أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - ولم تسقط طائرة لندن














المزيد.....

ولم تسقط طائرة لندن


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5215 - 2016 / 7 / 6 - 09:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الصوت يدوى "اربطوا الأحزمة" الطائرة تنتفض وركابها يرتجفون، يتعلمون الخوف من الموت منذ يولدون، يقرأون الفاتحة على أرواحهم، تبدو غالية لحظة الفقدان، وأنا عشت الموت منذ مولدى. فلم يعد مخيفا، عزرائيل أصبح رفيقا وطيفا لطيفا، يلهمنى بالليل ما أكتبه بالنهار.
رحلتى إلى لندن فى الأسبوع الاول من يوليو، الطائرة تابعة لمصر للطيران، أفضلها عن الخطوط البريطانية، ابتسامات المضيفات المصريات، ونكهة الشاى الأخضر بالنعناع، لكن الكون يهتز والكوب ينقلب، والصوت يدوى: اربطوا الأحزمة، فى ذاكرتى حطام الطائرة من باريس للقاهرة، تغلينى رغبة الاستطلاع، فأغلق عينيى لأشهد موتى من تحت جفونى، ثم افتحهما "مبحلقة" فيما حولى، أنشد التقاط اللحظة التاريخية، حين تنفصل روحى عن جسدى، وتنتصر الرغبة الآثمة فى المعرفة، على غريزة البقاء، منذ أمنا حواء، إلى جوارى رجل إنجليزى يرتجف متمتما بآيات من الكتاب المقدس، لا تجذبنى عيون العجائز المنطفئة بالأحزان، ولا تمتمات الكهنة والقسس والمشايخ، لا تختلف تمتماتهم فى المآتم والأفراح، ويغلبنى الضحك فى الفشل والنجاح، لا أعرف الفاصل بين الموت والزفاف، لا أصدق أن الموت موجود، خاصة "موتى" أنا بالذات، وإن سقطت الطائرة الآن فى البحر، سأسبح كالجنين فى بطن أمى، وأصل معها للشاطئ.
استعادت الطائرة توازنها، وتوقف العجوز الإنجليزى عن الصلاة وسألنى: هل أنت من المؤيدين لخروجنا من الاتحاد الأوروبى؟ قلت لا، وماذا رأيت فى لندن؟ وكيف كان المؤتمر؟ لا يكف عن الكلام، تغيرت الشخصية الإنجليزية، تلاشى البرود والاستعلاء الاستعمارى القديم، شحبت بشرتهم الحمراء المتوردة بالدم، أصابتهم الانيميا مع فقدان المستعمرات والخيرات، وانتقلت العدوى إليهم من الأفارقة والأسيويين والعرب المهاجرين، وقال إنه رجل أعمال يأتى إلى مصر ليمارس البزنيس، خرقت كلمة "البزنيس" طبلة أذنى، فلم أعد أسمعه، فى المؤتمر الأدبى الدولى وجدت روايتى "مذكرات طفلة" ضمن سلسلة عمالقة الأدب العربى، الصادرة بالإنجليزية هذا العام، عن دار "ماكميلان بالجريف" كتبتها وأنا تلميذة بحلوان الثانوية، صدرت منها عدة طبعات مصرية وعربية، وروايات متعددة كتبتها منذ منتصف القرن الماضى، لم يرد ذكرها فى أى مؤتمر مصرى، وتضحك الطفلة من سخرية القدر، وهى تشهد روايتها، التى كتبتها بالقلم الرصاص، فى الثالثة عشرة من عمرها، ضمن ما يسمونهم عمالقة الادب، وسألتنى صحفية إنجليزية: ما تأثير طفولتك على إبداعك الأدبى؟ قلت: نهر الذكريات الطفولية منبع إلهامى حتى اليوم.
النساء الانجليزيات والمهاجرات، من شمال إفريقيا وغرب آسيا، أو ما يسمونه "الشرق الأوسط" باللغة الاستعمارية، نظمن مؤتمرا ثوريا، وأصدرن بيانا بثمانية مطالب للحكومة البريطانية كالآتى: أولا - التوقف عن التدعيم الاقتصادى السياسى الإعلامى للتيارات الدينية السلفية والإخوانية، ثانيا - إلغاء جميع القوانين التى تفرق بين أفراد الشعب البريطانى وتكرس اللا مساواة فى الاسرة والدولة، ثالثا - إلغاء مجالس الشريعة الإسلامية، ومنها المرأة والشريعة، التى تكونت منذ عهد تاتشر - ريجان، باسم التسامح والتعددية والحرية، رابعا - مقاومة الردة التى تدعمها القوى الرأسمالية ما بعد الحديثة، التى فرضت قانونا دينيا يحكم المهاجرين والأقليات والنساء، مما أدى إلى الفتن وتغلغل التيارات المتطرفة، مثل داعش، بالمملكة المتحدة، خامسا - إلغاء التناقض فى النظام القضائى، وقد أصبح النظام القضائى الدينى غير الرسمى يوازى القضاء الرسمى المدنى، مما يناقض العدالة ويدعم العنصرية ويخلق التناقضات والتفرقة، سادسا - تشكيل لجان قانونية لمناقشة الأضرار التى وقعت على ضحايا المجالس الإسلامية، خاصة النساء والأطفال والفقراء والمهاجرين، وتطبيق الدستور والقانون، وليس الشرائع الدينية، سابعا - يكون أعضاء اللجان من علماء القانون، وليس من المشايخ والقسس، ثامنا - فضح العلاقة بين التيارات الدينية المتاجرة بالحجاب، والختان والشريعة، والقوى الدولية المتاجرة بالسلاح والبشر.
قبل عودتى للقاهرة تجولت بالمكتبات، أجر حقيبتى ذات العجلات، لا شيء فى لندن يعلو على الكتب، إلا أفلام السينما والموسيقى والمسرحيات، واكتفيت بما يمكن للطائرة المصرية أن تحمله دون أن تسقط فى البحر.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى
- كتابك غير حياتى
- امرأة تكتب مصيرها بيدها
- وتظل النخبة المختارة تصفق
- لا يكفى أن تكون امرأة
- مشروع جديد لإصلاح الأخلاق
- حوار لا أنساه بين أمى وأبى
- المنسيون فى التاريخ الرسمى للثورات
- القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى
- أتكون هى أنبل النساء؟
- الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء
- حوار بعد منتصف الليل
- منذ بداية اللامساواة والخطيئة الأولى
- ساندرا الحبيسة وقدسية الجسد؟
- معارك تحرير النساء اللا نهائية
- النقاب ورجم الشيطان
- وتسعد المرأة بعقلها المبدع؟


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - ولم تسقط طائرة لندن