أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - التطرف الديني : شروط الإنتاج















المزيد.....


التطرف الديني : شروط الإنتاج


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 5215 - 2016 / 7 / 6 - 19:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


استخدم مفهوم التطرف في الإشارة إلى الخروج عن القواعد الفكرية والسلوكية والقيم والمعايير الشائعة في المجتمع ، معبّرا عنه بالعزلة أو بالسلبية أو بالإنسحاب ، أو تبني قيم ومعايير مختلفة ، قد يصل الدفاع عنها إلى الإتجاه نحو العنف في شكل فردي أو سلوك جماعي منظم ، بهدف إحداث التغيير في المجتمع وفرض الرأي بقوة على الآخرين .والذي عرفه ديسموند توتو كبير الأساقفة في مناظرة في الدوحة على الشكل التالي :" عندما لا تسمح بوجهة نظر مختلفة .عندما تتمسك بآرائك الخاصة كأنها حصرية . عندما لا تسمح بأن يكون هناك احتمال للإختلاف "
when you do not allow for a different point of view when you hold your own views as being quite exclusive, when you don’t allow for the possibility of difference.1
والتطرف بهذا المعنى هو تعصب وتبني لرأي واحد ووحيد غير قابل للنقاش أو الجدال وهذا ما يغذي طبيعة المتطرف الذي يجعل منه مشحونا بصبغة تعصبية غالبا ما تنعزل عن الفكر السائد، خاصة في الحالات التي يمثل فيها الأقلية عن الأغلبية ، وقد يصل التطرف إلى نهاية مقياس الإعتدال إما بسبب شطط في الأفكار أو السلوك أو بسبب أساليب قمعية يقوم بها النظام مع معتنقي هذا الفكر ، ويتحول المتطرف من فكر أو سلوك مظهري إلى عمل سياسي ، هنا يلجأ المتطرف إلى استخدام العنف في تحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفرد أو جماعته الدينية وعندما تمتلك الجماعة بعض وسائل العنف والقوة قد تلجأ على المستوى الفردي أو الوطني أو الدولي إلى استخدام الإرهاب الفكري أو النفسي أو المادي ضد كل من يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها .
ويرى بييربورديو أن الخطاب الديني المتطرف الأصولي هو خطاب رمزي يؤول النصوص الدينية ويشوهها عبر خطاب عاطفي لا عقلاني ، فهو يكتسب سلطة رمزية تكتسب شرعيتها من مقولاتها الخاصة ومن منطقها الداخلي ومن جهازها المفاهيمي الذاتي ، كما يستمد شرعيته من استعدادات مؤيديه بشكل غيبي وانفعالي يدغدغ الحسية والجسدية وينتج تأويلات خاطئة لمفهوم الحوار الثقافي ، لأنه مستمد من خطاب ديني أسير الصورة البدائية الأولى وتتحكم فيه ثنائيات ساذجة كالخير والشر ، الحق والباطل، الإيمان والكفر، حيث ينتقل الخطاب الديني إلى خطاب إلاهي يتماثل مع النص الديني المقدس أو يتماهى معه ، أو يخلق صورة لخطاب يقترب من المقدس ويتعالى على الواقع ولا يعترف بالمتغيرات التي تحدث فيه 2 .
وإذا كان هذا النوع من العنف هو آلية من آليات الدفاع عن الذات العاجزة التي لا تستطيع تحقيق أهدافها بصورة شرعية وصحيحة ومباشرة ، فإنه غالبا ما يعبر عليه بأساليب عدوانية ملتوية ، كالكراهية والسيطرة على الضعفاء واستغلالهم المادي والمعنوي والاتهام بالباطل والتطاول على الأعراض والاغتصاب والاعتداء الجنسي.وكذلك تخريب الممتلكات العامة .فهم يعتبرون هذه الأشياء ملكا للحكومة وليس ملكا للجميع ، ولذلك يعبثون بها انتقاما من الحكومة التي يكرهونها ، وغالبا ما ينشأ العنف المقنّع في حالة عجز الفرد عن توجيهه نحو الداخل أي نحو الذات لتأنيبها وجلدها والانتقام منها ، قد ينتهز الفرد الفرص المواتية لتوجيه الانتقام نحو الخارج ، أي نحو الآخر فيمارس العنف ضده.
ولعل ما يفرخ نهج هذا التطرف هو تردي المجتمع في أوضاع مزرية ، وإهمال الحكومات معالجتها قبل فوات الأوان وانتشار الأمية بأصنافها ، الفقر المدقع ، وشروط السكن المتدنية والخالية من الحدود الدنيا الضرورية ، أضف إلى ذلك فورة الشباب والبطالة والحقد الإجتماعي وغياب التأطير السياسي وضعف المجتمع المدني وقصوره ،كلها شروط تؤسس للإنقياد بسهولة " نوعا ما" أمام تيارات التطرف الجارفة. ذلك أن المتطرفين يجدون في العاطلين ، البؤساء والمحرومين أحسن زبناؤهم ، إذ يوضفونهم في الإرهاب ويلقون منهم الإستجابة تحت عامل اليأس والإحباط وظروف البؤس والشقاء التي يكابدونها ،فالإحباط هو أحد أسباب الخروج على النظام وعلى العادات والتقاليد وهو يتجلى في شعور الشخص بخيبة أمل في نيل حقه أو الحصول على ما يصلحه فكثير من البلدان العربية هَمْشَت دور الجماعات عمومًا ولم تكترث بها بل عذبت وقتلت وشردت ومنعت وصول خيرها للناس مع زعمها بحرية الرأي والتعبير، وهكذا تتكون التحزبات السرية وردود الأفعال الغاضبة في صورة الإرهاب واعتناق الأفكار الهدامة . فإذا أضاف تجار الإرهاب إلى ذلك الخطاب الديني المضلل الوعد في الآخرة بالنعيم المقيم أصبحت حظوظ الإستجابة لتلك المزاعم كبيرة .
ولعل الدولة هي الفاعل الأساسي في إنتاج هذه الظاهرة إذا ما نظرنا إلى ممارساتها وضعف توجهاتها
-ألم يكن غياب الممارسة الديموقراطية في مجتمعاتنا الإسلامية وسيادة منطق الإستبداد بالرأي وانعدام الحوار بين الحاكم والمحكومين سببا في زيادة الإحتقان الديني على غرار الإحتقان السياسي ؟
ثم ماذا فعلت الدولة الوطنية في مجال تأهيل مواطنيها لمعرفة حقائق دينهم في انفتاحه على مستجدات التطور ؟
وماذا فعلت الدولة الوطنية في سبيل مقاومة التطورات والمعتقدات المنحرفة الشائعة في أوساط العامة ؟
-وما الدور الذي قامت به النخبة من مفكري الإسلام في تصحيح الوعي الديني لدى المسلمين بما يلائم نمو العقلانية والمناهج العلمية وتطور الحياة الإنسانية والإندماج في الحضارة الكونية وقيمها في الديموقراطية والتسامح؟

ولذلك قد نعتبر التطرف هو نتيجة للظروف الإجتماعية التي تفرزها بعض البلدان التي مازالت تعيش تحت وطأة الفقر والتهميش الإجتماعي لفئات عريضة من المجتمع ، تلك الفئات التي يتنامى لديها الإحساس بالإقصاء والإحباط والمقهورية ، وتلجأ شريحة من بينها إلى تطرف عنيف يبرز في الرؤى والأفعال كانتقام ضد ذلك الوضع ، وقد يكمن لهذا الطرح ما يبرره إذا اعتبرنا أن الإقصاء من الخيرات الإقتصادية قد يولد الحقد وردود الفعل السلبية تجاه المجتمع ، غير أن الحركات المتطرفة تتجاوز حدود مجال دائرة الفقر ، والمنظرون لخطاب التطرف ليسوا بالضرورة من بين الفقراء أو من المقيمين في البلاد الفقيرة ، وبالتالي قد نجد أن عاملي الجهل والغلو يغطيان على عامل الفقر كسبب رئيس للجوء إلى التطرف .فللغلو والجهل نتيجة تنعكس على المجتمع الإسلامي أيضا، أو على الجماعة الإسلامية من حيث هي تنتظم في المجتمع الإسلامي وتعيش في الدولة الحديثة ، تلك النتيجة هي الشذوذ عن الجماعة والإبتعاد عنها ثم الخروج عليها بعد ذلك ، فالجهل داء عظيم وشر مستطير تنبعث منه كل فتنة عمياء وشر وبلاء، حيث قال عنه أبو الدرداء : (كن عالما أو متعلما أو مجالسا ولاتكن الرابعة فتهلك. وهي الجهل ).
ويندرج في ذلك القول في دين الله بغير علم؛ وذلك أن الجاهل يسعى إلى الإصلاح فينتهج طرقا يظنها حسنة فيسيئ من حيث أراد الإحسان فيترتب على ذلك مفاسد عظيمة، والجهل هنا يشمل الجهل بمقاصد الشريعة، والأخذ بمعانيها بالظن من غير تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم؛ ومن يتبصر حال الخوارج يجد أنهم خرجوا عن الدين كما يخرج السهم من الصيد المرمي وهذا رسول الله وصفهم بأنهم " يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم "3..ولذلك فالغلو في استعمال الدين من أجل دعم السياسة عرفه الإسلام مع فالخوارج الذين سموا أنفسهم بالمؤمنين أو جماعة المؤمنين أو الجماعة المؤمنة لتمييز أنفسهم عن كل من يعارض مشروعهم .وقد زعموا أنهم هم المؤمنين وأن من عداهم قد مرق من الدين مروق السهم من قوسه.ولذلك فالإستشهاد لمقاتلة المعارضين نجده عند الخوارج .
كما أن المغالون هم ممن زيفوا حقيقة الإسلام وألغوا وسطيته واعتداله فقد ورد أن أعرابيًّا قال للحسن البصري رحمه الله: "يا أبا سعيد، علّمني دينا وَسُوطًا، لا ذاهِبًا فَروطًا، ولا ساقطًا سُقوطًا "أي دينًا متوسطًا، لا متقدمًا بالغلو، ولا متأخرًا بالتلو". قال له الحسن: أحسنت يا أعرابي، خير الأمور أوساطها" 4. ويقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد "5 .
ولذلك فالتطرف يبدأ بالتشدد في نوع من الإلتزام ثم ينتقل التشدد إلى غلو في تأويل مرجعية هذا الإلتزام ثم يتحول إلى تطرف باتهام المجتمع بالتقصير تجاه الإلتزام المغالي ومن ثم اعتزاله وقد يتطور في المرحلة الأخيرة إلى استعمال العنف والإرهاب لإلزام الغير بالإلتزام المغالي أو الإحتجاج على تقصيره . والتطرف بهذا المعنى يلغي التعددية ، ولا يعترف بالإختلاف ولا بالإجتهاد ، ولا يلتفت إلى الآيات القرآنية التي تعتبر الإختلاف طبيعة بشرية ملازمة.وأن الحكم على المختلفين هو لله وحده .ولذلك إذا كان الفهم للدين منغلقا لا يتصور إلا أن يكون الناس قطيعا واحدا، يقلد نموذجا مفروضا عليه ، فإن الدين حينئذ يتحول إلى قوة مدمرة تزعزع الأمن والإستقرار وتحدث ردود الفعل المضادة وتاريخ الإسلام بمذاهبه وفرقه وحركاته السياسية يعكس الصورتين معا .
وفي سياق آخر نجد أن الإستفزاز الأخلاقي الذي يتم عن طريق تصوير وسائل الإعلام لمظاهر مستفزة في الحياة العامة وعرضها للإستهلاك الجماهيري يمكن أن يشكل وقودا إضافيا يضخ إلى خزان التشدد ، وإذا أضفنا إلى ذلك تفشي الحزبية والمحسوبية في التوضيف في مجتمع فقير فضلا عن الإختلالات الطوعية والقسرية في توزيع الخيرات والثروات أمكننا إدراك أي زيت تصب على نار تطرف ملتهبة لا تبقي ولا تذر . ثم إن اختيار بعض الأنظمة في المجتمعات الإسلامية التوجه الإشتراكي، وأحيانا اللائكي الصريح المعادي للمقومات الدينية، من شأنه أن يؤدي إلى الإصطدام مع الأوساط والحركات الإسلامية وغالبا ما يتسم هذا الإصطدام بالعنف من طرف السلطات الحاكمة مما يشكل رد فعل انتقامي يثمثل في تنامي الإغتيالات من طرف الحركات الإسلامية .
إن خطاب التطرف الديني يقوم على الوثوقية والأحادية في الرؤية والتفكير ، فالمتطرفون يخالون أنفسهم أنهم هم وحدهم من يعرفون الحقيقة ويرفضون التعددية الفكرية والإختلاف وأنهم يمتلكون الفهم الصحيح للمرجعية الإسلامية.فينطلق المتطرف من كون كل شيء قيل ولا قول بعد ما كل ماقيل ، إلا بتكرار ما قيل ، فكل مشكلة تعترض المجتمع إلا ولها قول سابق. ولا شك في أن فكر المتطرف بذلك منتج لذاكرة تتنكر للتاريخ وتنفيه ولا تعترف بتأثير الزمن التاريخي على المجتمعات، وتقدس محطة من الماضي ولا تنظر إلى الحاضر إلا من خلال ذلك الماضي .
ويمكن أن نقول انطلاقا من ذلك أن الخطاب المتطرف في علاقته مع الماضي ومع الثراث ، يشبه صورة الإنسان الذي يمشي وهو ينظر إلى الخلف ولا يستطيع أن يتجنب العثراث التي تعترض سبيله وهو يمشي ،وبقدر ما هو ناظر إلى الوراء بقدر ما يزداد تعثره..إنه تصور يعيق تدبير شؤون الذاكرة التي يستبد بها الماضي لتعيش نوعا من الإستيلاب والإنجذاب إليه ولتفوت فرصة الإنشغال بالحاضر والمستقبل.
ويعتمد الخطاب الديني المتطرف من جهة أخرى في مرجعياته على مبدأ احتكار المعجم الإسلامي والتصرف في معناه ،وذلك عن طريق استغلال الثراء في معاني النص الديني لتأويل الرموز والمفاهيم الدينية لخدمة مشروع فكري وسياسي .فعملية التطرف بهذا المعنى تقوم بصياغة معان وتأويلات جديدة تضفيها على المصطلحات الإسلامية وذلك في سبيل خدمة منظومة فكرية متطرفة لها حقيقتها ، وفي خدمة صراط مستقيم واحد حدده التطرف.وبالتالي نخلص إلى أن خطاب التطرف الذي يلازم الحركات الإرهابية التي تتم باسم الإسلام ،دخل في عملية تحويل بعض المبادئ والخصائص إلى خزان لطاقة أيديولوجية لتبرير العنف والإرهاب.هذا الخطاب الذي يفرض قرائته الخاصة والمختزلة على النصوص الدينية.حيث أن للنص الديني دلالات الظاهر والباطن بما أنه موضوع تفسير وتأويل وقابل لتعدد القراءات الأخرى ، تلك القراءات التي تختزل مع خطاب التطرف في قراءة واحدة ، تقصي كل القراءات الأخرى لذلك فأفكار التطرف لا يمكن إنتاجها من داخل النص ولا من جراء معاناة فكرية مع النص ، وإنما تصنع خارج النص باسم النص ويكون فيها النص ذريعة لمشروع يتوجه لعامة الناس ويكون قابلا للإستهلاك الجماهيري"6 .
إن خطاب التطرف الديني بهذا الطرح يقوم على منطق الإقصاء والعداء حيث يحول المرجعية الإسلامية إلى مرجعية انشقاقية إقصائية وعدائية ، لا تستهدف الجماعة غير المسلمة فحسب ، أو ما يسمى الكفار أو الغرب وإنما أيضا المسلمين.كما أن هذا الخطاب المتطرف يتحول إلى عنف عندما تتحول الأفكار إلى أفعال عن طريق التنظيم والتأطير والتعبئة .حيث يضع كل من التنظيم والتعبئة فصلا بين الجماعة والباقي.ويعزل الأتباع عن باقي المجتمع أي أعداء الإسلام ليتم التحول الوجودي لما يسمى بالملتزم المنفذ للعنف .
ولعل من أبرز الأسباب التي تولد التطرف هي تضخم ظاهرة الفقر في البلاد العربية والإسلامية بسبب إهمال تنميتها على النحو الصحيح وكذا سوء توزيع الثروة وسوء التسيير والتدبير عامة وما يتبع ذلك من ظلم وقهر مما أدى ويؤدي إلى ظهور تيار الغضب والنقمة على الحاكمين بل على المجتمع كله بما في ذلك النقمة على الذات .أي ذات الغاضبين أنفسهم .وهذا ما يتجلى في التفجير الذاتي الذي يقدم عليه أصحاب هذا التوجه حيث لا يضعون أي اعتبار لذواتهم فنجد في العملية الإنتحارية تطابق بين قتل الهدف وقتل الذات ، من حيث العنف ضد الآخرين يقترن بالعنف ضد الذات والنفس ، والقتل عن طريق الإنتحار يعكس شخصية فقدت الشعور بوجودها وفقدت كل احترام للذات ، بل ووصلت إلى حد قتل تلك الذات لقتل الغير ، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو كيف للمجتمع أن ينتج شريحة من الناس اهتز توازن شخصيتها وتحقد على المجتمع لحد القتل والإنتحار لكي تنتقم .
ويمكن أن نشير أيضا إلى انتشار البطالة بين الشباب القادر على العمل والإنتاج ، وهي ظاهرة تمس فئات مختلفة تضم متعلمين وأنصاف متعلمين ، كما تضم أعداد هائلة من خريجي الجامعات ومن بينهم حاملوا شهادات عليا.هاته الأخيرة تنتج من الفراغ النفسي ما يؤجج الغيض ويجعل منه وقودا آخر يصب في نار التطرف ،ويمكن أن نضيف أيضا ضعف حرية التعبير إن لم نقل انعدامها في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، وما يولد هذا الضعف من كبت في النفوس وضغط في الأفكار، مما لا يلبث أن يفضي إلى الإنفجار إذا ما حدثت أبسط دوافعه .وكذلك ابتعاد بعض أنظمة هذه الأقطار عن سلوك النهج الإسلامي ، والمبالغة في الإستهلاك السلبي لما يصدره الغرب من نظم ومناهج وقوانين وقيم بالإضافة إلى قلة التواصل بين الأجيال وكذا بين سائر فئات المجتمع، مما نتج عنه ازدياد شقة التباعد ثم الخلاف ، لا سيما بين الطبقات الشعبية وبين العلماء والمثقفين الذين انعزلوا أو همشوا والذين غدوا عاجزين عن أي تواصل مقبول ومقنع ومثمر ، وأخلوا المكان لأميين أو أنصاف متعلمين نصبوا أنفسهم للإفتاء والتوجيه بجهل وعنف ، فكان أن ضعف الوعي الديني والوطني لهذه الطبقات التي ارتمت في أحضان أجهزة أخرى غريبة عنها عرفت كيف تغذي التذمر والإضطراب وتدفع إلى رفع التحديات بأساليب القوة والعنف.
ومن جهة أخرى نجد أن إهمال جانب التربية الدينية الصحيحة والملائمة في برامج التعليم ،يمكن أن يقدم بشكل منفر وبغيض يركز على تضخيم المقررات ، في اعتماد على إبراز المسائل الخلافية بين المسلمين وكذا تناول موضوعات وقضايا معقدة لا يليق تقديمها للنشء المتعلم وقد يكون منها ما هو من قبيل الخرافات .
وإذا كان عنصر التربية مغيبا في المدرسة فهو كذلك مغيبا في المجتمع ، انطلاقا من الأسرة التي أهملت تنشئة الأطفال على النحو الصحيح ، وتخلت عن مصاحبتهم وتوجيه أفكارهم وملاحظة سلوكهم وتقويمه عند الحاجة ، فكان أن نفروا من آبائهم وأمهاتهم وانعزلوا عنهم وعن بيوتهم ، وارتموا في أحضان الشارع والجماعات المشبوهة التي تعينهم على تلبية رغباتهم الآنية وماهم منه محرومون .وانطلاقا من هذا العزل عن الأسرة والمجتمع ، تستغل جهات مغرضة داخلية أو خارجية صغر سن الأطفال وطراوة الشباب ، كما تستغل تعلمهم المحدود والضعيف وإحساسهم بالظلم والحرمان فتعمل على استدراجهم وتعميق عزلتهم عن محيطهم العام والخاص ، وعلى غسل دماغهم وحشده تدريجيا وبأساليب هادئة ومؤثرة تسهل الإقناع التلقائي عن طريق إبراز غايات مغرية ، كالدفاع عن الإسلام وإصلاح الأحوال العامة ،مما ينطلقون لتحقيقه بالتزام صارم يصعب عليهم معه أي تراجع حتى حين يدركون انحراف تلك الغايات .
ويمكن أن نسرد أيضا بعض الأسباب العامة التي أدت في مجملها إلى انحراف الفكر عن اعتداله وتبني التطرف كمنهج عند بعض المسلمين :حيث يعتقد الكثير من المسلمين اليوم أن ظروف عالمهم تتطلب الجهاد ، فهم إذ ينظرون حولهم يرون عالما تسيطر عليه حكومات متسلطة ونخبة قليلة تمتلك الثروة .أقلية تعيش في رغد ولا تهتم سوى برفاهيتها الإقتصادية أكثر من التنمية القومية ، يبصرون عالما يتبنى الثقافة الغربية وقيمها ، في الملبس ، الموسيقى التلفزيون ، والسينما ، وينظرون إلى الحكومات الغربية على أنها تدعم الأنظمة القمعية وتستغل الموارد الإنسانية والطبيعية للمنطقة وتنتزع المسلمين من ثقافتهم وحقهم في أن يحكموا وفقا لاختيارهم والعيش في مجتمع أكثر عدلا ، ويعتقد الكثيرون أن استعادة قوة المسلمين ورخائهم يتطلب العودة إلى الإسلام وإقامة دول ومجتمعات ذات توجهات أكثر إسلامية ، ويجمع بعض المسلمين من الأقلية الراديكالية بين الرؤى المتشددة وبين تلك التي يتم إسباغ طابع مقدس عليها للإلهام والتعبئة لإقامة جيش الله والذي سيحقق انخراطه في الجهاد حسبما يعتقدون لتحرير المسلمين في أوطانهم والخارج .
وقد لا نجافي الحقيقة أيضا إذا زعمنا أن ما وقع ويقع في أرض فلسطين من استعمار على يد الصهاينة من شأنه أن يثير مشاعر الغيرة والإنتقام لأجل المسلمين الذين يعيشون هناك ، خصوصا وأن الكثير من الفلسطينين يرون الأجيال تنمو في مخيمات لاجئين أو تحت الإحتلال الإسرائيلي منذ إقامة دولة إسرائيل سنة 1948، كما زاد شعورهم بالإضطهاد من كونهم ضحية مع تبخر الوعد الذي قدمته اتفاقيات أوسلو على شاكلة ذلك التي قدمته اتفاقيات كامب ديڤد ، تحت قيادة ياسر عرفات .فلا شك أن الظلم المتنامي والوقوع تحت الحصار ومواجهة مستقبل لا يحدوه الأمل مع تزايد في معدل البطالة ، والفقر المتأصل يمكن أن يؤدي إلى الغضب والرغبة في الإنتقام ضد المتسبب في هذه الحالة .فرد فعل الجماهير العربية والإسلامية ضد الإستعمار الصهيوني لفلسطين وبما يقوم به من أعمال وحشية ينتج عنها واقع أليم يعانيه الفلسطينيون ويعانيه معهم جميع العرب والمسلمون ، في اضطرار إلى مواجهة العنف بالعنف ، مما هو من قبيل المقاومة المشروعة .
كما قد يتبين من خلال دراسة ممارسة العنف أن كتبا معينة ركزت على جانب الجهاد، ففسرته بما شاءت، وأخذت بعض الجماعات بما جاء في مضمون تلك الكتب، فأعلنت الجهاد ضد المجتمعات؛ ومن تلك الكتب كتاب الفريضة الغائبة الذي كتبه محمد عبد السلام فرج أحد منظري الجماعة الإسلامية بمصر سنة 1981، وقد قيل عنه إنه الكتاب الذي كان له أكبر الأثر في إدخال المجتمعات الإسلامية في دائرة العنف، ورآه بعض الباحثين منطلق الفكر الجهادي، ومن تلك الكتب أيضا كتاب رسالة الإيمان لصالح سرية 7 ، وقد تحدث فيه عن الجهاد وعن التكفير وعن اعتبار ديار المسلمين دار كفر
ولعل من أبرز الدعاة للفكر الجهادي القائم على الخطاب الديني التشددي كذلك نجد سيد قطب الذي ينظر إليه بشكل رئيسي على أنه أبو الجهاد المسلح والمؤثر الرئيسي على رؤى الجماعات الراديكالية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، ويحضى بالتقدير باعتباره شهيد حركة الإحياء الإسلامي المعاصرة ، وقد قدمت كتابات قطب وأفكاره الإطار والخطاب الديني العالمي لأجيال من الناشطين المعتدلين والمتطرفين . ويقول بأنه "لا يوجد سوى مكان واحد على الأرض يمكن أن يسمى بأرض الإسلام ، دار الإسلام ، وهو المكان الذي تقام عليه الدولة الإسلامية وقوانينه تقوم على الشريعة وتراعى فيه حدود الله والذي يدير فيه كل المسلمين أمور الدولة بالتشاور المشترك وباقي العالم هو دار العداء .دار الحرب "8
أما محمد عبد السلام فرج عضو منظمة الجهاد الإسلامي فقد أكد على "أن الجهاد هو فريضة الإسلام المنسية ويقول بأن حكام هذا العصر في حالة ردة عن الإسلام ، لقد تربوا على موائد الإستعمار سواء كانت صليبية أم شيوعية أو صهيونية ، إنهم لا يحملون شيئا من الإسلام سوى أسمائهم حتى لو صلوا وصاموا وادعوا بأنهم مسلمون .وعلى هذا فإن عقوبة ارتدادهم هو فقدان كل حقوقهم بما فيها حق الحياة ،وإزاء الطبيعة المتسلطة وفساد أنظمتهم ومجتمعاتهم ، فإن الدولة الإسلامية الحقة لا يمكن إقامتها عبر النهج غير العنيف ولكن فقط عبر الجراحة الراديكالية الممثلة في الجهاد والإطاحة بالحكام المرتدين..يجب أن نقيم حكم الله في دولتنا أولا ، وأن نعلي كلمة الله ، لا يوجد شك في أن ميدان المعركة الأول للجهاد هو إبادة القادة الكافرين واستبدالهم بنظام إسلامي كامل "9 .
لقد انتشرت الفريضة الغائبة لمحمد فرج وإيديولوجية الجهاد الإسلامي على نطاق واسع غير أنها مثلت في مرحلة أخرى في ظل انتشار الجهاد الإسلامي الراديكالي على مستوى العالم المسلم الأساس للحركات المتطرفة وتناميه ، الأمر الذي سوف يصبح فيما بعد ، نتيجة الجهاد في أفغانستان ، جهادا عالميا ، لقد مثل تفسيرهم الضيق والمتطرف للإسلام والجهاد جانبا واحدا من الصراع في إطار الصراع بين المعتدلين والمتطرفين المسلمين ، وهذا يكشف مرة ثانية قابلية النصوص والثراث الديني للتفسير وإعادة التفسير وإساءة التفسير .كما أن سيد قطب اعترض على الهداية بالقوة معتقدا بدلا من ذلك أن الجهاد الصحيح يشمل إمكانية تحقيق الهداية كنتيجة محتملة بمجرد ترك الناس أحرارا في الإختيار ."ليس من بين اتجاهات الإسلام فرض عقائده على الآخرين ،ولكن الإسلام ليس مجرد عقيدة ، إن الإسلام هو إعلان لحرية الإنسان من العبودية لأناس آخرين ، ولهذا فهو يكافح ضد كل الأنظمة والحكومات التي تقوم على حكم الإنسان للآخرين وعبودية إنسان لآخر ."لقد غرس الإستعمار مخالبه بشكل كامل في قلب أراضي وشعب القرآن ، وجرى نهب ثروتنا القومية ومواردنا من قبله ، مع تغلل تقافته التي اخترقت أعماق مدننا وقرانا على مستوى العالم الإسلامي لتحل محل ثقافة القرآن "10
أما الإرهابيين فقد تجاوزوا المعيار الإسلامي بشأن الجهاد العادل ولم يعترفوا بحدود ولكن تعاملوا معه وفق رؤيتهم الخاصة، مستخدمين أية أسلحة أو وسائل ، فهم يعترضون على ما تقرره القوانين الإسلامية بشأن الجهاد من حيث وسائله وأهدافه حيث يجب أن يكون العنف متناسبا وحيث يجب أن لا يتم سوى استخدام القدر من القوة الضرورية في الرد على العدو ، وحيث لا يجب استهداف المدنيين الأبرياء كما أنه وفقا لهذه القوانين، فإن الجهاد يجب أن يتم إعلانه من قبل الحاكم أو رأس الدولة ، بينما يشير الوضع اليوم إلى أن الأفراد والمجموعات الدينية والعلمانية استولوا على حق إعلان الجهاد وألقوا الشرعية على الحروب غير المقدسة باسم الإسلام.


المراجع :

1. Lynn Davies ,Educating Against Extremism: 2008
2. أحمد بوقري ،من العنف إلى العنف الرمزي ، نقلا عن بيار بورديو ، جريدة الحياة 06/02/2009
3. أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الزكاة- باب الخوارج شر الخلق والخليقة 1067
4. مرتضى الزبيدي ، تاج العروس من جواهر القاموس ، دار الفكر ، بيروت ، 1994/ 1414 ، المادة: (فرط). لسان العرب ء دار صادر.
5. مدارج السالكين ج2 / 517 ، وكتاب العزلة لأبي سليمان الخطابي البستي ، جزء 1/ 97 ، الطبعة الثانية ، المطبعة السلفية بالقاهرة
6. التطرف ومظاهره في المجتمع المغربي ندوة لجنة القيم الروحية والفكرية 2004 المغرب الرباط من موقع مكتبة المدينة
7. كتاب الفريضة الغائبة محمد عبد السلام فرج، .1981
8. كتاب رسالة الإيمان لصالح سرية 1973
9. كتاب الحرب غير المقدسة باسم الإسلام. الطبعة الأولى 2006
10. نفس المرجع السابق
11. نفس المرجع السابق



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخليق الفكر كسبيل لبناء المواطن المُعَوْلَم..
- أزمة الحداثة المُعَوْلَمة ..
- السلطة القمعية عند ميشيل فوكو وميشيل كروزيه
- السلوك الجمعي وشروط إحداث الثورة..
- السلطة والعنف : أي علاقة !
- السلطة القمعية وشروط بناء الفرد الخاضِع والمُنمَّط..
- العولمة كسيرورة إنتاج لسياسات الطرد والإقصاء الاجتماعي ..
- واقع الفرد في ظل هيمنة العولمة والسلطة..
- جون جاك روسو وشروط تشكيل العقد الاجتماعي..
- نصائح للشباب: الإكثار من فعل الخير..
- اختلالات النسق الجامعي..
- إنسان اليوم في ظل الحضارة المادية..
- ماذا يُطْبَخُ للمجتمع المغربي تحت غطاء المقاربة التشاركية وا ...
- نظرة موجزة حول شروط إنتاج الإرهاب..
- حياتي كلها فداك يا أمّي ..
- نصائح للشباب : أقبل قبل المغادرة وتيقّظ قبل الفوات..!
- نصائح للشباب :الدخر ليوم الميعاد
- التعلق بغير الله خُذلان ..
- شقاوة الحب..
- داعش : شروط الإنتاج..


المزيد.....




- سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع ...
- مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ ...
- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - التطرف الديني : شروط الإنتاج