|
التدخين فى نهار رمضان
راشد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 05:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خطاريف احد الرويبضة
اعطنى " اللىّ " و " عمِّر " فالتدخين .. سر " الدماغ " . رمضان و السجائر بادىء ذى بدء ؛ سنبين بعض الأشياء ؛ فى محاولة منا لإبراء الزمة ؛ و حتى لا " يعلّم " علينا أحد . اولاً : اقول بأن التدخين ضار بالصحة ؛ ويسبب الوفاة ؛ لإحتوائه على مادة ال " دى دى تى " الفاتكة بالصراصير ؛ و لكى لا يتهمنى احد بالتقصير ؛ اقدم اليكم رقم المساعدة للإقلاع عن التدخين و هو 16805 . تمام ! عدانى العيب والله ! . * قبل البدء فى الحديث عن التدخين و الصيام .. اود اولا ان انوه عن شىء بسيط و جوهرى فى نفس الوقت .. و هو مراعاة التفريق بين ماهو حرام و ما هو مُفطِر ويستلزم القضاء . نبدأ الخطرفة على بركة الله من غير اطالة ولا تشعب .. اولا : مامعنى الصيام فى اللغة ؟ الصيام فى اللغة هو الامساك او الامتناع عن فعل شىء . يقول الشيخ " احمد حطيبة " فى شرح كتاب " الجامع لأحكام الصيام " " إذاً: الصوم في اللغة بمعنى: الإمساك، فكل إمساك يطلق عليه صيام، فيقال: صام إذا سكت، وصامت الخيل إذا وقفت ولم تتحرك، قال الله عز وجل لمريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيِنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26]، ما هو هذا الصوم؟ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:26]، فهو صوم عن الكلام، قال ابن عباس : معنى قوله تعالى: نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26] أي: سكوتاً وصمتاً. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : كل ممسك عن كلام أو طعام أو سير فهو صائم. "
ثانياً : ما هو الصيام فى الشرع ؟ قبيل ان نتطرق لمعنى الصيام فى الشرع ؛ يجب ان نوضح ان معظم الأحكام تأتى من مصادرها بصورة واضحة و بسيطة و سهلة الفهم لا التباس فيها . و لكن .. . من اين يأتى التعقيد ؟ يأتى التعقيد بسبب اختلاف ادمغة الناس و تنوع طرائق معيشتهم و اساليب حياتهم .. فتجد تنوّع المذاهب و اختلاف الآراء الفقهية .. وكل فريق منهم يفتى بما فتح الله عليه من علم و بما تيسر له من معرفة . و بدلاً من ان يرسخ هذا الاختلاف لمبدأ النسبية فى الحكم على الاشياء التى من شأنها تيسير الحياة .. إلا ان هؤلاء الفقهاء لا ينفكون يروجون لمبدأ الحق المطلق و الرأى المطلق مدعين بذلك انهم يمتلكون مفاتيح الجنة و فرض عين على الناس اتباعهم . فنجد شيخا يتحكم فى رقاب الناس و يسوقهم كالبغال ؛ بدلا من ان نجد عالما متخصصا ليس عليه الا البيان و التوضيح . نعود مرة اخرى الى معنى الصيام فى الشرع . نقول ان الصيام فى الشرع معناه الامساك عن اشياء منعها الله على الانسان وقد كانت مباحة فى الأصل . يقول الشيخ " احمد حطيبة " فى تعريفه لمعنى الصيام فى الشرع " الصوم: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من مسلم مميز ؛ فشهوة البطن في الطعام والشراب، وشهوة الفرج في الجماع . " *** و بمناسبة هذا التعريف .. ادعوكم لقليل من السفسطة .. بما ان الصيام هو الامتناع عن اشياء كانت مباحة فى الأصل وبما ان هذه الاشياء هى الاكل و الشرب و الجماع و بما ان لحم الخنزير و الخمر و الاستمناء .. كلها اشياء محرمة فى الأصل اذا : لو ان احدهم اكل لحم خنزيرا او شرب خمرا او استمنى فى نهار رمضان لا يكون مفطرا .. لأنه فعل اشياء محرمة فى الأصل .. فى حين ان الصيام هو الامساك عن اشياء مباحة فى الأصل . *** خسئت .. ثكلتك امك .. السفسطة كفر . *** دعنا من هذه السفسطة الفارغة و لنرجع الى موضوعنا الاساسى .. التدخين : التدخين هو عملية يتم فيها استنشاق دخان ناتج عن عملية احتراق لمادة معينة . انتشر التدخين فى ارجاء المعمورة بعد الاكتشاف الاوروبى للأمريكتين ؛ و من اوروبا عرفته معظم دول العالم و بالتالى عرفه المسلمون ؛ و كان ذلك فى اواخر القرن العاشر ايام الدولة العثمانية . فى بداية اكتشافه كان يعتبر كوسيلة للترويح عن النفس ؛ و مارسه البعض بإعتباره علاجا لبعض الأمراض و عند غزوه للعالم الاسلامى تباينت الآراء حوله من حيث كونه محرم ام غير محرم ؛ فأفتى البعض بأنه مباح و افتى البعض الآخر بأنه حرام . وليس موضوعنا الآن هل هو حرام ام حلال ! التدخين - كما هو معروف – عبارة عن استنشاق دخان . و هذا لا يُعَدّ اكلاً ولا شرباً ولا جماعْ . اذا كيف افتى البعض انه من المفطرات التى تفسد الصوم ؟ على مر التاريخ ؛ يصرّ علماء الاسلام - وخاصة علماء الفقه و العلماء المتخصصين بالفتوى – على اهتمامهم بأمور دنيوية بحتة و اقحامها فى الدين – الذى هو فى الأصل علاقة بين الانسان و ربه - فتجدهم يقيسون كل شىء بمقياس الحلال و الحرام ؛ الابيض و الأسود . لا يعترفون بوجود منطقة تمثل 99 % من رقعة الحياة يسودها اللون الرمادى ؛ منطقة عبر عنها رسول الاسلام بكل وضوح عندما قال " انتم أعلم بأمور دنياكم " . فتجد هؤلاء العلماء يتحكمون فى حياة الناس – و لو عن غير قصد – و يوجّهون الناس كالخراف البائسة فى اى اتجاهٍ يريدون ؛ بدعوى انهم يمتلكون مفاتيح الجنان و انهم موكلون من الرحمن ؛ و هم بذلك انما يعزفون على اوتار حب الناس للخير ؛ و ميلهم الفطرى للتدين ؛ مستغلين هذا الحب و هذه الفطرة فى نشر اوهامهم و خزعبلاتهم التى تنم عن عدم وعى و عن جهل واضح بمضمون الدين و جوهره ؛ فتجدهم يصبون اهتمامهم على قشور ومظاهر فارغة .. يأثّمون من يخالفهم فيها ويدخلونه النار و يجعلونه مستحقاً للعذاب ؛ و يبشرون من يسير خلفهم – و لو بدافع الخوف - بجنة عرضها السموات و الأرض أُعدَّت للمتقين . حكم الشرع واضح و محدد فى بعض الاشياء التى ظلت على حالتها و على صورتها من ايام النبوة الى عصرنا الحالى ؛ و لكن معظم الاشكاليات تأتى من الأشياء المستجدة و المكتشفة حديثا ؛ او الإختراعات ؛ و ان كنت ارى ان المشكلة ليست فى الشىء بحد ذاته ولكن فى نظرة الفقهاء للشىء بإعتباره مشكلة . فمن مظاهر التردى الفكرى ان تجد - من الاساس – اشكالية حول حرمة استخدام الهاتف الخلوى من عدمها ..او بحث فى " هل استخدام " النت " حراماً ام حلالاً ؟ " . دعونا ننظر الى حجم المهذلة الفكرية حينما تتحدث جهة رسمية مختصة بالفتوى عن مستجدات العصر التى لم تكن معروفة على ايام النبوة والتى – و بالتالى – لم يرد بخصوصها فتوى صريحة بالحل او بالتحريم ؛ وتنعت هذه المستجدات بالبلوى متمنيةً عدم وجودها من الاساس ؛ و هى بذلك انما ترسخ لمبدأ الجمود الفكرى ؛ و الاستسهال ؛ بل لن نبالغ لو قلنا انها بذلك تعترض على سنة التطور الكونى . فى فتوى للشيخ جمال قطب – الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر – يقول ان التدخين ليس فقط من مبطلات الصوم ؛ ولكنه من المفطرات المؤكدة ؛ معللا بأنه – التدخين يقصد – يشبع لدى المدخن رغبة ؛ مما يجعله يشبه الشهوات التى يُطالَب الصائم بالامساك عنها فى نهار رمضان . حسنا . حتى لو اعتبرنا ان التدخين شهوة ؛ و جزمنا بهذا ؛ فهل من حق احد ان يعطى لنفسه الحق فى الحديث باسم الله ؛ فيضيف للشهوات المحددة التى حددها الشارع - الاكل و الشرب و الجماع - شهوة جديدة . الشيخ بن عثيمين المرجع الاسلامى الكبير يفتى بان التدخين فى نهار رمضان من المفطرات . و انظروا كيف اعمل هذا العبقرى عقله لإقناعنا بصحة فتواه . يقول ابن عثيمين " أرى أنه قول لا أصل له – يقصد القول بعدم اعتبار التدخين من المفطرات - ، بل هو شرب وهم يقولون إنه يشرب الدخان، ويسمونه شربا " . دعونا نصدع آذان النس بتصفيق حاد لهذا العلامة على هذه اللفتة العبقرية ؛ و هى عبقرية فعلا ؛ ولكن برأيى ان عبقريتها تناسب طفلا فى سن العاشرة . فى مشهد من مشاهد فيلم " عنترة بن شداد " الذى قام ببطولته الفنان " فريد شوقى " حصلت مبارزة بين عنترة و شخص يدعى عروة ؛ وقال احد المتحمسين لعروة جملة شهيرة تدل على قوة عروة وفتكه وبطشه ؛ قال " اكله عروة و الله " .. دعونا نتخيل ان هذه المبارزة حدثت اثناء الصيام ؛ هل نعتبر عروة مفطرا لأنه اكل عنترة ؟ ارى انه من العبث ان يبتلع الانسان خرزة او قطعة حديد ليسد بها جوعه . ولكن ارى من العبث ايضا ان يبتعد مشايخ السلفية عن المقاصد الحقيقية من الصيام ؛ مطلقين لأنفسهم العنان بقولهم انه ليس الغرض ان يدخل الجوف شيئا مغذيا يسد شهور الطعام او الشراب حتى يكون الانسان مفطراً .. ولكن يعتبر الانسان مفطرا لو دخل جوفه جمرة من النار او خرزة من المسبحة او زر بلاستيكى من ازرار " الكيبورد " . ان كنت ممن لا يثقون الا فى كلام العلماء و المشايخ ؛ ولا تستمع لنداءات الحمقى و الرويبضة و المهرطقين امثالى ؛ فلزام علىَّ ان اذكر لك بعض اراء العلماء الذين قالوا يهذا الرأى : المفكر الاسلامى " جمال البنا " قال ان التدخين فى نهار رمضان لا يعتبر من المفطرات .. و ذكر قول احد كبار الفقهاء و هو " ابن عابدين" وهو من كبار فقهاء الحنفية و الذى أفتى بجواز التدخين اثناء الصيام، مستغربا ما اسماه بجرأة التحريم عند البعض دون سند شرعي. اصدار الفتاوى بشأن الاشياء التى لم يرد فيها نص صريح لا فى القرآن ولا فى السنة دائما ما نجد عليها خلاف بين العلماء ؛ و كما قلت سابقا هذا الاختلاف و هذه الاجتهادات من شأنها تيسير الامور وليس تصعيبها ؛ من شأنها ان تجعل الأمور نسبية الحجية و غير مطلقة . و من المتعارف عليه ان الأحكام التى يستنبطها الفقهاء و العلماء - من خلال القياس على النصوص الصريحة و من خلال الاجماع - لا تعتبر احكاماً مطلقة ؛ ولا يجب التسليم بها بحيث نعتبر ان من ينكرها آثم و مستحق للذنب ؛ بل هى آراء بشرية تخضع للصواب و الخطأ وليست مقدسة . و من الغريب ان تجد نفراً من العلماء يمرر للناس آرائه على انها تستوجب التسليم و الاذعان و ان الآراء المخالفة انما هى مجرد آراء شاذة لا يؤخذ بها حتى و لو قالها من هو أعلم منه و أكثر وعيا . وفى النهاية لايسعنا الا ان نقول انه من آراد اعتبار التدخين من المفطرات فليعتبره هكذا ولا ينكر على غيره ؛ و من آراد العكس فله ذلك شريطة الا ينكر هو الآخر على غيره . وايضا لا يسعنى الا ان انوّه على خطورة التدخين بصفة عامة على صحة الإنسان ؛ وانه قد يسبب امراضا مزمنة تؤدى الى الوفاة . رقم المساعدة للإقلاع عن التدخين هو .. " 16805 " رمضان كريم .
#راشد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|