غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 5208 - 2016 / 6 / 29 - 20:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رد بسيط للزميل بدر الدين شــنـن...
وهــامــش... وهــامــش آخــــر...
يا صديقي الطيب أنت تقول :
" الموت في الوطن.. حــيــاة...
والحياة في المنفى... مــوت!!!..."
أنت تعرف تماما كم أحترم كتاباتك, وأحترم شخصك وتجاربك... ولكنني هذه المرة لا أتفق مع هذا التصريح الشمولي القاطع.. لأنني أطرح عليك السؤال التالي :
ماذا تقول لإنسان ولد وعاش في سوريا تسعة وعشرين عاما.. نصفها ضائقات ومنغصات اجتماعية ومعيشية وسجون سياسية.. ومن ثم غادر البلد ــ باختياره ــ إلى بلد أوروبي.. حضنه بلا قيد ولا شرط.. وعلمه وفتح له كل أبواب المعرفة والحريات والعمل والأمان والعناية الصحية.. مؤمنا له تقاعدا كافيا لحياة مستقرة.. تاركا له كل إمكانيات المشاركة بالسياسة وقواعد الحريات العامة.. كأي مواطن من هذا البلد بالولادة.. مع جنسية البلد من أول سنة بعد استقراره بها.. وهويتها وجواز سفرها... وذلك منذ 53 سنة... ماذا تطلب من هذا الإنسان.. أن يعود لسوريا.. ويموت فيها.. ويدفن في مقابرها المهجورة.. والمليئة اليوم بآلاف الجثث الغريبة العجيبة التي استوردت من غابات العالم ومن صحاري الربع الخالي؟؟؟...
أيهما وطن هذا الإنسان.
؟؟؟... الأول الذي حرمه بأحلى أيام فتوته وشبابه من أبسط وسائل العيش اليومي.. وما بين الثاني الذي أمن له ديمومة الأوكسيجين اليومي والحريات والثقافة والتعليم.. والحياة له.. لأولاده.. لأحفاده.. ولأبناء أحفاده... وخاصة حرية الاختيار والتعبير والنقد والصراخ بـوجه الخطأ والأعوج.. وخاصة اختيار المعتقد والإيمان... دون خشية الغد.. أو انقطاع الأوكسيجين؟؟؟...
هل تترك هذا البلد الذي تعيش فيه منذ ثلاثة وخمسين سنة, ممارسا كل اختياراتك الإنسانية والسياسية والثقافية والأصدقاء الحقيقيين, والعلاقات العائلية الحقيقية الصافية التي بنيتها مع بشر مثقفين إنسانيين حقيقيين.. وتختار أن تقبر ببلد لم تعد تعرف منه سوى ما تطبل به وسائل إعلام متضاربة متعاكسة موجهة.
هذا لا يعني يا صديقي أنني تخليت عنه بمجموعات محنه.. رغم أنـه تخلى عني كليا أيام محنتي وبراءتي.. وكنت من أول العاملين كل هذه السنين من أجل الحفاظ على وحدة شعبه وحرياته المفقودة.. لأنني بطبيعتي لا أستطيع الصمت ولا الحياد.. كلما اعتدي على شعب أينما كان بالعالم...
ولكنني اؤكد لك من جديد وأصرح لك, دون خشية بأن انعت بكل النعوت العربية المعتادة, كلما اختلف النقاش بأي موضوع سياسي (وهذه عادة سورية كلما احتد النقاش, ودار بحلقات بيزنطية مفرغة).. أصرح بأنني لا أغير مدينة لــيــون وفــرنــســا, لقاء الجنة.. رغم التناقضات الفكرية والغيوم العنصرية والتهديدات الإسلاموية التي تهيمن على نقاشاتها السياسية اليومية... لأنها الوطن الحقيقي الذي وهبني ولادة جديدة.. وفكرا جديدا وثقافة حرة جديدة... لا يمكن أن تــجــدهــا بأي مكان آخر من العالم... وإنني أدافع عنها وعن طرق حياتها وعلمانيتها وحرياتها وقوانينها ومدارسها وتاريخها وفلسفاتها المختلفة المتعددة.. وحتى عن تناقضاتها.. لأنها فتحت لي صدرها منذ ثلاثة وخمسين سنة.. بلا قيد ولا شـرط... وقبلتني كما أنا.. كــإنــســان بلا أهل.. بلا وطن.. وأعطتني كل شــيء.. هــذا هو الوطن يا رفيق شــنــن!!!...........
لا تغضب مني بعد هذه الكلمة الواضحة الصريحة.. ولا تحاكمني, بكل ما تحمل اللغة العربية الموروثة من نعوت سلبية... كلا يا صديقي.. وألف مرة كلا.. لأنني على قناعة بأن ثقافتي الغربية العلمانية الإنسانية, سلحتني ضد التعصب الطائفي والعشائري والقومي الذي كنا نرضعه من أمهاتنا ومربياتنا ومدارسنا وجامعاتنا, والدروس الدينية الإجبارية التي كنا نتلقاها قسرا, من الحضانة حتى آخر سنين الدراسات الجامعية.. والتي كانت أبشع عمليات غسيل دماغ عنصري غاشم غشيم.. وأوسع فيروس لزرع الغباء لأجيال وأجيال منا... وأنا هنا غسلتها بما تنورت من احتكاكي بمبادئ العلمانية.. والعلمانية الراديكالية حتما. والتي ساعدتني على تمييز الحق الصحيح من الباطل الآثم.. ورفض أسود تعاليمنا التي تبشر " أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما "... تصور فساد هذه اللاحكمة وهذا المثل الذي طبقناه عصورا وعصورا.. والذي رفضته من أولى أيام فتوتي وشبابي.. مما جلب لي كثيرا من المتاعب والإقصاء.. خارج العائلة.. خارج الجماعة.. خارج العشيرة.. وخارج القبيلة.. وحتى خارج "الوطن"... وحتى خارج "الجالية وجمع الشمل" هنا بالتجمعات الهيتروكليتية السورية المتعددة الرؤوس.. ووحيدة الزعامة.. كالمعتاد ببلدان مولدنا من مئات السنين.. لأنني لا أؤمن بجمع الشمل.. ولا بجمع الجالية... لأن جمع الأصفار وخلطها رياضيا, لا يمكن أن تعطيك سوى الأصفار... وأرجوك أن تتساءل معي ماذا يفيد جمع شمل متضادات قصوى مع بعضها البعض.. لخدمة بلد مولدنا ومداواة جراحه ومآسيه.. إن كنا نريد إعادة نفس الأخطاء والشواذات والكركبات والعنتريات والزعامات والقوقعات الدينية.. هــنــا.. كهناك... فقط لنموت هناك حسب نظريتك وحنينك؟؟؟!!!... أفضل يا صديقي التعاون ألف مرة مع أصدقاء فرنسيين يــســاريــيــن حقيقيين أحرار متحررين من كل غاية بورجوازية.. إذ يمكنني مساعدة اللاجئين القسريين (الحقيقيين) الذين يتواردون لهذا البلد.. بلا أي مـرفأ أمان... هؤلاء من يستحقون المساعدة واستقبالهم والتبادل معهم.. ألف مرة أكثر من حاملي حقائب الدولارات المنفوخة.. ككروشهم أو من الذين استقروا من سنوات, رافعين أعلام المعارضة أو الحياد, أو " اللي بياخد أمي بسميه عمي "...
يا صديقي.. يا صديقي بدر الدين شنن.. عشت الحقيقة والحرية هنا.. وسأموت معها هنا.. ولا بأي مكان آخر من العالم...
وحتى نلتقي...
*************
ــ عــلــى الـــهـــامـــش :
وعن عمليات مطار استنبول الإرهابية
قد يشمت العديدون ممن تأثروا وظلموا وفقدوا أهلا وأحباء, من سياسات الحكومات الأردوغانية الماضية التي دعمت (أو ما تزال) تدعم الإرهاب الداعشي وحلفاءه.. من العمليات الإرهابية, بمطار استنبول البارحة وسببت مقتل ستة وثلاثين قتيلا بريئا, وعددا غير محدود من الجرحى, مساء الثلاثاء 28 حزيران 2016. ولكن أنا يتجه حزني وتعزيتي إلى الشعب التركي الذي يعاني من الإرهاب ومن غباء وظلم الحكومات الأردوغانية التي تعاقبت عليه خلال السنوات العشر الماضية, والتي كانت تسهل وتشجع عبور الإرهابيين الإسلامويين القادمين من غابات الأرض كلها, إلى العراق وسوريا... بتعام مــدان.. حتى بمشاركة كاملة لتجمعات وتدريب جحافلهم على أرضها.. وتركهم يتسللون إلى سوريا والعراق.. أو لتصدير إرهابهم إلى أربعة أقطار المعمورة... وكم رأينا من عنتريات هؤلاء الإرهابيين يتمخترون على حدودها دخولا وخروجا.. بمساعدة حرس الحدود الأتراك.
واليوم ــ وبلا أية شــمــاتــة ــ انقلب السحر على الساحر... وكعادة داعش وأبناء داعش وحلفاء داعش, بألا صديق لهم.. عندما يخفف هذا الصديق نسبة دعمه المفتوح لهم.. ويتناقص.. يرعبونه.. ويهددونه.. بضرب مصالحه.. حتى يلتزم إلى الأبد بمساعدتهم دوما.. وإلا يفجرون أهله ومصالحه وأرضه...وخاصة عندما المعارك على الأرض تظهر تراجعه وخسائره الاستراتيجية... لذلك يرسل داعش انتحارييه بكل مكان, ليرعب.. ليهدد.. ويقتل عشوائيا.. بلا حساب... لأن الروح البشرية لا قيمة لها بشريعة داعش وأبناء داعش وحلفاء داعش!!!...
لذلك على جميع دول وشعوب العالم اليوم, دون استثناء, التراجع عن سياساتها الملغومة المطاطة مع داعش وأبناء داعش وحلفاء داعش, واتخاذ سياسة أممية جدية حازمة, تجاه هذا الخطر الداعشي الإرهابي, بكل مكان بالعالم.. سياسة واضحة حازمة جدية.. لا تشبه السياسات الغامضة الأمريكية من مــد وجــزر ملغومة ضبابية, والتي كانت وما تزال تستعملها لخدمة مصالحها النفطية والاستراتيجية.. فقط لا غير.. والتي سببت ملايين الضحايا بالعالم العربي.. وبالتفجيرات والاغتيالات التي قامت بها داعش بالعديد من البلدان الأوروبية...
الحزم والجدية السياسية.. والوضوح... دون مؤامرات آثمة من وراء الستار... سياسة دولية واضحة راديكالية تجاه هذا الخطر ضد الإنسانية...
دون أن أنسى تعزيتي الصادقة للشعب التركي.. ولأهالي الضحايا دون تردد مرة أخرى.............
ــ وعن الديمقراطية الفرنسية
ضيف سوري حديث الإقامة بهذا البلد الفرنسي.. يوزع كل صباح نصائحه وموعظاته وحكمه السياسية والاجتماعية على صفحته الفيسبوكية التي يطبل لها عشرات من الحلقات السورية التي تفكر مثله... عادة لا أهتم ولا أرد ولا أعلق... لأنني أعتبر كتابات هذا الإنسان الضبابية والتي أبدت فشلها خلال السنوات الخمسين البعثية في سوريا.. لا تستحق الاهتمام...
ولكنه اليوم ــ برأي ــ تجاوز كل حدود المعقول بتوجيهه انتقادات للديمقراطية الفرنسية, بحكمة سماها " عجز الديمقراطية " منتقدا النقابات والأقليات السياسية التي تعطل بعض القوانين الحكومية.. والاعتراض القانوني عليها.. ناعتا النقابات والأقليات (بديكتاتورية) أو ليس من العجيب الغريب أن يحدثنا هذا السياسي المخضرم وينعت الأحزاب المعارضة والنقابات بديكتاتورية... وهو الذي شغل خلال خمسين سنة من عمره بخدمة مختلف الديكتاتوريات والسلطات التي حكمت بلد مولده.. واليوم يعطينا دروسا بالديمقراطية ومساوئها.. وضرورة الحزم ضدها؟؟؟... ولهذا السبب لأول مرة بعد هدنة طويلة ــ كانت ضرورية مطلوبة ــ أرد... يا أستاذ دع الديمقراطية الفرنسية وأصولها وتاريخها.. وحاول متابعة الاستفادة منها.. وكن لها ملزما وشاكرا... وتــعــلــم أصولها ومعطياتها... لا أكثر!!!..........
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. هـــنـــاك و هـــنـــا.. وبكل مكان بالعالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية طيبة إنــســانــيــة مهذبة...
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟