أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟















المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5218 - 2016 / 7 / 9 - 20:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لدى قراءتنا عن شعوب الشرق الأوسط في فترة ما قبل المسيح من مصادر مختلفة منها الكتاب المقدس ودراسات المختصين التي بناها أصحابها على الاكتشافات الاثرية والحفريات، خاصة في بلاد آرام (سوريا وكنعان)، ما بين النهرين (العراق) ومصر نستطيع أن نكوّن صورة عن حياة أجدادنا في تلك البقعة من العالم.

كانت شعوب تلك المنطقة تبذر أولى بذور الحضارة الإنسانية فيما شعوب معظم الكرة الأرضية تغط في نوم عميق. على الصعيد السياسي كانت كل أنظمة الشرق الأوسط ملكية دون استثناء. الملك هو الحاكم المطلق. كانت تلك الممالك في حروب دائمة فيما بينها، لذلك كان العنف هو المسيطر على حياة الناس. لم يكن معظم الملوك يعرفون الرحمة. نقرأ في سفر القضاة أن بني إسرائيل هاجموا بازق في كنعان وأمسكوا ملكها أدوني وقطعوا أباهم يديه ورجليه، فقال أدوني بازق "سَبْعُونَ مَلِكًا مَقْطُوعَةٌ أَبَاهِمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ كَانُوا يَلْتَقِطُونَ تَحْتَ مَائِدَتِي. كَمَا فَعَلْتُ كَذلِكَ جَازَانِيَ الله". عندما حاصرت جيوش الكلدانيين اورشليم، أمسكوا بصدقيا الملك وأخذوه الى نبوخذنصر ملك بابل الذي أمر بقتل أبنائه أمام عينيه وبقلع عينيه، قبل أن يأتوا به الى بابل مقيدا بسلسلتين من نحاس.

كانت الوثنية هي المسيطرة على حياة شعوب المنطقة. كان الناس يعبدون آلهة تشبههم. لذلك كانت الآلهة عنيفة، لكنها كانت أيضا مهووسة بالجنس. على صعيد العنف، كان الناس يقدمون أبناءهم ضحايا حيّة لتلك الآلهة كيما ترضى عنهم. أما على صعيد الجنس، فكانت معابدهم مراكز مجون وعربدة وانحراف يتم فيها ممارسة الجنس الجماعي إكراما لآلهة الخصب عشتروت. لذلك عندما أعطى موسى التوراة لشعبه حرّم عليهم عبادة الأوثان بما فيها تقديم الذبائح البشرية.

عندما خرج بنو إسرائيل من مصر، كانوا عبيدا أذلاء. لذلك منع الناموس بيع الناس حتى وإن افتقروا "وَإِذَا افْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَكَ وَبِيعَ لَكَ، فَلاَ تَسْتَعْبِدْهُ اسْتِعْبَادَ عَبْدٍ. كَأَجِيرٍ، كَنَزِيل يَكُونُ عِنْدَكَ. إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ يَخْدِمُ عِنْدَكَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ هُوَ وَبَنُوهُ مَعَهُ وَيَعُودُ إِلَى عَشِيرَتِهِ، وَإِلَى مُلْكِ آبَائِهِ يَرْجِعُ." (لاويين 25). علينا أن نعترف أن هذا القانون لم يأمر الله بتطبيقه على سائر الأمم إذ أن رسالة موسى كانت مخصصة لشعب إسرائيل، لكنها كانت الخطوة الأولى عل صعيد احترام إنسانية الانسان قبل أن يأتي المسيح ويعلن على لسان بولس رسالته للأمم في غلاطية 3: 28 "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ."

في العالم القديم، لم تكن نظرة الرجل للمرأة ولا نظرة المرأة لنفسها ما هي عليه اليوم. يقول أرسطو أن الرجل متفوق بالطبيعة على المرأة لذلك عليه أن يسيطر عليها وعليها ان تكون خاضعة له. يكتب ديموستينوس الخطيب والسياسي اليوناني القديم "نحتفظ بالغواني للمتعة، بالإماء لخدمتنا وبالزوجات لإعطائنا أبناء شرعيين يدافعون عنا... الرجل الذي يعلّم امرأة الكتابة يكون كمن يوفر السمّ للأفعى." ترك لنا الكاتب المسرحي أوريبيدوس إرثا كلاسيكيا. في إحدى مسرحياته، تقول واحدة من شخصياته النسائية " لم يجد أحد علاجا لسم المرأة الذي هو أسوأ من سم الافاعي. نحن لعنة للرجل". في بلاد بابل وأشور، كان للمرأة بعض الحقوق مثل الملكية الخاصة، لكنها لم تكن تعادل الرجل ولم يكن لها صوت في الشؤون العامة. أما على الصعيد الديني والعائلي تذكر الدراسات القديمة أنه كان يحق للعائلة في بلاد ما بين النهرين بيع ابنتها عبدة أو للعمل في الدعارة. مرّة أخرى، يطل علينا موسى في العهد القديم ليقدم لنا صورة مختلفة للمرأة عن كل ما حولها من الثقافات. نقرأ في سفر التكوين أن الرجل والمرأة خلقا من مادة واحدة. عندما رأى آدم حواء للمرة الأولى، هتف "هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ". لم تخلق المرأة للمتعة فقط، بل خلقها الله نظيرا لآدم ورفيقا له. هما مختلفان في تكوينهما الجسدي والبيولوجي والنفسي، لكن كل منهما يكمّل الآخر. على خلاف كنعان وبابل، لم يسمح العهد القديم ببيع المرأة للعمل في الدعارة. دان العهد القديم شر المرأة عندما استخدمت جسدها للغواية وللخطيئة (كما دان شر الرجل عندما سفك الدماء وغرق في العنف)، لكنه كتب عنها أجمل الكلمات: "امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِك" (مزمور 128)، "مَنْ يَجِدُ زَوْجَةً يَجِدُ خَيْرًا وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ" (أمثال 18)، وأخيرا من أروع ما قيل عن المرأة في العهد القديم نقرأه في أمثال 31 "اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ." ويسترسل كاتب هذا السفر في وصف رائع للمرأة.

من أهم إنجازات العهد القديم هو تصويب فكرة الالوهة عند الانسان. للمرة الأولى في تاريخ البشرية يطل الله علينا وقد نفض عنه خرافات الاولين. للمرة الأولى نقرأ عن إنسان يشبه الإله وليس العكس. فالله خلق الانسان على صورته ومثاله. خلقه ليحب ويفرح ويتمتع ويفكر ويبدع ويشعر بالجمال. من اللحظة الأولى لخلق حواء اندهش آدم، فرح، أحبها، قال بها شعرا "هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ". في العهد القديم فقط يصبح الله روحا يتخطى حدود الزمان والمكان ويتجرد من المادة. فالكل به ومنه وفيه وله كان. للمرة الأولى نرى إلها يهتم بالإنسان ويقيم معه علاقة مباشرة على خلاف بعل وأنليل وغيرهم الذين خلقوا الانسان لأغراض مختلفة. على سبيل المثال نقرأ في الميثولوجيا الميزوبوتامية أن الآلهة كانوا يقومون بعمل الحقول من حراثة وري وزرع وحصاد مما أرهقهم الى ان اقترح عليهم الاله أنكي خلق كائن أدنى يريحهم من عملهم الشاق وهكذا تم خلق الانسان ولهذه الغاية.

في النهاية نستطيع ان نكوّن صورة عما كانت عليه حال شعوب العالم القديم. فمن العنف والعبادات الغريبة بما فيها تضحية الانسان بأولاده والمجون المسيطر على تلك العبادات الى الظلم عامة بما فيه ظلم الرجل للمرأة وصولا لفكرة مشوّهة عن الالوهة. هنا يأتي دور العهد القديم لكي يحمل رسالة للإنسان تعيد وضع الأمور في نصابها الصحيح. لسوف نناقش هذه الرسالة في المقال القادم ان شاء الله.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا
- أصحاب الفخامة والجلالة والمعالي
- حكاية إيمان
- عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد
- عهد قديم وعهد جديد-14- أصنامهم فضة وذهب
- عهد قديم وعهد جديد-13- إيل تحت المجهر
- عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني
- أما يكفي أيها السيف دماء؟
- شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟
- هل مسموح أن يتعرض أبو سليم للإذلال؟
- شبهة وردود-1- يسوع سارق الحمير
- عهد قديم وعهد جديد-11- حمورابي وموسى
- عهد قديم وعهد جديد-10- جولة على معتقدات القارة الفتيّة
- عهد قديم وعهد جديد-9- قراءة في الهندوسية
- هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟
- مرحبا أيها الحب!
- عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية
- كافر أنا
- عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟