|
الحوار المسيحي الإسلامي ولأفق المسدود
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1400 - 2005 / 12 / 15 - 04:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في وسط عالم مضطرب يضج بالأحداث والتطورات المتلاحقة تتصاعد فيه أعمال القتل والعنف وكل أشكال الإرهاب والصراعات الدينية العرقية والمذهبية ، تقام من حين لآخر (مؤتمرات وحوارات)، تجمع قيادات ومرجعيات دينية، مسيحية واسلامية ويهودية وأحياناً من ديانات أخرى، الى جانب شخصيات ومفكرين أكاديميين، للحوار فيما بينهم حول مستقبل العلاقة والتعايش بين أهل هذه الديانات.وقد ازداد الاهتمام بالحوار بين الأديان بعد صدور نظرية (صدام الحضارات ) لصموئيل هنتنغتون عام 1993، التي فتحدت جدلاً واسعاً بين مختلف الأوساط الثقافية وعلماء الاجتماع والسياسة حول طبيعة وأسباب الصراعات والحروب بين شعوب وأمم الأرض. سأخصص هذه الدراسة لإبداء بعض الملاحظات على الجانب (المسيحي الإسلامي) الشرق الأوسطي،وهو ما يهمنا من هذه الحوارات،حيث جزء من سكان هذا (الشرق) مسيحيون يعانون من سوء العلاقة والمعاملة على أيدي الأغلبية المسلمة الحاكمة والمتعالية والتي تنظر للمسيحيين على أنهم (رعايا لا مواطنين)،حتى وصل وضع المسيحيين في بعض دول الشرق (تركيا ايران باكستان السودان العراق فلسطين والى حد ما مصر) الى المستوى الكارثي،وقد بدأ ينحسر وجود(المسيحية) في بلاد الشام ومصر (الموطن الأصلي والقديم للمسيحية)، بعد أن تلاشت كلياً من دول الخليج والجزيرة العربية وبعض مناطق شرق أسيا، نتيجة الحصار الذي فرضه الإسلام عليها (المسيحية) منذ غزوه لمناطقها. بداية، نؤكد على أهمية وضرورة استمرار الحوار والتواصل الإيجابي بين كل المجموعات البشرية (دينية، سياسية، اجتماعية،ثقافية، إثنية...) من أجل التوصل لأفضل العلاقات فيما بينها و تكريس قيم العيش المشترك والتآخي بين كل الشعوب والأمم .لكن وحتى يستقيم ويتقدم أي حوار ويؤتي ثماراً، يفترض أن يكون حواراً متكافئاً بين أطرافه وتسوده الثقة المتبادلة والشفافية والصراحة في طرح القضايا والمسائل.لكن وبكل أسف اقول:هذا غير متوفر في معظم الحوارات الإسلامية المسيحية،كما هناك الكثير من المعوقات والعقبات تقف في طريق تطوير الحوار بين مسلمي الشرق ومسيحييه وتجعله حواراً ضعيفاً ومبتوراً من الأساس،إذ لا أهداف ولاأجندة واضحة ومحددة لهذا الحوار.والأهم من كل هذا وذاك، إن الحوارات (المسيحية الإسلامية) تجري وتقام في مناخات سلبية وغير مشجع على الإطلاق.إذ تغيب،بنسب متفاوتة،عن معظم المجتمعات (العربية والإسلامية)، الحريات السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية،بالمقابل تتنامى فيها الأفكار السلفية الظلامية وتنتشر روح الحقد والكراهية ضد كل ما هو غير مسلم وغير عربي،حيث بقيت تسيطر عقدة (الحروب الصليبية) على ذهنية وتفكير الكثير من المسلمين في الشرق. فقد اتهم أحد المتكلمين الرئيسيين (عبد المجيد الصغير)الأكاديمي في جامعة الرباط، في مؤتمر حوار الأديان في الدوحة(قطر) الذي عقد في شهر يونيو 2005: اتهم العالم المسيحي بقيادة الولايات المتحدة بشن( حملة تنصير واحتلال) على العالم الإسلامي.وأضاف: ((ان الجميع تقريباً بمن فيهم رؤساء الدول والمفكرون ورؤساء كبرى الكنائس مختلفة المذاهب منخرط في تكريس ايديولوجية علنية واحدة مفادها ضرورة دعم اسرائيل واحتلالها القدس واعادة اقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى باعتبار هذا الثالوث ميثاقاً عقدياً مسيحياً أصيلاً واستراتيجية ضرورية تمهيداً لنهاية التاريخ واستعجالاً لعودة المسيح)). جدير بالذكر أن بابا الأقباط ( شنودة) اتخذ قراراً بالحرمان الكنسي – وهو أخطر ما يقع على المسيحي من حيث علاقته بكنيسته - بحق كل قبطي يحج الى( القدس) وهي محج جميع مسيحيي العالم حيث فيها أقدس مقدسات المسيحية،تذرع بأن القدس محتلة من قبل اليهود الصهاينة.مع احترامنا الشديد لقداسة البابا شنودة، لكن قراره هذا لا ينسجم قطعاً مع القيم والأخلاق الدين المسيحي وروحه القائمة على التسامح والمحبة، و البعيدة كل البعد عن السياسة والتسييس.وأغلب الظن أن قرار (شنودة) هذا يعكس الشعور القبطي والمسيحي عامة بالضعف وهو جاء لإرضاء الشارع الإسلامي المتطرف وتجنب غضبه وشروره.كما وقد اعترض البابا (شنودة) على حضور وفقد قبطي مصري مؤتمر الأقليات بحجة أن الأقباط ليسوا أقلية بل أنهم من صلب النسيج الوطني المصري، وهو يتحفظ على المؤتمرات القبطية في الخارج. لكن مع هذا،عندما اشار(شنودة) الى بعض معانات الأقباط المصريين وضعف تمثيلهم في البرلمان والمؤسسات المصرية، شنت عليه العديد من الصحف المصرية هجوماً كاسحاً وشككت بوطنيته.في حين أن شيخ الأزهر(الشعراوي) كان قد صلى ثلاث ركعات لهزيمة العرب في حرب حزيران 67، إذ كان يخشى من أن تحكم (الشيوعية) مصر والبلاد العربية لو انتصر العرب على الإسرائيليين.وعندما عاد الرئيس المصري(أنور السادات) من زيارة القدس عام 1977خرج لاستقباله أكثر من أربعة مليون مصري وتم وصفه بـ(بطل السلام).وفي أحد الحوارات (الإسلامية المسيحية) لعام 2004 ،بدلاً من أن يطرح بطريرك السريان الأرثوذكس (زكا عواص الأول) ما يتعرض له السريان والمسيحيين عامة من تهميش سياسي وتعريب في سوريا ويطالب بحقوقهم الثقافية ومساواتهم بالعرب المسلمين،بدا موقفه وكأنه يستجدي الطرف الإسلامي، ليظهر ملكاً أكثر من الملك، فقد مجد التاريخ العربي الإسلامي وطالب برفع راية العروبة والإسلام عالياً وضرورة الإسراع في تحقيق الوحدة العربية، وتنكر على السريان انتمائهم للقومية الآشورية والهوية السريانية وألبسهم العباءة العربية، لينال شهادة بالوطنية والقومية العربية من الطرف العربي المسلم. ومن المهم جداً أن نشير في سياق هذه الدراسة الى (القمة الاسلامية) الاستثنائية الأخيرة التي عقدت في مكة ( 6-7/12-2005) وقد تجاهلت كلياً حالة الظلم والحرمان والاضطهاد الديني والسياسي الواقع على المسيحيين في الدول الإسلامية ولم يحمل بيانها الختامي أية إشارة الى ضرورة احترام حقوق وحرية الأقليات المسيحية في المجتمعات الإسلامية ومساواتها مع المسلمين.في حين تباك المؤتمرون على وضع المسلمين في كل من كشمير وقبرص.وقد دعا البيان الختامي للقمة الى بذل الجهود من أجل استعادة مدينة القدس والمحافظة على طابعها (الإسلامي) والتاريخي،وكأن القدس-وهي تضم أقدس مقدسات المسيحية، من كنيسة المهد وكنيسة القيامة-لا يوجد فيها مسيحيين وهي ليست (مهد المسيحية) وقبل أن يغزوها الإسلام.كما طالب البيان بعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية ، وكأن به يفتي أو لا يمنع تكفير أتباع الديانات الأخرى وبالتالي مشروعية (سفك دمائهم).فهذه (القمة الإسلامية) لم تبتعد كثيراً عن جوهر ما اتخذته (القمة الإسلامية) في باكستان 1981من توصية تقضي:((بإفراغ الشرق العربي الإسلامي من المسيحيين)).كما أن تمسك حكومات هذه الدول ببقاء(الإسلام) دين الدولة أو دين رئيسها والشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع،ترك آثار سلبية على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في مجتمعاتها وافقد المسيحيون دورهم التاريخي المتميز.حتى (لبنان) التي كانت تتميز بنظامها السياسي والاجتماعي الديمقراطي الحر،بدأ الحصار على هذا النظام وهي مهددة اليوم بالتحول الى دولة اسلامية شيعية على النمط الإيراني.على ضوء هذه الوقائع والمعطيات يبدو أن هناك مسعى اسلامي رسمي وشعبي، غير معلن،جاد لتهميش المسيحيين وإخراجهم من المعادلة السياسية والثقافية والاجتماعية للمنطقة- وهم السكان الأصليين لهذا الشرق- بحجة التشكيك بولائهم لأوطانهم وانحيازهم للغرب المسيحي. ألا تعكس هذه المواقف والسياسات الرسمية لحكومات الدول الإسلامية، سياسة عنصرية تجاه (المسيحيين) واتجاه كل من هو غير مسلم..؟. وهنا نتساءل:هل في ظل مثل هذه الأجواء والمناخات يمكن أن يقام حوار اسلامي مسيحي جاد ومثمر..؟ قطعاً لا.فهذه المناخات الغير طبيعية والغير صحية تجعل من الحوارات (الإسلامية المسيحية )من غير أفق أو أمل ومن غير جدوى.وهي ستبقى في اطار المجاملات،تحوم حول العموميات والقضايا اللاهوتية والمشكلات الأخلاقية، كالموقف من الإباحية والعلمانية والحلال والحرام،و الحديث عن التاريخ المشترك، دون الدخول في عمق المشكلات الحياتية والقضايا الجوهرية الراهنة التي تشغل وتقلق المسيحيون في دول العربية والإسلامية والبحث في الأسباب الحقيقة لهجرتهم من هذه الدول،في مقدمة هذه التحديات يأتي: - القهر الديني والاجتماعي،ظاهرة (التمييز الديني)،تفضيل المسلم على غير المسلم، التي تسود المجتمعات الإسلامية. - (الخوف على المصير) في ظل دولة (الخلافة الإسلامية) التي ينشدها وتسعى اليها غالبية التيارات الإسلامية، خاصة إذا كان القائمين على هذه (الدولة الإسلامية) من الإسلاميين المتشددين والمتطرفين في تطبيق الشريعة الإسلامية على كل ما هو غير مسلم، و قد تعيد بالمسيحيين الى (نظام الذمية). - القهر القومي والسياسي ظاهرة( التمييز القومي والسياسي)، بالنسبة للمسيحيين من غير العرب،وهم يشكلون النسبة العظمى من مسيحيي المنطقة، كالأقباط والآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن، والسعي لتذويب وطمس هويتهم القومية وخصوصيتهم الثقافية في بوتقة القومية العربية والإسلامية.ويمكن وصف الوضع السياسي الراهن للمسيحيين من غير العرب بـ(النظام الذمية السياسية). إذاً، لا مستقبل لأي حوار (مسيحي اسلامي )ما لم يضع في أولى مهامه وعلى أجندته معالجة كل هذه التحديات وغيرها من المخاطر المحدقة بالمسيحيين في الشرق،والتي لا تعيق اندماجهم في مجتمعاتهم فحسب وإنما تهدد استمرار بقائهم في أوطانهم الأم، فبقاء هذه التحديات يعيق انتشار الديمقراطية والحريات و تمنع قيام دولة القانون والحق والعدالة والمساواة في حقوق المواطنة في دول الشرق العربي الإسلامي.
سليمان يوسف ...كاتب سوري..مهتم بحقوق الأقليات. عضو مكتب سياسي في المنظمة الآشورية الديمقراطية
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخطأ والخطر في اعلان دمشق
-
معركة الدستور في سوريا .. رؤية آشورية
-
سوريا على المحك
-
سوريا باتجاه المجهول
-
ميليس والخيارات الصعبة أمام دمشق
-
المسيحيون بين التعريب والتهميش السياسي
-
غزوة مانهاتن والحرب على الإرهاب
-
ماذا بقي لحرية الراي في سوريا
-
وقفة مع حديث الأسد لمجلة دير شبيغل الألمانية
-
نعم ياقداسة البطريرك..زكا
-
لا...يا قداسة البطريرك زكا عواص
-
الحركة الآشورية السورية بين السلطة والمعارضة
-
المستقبل السياسي لمسيحيي سوريا
-
لبنان الرسالة يهتز من جديد
-
البعث السوري مدد ولايته حتى اشعار آخر
-
فوبيا التغيير في سوريا
-
تسونامي كردية في القامشلي وغزو عربي لأسواق المدينة
-
من يروج لفكر محظور في سوريا
-
مخاطر استمرار اختطاف الشيخ الخزنوي في سوريا
-
بشار الأسد والفرصة التاريخية
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|