|
أما آن لأقدم أوجاعنا أن تثمر......؟
بشرى ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 1400 - 2005 / 12 / 15 - 10:57
المحور:
الصحافة والاعلام
تقول صديقة لي : كم أنت لطيفة وأليفة في الواقع ... لكنك تختلفين جداً في الكتابة ؛ حتى أنني لا أعرفك حين أقرأك ؛ ما كان بوسعي وقتها التحدث عن تلك الجزئية الأكثر خصوصية في حياتي كلها ... الكتابة: وكيف تجعل منك طفلاً نظيفاً رائقاً ومتفجراً بالغضب ... وأنها اللحظة الوحيدة (على الإطلاق) التي تكون فيها حقيقياً مئة بالمئة ؛ وتكون فيها صادقاً كأقصى حالات الصدق .... معوّلة كثيراً على طفولتي في محاولة يائسة للحفاظ على ما تبقى منها خاصة تلك الجزئية المتعلقة بما تفجره جنات المخيلة ؛رغم كل محاولات الكبار القديمة والمستمرة لربطي بشروحات وفتاوى وتربية كي أصبح عاقلة تنظر للعالم بحيادية وكأنه لا يعنيني ؛ لكن صرختي الأولى للحياة لحظة سقطت من رحم أمي كانت تختزن وتختزل كل اندهاشي بالحياة نفسها والتعلق بها ؛ واحترام الإنسان باعتباره صانع الحياة ؛ ورحت قبل سنوات طويلة قبل الطفولة ربما أو بعدها لا فرق أعتقد أن الفنان يصنع الجمال؛ لأكتشف مع أول (ألف) أكتبها أن الفنان الحقيقي هو من يظهر القبح ويسرد سورته علينا لنتكشف نحن بدورنا على نقيضه ؛ لا زلت أحمل السؤال القديم والتوجس القديم والبحث القديم الذي حمله أول رجل سكن الكهوف وطرح أسئلته المحيرة في صورة كتابة مسمارية أو خربشات أو نقوش ولم تجب عليه مركبات الفضاء ولا انشطار الذرة ولا خوذات الحرب ولا تحضير السوبرمانات في المعامل ... (الوجود والعدم ) قضية قديمة متجددة تفرض ضجيجها عليّ حتى ظننت أن الكتابة وحدها تعوض عن خسارتنا نحن البشر الكبيرة بالسر الوجودي ؛ واعتقدت أن كل كتابة هي نشيد للحب والسلام والخيروالحرية فهل تتكشف ذواتنا على حقيقة مفزعة أن الحرية فادحة الثمن بهذا القدر ؟ الا يكفي فعلاً تربصنا بذواتنا ثمناً للسكينة والتصالح معها ؟ ولذا حاولت طيلة منجزي الأدبي تصفية حساباتي مع وعيي الفلسفي الموروث ؛ لم أكن ربما وصلت لسن التأمل بما يكفي ليحولني من الكتابة عن حرائق الروح وتجميل خطاياي؛ لطرح أسئلة متواصلة كلها على شاكلة سؤال واحد : هل ستتعذر الإقامة في هذا الكوكب في كل ذاك التعنت والصلف والجور ؟ لولا أحداث 11 سبتمبر وما تلاها التي جعلت العالم أكثر رعباً من ذي قبل ؛ يكمن الرعب في قيام الوحش الأمريكي من سباته ؛ فيصبح (خمبابا)* جديد رهيب (زئيره عباب الطوفان تنفتح من فمه النار ؛ ونفسه الموت الزؤام . فأنت تقف هنا في حضرة الكتابة عاجزاً عن صناعة الأحلام المبشرة (بيوتوبيا) عذبة ؛ كما كنت تفعل دوماً طالما الإبداع يشذب الحياة ويقاوم تشذيب الحواس؛ تقف عاجزاً لأن الموت المجاني من أمامك ومن وراء ظهرك لا يدعوك الا لمزيد من خذلان وإحساس بالعطب؛ فهل يفترض أن يفرش العالم بالجماجم كي تدوس عليها الديمقراطية المبجلة ؟ هذا ما استشعره اللحظة ... ولكم أن تصدقوا أو لا تصدقوا أن أحزاني لا تحملها النساء .. كيف أوصل ما يعتريني من فقدان الثقة بالكتابة.. تلك التي اعتبرت نفسها نشيداً لتصبح مولودا مبتسراً في ظل الغناء القبيح (للقردة المتطورة) والتي تعد نفسها صناعاً للخير والعدالة ؟ مبارك قائل عبارة : كل الحروف مريضة حتى الألف أقيمها فتنحرف ... كائن ما كان(النفري) أو غيره ؛ في ظل حملك( لزهرات فان جوخ) وأحلام البسطاء التي لا يزال يؤجلها بشر مترفون يبشرون بالحرية. واذا كانت الكتابة زرع سنديانات في كل فراغ فهل ثمة فراغ متبقي لنا في ظل ما ينتشر من قتل يفوق عدد الولادات ... والسكاكين المشحوذة المسلطة على رقابنا بشكل يدعو للندم على ما فات وبشكل يضعنا في مسائلة حارقة مع أنفسنا : هل فقد الموت هيبته وبهاءه في تلك المعارك الغامضة المصير والمفتوحة الشهية للموت ... الموت الذي يأكلنا دون حاجة حتى لمقابر؛ وإذا كان الموت هو الموت والضحايا هي الضحايا فهل تجعل الأسماء المرفهة للموت جلالاً ... وهل رتبة (شهيد) تجعل للموت بهجة أخرى غير ما يصنعه الفقد من قرصات ندم ولذعات توجس ؟ عندما أمسكت بالقلم لأول مرة ودعوته لكتابة الألف تمنيت لو تصبح الألف باسقة ممشوقة كنخلة لا تنحرف .. منذ تلك اللحظة والكتابة تعنيني كمعادل لطرد الخوف ؛ مثل من يدندن في الظلمة كي يبعد أشباحه فهل تكفي اليوم كل الحروف حتى الباسق منها الأشبه بالنخل لتعويضنا عن وسائدنا المحشوة بالذعر ؟ واذا كانت الكتابة وسيلة لتجميل الحقيقة فهل تكفي كأداة لمحو بعض القبح ؟ ولو كانت الكتابة عرّافاً أما كان ينبغي لها أن تنبئنا بأن الأوطان كلها / كلها مستهدفة لتجميل وجه واحد بشع وقبيح ؛ وما كان أجدر بالكتابة أن تصير أداة مدببة حادة نشهرها أمام محاولات تضييق ثوب (الهوية) علينا حد التمزق ؟
#بشرى_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توريط النساء بالإرهاب
-
الاعتصام بحبل الله ....
-
المثلية -أو الشذوذ الجنسي ...
-
نساء رهن البيع ...
-
كلاّ....أنا لست حرة
-
جسد الأنثى المعذب ..جسدها المسجون
-
أيها السادة:انتبهوا للصدمة والترويع...
-
هل تتحمل المؤسسة التعليمية عبء ومسؤولية صياغة الخطاب المتطرف
...
-
تغرير بالمواطن العربي أم تغريبه ؟
-
نحن النساء : برتقالة وقديسة ..
-
زواج الدمى لا ينجب أطفالاً حقيقيين ..
-
المثقفون العرب .. أي خطاب لأي واقع ؟
-
الصحافة النسائية : أي خطاب ولمن يوجه ......... ؟
-
شؤون حميمة لا يعرفها الرجال
-
ايتها السلطة ... كيف أعاودك وهذي آثار فأسك ؟
-
إبداع المرأة بين محاصرة وهم الثابت وطموح القادم
-
صمت الروح ... ام وجعها
المزيد.....
-
طفل بعمر 3 سنوات يطلق النار على أخته بمسدس شبح.. والشرطة تعت
...
-
مخلوق غامض.. ما قصة -بيغ فوت- ولِمَ يرتبط اسمه ببلدة أسترالي
...
-
-نيويورك تايمز-: إسرائيل اعتمدت أساليب معيبة لتحديد الأهداف
...
-
خمسة صحفيين من بين القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة
-
كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى
...
-
تسونامي 2004.. عشرون عاماً على الذكرى
-
إسرائيل تعلن انتهاء عملية اقتحام مدينة طولكرم بعد مقتل ثماني
...
-
الولايات المتحدة.. سحب قطرات عين بعد شكاوى من تلوث فطري في ا
...
-
روسيا.. تطوير -مساعد ذكي- للطبيب يكشف أمراض القلب المحتملة
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|