|
من هو الله؟.2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5218 - 2016 / 7 / 9 - 20:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما يميز فكرة الله عن غيرها من الأفكار الإنسانية عن الوجود المحسوس والوجود اللا محسوس أي اللا مدرك بواسطة نظامه الوعيوي، هو أشتراك البشر جميعا بأن شيئا ما أو قوة ما تفعل كل شيء بعيدا عن أنظار البشر بعيدا عن المراقبة والمحاسبة أو حتى بعيدا عن الحصول على أجابه مباشرة منها على ما يدور في الوجود، هل أتفق العقل البشري من حيث لا يعلم على هذه الصورة أما أنها حقيقية أشترك الجميع بلا أستثناء في التوصل لها بمختلف الطرق، أنا كمتدين أرى من حق هذه القوة أن لا تكشف عن هويتها تماما وأن لا تدع لذلك من سبيل وأن الله الذي يمثل تلك القوة حسب ما أعتقد إنما أراد ذلك للتخلص من فضولية البشر ومن تدخلهم الذي لا يمكن أن يصل لنتيجة مع قدرة الله المحيطة. أيضا ما يميز فكرة الرب مع أتفاق العقول على وجود القوة الغيبية البعيدة المختفية وراء ستار من اللا ممكن واللا متمكن منه أن يكون متاحا، أنه متاح للتصور والتواصل والإدراك الوجودي من خلال منطق العقل البسيط والمركب معا، العقول البسيطة التي تعيش مراحلها الأولى والتأسيسية وإلى أعظم العقول تشترك بهذا الإحساس وحتى الرافضة بقوة وجودها أو حتى تعقل وجودها إنما في الحقيقية هبي تدافع عن فكرة مزاحمة لفكرة موجودة، بمعنى أنها ترفض الصورة التقليدية الطبيعية في محاولة منها لإثبات فكرة بديلة فهي ترفض ثابت بدليل أنها تريد أن تأت بغيره ليتزاحما معا على اليقين البشري، هذه الميزة تعزز من وجود الميزة الأولى وتشكل وحدة عقلية تدور في فلكها كل الأسئلة التي تبحث عن إجابات ولن ولم تجدها إلا إذا تخلت عن فكرة أنها ستصل لجواب في يوم ما. السؤال هنا هل يعني أن الفكرة برمتها فكرة حقيقية طالما أنها تتداول في كل العقول وتتغلغل إلى كل الأفهام بمستوى واحد وما الحديث عن تعريف الماهية إلا كشف للعنوان دون أن نضيف شيئا مهما له وللسؤال، بالتأكيد أن العقل الإنساني لا يقبل مع كل الذي قلناه أن يقبل بالنتيجة التي وصل لها وهو يعلم أن المحال نوع من أنواع اليقين البديهي حين يكون النتيجة في كل البراهين التي يسوقها، ومع ذلك يعود ليبحث عن وجه أخر وعن زاوية رؤية من مكان أخر، هذا الفعل العاقل المتعقل نوع من أنواع حرية العقل عندما لا يؤمن بالمحال مرة أخرى على أنه يقين نهائي، طالما أن هناك شيء ما يعيش في زاوية مظلمة يصر معها العقل أن يصل ولو متعثرا ولكنه من حقه وواجبه أن يصل . قد يكون السؤال بعد هذا الكلام عن الله سؤال مشروع للإنسان الذي يعيش هاجس الاضطراب والأهتزاز المصاحب لظاهرة إنشغال الناس بالله وبما يتصل به من أشياء كالدين مثلا أو الإيمان المرافق للكثير من المفاهيم التي تتصل بشكل أو بأخر مع العنوان مثل الخير والشر والحق والباطل، بمعنى أن الصراع الذي يخوضه الإنسان اليوم في وجوده هو صراع مفاهيم وصراع نتائج كلها تتصل بجهة أو بأخرى بوجود الله أو بما ينتج عن الإحساس بوجود الله، بل أن بعض الصراعات تختفي من الحياة الأعتيادية عند الإنسان لو أختفى وجود الله كعنوان لها، منها الصراع الديني على أي الأديان هي التي تنتسب لله حقيقية وأحيانا حتى على صورة الله التي يرسمها الدين نفسه. لا أريد أن أدع أن مفهومنا لله وأختلاف المفهوم بين الناس كلا حسب ما تتوصل قناعاته وكيفية وصول الصورة لها والطرق التي تولدت فيها القناعات هي مصدر عذاب الإنسان في الوجود، وإن كنت أدين العقل الإنساني أولا عن هذه العذابات ولكن نكرا حقيقية مركزية أن أختلافنا عن الصورة والدلالة هي أصل ومصدر هذه العذابات، لأنها أكبر من إستيعاب عقل الإنسان المحدود بإمكانيتها على فك طلاسم الخوارق أولا كإشكالية مركبة، وثانيا لأننا تركنا الأهم ولجأنا بغرورنا وقلة حيلتنا أن نكون في دائرة الحرية الأكبر فتحولنا بجنون إلى دائرة ضيقة، لنحشر أنفسنا في صراع لا نهائي عبثي لفظي في الغالب وغير مجدي كنتيجة، الإفريقي عندما ترك سيده الأوربي في مقدمة المقالة لم يشأ أن يحشر نفسه في هذه الدائرة لأنه لا يريد أن يكون ضحية للقوة وهو يعلم أن سيده قد يحمل مسدسا أو قد يحمل نقود. الصراع في الله أو من أجل الله هو صراع بعيد عن المسمى وبعيد عن العقل لأنه في جوهرة صراع على صورة تنتمي لخيارات نحن من أنشأها وقد لا تكون بأي حال حقيقية، صراع أنا وأنا متضخمة أخرى ومنافسة، صراع إنساني بأمتياز بمعنى أن الإنسان هو من يشعل نيران الصراع ثم يذهب من هنا وهناك يطلب المدد والحطب ليكون موقد النار أعظم وأكبر، وبذلك يمكنه أن يسحق أكبر عدد من الأخر في ظل غياب تام لصوت العقل الذي عليه أن يفعل وظيفته الآن كرجل أطفاء ماهر، وما يمنعه من ذلك أيضا هو الإنسان المدفوع بالنشوة والأنتصار أو تحركه الحسرة والألم من الهزيمة، وكلاهما يضعان العقل في لجة نار الصراع ليحترق أيضا بنيران الأنا المريضة ويكون الضحية الثانية، وبالأخر عندما يتعب هذا الذي أشعل الحرائق وظن أنه هو الفائز فيها يتوجه بالسباب إلى الله، لأنه لم يساعده على إتمام المهمة كاملة وينهي وجود الأخر الضد كي ينفرد برسم الصورة التي يتبناها كما هي بدون منافس أو مزاحم، كما الأخر المهزوم يتوجه بنفس الخطاب لله لأنه لم تصله المساعدة المطلوبة كما يجب وكما ظن أنه موعود بها، أي سخرية وأي كوميديا سوداء يفعلها البشر بأنفسهم ويضحوا بتلك السعادة التي يمارسها الأفريقي وهو يرقص أمام ربه مكتفيا بشعور بالحرية دون منافسة. قد يكون سيرجاي الهندوسي أو ماكوكا الأفريقي أكثر قربا مني لحقيقة الله أو قد يكونوا الأبعد، ولكن في الحالتين أني الآن لست مجبرا أن أكون في محل الفرض عليهما أن الصورة التي أرسمها عن الله هي الأكثر وضوحا وقربا من الحقيقة، السبب ببساطة أني وإياهم على طريق واحد نمشي معا وكلا يتكلم بلغة يفهمها ربه وهذا المهم وهذا الأصل في الفكرة، حتى لو أمتلك أفضل الصور وأقرب الأحتمالات لليقين وأنا لا أستطيع حتى أن أتواصل مع الله، ولا يسمعني ولا يمكن أن ينظر لي على أني واحدا من المؤمنين به أكون قد قطعت تذكرة الذهاب للعدم ولم يعد لي أن أتكلم عن رب لا يعرفني في الوقت الذي يتواصل ماكوكا بيسر وسهوله مع ربه الخشبي لمجرد أن لون وجهه ببعض الألوان، وحتى سيرجاي عندما يضع البقرة التي يعرف تماما أنها لا تعقل ولا يمكنها أن تتدخل في حركة الوجود، ومع ذلك يقدس الخير فيها والعطاء هم في درجة أعلى من التعقل والمنطقية في فهم من هو الله.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هو الله؟.
-
وما زال في جيبه رصاصة
-
مفهوم الملك والملكية دستوريا ومفهومها في الإسلام
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح4
-
زعلت الوردة الجميلة .... فأضربت الفراشات عن العمل
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح3
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت ح2
-
صوت الله أكبر في فجر الكرادة
-
الأحد الدامي والإجرام العابر بلا حدود
-
نداء...نداء ... كيف تسمعني .... أجب
-
الإسلام التاريخي وحراك ما قبل أعلان الموت
-
الطفولة ومسئولية المجتمع في تنمية الثروة البشرية
-
نحن والقانون
-
القدس وإشكالية الهوية
-
محاربة الفساد السياسي يبدأ من تصحيح العلاقات الأجتماعية
-
وهم المشروع الإسلامي بين مطرقة فشل التجربة وسندان العجز عن ا
...
-
وهم المشروع الإسلامي بين مطرقة فشل التجربة وسندان العجز عن ا
...
-
المتدين وفلسفة الأخلاق والتفاضل
-
خالتي العجوز ونبوءة المطر
-
العراق وأزمة الهوية.
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|