مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1399 - 2005 / 12 / 14 - 11:15
المحور:
الصحافة والاعلام
" أصلبه .. أصلبه .. "
إستشهاد جبران تويني .. قربان لميلاد وطن جديد
عام الحزن اللبناني الطويل ...
2005 عام الشهداء في لبنان بامتياز
كلّنا مشاريع إستشهاد .. ياجبران
في ساحة الكلمة والحريّة .. وإعلان راية الحقّ والديمقراطيّة .. ومشاريع الشباب الحامل على أكتافه أحلام وطن كبير بالحبّ والقلم .. والإنسانيّة ..
ننام على خبر عاجل : شهيد .. وجرحى ....... أرقام أرقام أرقام بلا نهاية ...
ونستفيق .. على مجزرة .. واغتيالات : شهداء : صحافيّون .. كتّاب .. نوّاب .. وزراء .. رئيس جمهوريّة .. رئيس حكومة .. وقيادات أحزاب ومنظمات .. نساء ..أطفال .. عمّال وباعة .. ومصلّين .. هنا .. وهناك ...؟؟؟؟؟؟!!
من لبنان .. إلى العراق .. إلى فلسطين , وبقيّة الوطن العربي ...
" أصلبه أصلبه " .. هذا الذي يتحدّى .. ويتّحد , ويثور ويجرؤ بالحقيقة والحريّة والإستقلال .. بلا قناع ولا خوف ....!!
لايزال الصوت هو الصوت يتردّد كل يوم .. الصوت هو هو .. والقاتل هو القاتل .. بوسائله القديمة والحديثة .. بالسيف والسوط والحربة والصلب , بالقنابل والتفخيخ , بكلّ اّلات الرعب والهمجيّة .. والنازيّة
سيظلّ هذا الصوت .. الصاعد من غور الحقد والأنانيّة والتعصّب والشوفينيّة والتخلّف والإستبداد , وكلّ أعمال الشرّ الممتدّة على مسرح الجرائم العالمي الذي يمدّ إمبراطوريّته .. وممالكه .. وجيوش أمنه وسلطته وأذياله , إلى خارج حدوده , ودولته , وموقعه , وحجمه .
هذه الأصوات – التي تحرّض على القتل كلغّة للحياة الوحشيّة – لا تنتمي حتى ولا إلى خيط من خيوط الإنسانيّة والحضارة والتقدّم .. والحوار
لازالت تتبجّح , وتصرخ علنا , وبكل وقاحة بارتكاب المزيد والمزيد بإشعال النار والفتن والصراعات والحروب وحرق المنطقة والعالم .. وإبادة كلّ من يقف بوجهها ويقول الحقّيقة ويشير إلى التاّمر وتحريك يد الإغتيالات والأمن هنا .. وهناك ..
أصلبه أصلبه أصلبه ...
العدوّ واحد .. مهما اختلفت الوجوه والأسماء والأقنعة والمواقع والرتب والظروف والأمكنة , إن كان في الداخل أم ..
الخارج . . أم أم .
المهمّ أن يقتل .. صوت الحقّ والتحرّر صوت السلام الحقيقي والحوار والرأي الاّخر .. والتعدّديّة والكلمة .. الإختيارات والقناعات .
صوت التغيير والتقدّم إلى الأمام .. صوت الإنسانية المنفتحة على كلّ تلاوين البشر
صوت المقهورين .. صوت الشعب الرافض النافض " ثوب العيرة "... ثوب الخوف والرعب من من ممالك الإستبداد والمخابرات
نحن أمام " لغز العصر " .. أمام " سرّ الأسرار " .. الجرائم والقتل .. .. والقاتل مجهول ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
متى يحلّ هذا السؤال .. ؟
المستقبل الاّتي .. الغد .. النهار الجديد ....
لبنان الشقيق اليوم .. أمام مجزرة وجريمة دوليّة جديدة .. بل في كلّ يوم له مجزرة .. لتفتيت كيانه وضرب وحدته الوطنية وبعثرة ودفن أحلامه وجهوده في التحرّر والبناء بعيدا عن الوصاية المخابراتية والأمنية المستعارة .
إغتيال الشهيد الصحافي الكبير والنائب جبران تويني اليوم .. هو نسف وتهديم جسر وطني هام في بناء المعابر نحو فضاء الوحدة الوطنيّة اللبنانية الجديد
شجرة صحافيّة باسقة في غابات لبنان الجديد .. لازالت في بداية العطاء والثمر , اقتلعت من جذورها
قلم حاد .. صارخ النبرة , صريح العبارة , متّقن البلاغة والأداء
جبران تويني .. الصحافي المعلّم اللامع .. إبن العائلة الوطنيّة اللبنانيّة المناضلة .. وإبن المؤسّسة الصحافية العريقة " صحيفة النهار " ...
الشهيد جبران .. هو أوّل من تنبّه وعمل لفتح باب ومنبر لتيّار الشباب اللبناني الحرّ لكلّ أطيافه وتلاوينه , لكي يساهم في استنهاض وبناء لبنان الجديد في الكلمة والموقف منذ بداية التسعينات ( نهار الشباب ) – الذي شرّفني أن أنشر فيه عدّة مساهمات .
لم يستعمل شهيدنا في حياته أبدا .. سوى القلم .. والكلمة .. ولغّة الحوار .. , ولذلك قتل .. كما قتل من قبله كلّ الأحرار والشهداء - لأن الكلمة الحرّة ترعب الجبناء والطغاة أكثر من السلاح - لأنهم متسلّحين بالفكر الوطني النظيف الإنساني , من هنا العدو أراد أن يقتل الفكر , فقتل الجسد .. لكنّه خسئ الفكر لايقتل , هو خالد يسبح في الفضاء الرحب الحرّ نستنشقه مع الهواء والحياة .
فالكلمة محاربة من العدوّ القريب .. والبعيد .. والأبعد
الشهيد جبران .. سار على طريق ناجي العلي , سليم اللوزي , حسين مروّة , العاملي , غساّن كنفاني , ورفيق الحريري , جورج حاوي , وكمال جنبلاط , كمال ناصر , كمال عدوان , سمير قصير .. وغيرهم وغيرهم كثر في قافلة شهداء القلم وحريّة وجمال الكلمة والخطّ واللون وموسيقى الفرح ..
رسائل الموت اليوميّة .. . تطرق أبواب بيروت وبغداد والقدس ووو.. كلّ صباح ومساء ..
لكلّ استقلال ثمن .. ولكل حريّة نهر دماء .. وقافلة أبطال – لأنّ الشهيد بطل .. قدّيس –
ليس من تفسير لهذه الجريمة الجديدة ( إغتيال جبران ) اليوم .. - وقبل ساعات من تقديم " ديتليف ميليس " رئيس لجنة التحقيق تقريره حول جريمة إغتيال الشهيد رفيق الحريري , إلى مجلس الأمن .. وفي هذا التوقيت بالذات
ليس سوى قول العدوّ : بأنّ التقريرالذي سيقدّم الساعة .. لا يتلى إلاّ على ( الأشلاء) ...!!!؟؟؟؟؟
الجريمة النكراء الكبرى حدثت مع الأسف .. في ضحى الصباح على طريق ( مهمّ للجنة التحقيق تسلكه يوميّا ذهابا وإيابا ) المؤدّي " للمونتفردي " .. الذي من المفروض أن يكون هذا الطريق محروسا ومراقبا ليلا نهارا وبإحكام , وبوسائل ألكترونية حديثة , أو بوضع حاجز عسكري أو أمني يمنع دخول وخروج أي إنسان إلا بإذن وتفتيش ...... كيف جرى هذا لا أدري .. . ؟
الجواب بسيط .. عين العدو المجرم لا تنام , هي تخطّط وتنفّذ في جنح الظلام على قدم وساق لاقتناص الفريسة الجديدة الضحيّة .. وهلمّ جرّا .. واحدة بعد الأخرى ولا يشبع ...
كان الله في عونكم أيها اللبنانيّّون .. يا من تكتبون حريّة بلدكم واستقلاله بدمائكم , وصبركم
وللحريّة الحمراء باب -- بكل يد مضرّجة يدقّ
لماذا قتل جبران .. ومن قتله .. ؟
كثيرون هم الأعداء المستفيدون من قتل الصوت والقلم النابض بالجرأة والحقيقة – سواء كانوا في الداخل أم الخارج , لأن نهضة لبنان الإستقلال والبناء في كلّ مجالات الحياة تخيفهم . نهوضه السياسي الإجتماعي الإقتصادي ودوره الريادي في الفكر والديمقراطيّة والتعدّدية , و دون وصاية واحتلال .. أيضا هذا يخيفهم .
من قتله .. يخدم العدوّ الصهيوني , ومخطّط العدو الخارجي وأنظمة القمع والسجون والمقابر الجماعيّة وقوانين الطوارئ وووووو ...
يريد لبنان ساحة فارغة لا حياة فيها هزيلة بجسمها الصحافي الحرّ .. لكي تبقى أنظمة اديكتاتوريّات تفلرّخ قتلة وجلاّدين , ومتفرعنة ومستأسدة بجبروتها شرقا وغربا ولا من يحاسبها ..
نحن اليوم .. في مرحلة إنتقاليّة .. هامة , وصعبة , وخطيرة , على مفترق طرق
في منطقتنا العربية .. قوّتان , معادلتان , واّليّتان ..
اّلة وقوّة تبني الديمقراطيّة وسلطة القانون والسلطة المنبثقة من الإنتخابات الحقيقية , والأخرى متشبّثة بمخلّفات الماضي والتي تمثّل أنظمة العبوديّة والسجون والتي تاجرت بأوراق العروبة والدين والقوميّة عقودا طويلة .. والممالك العائليّة المنهارة التي تتمسّك بأسنانها ومخالبها وأمنها وتاّمرها , بماضيها الأسود , وهي مجهّزة بأحدث التكنولوجيا الأمنيّة والعسكريّة أمام الجهة المقابلة لها التي لا تملك سوى الإرادة والحريّة والتصميم .. والكلمة السلميّة البيضاء البعيدة عن السلاح وقمع الفكر الاّخر .
المملكة الأسديّة تنهار من الداخل والخارج , بما اقترفت في سورية ولبنان .. من جرائم وتهديد وفساد .. وشتائم وغنائم ..؟!
بكيتك يا جبران .. كأم .. كواحد من أبنائي .. لأنّ الكلمة الحرّة لها أمهّات .. وأبناء .. فهي مؤنّثة , حيّة خصبة .. وفي توالد مستمر , فالكلمة الوطنيّة الجريئة هي بمثابة " حيّ " يعيش معنا وينمو ويختلج ويشعر .. يفرح ويتألّم
الأمّهات الكاتبات .. سوف يودّعونك يا شهيدنا جبران تويني .. بتراتيلهم الخاصة على الورق .. أو بزينة الميلاد .. على صفحات الكتب والأنترنت .. يودّعونك بمطر حبّهم المتدفّق من رحم الأمومة .. رحم الكلمة التي لها ملايين الأبناء لأنها خصبة وذريّتها لا تعدّ .. ورحمها لا يغتال .. ولا يقتحم .. لأنه من حبل الله .. والسماء .. والفجر الذي يولّد النّهار .. والشمس .. والضوء والدفء للبشريّة .. والكون .
وإن كانت أمّك الكاتبة والشاعرة " ناديا حمادة تويني " .. ستغمرك اليوم في عطر روحها .. وخمر كلماتها المعتّقة لك .. ستشمّ فيك أرزة العلم .. وصخر لبنان الأخضر
من نعزّي بفقدان واستشهاد الأستاذ الكاتب المناضل الصحافي النائب جبران تويني .. ؟
من نعزّي .. ؟ الأبّ المفجوع .. الذي وصفته أحدى الفضائيّات اللبنانيّة اليوم : " بطرك الحزن الجبّار .. الذي يقول للمعزّين بشموخ , رغم الخنجر المغروس في قلبه , أعزّيكم أنا في جبران . رغم كبر سنّه " ..
نعزّي الزوجة .. الأبناء .. الأهل .. الأقرباء .. الأصدقاء ..الشعب اللبناني الشقيق كلّه .. صحيفة النهار وأسرتها وامتدلدها الكوني .. الصحافة اللبنانيّة .. والعربيّة .. والعالميّة
من نعزّي .. ؟ نعزّي أنفسنا .. ؟ لا ينفع العزاء والبكاء ولا الرثاء ..
كلّنا أبناؤك يا غسّان تويني ... أبناء الكلمة والحقّ .. والحريّة , لأنّ الحريّة واحدة في العالم لا تتجزّأ ..
لا تقل مات جبران .. وقلم جبران .. فافتخر يا شيخ الصحافة الوطنيّة .. ستبقى الكلمة هي الشمعة والشعلة .. والشعاع .. لأنها من نور السماء .. وشمس النهار التي تبدّد كلّ حلكة وظلام .. وعتمة وسواد
ستبقى روحك الطاهرة .. و ذكراك خالدة إلى الأبد .. يا جبران
أجمع سلال الورود .. من تلال لبنان النديّة التي أحببت .. وأرزا وغارا وسنديان .. أنثرها فوق ضريحك يا معلّم الصحافة .. وشهيد الكلمة .. وفارس الحقيقة
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟