوفي"، وهو أحد أخطر عناصر قيادات تنظيم القاعدة آنذاك، على تفجير المسجد النبوي، وقتل المصلّين وزوّار النبي، لكن الشرطة السعودية اليقظة تصدّت له وأردته قتيلا، واستُشهد من جنودها مَن استشهد. ويوم الاثنين الماضي، يُعيد تنظيم داعش الوحشي المحاولة الدنسة ذاتها، حين حاول الإرهابي الداعشي "نائر مسلم حماد النجيدي" استهداف أكبر عدد من المصلين بعد تسلميهم الأخير في الصلاة وأثناء تناول إفطارهم في العشر أيام الأواخر من شهر رمضان المبارك. لا حُرمة المكان أهابتهم، ولا حُرمة الشهر الكريم أردعتهم، ولا رقّقت قلوبَهم الغلاظَ كثافةُ عدد الأنفس العُزَّل المسالمة التي جاءت من كل فجّ عميق طمعًا في رضوان الله ورحمته. فمن أي صخر صلدٍ قُدّت تلك القلوب؟ يتحسّر بنو آدم اليوم على "الإرهاب الوسطي الجميل" الذي كان في عهد تنظيم "القاعدة"، إذا ما قورن بما يأتيه تنظيم داعش اليوم من فظائع لم تكن لتخطر على بال إنسان، لولا أن سجّلتها عدساتُ الكاميرات وعدساتُ العيون وذواكرُ الراصدين. فهل ترك الدواعشُ متردّمًا لم يدنسوه بقبحهم وقيحهم وسواد أياديهم؟! ثم يسمّون أنفسهم ملسمين، وما سلِم الناسُ من ألسنهم وأياديهم. يسمّون أنفسهم مسلمين ولم يستحوا أن يشرعوا في تفجير مسجد وضع لَبنتَه الأولى رسولُ الإسلام شفيعُ المسلمين! يسمّون أنفسهم مسلمين بينما يستهدفون مُصلّين في مساجدهم، ويذبحون مسلمين وغير مسلمين آمنين في بيوتهم، ويفجرون المساجد والكنائس والمعابد والآثار في كل بقعة من بقاع الأرض. يسمّون أنفسهم مسلمين بينما يخطفون النساء المستضعفات ليدنّسوا طهارتهن كأنهنّ سبايا ذليلات وما كنّ إلا حُرّات كريمات قبل غزو الوحوش الداعشية لمدنهن وبيوتهن! يُسمّون أنفسهم مسلمين وهم يحرمون الأطفالَ من التعليم في المدن التي احتلّوها لتتوقف أدمغتهم الغضّة عن التفكير فيسهل تجنيدُهم حين يكبرون! يسمّون أنفسهم مسلمين بينما لم يتركوا عملا إجراميًّا لا أخلاقيًّا لم يرتكبوه بأكثر الأساليب دمامةً وقبحًا. فليسمّوا أنفسَهم ما شاءوا من أسماء، فهذا للأسف حقٌّ لا نبخسه. فاللصُّ قد يسمّي نفسه أمينًا، والمعتوه قد يرى في نفسه ألبرت آينشتين، وأجشُّ الصوت قد يقول: أنصتوا إليّ فأنا شبيهُ محمد عبد الوهاب. لكن المشكلة في مؤسساتنا الإسلامية، التي تتحرّج في وسم تنظيم داعش ووصمه بما يستحق! ويكتفي شيوخنا بأن يقولوا إنهم مارقون، أو خوارج، وغيرها من المسميات المهذبة الخجول التي تخشى أن ترميهم بالكفر البواح. ولو فعلوا لحاصروهم وحصروهم في مربع الخزي الذي يليق بهم، فلا يعودوا قادرين على تجنيد النشء الصغير المسكين من أبنائنا الذين صدّقوا أنهم مجاهدون في الحق مُسلمو القلوب يجب الاحتذاء بهم، طالما لم يكفّرهم الأزهر الشريف ولا أية مؤسسة دينية وازنة أو دار إفتاء ذات ثقة. ماذا ننتظر يا تُرى بعد المسجد النبوي الشريف، حتى يُحاصَر فكرُ أولئك البلطجية، وتوقيف أرباب الفتنة الذين يرددون أفكارهم على المنابر والشاشات؟ أنتم قد تقتلون إرهابيا كل يوم، لكن الفتاوى الإرهابية تُفرّخ لكم كل يوم عشرات الإرهابيين. محاربة "الفكر الإرهابيّ" أنجعُ وأهمُّ وأولى من محاربة "الإرهابيين". رحم الله شهداء الأمس في المسجد النبوي ومسجد الطائف وحي الكرادة في بغداد وشهداء مصر، ورحم شهداءَ الغد وبعد الغد من ضحايا “ماكينة الإرهاب” النشطة.
فاطمة ناعوت 24AE
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل احترام حقوق الأقباط عداءٌ للإسلام؟
-
شيءٌ من العبث لن يفسد العالم
-
حقلُ الألغام
-
مصرُ التي نشتاق إليها
-
يومٌ من عمري، وشموعٌ كثيرة بعد لم تُقَد
-
موسم تسريب الامتحانات
-
كيف سمحنا بأن نسقط؟
-
ناضجون ومراهقون
-
عين الطائر ودو كيخوتي
-
البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م
...
-
كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
-
جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
-
أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
-
لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
-
لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
-
فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
-
كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
-
رصاصةُ فرج فودة؟
-
الأبكم
-
يقتلون براءتَهنّ!
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|