أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - استقالة مصحح لغوي














المزيد.....

استقالة مصحح لغوي


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 5207 - 2016 / 6 / 28 - 15:15
المحور: الادب والفن
    


استقالة مصحح لغوي
محمد الذهبي
كانت اللغة متنزه روحه الاول والاخير، فبعد ان قضى عمرا في تدريس اللغة العربية، رأى ان يعمل مصححا لغويا في احدى الصحف، لاتكاد تكلمه حتى ترى حفنة من الحروف على شفاهه يرفع هذا وينصب ذاك ويضع كلا في محله الاعرابي المخصص له، كانت مهمته التعليمية اسهل من مهمته التصحيحية، فطالما كرهه العاملون، وخصوصا المثقفين من يتتبع اخطاءهم، ويرى سقطاتهم، لم ينس ذلك العمود للكاتب المشهور الذي امتاز بخمسين خطأً من بين 400 كلمة، فلم يدخر وسعا في توجيه الكاتب حتى مع ثورته وامتعاضه، استوعبه وهو يقول: انها اخطاؤك ياسيدي وليست اخطائي، لم ينس اختلافه مع الشاعر الكبير المقيم خارج العراق حول كتابة الهمزة، وتقديم الشاعر شكوى ضده لرئيس التحرير، فما كان منه الا ان يطبع ملزمة بكيفية كتابة الهمزة ويوزعها على المحررين في الصحيفة، ترتجف شفاهه وكفاه عندما يصر احدهم على اخطائه، ولايرتفع صوته ابدا ، لكنه يغادر الموضوع بهدوء، يعود الى غرفته المنفردة في البتاويين، ليسهر مع كتاب او زجاجة، وامام منضدته التي ذابت فوقها الشموع كانت تحيا آلاف الكلمات، وتخرج من قبورها، يقرأ باستمرار، فهو لايعرف شيئا سوى القراءة.
الغرفة التي يسكنها عبارة عن مكان تشعر فيه بالحرية، فانت لاتتحرج ان تضع عقب السيكارة تحت قدمك عندما تنتهي من تدخينها، او ترمي بالزجاجة على البلاط فهي واحدة من عشرات ولا يهم ان زاد المكان او نقص قليلا، وحين تجلس على سريره المعوج من منتصفه، تستطيع ان تشم رائحة النساء الرخيصات جدا، فهذه الرائحة غالبا ماتلتصق بالامكنة، وهناك على المنضدة بقرب الكتب المرصوفة تل من الشمع الذائب الملتصق، يخطأ في كل شيء حوله الا في اللغة، وحين تستوقفه جملة جميلة في احد الكتب يهرع الى الشرفة ليستنشق الهواء ويدير كأساً اخرى، وكأنه قد بشر بنجاح احد ابنائه، لايحب الندامى ، يجلس وحيدا، الكتاب افضل من اي صديق، انهم معي كبار الكتاب، ماذا افيد من نديم احمق لايميز بين الفاعل والمفعول، لن يتوانى ان يلغي موضوعا كاملا اذا كان مليئا بالاخطاء، ويذهب الى مدير التحرير ويخاطبه بامتعاض، ماهذه النفايات؟ انا اعجب منكم، كيف تقبلون هذه الكتابات الرديئة وتبعثونها للتصحيح، لم تكن اللغة ميزانه الوحيد، كان يمتلك أذناً موسيقية لا تقبل الخطأ حتى وان لم يعرف السبب، لم يكد يدخل مبنى الجريدة، حتى اتته ريم المحررة في قسم الاخبار بقصيدة لحبيبها الشاعر.
وضعها امامه واخرج سيكارة وراح يستنشقها ببطء كبير، لم تكن قصيدة ، كانت عبارة عن ليلة حب ركيكة، لم يحسده فيها على رجولته، بقدر ما ابدى امتعاضه من ركاكة الجمل الشعرية وفراغها من مضمون جيد، حمل القصيدة وذهب الى مدير التحرير، لايمكن ان تنشر هذه القصيدة، انا الفلتر الحقيقي كما يقول رئيس التحرير ولايمكن ان تمر خلالي هذه القاذورات، واذا اقول لك ان رئيس التحرير يريد نشرها ايها الفلتر، عندها صمت قليلا، وهبط السلم الى كشك سلمان ، جلس وشرب قدحا من الشاي: ( سلمان ، يمكن بعد متشوفني اهنا، ليش استاذ) لم تعد عيشتي هنا، ارتقى السلم من جديد، واقترب من مدير التحرير الذي كان شاعرا ايضا، ماذا قلت استاذ؟ هل اهمل القصيدة؟، اذهب الى رئيس التحرير لترى رأيه، دخل على رئيس التحرير فأمر بان تنشر القصيدة، حمل القصيدة وورقة أخرى معه، ودخل على رئيس التحرير: هذه القصيدة وهذه استقالتي معها.



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة رجل يعرف موته
- ايران والسعودية في بيتنا
- مجاهرة بالافطار
- مرآتك انتَ
- الحكيم الذي لم يعد حكيماً
- الموسيقار
- المعطف والربيع
- ليتك اكلته ميّتاً وتركته حيّاً
- خريف المدينة
- امي انا في الطب العدلي
- مصحح
- سماعة الاذن والمعدلات الانفجارية
- العذارى ومراقد الاولياء
- مدن الموت
- الموت في الوطن المنفى
- تالي العمر محطات
- انا وليلى ولتفتحوا جراحكم
- لم يشترك في تحرير الفلوجة
- ماجدوى الدخول الى الخضراء
- من جيبك نوفي الديّانه


المزيد.....




- قصيدة (فراق امي)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- انطلاق أيام الثقافة الإماراتية بموسكو
- استعلم عنها بكل سهولة.. رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ال ...
- الروائي الليبي هشام مطر يفوز بجائزة أورويل للرواية السياسية ...
- على وقع ضحكات الجمهور.. شاهد كيف سخر الكوميدي جون ستيوارت من ...
- عودة محرر القدس… مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 29 الجزء 2 ...
- جهز مستنداتك.. تنسيق الدبلومات الفنية 2024-2025 جميع المحافظ ...
- استمتع بأقوى الأحداث… موعد عرض مسلسل قيامة عثمان الجزء الساد ...
- حالة رعب حقيقية في منزل فنانة مصرية (فيديو)
- -قضية الغرباء-.. فيلم عن اللاجئين السوريين يفوز بجائزة في مه ...


المزيد.....

- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - استقالة مصحح لغوي