|
ثالوث الموت المقدس السطحية .. اليأس .. الرجعية الدينية .....
فريدة موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 20:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد يختلف الكثيرون حول أسباب العنف المصحوب بالتطرف الديني، وقد يرى البعض أن الفقر والجهل والمؤامرة هي الأسباب الرئيسية لازدهار هذا التيار الدموي. ولكني أعتقد أن هناك عوامل أخرى تضافرت مع بعضها وأصبحت أكثر فاعلية في تنمية التيار الديني المتشدد العنيف، وتلك العوامل أضحت بمثابة ثالوث للموت المقدس في القرن الواحد والعشرين، تلك العوامل تتمثل في الأمية المشمولة بغطاء كامل من السطحية المفرطة، فالأمية وحدها لن تكون كفيلة باحتضان تيار دموي عنيف، فكم من أميين لا يجيدون حتى كتابة أسمائهم يملكون قدراً من الحكمة يمكّنهم من استيعاب فكرة التسامح الإنساني مع الآخر، ولكن الأمية المعززة بسطحية وضحالة قادرة على أن تصبح أرضاً خصبة لنمو كل الأفكار العنيفة التي تؤسس لفكرة إقصاء الآخر بل وحذفه من خارطة البشرية وجعل الجهاد في سبيل الله باستحلال واسترخاص دم الآخرين لمجرد اختلاف العقيدة فكرة مقبولة بل ومستحسنة. والعامل الثاني، وهو اليأس، إذا ما انضم إلى السطحية فإنه يمنح الشخص رؤية سوداوية خالية من الأمل في الحصول على حياة مترفة أو حتى عادلة ومقبولة، فيأس الفقراء من دنياهم نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية وتوحش الفقر الذي انقضّ على أحلامهم يأكل فيها أكل النار للهشيم ويجعل من فكرة العيش فكرة مستحيلة في دول اختفت من مكونها المجتمعي الطبقة الوسطى التي كانت تحفظ التوازن الاجتماعي، كما كانت تمرر قدراً من المعرفة لطبقة الفقراء ينظم ويهذب سلوكياتهم، ولكن اختفاء تلك الطبقة التي كانت بمثابة رمانة الميزان وتحول المجتمعات ذات التقلبات المذهبية والطائفية إلى طبقتي الأغنياء غناءً فاحشاً والفقراء فقراً مدقعاً أدى إلى نفي الفقراء إلى دائرة مغلقة أصبحوا فيها نهباً للأفكار العنصرية التي تؤسس للعنف، فاليائس من الحياة ليس أمامه سوى الهروب إلى فكرة العالم الآخر حيث النعيم الأبدي. ولا يخفى على أحد أن المروجين والمتاجرين بالأديان استغلوا ذلك جيداً وباعوا الجنة للفقراء أينما كانوا، فالعصور الوسطى في أوربا تشهد على استغلال رجال الكنيسة الفاسدين للناس، حيث باعوهم الجنة بصكوك غفران. ويكرر التاريخ نفسه، ولكن بصورة أكثر دموية وجهالة، حيث يروج تجار الدين اليوم بضاعتهم عبر وعد بجنة عرضها السماوات والأرض فيعتبرون العمليات الانتحارية في حق المدنيين العُزل عمليات استشهادية. وكيف هذا؟ لا نعرف. كيف يقبل العقل والمنطق فكرة القتل بل واعتباره استشهاداً في سبيل الرب، وأي رب هذا الذي يقبل أن يريق البشر دم بعضهم البعض بهذه القسوة والدموية؟ ونتأمل ضحايا تلك العمليات وخصوصاً أن معظمهم من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والعجائز والذين لا سلطة سياسية أو دينية لديهم، فبأي ذنب يُقتلون، ومن هذا الإله الذي سيعتبر قتلهم استشهاداً في سبيل دينه أياً كان هذا الدين؟ ثم تأتي الرجعية الدينية متربعةً على رأس الثالوث لتحتل القمة بامتياز، فلولا الأفكار الرجعية الهدامة المعادية للإنسانية لما أصبح العالم مسرحاً هستيرياً لكل تلك المشاهد الدموية. وما بالك عزيزي القارئ لو ارتبطت تلك الأفكار الرجعية بالدين؟! فإنه إذن لا مفر من حدوث الانهيار التام لكل فكرة تهدف إلى الإصلاح والبناء. يحتل شاشات الفضائيات والإنترنت مجموعة من الدعاة الذين ينكبون على كتب التراث الديني ليحيوا منها كل عنيف ودموي ثم يقدموه للبسطاء على أنه أصل الدين وجوهره، بل ويذهب البعض منهم لأبعد من ذلك فيساوون بين الكتب السماوية وكتب التراث، بل يعتبرون كتب التراث التي كتبها بشر ناسخةً للكتب السماوية أحياناً. ومن هنا بدأت الشيزوفرينيا الدينية تتجلى بفجاجة فتصيب الأديان في مقتل، بل إنها تتجرأ لتنال من الصورة الربانية المتسامحة فتمنح الرب طابعاً دموياً قاسياً يخلق البشر على اختلاف أديانهم وعقائدهم ليعذبهم في الدنيا والآخرة. والمنطق السليم لابد أنه سيرفض تلك الصورة العنيفة السطحية عن مُبدع تلك الحياة وخالقها. وبما أن كل ما يُمنح قدسية الرب هو غير قابل للمناقشة أو التدبر من وجهة نظرهم فإنهم يروجون لمبدأ عدم إعمال العقل مع كل ما يُقدم للبسطاء على أنه رباني، وعليه فإن مقولة «لا تناقش ولا تجادل» هي حجر الأساس لكل الأفكار التي يلفظها المنطق الإنساني البسيط. وهكذا فإن أي شخص يسمح لنفسه بمحاولة مناقشة أفكارهم فإن الموت، أو السجن في أحسن الحالات، في انتظاره. ودعونا نعترف بأن المصيبة كبيرة، وأن الآفة مرعبة، وأن العلاج صعب وسيكلف البشرية عشرات، بل مئات السنين، من الحروب الدموية والخراب، وأنه لا بديل عن مواجهة الكارثة ومجابهتها بشجاعة، ومطاردة كل الأفكار العنصرية الهدامة أينما كانت، ورفع غطاء القدسية عنها وإعادة مناقشتها وتقصي صحتها تبعاً لكل المعطيات العلمية والإنسانية الحديثة، وإلا فالموت سيرفرف بجناحيه على كل أمل للخروج من تلك الدائرة الدموية، وسيصبح الجميع فريسة سهلة لكل فكرة سوداء تستميت في الدفاع عن العنصرية واللاإنسانية التي يدعي أصحابها أنهم وحدهم بيان الحق وحماة حما دين الرب على أرضه.
#فريدة_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
امرأة هشة ورجل عصابي
-
أنا الديكتاتور
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|