|
فرسان الحرية وتقرير اللجنة الرباعية
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 5216 - 2016 / 7 / 7 - 18:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فرسان الحرية وتقرير اللجنة الرباعية
جواد بولس
قد يمسي تقرير اللجنة الرباعية الأخير، الصادر في مطلع تموز/ يوليو الجاري، وثيقة أخرى تضاف إلى مئات الوثائق التي أعدتها لجان دولية سعى أعضاؤها ومنتدِبوهم إلى وضع تصوّرات لحلول تشكّل مخارج مقبولة على أطراف النزاع العربي الإسرائيلي منذ بدايات القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
فمن الواضح أن معدّي هذا التقرير عملوا ككاميرات تقليدية نقلت، بآلية بالية، ما صادف عدساتها من وقائع وحولت ذلك إلى كلمات، مجرد كلمات، وهو لذلك لا "يصلح أن يكون تقريرًا يؤدي للسلام"، على حد تعبير سيادة الرئيس أبو مازن حين تطرق باقتضاب لانعكاسات تلك الوثيقة.
"المجتمع الدولي" ممثلًا بمجلس الأمن ممثلًا بالرباعية الدولية ممثلة بأمريكا وروسيا وأوروبا وهيئة الأمم المتحدة، قرر بعد دهر من الإعراض المستفز وتناسي ما يجري على أرض فلسطين أن يبادر لوضع تقرير من شأنه أن يرصد العوائق الشاخصة في طريق تحقيق سلام دائم، ويوصي بشروطه من أجل التحرك صوب حل سيكون مبنيًا على إقامة دولتين: إسرائيل القائمة وفلسطين العائمة، ومن دون أن ينتبه كثيرون فلقد نجحت قواميس الديبلوماسية الخبيثة بتكريس مصطلح حل الدولتين وتعمّد إطلاقه عاريًا من لباسه الأصلي، وبعد إسقاط ما كان يقال فيه كلازمة وكفاتحة بديهية: فالدولتان، كما كانتا دومًا، إسرائيل كما عرّفتها القرارات الدولية المتعاقبة منذ العام 1948( والبعض يريدها وفقًا لحدود تقسيم عام 1947)، وفلسطين في حدود ال 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وإذا لم نكتف بالاشارة إلى هذا التحديث المتخابث، سنصطدم مع محتويات وثيقة خطيرة معدة، من ناحية بنيوية، بطريقة من شأنها أن تنسف عمليًا ما كان متعارفًا عليه ومعترفًا به عالميًا من تشخيصات ومرتكزات لعناصر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتُحل محلها رؤىً جديدة تشي بما يخطط ويرسم لمنطقتنا وتنذر بما سيسعى إليه هذا العالم أو تلك الشرعية الدولية المبهمة في محاولاتهم لحلحلة قضية فلسطين أو"تحليتها" أو تحليلها، قبل حلّها.
وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني رفعت سبابتها وحذرت الفلسطينيين جازمة: "هذه هي المرة الأولى منذ عشر سنوات التي نحدد فيها العقبات أمام السلام والشروط الواجب توفيرها لتحقيق سلام دائم وعلى زعماء الجانبين إظهار التزامهم وتنفيذ توصيات التقرير بحذافيرها، فاليأس سيقود لعنف إضافي". جاءت أقوالها وهي تعرف أن التقرير يساوي الظالم بالضحية ، ويطالب الضعيف بثمن حريته المفقودة، ويعادل بين إسرائيل المحتلة، بفلسطين المحتلة وكأني بهم يتعمدون إغلاق "الفتحة"، ويستبدلونها بكسرات الخبز وبالمنن وأموال الحسنات.
فالرباعية "اكتشفت" في تقريرها أن تحريض الفلسطينيين و"إرهابهم" وعدم إدانة قادتهم لذاك الإرهاب، يشكل عثرة كأداء في وجه السلام المنتظر تمامًا ، وبالتساوي مع نتائج الاستيطان الإسرائيلي وقضمه لأراضي فلسطين المحتلة وزحفه المستمر حتى السيطرة الكاملة على 70٪ من الأراضي المصنفة بمنطقة (ج) والتي تشكل مساحتها الإجمالية 60٪ من أراضي الضفة الغربية.
والرباعية، بعضوية روسيا (أخصها لافتًا نظر عشاق "بوتين" وتعويلهم على عضلاته في إنقاذ العرب الطيبين من أنياب وحوش الغاب وسطوة أمريكا الكاسرة) تطالب "الجانبين بالعمل لمنع العنف وحماية أرواح المواطنين بما في ذلك عبر إستمرار التنسيق الأمني وتعزيز أجهزة الأمن الفلسطيني". ويرى أعضاؤها ان المسارات التي يتواجد عليها الإسرائيليون والفلسطينيون في الوقت الراهن تبعد احتمال تحقيق حل الدولتين، ولذلك يحملون مسؤولية هذا الضياع للطرفين بالتساوي.
بعض المحللين اعتبروا قرار الرباعية في شباط المنصرم العمل على وضع هذا التقرير كخطوة مناكفة للمبادرة الفرنسية وآخرون، وهم برأيي، المحقون، اعتبروا القرار خطوة تكاملية مع المبادرة الفرنسية، فالتقرير خلا من دعوة الأطراف للعودة للمفاوضات وقد تكون "الحكمة" بنظر خيّاطي العالم الجديد وأرباب الدبلوماسية الحديثة، في تحميل الطرفين مسؤوليات متساوية عن تعثر التقدم في عملية سلام حقيقي، قد ترمي إلى تفعيل الضغوطات عليهما ودفعهما، عمليًا، نحو المبادرة الفرنسية، وقد نجد التعويض عن غياب ذكر جميع المرجعيات القانونية، كمايطالب فيها دائمًا الفلسطينيون، بتلك الهمسة التي أقحمت ثناءٓ الرباعية على مبادرة السلام العربية بطريقة ضمنت صمت الأنظمة العربية من جهة، ومن جهة أخرى كتلويح في وجه إسرائيل الممانعة لما قد تكون عليه البدائل في المستقبل.
المهم أن الفلسطينين عبّروا عن استيائهم من تقرير الرباعية وعلى الرغم مما نشر عن قرار القيادة الفلسطينية ومقاطعتها للجنة الرباعية كجسم موحد، إلا أن مسؤولين في اللجنة المركزية لفتح وغيرهم أكدوا أن الفلسطينيين سيستمرون في التواصل مع الدول الممثلة في الرباعية؛ وبعض المصرحين وضع أصابعه على الجروح: فأمريكا وصفت بصاحبة اليد العليا وأوروبا غير موحدة، وتبقى روسيا صديقة لفلسطين، إلا أنها تضطر أحيانا للشرود ساعية وراء مصالحها الدولية والإقليمية، ومن أجلها تتساوق وتناور حتى لو على حساب فلسطين- كما جرى في حالة هذا التقرير السيئ وغير المنصف.
لقد خلص التقرير إلى عدد من التوصيات أبرزها، برأيي، تلك التي أكدت على" الحاجة لبناء اطار أمني اقليمي" ومن أجله دعت دول الرباعية الطرفين إلى إقامة حوار على أساسه.
وبعودة إلى الواقع، فالمركب الفلسطيني يبحر في أقسى ظروف الطبيعة. السفينة الكبيرة تتخلع وزوارق النجاة تشتت ، والأمواج هادرة والبحر مسعور، لا يكف عن اللهاث والازباد ولا يشبع. قروش البحر وحيتانه تتربص بالسفينة لتنقض وتمزق ما تبقى من جسدها المنهك التائه، والبعض يريدها أختًا لسفينة نوح وملكة في الأساطير.
في التقرير إشارات كثيرة، وبرأيي المهم والبائس فيه أنه كشف إصرار "العالم" على اعتبار الإرهاب فلسطينيًا ، واعتباره عقبة وعثرة في وجه السلام وصنوه في الشر والخطيئة، الاستيطان.
ما يقلقني أن ما يسميه العالم إرهابًا فلسطينيًا ينفذه أبناء وبنات فلسطين، ومنهم من يقتل على الأرصفة أو على الحواجز أو يتطاير شظايا لحم تغذي العدم، ومنهم من يؤسر ويزج به وراء قضبان العتم. فلسطين تحتسب هؤلاء شهداء وفرسان حرية ، وإسرائيل تسميهم إرهابيين. وقد لاحقتهم في الماضي وأصرت أن تحجب عنهم ما استحقوه من فلسطينهم، لكنها لم تنجح بسلب مكانتهم فحاولت أن تضرب أرزاقهم وحقوقهم المالية، حين أجبرت الدول المانحة أن يشترطوا على السلطة عدم استعمال أموالهم في دعم الأسرى وعائلاتهم.
مؤخرًا بدأنا نسمع مجددًاعن مبادرة لحكومة إسرائيل تستهدف شريحة الأسرى والمحررين، ولا أستبعد، شروع إسرائيل بحملة تتذرع فيها بما جاء في تقرير الرباعية، فإذا كان الإرهاب الفلسطيني عقبة فـ "الإرهابيون" عثرات ومن هناك ستكون رحلة فرسان فلسطين صعبة.
لن ينفع الرهان على الغيب.. لقد وصف نتنياهو كلام الرباعية عن الاستيطان بالخرافة، فهل ستبقى الحرية في فلسطين ومن يسعى في مناكبها أكبر من خرافة.
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا: فلسطين يوك اسرائيل يس
-
هرتسليا بين المقاطعة والمقارعة
-
صنّاع المناخات أصحاب القرارات
-
القدس في حزيران ومر الكلام
-
نضال فيسبوكي مجرّم
-
دروس في الفاشية
-
قصة كلب اسمه عنتر
-
عماد الفيزيائي
-
لنا في كفركنا لواء
-
أم الفحم تصرخ: أنا الشعب فأين المعجزة
-
عرب: وحدة وقاصمها المشترك
-
حزب جديد وصحيفة المتلمس
-
خطبة القضاء وانتظار القدر
-
مجلس انقاذ لعرب 48
-
إرهاب في بروكسل
-
اتركوا مانديلا من فضلكم
-
شكرًا مرسيل على هذا الوفاء
-
من يعيد لحياتنا الهيبة؟
-
وهل الدين إلا الرأي الحسن؟
-
قطعن الخليليات مرج بن عامر
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|