|
الإسلام السياسي والديموقراطية: الرقص مع الشيطان
روبرت درايفوس
الحوار المتمدن-العدد: 1399 - 2005 / 12 / 14 - 11:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إدارة بوش ترقص رقصة شيطانية مع الثيوقراطيين الشيعة في العراق والمتعصبين الإخوان المسلمين في سوريا ومصر وفي أماكن أخرى. توم ديسباتش؛ 29 نوفمبر 2005. ثلاث سنوات تقريبا من الحرب في العراق، وإدارة بوش تخبرنا أن الحرب لم تكن بسبب أسلحة الدمار الشامل ولا صلات العراق بالقاعدة، ولكنها كانت بسبب مهمة الولايات المتحدة المقدسة لنشر الديموقراطية في المناطق الظلامية بالشرق الأوسط. ومع ذلك، فعراق ما بعد الحرب هو اي شيء ما عدا كونه ديموقراطية. في الواقع، لو دبر العراق أموره لتفادي مخاطر الحرب الأهلية الوشيكة، فمن المرجح أن ينتهي به الحال الى حكومة شرسة في عدم ديموقراطيتها – ديكتاتورية ثيوقراطية شيعية تحكم بواسطة الإرهاب والتعذيب والسطوة المسلحة.
ما صنعه الرئيس بوش في العراق هو بالضبط حلقة أخيرة من سلسلة طويلة لمحاولات الولايات المتحدة الانخراط مع اليمين الإسلامي في قضية مشتركة. ولكن مثل صبي الحاوي، شخصية ميكي ماوس، الذي انفجر سحره في وجهه بسبب سذاجته وعدم خبرته في استخدام قوة السحر ، المحاولات الأمريكية في اللعب مع قوى الإسلام السياسي قد برهنت على أنها ألعاب خطيرة وقابلة للانفجار وغالبا ما تخرج عن نطاق السيطرة.
المشلكة أبعد اثرا من الشيعة في العراق. في الأجزاء السنية من ذلك البلد، قوة التيار الإسلامي تنمو، أيضا – وبذلك أنا لا أعني القوى المشتركة مع القاعدة ولكني أعني قوى اليمين من الإخوان المسلمين، الممثلة هناك في الحزب الإسلامي العراقي، وفي مظاهر اليمين الديني على الطراز السلفي والوهابي. في مصر وسوريا وفي أماكن أخرى اليمين الديني المتشدد هو أيضا يزداد قوة. في نفس الأثناء؛ أحيانا بشكل مقصود، وأحيانا بسبب الجهل والعجز الصرف، تشجع إدارة بوش انتشار الإسلام السياسي. إذا ما "مضينا على هذا المنوال"، لن تسقط العراق فقط ولكن بقية الشرق الأوسط سوف تسقط بين أيدي اليمين الإسلامي.
هل يعني هذا أن المتطرفين من على شاكلة القاعدة سوف يستولون على السلطة؟ لا. سواء في شكل الثيوقراطيين الشيعة في العراق أم الإخوان المسلمين في سوريا ومصر، لا يمكن مقارنة اليمين الإسلامي بالقاعدة. إلا أنه، بالضبط كما أن اليمين المسيحي في الولايات المتحدة لديه طائراته القاذفة الرحيمة، وبالضبط كما اليمين اليهودي في اسرائيل رعى اغتيال اسحق رابين وغلاة المستوطنين الذين قتلوا العشرات في أماكن المسلمين المقدسة، يوفر اليمين الإسلامي الدعم الفكري والتبرير اللاهوتي لردود افعال أكثر تطرفا (و إرهابية، نعم). حتى الإخوان المسلمين، وهي منظمة ذات تاريخ طويل من أعمال العنف، والتي كانت ترعى سابقا في الخفاء "جهازا سريا" وميليشيا مسلحة شبه عسكرية، لم تنبذ ماضيها بشكل مقنع، ولا اظهرت ما تراه من ديموقراطية سوى كونها أداة لا أكثر تستطيع استخدامها للاستيلاء على السلطة.
الحكم الشيعي "بالفاشية الإسلامية" في العراق
الحالة لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا من حالة العراق. في 2002، وبينما نائب الرئيس ديك تشيني يدفع البيت الأبيض والبنتاجون بشكل لا يقاوم نحو الحرب، كان من الواضح بشكل متزايد للخبراء الذين يتولون الشئون العراقية أن عراق ما بعد صدام سوف يحكم بواسطة الاغلبية الشيعية المستقرة. ولم يكن أقل وضوحا أن الفوى المهيمنة داخل الأغلبية الشيعية سوف تكون هي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وقوة أخرى موازية تشتمل حزب الدعوة، وهو حزب إرهابي شيعي يعمل تحت الأرض منذ 45 عاما. منذ منتصف التسعينات، وخصوصا بعد 2001، أمدت الولايات المتحدة هذه المنظمات بمساعدات علنية وسرية كجزء من محاولات تغيير النظام بالقوة في العراق. المجلس الأعلي وحزب الدعوة، مثلهم مثل احمد جلبي وحزبه المؤتمر الوطني العراقي، الذين عملوا معا يدا بيد بشكل وثيق، والذين كان لديهم كلهم مكاتب في طهران، ولكن المجلس الأعلى وحزب الدعوة كانت لهم أيضا قواعد في إيران. في الواقع، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية كان قد أسسه آية الله الخوميني عام 1982 وقواته شبه العسكرية، كتائب بدر، تلقت تدريبا وتسليحا من الحرس الثوري الإيراني. بالتأكيد، كان كلا من المجلس الأعلى وحزب الدعوة، قوى لها وزنا ملموسا.
ديفيد فيليبس، المستشار السابق لهيئة تخطيط الحرب التابع لوزارة الخارجية، ومؤلف خسارة العراق: من داخل فوضى إعادة الإعمار ما بعد الحرب، كان قد أكد لي أن، في مرحلة التحضير للحرب، كثير من زملائه كانوا على علم بشكل جيد أن الإسلاميين من طراز المجلس الاعلى، وليس جلبي، هم الذين سوف يرثون عراق ما بعد صدام. آخرين من داخل المطبخ، أيضا، كانوا قد أخبروني عن متخصصين في السياسة الخارجية وخبراء في الشأن العراقي يعملون في محيط أجهزة الاستخبارات الأمريكية حذروا (بلا جدوى) من أن المجلس الأعلى قد يكون هو القوة الرئيسية في العراق بعد أي غزو. المسألة هي أن بوش وتشيني وفريقهما، سواء كانا يشغلا أنفسهما بذلك أم لا، كانوا على علم ومقدما بوقت كاف، أنهم باسقاطهم لصدام سوف تتواجد احتمالية قوية بأنهم يثبتون مكانه ثيوقراطية إسلامية.
اليوم، الحقيقة الغير سارة هي أن القوات الأمريكية البالغ قوامها 150 الف جندي، والتي يقتل منها بمعدل 100 جندي في الشهر، هي الحرس الإمبراطوري لليمين الثيوقراطي المتطرف. إنه نظام يرعى فرق الموت التي يقودها الشيعة لتنفيذ الاغتيالات من البصرة (حيث قتل المراسل الصحفي الهاوي ستيفن فنسنت، بواسطة وحدة من هذه القوات، والذي كتب أن "مئات" من البعثيين السابقين، والقادة العلمانيين، والسنة كانوا يقتلون أيضا كل شهر) حتى بغداد. أعداد جثث السنة التي تخرج بشكل منتظم تكشف أنها حالات إعدام رميا بالرصاص بأسلوب هذه القوات.
آخر الاخبار المكتشفة تقول أن قوات بدر التابعة للمجلس الأعلى، التي تبلغ الآن 20 الف من رجال الميليشيا، تدير سجنا سريا للتعذيب في بغداد حيث تحتجز هناك مئات من المعتقلين السنة. هناك، تقشر جلود المساجين، ويتعرضون للصدمات الكهربائية على أعضائهم التناسلية، أو تثقب عظامهم بالمثقاب الكهربائي. المجلس الأعلى وحزب الدعوة هم الشركاء الأكبر في الحكومة العراقية التي فرضت دستورا من جانب واحد على البلاد، حيث يزيد هذا الدستور من سلطة المحافظات التي يشكل فيها الشيعة الأغلبية ويشرعون رؤيتهم المذهبية في النظام السياسي. منذ اسبوعان، أثناء زيارته لواشنطن العاصمة، سألت عادل عبد المهدي، وهو مسئول كبير في المجلس الأعلى ونائب للرئيس العراقي، حول اتهامات برعاية فرق الموت والوحشية. “كل من هو إرهابي يأتي من الجانب الآخر"، قال متأففا. “ما تشير انت إليه هو مجرد رد فعل على الأعمال الإرهابية التي يقوم بها هؤلاء".
ربما النكتة المطلقة في حرب بوش على الإرهاب هي ذلك: بينما يؤكد الرئيس أن الحرب في العراق هي الجبهة المحورية للنضال ضد ما يصفه "بالفاشية الإسلامية"، يتربع فعلا "فاشيون إسلاميون" حقيقيون على السلطة هناك في بغداد – وهم، لعارنا، حلفاء أمريكا.
طبعا، وسط المعارضة العراقية، أيضا، اليمين الإسلامي آخذ في النمو. قوات القاعدة برئاسة أبو مصعب الزرقاوي في العراق قد اكتسبت بعض التأييد المحدود من العراقيين، يستخدم الزرقاوي الحرب في العراق لحشد تأييد الجهاديين عبر المنطقة. وبشكل أكثر اتساعا، يدفع الاحتلال الأمريكي بأعداد أكبر من العرب السنة نحو تأييد هؤلاء الإسلاميين. في العراق، يمثل الإخوان المسلمون هناك الحزب الإسلامي العراقي. ورغم أن هذا الحزب يستمد معظم قوته من السنة الراديكاليين الذين يكرهون الاحتلال، فقد أظهر الحزب الإسلامي نفسه بوصفه الجزء من المعارضة السنية الأكثر استعدادا للتعاون مع الثيوقراطيين الشيعة المتحالفين مع الولايات المتحدة. وقد شارك، من وقت لآخر، في حكومات مؤقتة متنوعة أنشأتها الولايات المتحدة في عراق ما بعد الحرب؛ وفي اكتوبر، وقع الحزب الإسلامي على الدستور العراقي المصطنع، ليضع نفسه بعيدا عن الأغلبية العريضة من سنة العراق. (بسبب ذلك، هاجمت المقاومة مراكز قيادته في بغداد، وكثير من مكاتبه في أنحاء البلاد تعرضت لأعمال نسف وتدمير). وما ظل باقيا، هو أن نمو قوة الحزب الإسلامي والمظاهر الأخرى لليمين الإسلامي بين سنة العراق قد شجع بعض الثيوقراطيين الشيعة على وضع تصورات عن شراكة شيعية سنية في البلاد. ومهما كان وزن احتمال الشراكة هذه، مع التسليم بالمشاعر الملتهبة التي احتقنت، نمو اليمين المتشدد بين السنة لا يمكن أن يحمل شيئا طيبا للعراق في أغلب الأحوال، ولا للمنطقة ولا لمصالح الولايات المتحدة نفسها.
سوريا: الإخوان المسلمون في الانتظار
الآن، فلنتدبر القضية الأعرض لسعي بوش المفترض لتطوير الديموقراطية في المنطقة. هذه المحاولة، كما يجب أن نلاحظ، تتم بالتنسيق مع الإشراف الجاهل للا أحد سوى اليزابث تشيني، أبنة نائب الرئيس. فهي حاليا نائب مساعد وزير الخارجية الرئيسي لشئون الشرق الأدنى وتتحمل مسئولية بناء الديموقراطية في "الشرق الأوسط الكبير".
لا يمنعها فشل التجربة الأمريكية في تأسيس الديموقراطية في العراق، وتاليا للقطعة الساقطة – إنها هي، التالية في الصف لاستلام فوائد الديموقراطية التي يفرضها الأمريكيون – إنها هي سوريا. تلك الدولة الصغيرة الفقيرة في الموارد البترولية والضعيفة عسكريا، التي تعاني في هذه اللحظة من الضغوط الأمريكية. أجبر جيشها وأجهزتها الأمنية على الخروج من لبنان، معرضين ذلك البلد لخطر اشتعال الحرب الأهلية مرة أخرى. لقد استهدفت سوريا بقانون محاسبة سوريا (الذي يذكرنا بقانون تحرير العراق في 1998) وتتعرض الى عقوبات اقتصادية أمريكية نتيجة لذلك. سوريا متهمة بواسطة جون بولتون ومحافظين جدد آخرين بتنفيذ برنامج أسلحة دمار شامل أكبر على نحو محتمل من الأسلحة الكيماوية المحدودة التي يحتمل أنها تمتلكها فعلا. وتتهم سوريا، بواسطة العديد من المسئولين الأمريكيين، بمن فيهم سفيرنا الى العراق، زالماي خليل زادة، برعاية محاربي المقاومة العراقية – رغم أنه لا توجد تقريبا اي دلائل على أنها تفعل ذلك. ليز تشيني ومسئولون أمريكيون كبار يتقابلون توا مع زعماء سوريين في المنفى على شاكلة احمد جلبي لوضع خطط تآمرية "لتغيير النظام".
كما في العراق، حيث دلف الأصوليون الإسلاميون الشيعة الى الداخل ليملأوا الفراغ، هكذا الأمر في سوريا حيث أن القوة المرجحة التي تنتظر كامنة في ركن من الأركان حتى تحل محل حكومة الرئيس بشار الأسد ليست هي بعض جماعات الديموقراطيين السوريين العلمانية والقومية ولكنهم الإخوان المسلمين في سوريا.
جماعة الإخوان المسلمين، تأسست في مصر عام 1928، هي جمعية سرية تعمل تحت الأرض ذات تاريخ طويل من الإرهاب واستخدام سلاح الاغتيالات. بمساعدة مالية وتنظيمية من المؤسسة الوهابية في المملكة السعودية، انتشر الإخوان المسلمون في كل ركن من أركان العالم الإسلامي. رغم أنها تتحاشى الآن رسميا العنف، ففي السنوات الأخيرة أسعفت الجماعة بل وحتى أفرخت طبعات جديدة من نفسها أكثر راديكالية بمراحل. واحد من منظريها الرئيسيين، سيد قطب، قد وضع الفتاوى الدينية التي يستند عليها تنظيم القاعدة التابع لابن لادن. حتى اليوم، الاخوان المسلمون والقاعدة هم رفقة طريق على الأقل. وإنه لأمر صعب للغاية كيف تستطيع أن تضع بوضوح خط يفصل بين الاخوان المسلمين والقوى الاخرى "المحافظة" في الإسلام السياسي وبين هؤلاء المنخرطين مع الإسلاميين اليمينيين المتشددين الذين يمارسون العنف. والاكيد، عديد من الدبلوماسيين الأمريكيين الخبراء وضباط الاستخبارات الأمريكية لا يتفقون بين بعضهم البعض أين يتوقف هؤلاء وأين يبدأ الأخيرون.
ولآن سوريا مجتمعا مغلقا – بأغلبية سكانها السنة (رغم أن المجتمع السوري مثل العراقي مركب جدا بخليط غني من الأقليات) – نستطيع ان نتصور كيف يمكن أن تكون قوة الاخوان المسلمين هناك. ولكن الاخوان المسلمين بقيادة في المنفى تعيش في لندن ومدن اوروبية غربية اخرى، وشبكة مؤيدين بين البرجوازية الصغيرة من العرب السنة، مع معاقل في سلسلة من المدن بداية من دمشق وحمص وحماة وحلب، فمن المعترف به بشكل واسع أنهم لاعبون اساسيون في مستقبل الحياة السياسية السورية. مؤخرا، انضم الاخوان المسلمين الى عدد من المثقفين العلمانيين وآخرين في نوع من الجلبة، ائتلاف مناهض لبيت الأسد، ولكن بقية الائتلاف ليس لديها الا قوى قليلة على الأرض. فقط الاخوان المسلمين لديهم "قواتهم". في ذلك، هذا الائتلاف يذكرنا بأحد الائتلافات التي تشكلت في 1978 للاطاحة بشاه ايران، بعد سقوط الشاه، اقتطفت عصابة آية الله الخوميني من كانوا حلفاءا لها لوقت واحدا بعد الآخر – الشيوعيين، الجبهة الوطنية (بقايا القوى الوطنية التي اشتركت مع نضال رئيس الوزراء الإيراني مصدق في الخمسينات)، المثقفين، وفي النهاية الإسلاميين المعتدلين مثل الرئيس ابو الحسن بني صدر – لتأسيس حكم رجال الدين السلطوي الذي هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لا يمكن أن يكون الأمر أن إدارة بوش لا تدرك قوة الاخوان المسلمين في سوريا. بالأحرى، رجال إدارة بوش لا يهتمون بالأمر. فعداوتهم لحكومة الأسد على تلك الدرجة من القسوة حتى أنهم، مثلما فعلوا في العراق، يرحبون بشكل ملموس على قبول مخاطر نظام إسلامي. كيف يمكن تفسير أن المستر حرب على الإرهاب يتغاضى بلا اكتراث بنظام اسلامي متطرف في بغداد ويغازل مثيله في دمشق؟
التاريخ يشرح أنه كانت هناك سابقة. في السبعينات وأوائل الثمانينات، حليفان للولايات المتحدة – اسرائيل والأردن – دعما بشكل نشط الاخوان المسلمين في سوريا أثناء حرب أهلية دموية ضد حكومة الرئيس حافظ الأسد، أبو بشار. الإرهابيون تحت الرعاية الإسرائيلية الأردنية قتلوا مئات السوريين، نسفوا سيارات ملغومة، واغتالوا دبلوماسيين وخبراء عسكريين سوفيت في المدن السورية. كل ذلك كان معلوما لدى الولايات المتحدة في حينه – وكانوا يرونه طيبا. اتت الحرب الأهلية في سوريا الى نهاية وحشية عندما قاد رفعت الأسد، شقيق الرئيس، وحدات خاصة من النخبة العسكرية في هجوم على حماة، حيث استولى الإخوان المسلمون هناك على السلطة وجرجروا مئات من المسئولين الحكوميين السوريين من مكاتبهم وقتلوهم. قام رفعت الأسد بعمليات قمع جماعية مات فيها الآلاف. إلا أن قوات الإخوان قد تعافت، واليوم تبدو إدارة بوش راضية عن عصر حكومة الأسد الهشة حتى تنهار، حتى ولو كان ذلك يعني أن الاخوان المسلمين سوف يتولون السلطة.
هل هي دومينو الشرق الأوسط؟
غالبا ما يقترح المتحمسون لنظرية دومينو الحرب الأهلية أن الشيوعية، عندما سمح لها بإسقاط دولة واحدة، فإنها كانت بعد ذلك قادرة على اسقاط بلدا تلو الآخر؛ حيث لو أن الشيوعية انتصرت في جنوب فيتنام، سوف تتبعها أندونيسيا ثم تايلاند والفلبين والأراضي النائية الأخرى. قد يبدو ذلك سخيفا، ولكن في الشرق الأوسط نظرية الدومينو قد يكون لها فعليا بعض التطبيقات. على أقل القليل، من المهم أن نفهم أن الاخوان المسلمين هم قوى عابرة للقوميات، وليست ببساطة ظاهرة في كل بلد وحده. من الجزائر حتى الباكستان، يعرف زعماءها بعضهم البعض، ويتحدثون مع بعضهم البعض، ويعملون معا. إضافة الى ذلك، قوة التطرف الديني المهلكة، التي يطعمها الغضب، والمرارة واليأس لا تعرف حدودا قومية.
مصر، دعامة العالم العربي والبلد الأكثر سكانا بكثير فيه، هي مهددة اليوم بنظام على شاكلة الإخوان المسلمين. يتفق كل السياسيين المصريين افتراضيا عل أن الاخوان المسلمين هم حزب المعارضة الرئيسية في مصر. ومجرد الفطنة تقترح أن الولايات المتحدة سوف لن تضغط على مصر بشدة من أجل الديموقراطية والانتخابات الحرة، مع الوضع في الاعتبار صعوبة الانتقال من دولة سلطوية الى دولة ديموقراطية. أكثر من ذلك، إنه لأمر قابل للجدل أنه ليس من شأنا أمريكا أن تختار لمصر اي نوع من الحكم ليحكمها. نفس فكرة أن الديموقراطية هي الدواء الناجع للإرهاب قد أثبتت زيفها، وقد اوضحها اف جريجوري كوس باحترافية عالية في مقالته، "كيف تستطيع الديموقراطية ان تمنع الإرهاب؟" في عدد سبتمبر/اكتوبر من مجلة الشئون الخارجية.
إلا ان ادارة بوش تدفع بقوة نحو ماركة الديموقراطية الخاصة بها. منذ اسبوعين، في منتدى اقليمي بالخليج، المصريين عنفوا بجفاء وزيرة الخارجية الامبراطورية الامريكية كوندوليسا رايس، التي بدت على وجهها علامات الصدمة لأن حكومة القاهرة لم توافق على قيام وسطاء من هيئة الوقف الوطني للديموقراطية، وهيئة المعونة الامريكية، ووكلات اخرى بغمر جماعات المعارضة المصرية بالاموال. الرئيس حسني مبارك، حليف امريكا القديم، كانت تعتبره الادارات الامريكية المتعاقبة حليفا لا غنى عنه اثناء الحرب الباردة. حسني مبارك المناهض الشرس للشيوعية الذي حافظ على السلام مع اسرائيل والذي ساعد الولايات المتحدة في حربها المناهضة للسوفيت في افغانستان ابان الثمانينات، ومرة اخرى في حرب الخليج عام ١٩٩١، ينبذه بشكل منتظم أمثال نيوت جنجريتش وريتشارد بيرل كديكتاتور.
لا يجرؤ أي مسئول في ادارة بوش (ولا حتى العديد من المحافظين الجدد)، بسبب تاريخ مصر كحليف لامريكا، على القول بأنهم يريدون "تغييرا في النظام" بالقاهرة، ولكن هذا بالدقة ما يريدونه، والعديد منهم قد يكون مستعدا للمخاطرة بخلق نظام على طراز الاخوان المسلمين حتى يحصلون على تغيير. رويل مارك جيريشت، احد الاستراتيجيين الكبار من المحافظين الجدد وضابط سابق بالاستخبارات الأمريكية المركزية والزميل الحالي بمعهد المشروع الأمريكي، كتب التالي في كتابه ’التناقض الظاهري الإسلامي‘، مقارنا آية الله الخوميني بمبارك مفضلا الأول عن الثاني:
"اخضع الخوميني فكرة الجمهورية الاسلامية للاقتراع من أعلى أو من أسفل في 1979، وانتخابات منتظمة مع بعض عناصر تنافسية هي ضرورية أخلاقيا لمفهوم النظام عن شرعيته الخاصة، وهو بعض الشيء الذي تفتقده على الإطلاق ديكتاتورية الرئيس حسني مبارك في مصر.... العداء للامريكان هو قاسم مشترك أعظم في كل الدول العربية مصحوبة بحكام طغاة ’موالين لأمريكا‘. في حالة المقارنة، ايران هي بلد محب لأمريكا بشكل عميق".
حقا، مبارك يزور الانتخابات المصرية، ولكن في الانتخابات البرلمانية المؤخرة، أظهر الاخوان المسلمون قوة هائلة. ربما تمضي جماعة الاخوان المسلمين في طريقها للظفر بربع مقاعد المجلس النيابي، وما زالت الجولة الثالثة من الانتخابات لم تنقض بعد. جيريشت ليس قلقا: "هذا بالتأكيد هو المحتمل"، هذا ما كتبه جيريشت. "هؤلاء الأصوليون، إذا ما ربحوا السلطة في مصر، سوف يحاولون إنهاء الحكومة النيابية... ولكن الولايات المتحدة مع ذلك سوف يظل وضعها أحسن مع هذا البديل للديكتاتورية العلمانية".
في الخمسينات، عملت الاستخبارات البريطانية والاستخبارات المركزية الأمريكية مع الاخوان المسلمين ضد جمال عبد الناصر، مؤسس القومية العربية الحديثة. سعيد رمضان، ابن اخت حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين، الذي أنشأ مركز التحكم الكوكبي في جنيف، بسويسرا، كان عميلا للاستخبارات المركزية الأمريكية. مرتان في 1954 وعام 1965، حاول الاخوان المسلمون اغتيال عبد الناصر. من هذه الفترة وحتى اليوم، يتلقى الاخوان المسلمون دعما ماليا من مؤسسة اليمين المتطرف في السعودية.
صيغة الحرب بلا نهاية في الشرق الأوسط
العراق، وسوريا ومصر ليست هي الأماكن الوحيدة المهددة بالأصولية. في الانتخابات الفلسطينية الاخيرة، حماس – الفرع الرسمي للاخوان المسلمين هناك – قد اظهرت قوة ملحوظة مهددة بتفكيك أي انجازات للسلطة الفلسطينية وتحطيم أي فرصة لاتفاق اسرائيلي فلسطيني. للسخرية، قدر كبير من سلطة حماس الحالية تقوم فقط بسبب الدعم الذي منح لمؤسسيها بواسطة السلطات العسكرية الإسرائيلية في العقود السابقة. دعمت اسرائيل نمو التيار الإسلامي من طراز حماس، بداية من الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة عام 1967 وحتى الثمانينات، كقوة مضادة للتيار القومي في منظمة التحرير الفلسطينية. احمد ياسين، مؤسس حماس، دعمته اسرائيل طوال هذه السنوات، التي اصطدم خلالها انصاره مع أنصار منظمة التحرير الفلسطينية في غزة والضفة. اعترفت اسرائيل مؤخرا جدا، أنها قد خلقت وحشا وبدأت في شن الحرب على حماس، متضمنة اغتيال الشيخ ياسين.
من اسرائيل وفلسطين الى مصر وسوريا والعراق وما ورائهم – في الجزائر وفي السودان ودول الخليج والباكستان وحتى العربية السعودية – المنطقة منكوبة بالحركة الإسلامية. الطريق المستقيم لمحاربة هذا الجيشان لن يكون من خلال العمل العسكري أو طراز ادارة بوش في الحرب الكوكبية على الإرهاب. تلك الطريقة، كما قد أشار العديد من المراقبين، على الأرجح سوف يفاقم من اشتعال نمو مثل هذه الحركات، ولن يخمدها.
فقط لو هبطت درجة الحرارة عبر المنطقة قد تتباطئ قوة اندفاع اليمين الإسلامي و، يوما ما، تنحسر. لسوء الحظ، غزو افغانستان والعراق قد رفعا درجة الحرارة الى نقطة الغليان. وهذا ما سوف يحدث أيضا مع زيادة التواجد العسكري طويل الامد للقوات الامريكية في الخليج الفارسي ووسط آسيا. وهذا ما سوف تحدثه أيضا التصريحات الغير عقلانية للرئيس بوش وشركاه عن "الحرب العالمية الرابعة" ضد "الفاشية الإسلامية". وهذا ما سوف تحدثه ايضا سياسة اسرائيل بتوسيع المستوطنات وبناء السور العازل العملاق الذي يلحق افتراضيا قطع ضخمة من الضفة الغربية ويضمها الى اسرائيل الكبرى. كل تلك السياسات تسبب التعاطف مع الإسلاميين ونموه – وينتج عنها بالونات ضخمة من المجندين ليس فقط لمنظمات مثل الاخوان المسلمين ولكن لمنظمات على طراز القاعدة في اعتمادها للإرهاب.
وضعت ادارة بوش في حيز التنفيذ استراتيجة متناقضة بالكامل وسوف تهزم نفسها. أولا، فسياساتها تشعل المنطقة، وتغذي نمو الإسلام السياسي ومتطرفيه بالإضافة الى نواتجه من منظمات إرهابية. ثم، كما في العراق – وكما يبدو أنها سوف تكون الحالة في مصر وسوريا – إنها تسعى "لتغيير نظام" في بلاد تعرف أن المعارضة الرئيسية ومن هم على الأرجح سوف يكونوا ورثة السلطة فيها هم الاخوان المسلمين أو من تفريعاتهم. هذه هي صيغة حرب لا نهاية لها في المنطقة.
روبرت درايفوس مؤلف كتاب لعبة الشيطان: كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق الإسلام الأصولي من عقاله. درايفوس يغطي موضوعات الامن القومي لجريدة الرولينج ستون ويكتب أحيانا في جرائد الأفق الامريكي وماذر جونس، وذي نيشن. هو أيضا مساهم منتظم في موقع تومباين دوت كوم، وهفينجتون بوست، مواقع اخرى ويكتب بلوج، "تقرير درايفوس" في موقعه.
#روبرت_درايفوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|