|
الوجه الآخر لبريطانيا -الأوروبية-؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5215 - 2016 / 7 / 6 - 17:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوجه الآخر لبريطانيا "الأوروبية"؟؟ عبد الحسين شعبان أكاديمي ومفكّر عربي أيّد البريطانيون انسحاب بلادهم من عضوية الاتحاد الأوروبي، وكانت نتيجة الاستفتاء 52% لصالح الانسحاب، في حين صوّت لصالح البقاء 48%، وبلغت نسبة التصويت 72% من الذين يحق لهم التّصويت، وهذه أعلى نسبة تشهدها بريطانيا، حيث شارك نحو 33 مليون شخص، كان 17 مليون منهم قد صوّتوا لصالح الخروج، و16 مليون صوّتوا لصالح البقاء. الصراع المحموم الذي شهدته بريطانيا عشية الاستفتاء، شمل جميع نواحي الحياة، واستخدم فيه الفريقان كل ما يستطيعان لدعم وجهات نظرهما، وبلغ الأمر أن فقدت النائبة جو كوكس في مجلس العموم البريطاني حياتها، بسبب تأييدها البقاء في الاتحاد الأوروبي، حيث أطلق عليها النار أحد المتطرفين في الشارع. وتأتي حادثة الاغتيال السياسي هذه، كسابقة خطيرة لم تعرفها بريطانيا منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان. الفريق المعارض للبقاء هو الأكثر يمينية واتّسمت مواقفه عموماً بالسلبية من اللاجئين والأجانب، وظل يعزف على وتر الخسائر التي تعرّضت لها بريطانيا بسبب انضمامها للاتحاد الأوروبي المشكوك في استمراره، وذهب نايجل فيراج زعيم حزب الاستقلال (اليميني المتطرّف) إلى اعتبار نتائج الاستفتاء بمثابة يوم استقلال، وخاطب البريطانيين "احلموا ببزوغ فجر مملكة متحدة مستقلة". أما الفريق المؤيّد للبقاء، فظلّ يحذّر من النتائج الكارثية للانسحاب، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، بما له علاقة بالعمل الأوروبي المشترك. وعلى الرغم من أن زعماء مثل باراك أوباما وشي جين بينغ الرئيس الصيني، وأنجيلا ميركيل (المستشارة الألمانية) وحكومات حلف الأطلسي (الناتو) ودول الكومنولث البريطاني، حثوا الناخبين على التصويت لصالح البقاء تحت عنوان أن بريطانيا ستنعم داخله بقوة ونفوذ أكبر، إلاّ أن الناخبين كان لهم رأي آخر حين صوتوا لصالح الانسحاب. وتلك "نعمة" الديمقراطية، وربما "نقمتها". بريطانيا "العظمى" اليوم منقسمة، لدرجة أنها جعلت أوروبا في حيرة، فكيف سيتم التعامل مع النتائج على صعيد المستقبل، فقد اختار الإنكليز والويلزيون التصويت بـ "لا"، أما من صوت بـ "نعم"، فقد كان سكان لندن (المدينة الكوزموبوليتية – ذات الطابع الأممي)، مثلما قالت اسكتلندا "نعم" بنسبة 62% وهدّدت بالانفصال بإعادة الاستفتاء ثانية بعد أن فشل الاستفتاء الأول من الحصول على الأغلبية، وقالت رئيسة وزرائها نيكولا ستورجيون، إنها ترى مستقبل اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي، وأن "خروجنا هو دون رغبة منّا، وهذا ما لا يمكن قبوله ديمقراطياً"، وكانت إيرلندا لصالح البقاء أيضاً، الأمر الذي سيترك تأثيراته على مستقبل بريطانيا لاحقاً. وبغض النظر عن تراجع الأسواق المالية وانخفاض قيمة الجنيه الاسترليني أمام الدولار واضطراب سوق الأسهم وتكبّد العديد من الشركات الأوروبية خسائر ضخمة، لكن التجربة الاستفتائية بكل ما لها وما عليها، تستحق التوقف عندها، من زاوية إرادة الناخبين، خصوصاً الفقراء منهم الذين أُثقلوا باستقطاعات كبيرة وساءت أوضاعهم المعيشية في السنوات الأخيرة، وتلك إحدى "ضرائب" الديمقراطية التي ينبغي تسديدها، فكلمة الأغلبية هي الفيصل في شرعية الحكم. وإذا كان الشعب البريطاني بأغلبيته قد اتّخذ القرّار، فلا بدّ من الاستجابة لقراره والانصياع لمقتضياته، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون حين قال: "أعتقد أن البلاد تحتاج إلى قيادة جديدة تأخذ على عاتقها هذا الاتجاه". والمقصود ترتيب تفاصيل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، طبقاً لمعاهدة لشبونة لعام 2007، ولا سيّما المادة 50 منها التي وضعت مدّة عامين لتنفيذ ذلك، وقد بادر إلى تقديم استقالته، وأبلغ الملكة أليزابيث ألكسندرا ماري أنه سيسلّم السُلطة إلى رئيس وزراء جديد فور انتخاب حزب المحافظين زعيماً جديداً له في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، (كما تقتضي التقاليد الديمقراطية). لست من المعجبين بالسياسة البريطانية، خصوصاً الخارجية، ولا سيّما إزاء قضايا الأمة العربية، فلندن هي المسؤولة عن وعد بلفور العام 1917، وهي التي دفعت الأمم المتحدة لإصدار قرار التقسيم 181 لعام 1947 بخصوص فلسطين، وهي التي سهّلت عملية هجرة اليهود ممالأة للصهيونية، وهي المشاركة الأساسية في العدوان الثلاثي (الأنكلو – فرنسي – "الإسرائيلي") على مصر العام 1956، وظلّت سياستها على الدوام لصالح "إسرائيل" ومشجّعة على عدوانها المستمرّ على الأمة العربية. لكنّني لا أخفي إعجابي بالديمقراطية البريطانية العريقة، التي لم تكن منّة أو هبة من الحكّام بقدر ما كانت نتاج كفاح وتضحيات أجيال منذ العهد العظيم (العام 1215) والحركة الجارتية ابتداء من العام 1679 وما تبعها من تطورات نحو الملكية الدستورية طيلة ثلاث قرون ونيّف من الزمان، تلك التي أرست الحكم على قاعدة ديمقراطية باحترام إرادة الأغلبية واختيار الحكام واستبدالهم على نحو دوري، في ظلّ حكم القانون واستقلال القضاء والإقرار بالتعدّدية والتنوّع وتعزيز الحريّات، وخصوصاً حريّة التعبير، في إطار من الشفافية والمساءلة. وحتى لو كانت إرادة الأغلبية خاطئة، فيمكن معالجة الخطأ بالمزيد من الديمقراطية، فالديمقراطية ليست بلا عيوب أو نواقص، وعن طريق كسب الناخبين يمكن التقليل من تأثيراتها السلبية وتصحيح مساراتها الخاطئة. لقد حاول رئيس الوزراء ديفيد كاميرون استخدام وسائل متعدّدة لإبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بما فيه حشد رأي عام وبمشاركة من رئيسي وزراء سابقين هما جون ميجر وتوني بلير وطاقم أساسي من حزب المحافظين، لكن محاولاته باءت بالفشل، فأقرّ بشجاعة وروح رياضية بالهزيمة، وأعلن استقالته مقراً بفوز خصومه، وتلك لعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والمنافسة المشروعة. كم علينا التفكّر بالدرس البريطاني "الأوروبي"، دون أي مكابرات أو مزاعم أو ادعاءات أو تبريرات؟ ولنمعن النظر بمحايثات فريق الانسحاب كيف تصرف إزاء فريق البقاء "المنتصر والمهزوم"، فذلك هو الوجه الآخر لبريطانيا المؤسسات وحكم القانون والديمقراطية، وتلك حصيلة ثقافة مدنية سلمية وتراكم تقاليد وممارسات طويلة الأمد. نُشرت على موقع صحيفة الخليج "الإماراتية" بتاريخ 6/7/2016
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيسير قبعة: غيمة فضية في فضاء الذاكرة
-
الاتجار بالبشر.. والأمن الإنساني
-
الفساد والوجه الآخر لمعركة الفلوجة..!
-
الأزمة العراقية الراهنة: الطائفية، الأقاليم، الدولة
-
زيد الحلي: حين يغمّس يراعه بحبر المودة
-
اسرائيل والخطيئة الجديدة
-
الموصل وبعض تداعيات معركة الفلوجة..!
-
هل يبقى العراق موحداً؟
-
أي مخاض جديد بعد الفلوجة؟
-
أي ثمن لتحرير الفلوجة؟
-
حوار ومثقفون وأمم!
-
حوار الفكر والثقافة -رذيلتان لا تنجبان فضيلة-
-
ماذا وراء غبار الحرب في الفلوجة؟
-
انطولوجيا الصحافة ومرآة الحياة ونبضها - أوراق من ذاكرة ليث ا
...
-
حقوق المدن
-
القوة الناعمة: جدل في المفهوم والسياسة
-
مأساة الفلّوجة وملهاتها
-
الطفولة المعذبة في العراق: إلى أين؟؟
-
حوار مع مجلة كولان الكردية
-
كوابح التغيير في العراق
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|