نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 5209 - 2016 / 6 / 30 - 15:07
المحور:
المجتمع المدني
عن هزاع ذنيبات
هزاع هو رقيب السير الأشهر في الأردن، و الذي غادرنا هذا الأسبوع تاركا ً ذكراه الطيبة في قلوبنا مع حُزن ٍ عميق ٍ على رحيله.
لماذا أكتب ُ عن هزاع؟
هزاع كان يقفُ على التقاطعات الموكلة إليه، ينظم المرور كل َّ يوم، بحماس ٍ مُنقطع النظير، مثل دينامو (عن جد مثل دينامو) لا يهدأ و لا يكل، و لا يمل، و بكل تنظيم، دقة، احترافيه و اندفاع داخلي منبعُه ُ شخصُه. مرأه ُ طالما بعث َ في َّ السرور، أحبُّ هذا النوع َ من النشاط، من أصالة ِ الأداء، من إتقان ِ صيرورة ِ الهدف، كانت الطاقة ُ الإيجابية ُ المُنبعثة ُ منه بمثابة ِ شريان ِ تغذية ٍ لكل ِّ من اختبره، في حياتي كلها لم أشاهد مثل هذا الرجل!
كان هزاع يخدم هذا الوطن، هذه الأرض، هذا الإنسان الموجود فوقها:
لم يسأل سائقي السيارات التي كان يفتح لها الطريق عن أصولها و منابتها و أديانها و إثنياتها و مذاهبها و جندرها.
لم يسأل عن راكبي السيارات هل هم من الطبقة المخملية أو من فقراء الشعب.
لم يسأل إلى أين يذهبون و من أين يجيئون و ما مقاصدهم.
لم يسأل عن ثرواتهم في البنوك.
لم يعرف كلمات ٍ مثل الليبرالية، العلمانية، فصل الدين عن الدولة، الأخونة، السلفية، التكفيرية، السنة، الشيعة، النصارى، العلوين.
لم ينتمي إلى حزب و لم يخرج في مظاهرة و لم يكتب على الفايسبوك تأيدا ً للحكومة أو معارضة لها.
لم يكنز أموالا ً و لم يؤسس لشركات و لم يسمسر على مشاريع و لم يعقد صفقات و لم يعرف معنى كلمة سهم أو بورصة.
لم يزر منتجعا ً و لم يقم في فندق و لم يلامس جسده مياه البركة و لا عرف الـ Sun Block و لا الـ Body Lotion.
لم يلوي لسانه بكلمات إنجليزية بين كل جملتين، و لم تنل النعومة ُ من كلماته الخشنة.
لم يعامل الناس بخشونة و لا بفظاظة و لم يتجبر على أحد و لم يحرر في كل ِّ مدَّة ِ خدمته سوى مخالفة واحدة يتيمة لا سابق و لا لاحق لها.
ماذا عرف َ إذا ً هزاع؟
عرف الأردن
عرف الأردنين
عرف الواجب
عرف شرف الخدمة
عرف شرف الالتزام
عرف معنى تسهيل حياة الناس
عرف و اختبر و أتقن هذا التسهيل و استزاد نفسه منه و زاده للناس كل اليوم
عرف معنى أن يكون أصيلا ً ثابتا ً على مبدأه في زمن كل شئ ٍ فيه يخسر معناه
عرف أن يُعطي نفسه للأردنين دون انتظار مقابل سوى رضاه عن نفسه
عرف أن يكون َ هزاع في زمن ٍ كل ُّ ما فيه يُغري بتحويله إلى نقيض-هزاع
عرف َ أن يكون حُرَّا ً شهما ً أبيَّا ً كريم َ المعشر و طيِّب المُعاملة
عرف كيف تكون سُمعته بين الناس مثل الليرة الذهب تبرق من بعيد و يشهد ُ على أصالتها الفحص ُ العميق
عرف أن يكون َ إنساناً!
أيها الأردني الكركي الأصيل سلام ٌ على ذكراك الطيبة، أمثالك من يقولون لنا بمـَـثلِهم و فعلهم أن الدنيا ما زالت بخير و أن أرضنا ما زالت بخير و أن جداتنا و أمهاتنا يلدن الأصالة َ كل يوم.
أرفع يدي بالتحيَّة العسكرية سلاما ً لك هزاع أفندي ذنيبات، أرقد بسلام!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟