|
ما شرط إمكان قيام علم الطبيعة ؟
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 5214 - 2016 / 7 / 5 - 14:28
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
" الحدوس الحسية دون مفاهيم تظل عمياء والمفاهيم دون حدوس حسية تظل جوفاء"1 يمكن تقسيم هذا المشكل إلى سؤالين: -كيف تكون الطبيعة بالمعنى المادي ممكنة أي من جهة العيان بوصفها مجموع من الظواهر؟ وكيف يكون بصفة عامة المكان والزمان ممكنين وكذلك ما يملؤهما أي موضوع الإحساس؟ -كيف تكون الطبيعة بالمعنى الصوري ممكنة أي كمجموع القواعد التي يجب أن تخضع لها كل الظواهر بوصفها مرتبطة في التجربة؟ تكون الإجابة على السؤال الأول بواسطة حال القوة الحساسة التي تتأثر على طريقتها الخاصة بالموضوعات المجهولة في ذاتها والتي تختلف تماما عن هذه الظواهر. أما الإجابة عن السؤال الثاني فتكون حسب كانط بفضل تركيب الذهن الذي يربط بالضرورة كل تمثلات القوة الحساسة بالشعور مما يجعل أولا طريقتنا الخاصة في التفكير بواسطة القواعد ممكنة، وبهذه الكيفية تصبح في مرحلة ثانية التجربة التي تتميز تماما عن معرفة الموضوعات في ذاتها ممكنة. لكن كيف تكون خاصية القوة الحساسة ممكنة ؟ وكيف تكون خاصية الذهن أو الإدراك الذاتي الضروري الذي يرتكز عليه كل تفكير في الطبيعة ممكنا؟ تقف الحلول والردود عند هذا الحد وذلك لوجود عدد كبير من الظواهر الطبيعية التي يمكن معرفتها بواسطة التجربة أنما لا يمكن معرفة هذا التطابق بين القوانين وترابط الظواهر أي الطبيعة بعامة بواسطة أية تجربة، ذلك لأن التجربة نفسها تحتاج إلى هذه القوانين لأنها الأساس القبلي الذي يقوم عليه إمكانها. وان إمكان التجربة عموما هو إذا في الوقت ذاته قانون الطبيعة الكلي ومبادئ الأولى هي نفس قوانين الثانية . لأنا لا نعرف الطبيعة إلا بوصفها مجموعة من الظواهر أي نحن نعرفها كتمثلات حاصلة في ذواتنا ولا يمكن اذا أن نستخلص قانون ارتباطها إلا من مبادئ ارتباطها في ذواتنا ، أي من شروط اتحادها الضروري في الشعور وهو الذي يقوم عليه إمكان التجربة. أن التشريع الأعلى لقوانين الطبيعة يتم في ذاتنا أي في ذهننا ولا ينبغي أن نبحث عن القوانين العامة للطبيعة في الطبيعة نفسها بواسطة التجربة، إنما يجب عل العكس أن نتأكد من التطابق الكلي بين الطبيعة والقوانين بواسطة شروط إمكان التجربة الملازمة لقوتنا الحساسة ولذهننا. لكن كيف يمكن فعليا معرفة هذه القوانين قبليا طالما أنها ليست قواعد للمعرفة التحليلية بل هي الامتدادات الحقيقية التركيبية لها؟ لا يمكن أن ينتج التطابق الضروري بين مبادئ التجربة الممكنة وقوانين إمكان الطبيعة إلا عن سببين: -فإما أن نستمد هذه القوانين من الطبيعة بواسطة التجربة، وإما على العكس أن نشتق الطبيعة من قوانين إمكان التجربة. الاختيار الأول فيه تناقض لأنه من اللازم أن تعرف القوانين الطبيعية الكلية قبليا وعلى نحو مستقل من التجربة وعلى هذا النحو تبقى لنا الخيار الثاني بشرط أن نميز بين قوانين الطبيعة التجريبية التي تفرضها دائما وجود إدراكات حسية خاصة، وقوانين الطبيعة الكلية المجردة التي تتضمن فقط شروط الارتباط الضروري بين الإدراكات الحسية الخاصة في التجربة من غير أن تستند هذه الشروط إليها. مقتضى القول أن الطبيعة والتجربة الممكنة هما شيء واحد تماما، والتطابق بين الطبيعة والقوانين يقوم على الارتباط الضروري بين الظواهر في التجربة وعلى قوانين الذهن الأصلية طالما أن الذهن لا يستمد قوانينه القبلية من التجربة ولكنها يفرضها عليها. بناء على ذلك ينبغي التمييز بين العالم le monde من حيث هو المجموع الرياضي للظواهر التي ترتكز على التجميع المتجانسhomogène داخل المكان والزمان والطبيعة la nature من حيث هي العالم الذي يُعتَبر كلا ديناميكيا غير متجانسhétérogène يرتكز على وحدة وجود الظواهر. ينبغي التمييز أيضا بين الطبيعة الصورية nature formelle التي تمثل نسقا من القواعد المؤسسة لوحدة موضوع التجربة والطبيعة الماديةmatérielle nature التي تمثل مجموع الأشياء التي يمكن أن تكون مواضيع إحساساتنا وتجربتنا. لكن ما الفرق بين الطبيعة الصورية والطبيعة المادية حسب كانط؟ بما أنه توجد ألفة ضرورية متعالية بين الظواهر فإن هذه الظواهر المترابطة تشكل الطبيعة. وبالتالي ليست الطبيعة الصورة شيئا آخر غير هذا الانتظام والترتيب التي تكون عليه الظواهر، أي نسق من القوانين يمثل شرط الموضوعية. إن الطبيعة الصورية هي مجموع من الشروط تتعلق بالتجربة الممكنة وليس التجربة الواقعية وتتحقق قوانينها في مجموع من الأحكام والتي تمثل مبادئ الذهن المحض. ما يترتب عن هذا المفهوم للطبيعة الصورية هو استخدام القانون الكوني للطبيعة من حيث هو نمط للحكم العملي المحض أي الحق الطبيعي الشرعي. أما الطبيعة المادية فهي مجموع الظواهر المترابطة كونيا من أجل أن تكون كلا متبقيا ويمثل موضوعا لهذا العلم الذي يسمى علم الطبيعة أو الفيزياء. من المعلوم أن وحدة هذا العلم تأتي من خضوعه لقوانين الطبيعة الصورية أي لتشريع الذهن المحض2. لا تقتصر الطبيعة على مجموع من الظواهر وعلى نسق من القوانين فقط وإنما هي أيضا مملكة خاضعة لهدف غائيbut final ، وبالتالي يمكن بلورة ثقافة culture معينة على أساس هذه الطبيعة دون أن يكون التقدمprogrès المستهدف مقتصرا على المعطى الطبيعي بل يتحقق بالاعتماد على الحريةliberté التي هي في تعارض مع الطبيعة. على هذا النحو تتحدد طبيعة للإنسانnature de l’homme من خلال الاستعدادات الأوليةdispositions primitives التي تتطور في النوعgenre وليس في الفرد. علاوة على ذلك تتكون هذه الطبيعة المحايدة من الناحية الأخلاقية من انفعالات فطرية passions innées تسمح بوقوع نزاعات بيذاتيةconflits intersubjectifs وفق لعبة متناقضة للااجتماعية الاجتماعيl’insociable sociabilité التي تتجه نحو الخروج من الحالة الطبيعةétat de nature وتشيد حالة مدنية état civilتتجلى في هيئة مجتمعsociété قائم الذات. في هذا الصدد الطبيعة هي مجموع من الإمكانيات virtualités التي تشتغل الثقافة بمفردها على تفعيلها وذلك بإيجاد نقاط تمفصل بين الطبيعة والحرية وكذلك بين الطبيعة والتاريخhistoire . هكذا قبل أن تتحقق الحرية في الطبيعة تتضمن الطبيعة البشرية nature humaine في حد ذاتها الحرية التي تكون قابلة للتحقق والإتمام في التاريخ . بهذا المعنى تتقاطع غاية الطبيعةfin de la nature التي تؤسسها الثقافة مع غاية التاريخ التي تمثل المقصد الأخلاقي للإنسان التي يعمل على استكماله من خلال وسائط الحق Droit والدينreligion والتربيةéduction . المصادر: 1. Kant E, critique de la raison pure, 2.Kant E, Prolégomènes à toute métaphysique future qui pourra se présenter comme science,)
كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعقيد والتكامل بين النظام والفوضى عند أدغار موران
-
نظام الكون وماهية الكائن بين أفلاطون وأرسطو
-
قواعد التعلم الأربعون
-
إعادة النظر في أنماط البناء عند ممارسة الحكم
-
المنهج الفلسفي من الظن إلى اليقين
-
ومضات مضطرمة من تاريخ الفنومينولوجيا
-
إنبناء مطاع صفدي للمغيوب زمن القطيعة الكارثية
-
مشروطية الحكم على فضيلة الحذر
-
منطق المقدس في العقلانية الدينية
-
مفارقات المعرفة الفلسفية
-
دور النقابات في زمن الاضطراب
-
الخيال الإبداعي والمخيال الاجتماعي
-
فلسفة الأمر ومنطق السلطة عند ناصيف نصار
-
حينما ينقذنا الفن من الرداءة
-
من حد التأويل إلى مفهوم الهرمينوطيقا
-
في سبيل أنسنة المسألة النسوية
-
خيارات التغلب على أشكال اللاّمساواة
-
ممكنات التدخل الفلسفي في الحاضر
-
استخدام الفيزياء الرياضية في السياسية الحديثة
-
كارل يسبرس والسير في طريق التفلسف
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|