|
المملكة العبرانية فى العهد القديم
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 22:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المملكة العبرانية فى العهد القديم طلعت رضوان ذكر عالم المصريات الكندى (دونالد ريدفورد) فى كتابه (مصر وكنعان وإسرائيل- ترجمة بيومى قنديل) أنّ من كتبوا التوراة أشاروا إلى أنّ بنى إسرائيل أنشأوا ((مملكة عبرانية)) بينما الوثائق التاريخية تلتزم الصمت إزاء هذا الادعاء، والثابت أنهم استوطنوا وادى الأردن، ونقلا عن النصوص المصرية، والأدلة الأثرية، تـمّ الكشف عن قائمة بالأسماء التى ترجع إلى الحكيم أمينوبى (= آمون فى عيده) وقد تعود إلى سنة 1100ق.م على وجه التقريب.. وهذه القائمة تتبع قائمة أخرى بأسماء الأماكن على الساحل الفينيقى وأعماق (عشقلون) عسقلون فيما بعد ، و(أشدود) و(غزة) و(ياصور) ثم يتبع هذه المدن أسماء لشعوب البحر، وكذلك (الفلاسطينيين) الاسم القديم للشعب الفلسطينى.. وتوجد إشارات توحى بأنّ الفلسطينيين نجحوا فى السيطرة على البحر لمدة قصيرة، فالسفن (التكريانية) لم تصادف صعوبة فى تعقب مبعوث مصرى إلى بيبلوس (لبنان حاليا) فى المطالبة بإلقاء القبض عليه (من 439- 443) ويعتقد (ريدفورد) أنّ ما يـُـطلق عليه (عصر القضاة الإسرائيلى) هو بمثابة (ميلودراما) لأنه بالرجوع إلى الذاكرة الجمعية لبنى إسرائيل فى سنوات تكونهم (كشعب مستقل) لا نعثر على ذكريات محفوظة عن مصر، وليس هذا ما يدعو للاندهاش ، طالما جاء تطور (إسرائيل) ككيان سياسى بعد عصر الرعامسة، وقد حدث هذا فى المرتفعات بعيدًا عن سيطرة الامبراطورية المصرية. أما سـِـفر القضاة فيكتنفه الإبهام لتاريخ القرنيْن السابقيْن على نشأة (المملكة الإسرائيلية) حيث ترتيب فقرات سـِـفر القضاة بالغ الافتعال، فضلا عن القصص التى يرويها، فهى مفعمة بالمفارقات التاريخية. ويتعيـّـن على المؤرخ أنْ يـُـعامل سـِـفرالقضاة، مثلما يـُـعامل أساطير (الكأس المقدسة) فى العصور الوسيطة، أو مثل غرام الإسكندر، كسلسلة من القصص التى لا تستند إلى شخصيات تاريخية ، غير أنّ ملامحها غابتْ خلف ضباب الذكريات، وليس كمصدر تاريخى يـُـعتمد عليه بأى حال من الأحوال.. كما أنّ التمعن الدقيق فى سـِـفرىْ القضاة وصاموئيل الأول ، سرعان ما سيـُـبـدّد تصور من كتبوا هذيْن السـِـفريْن عن تشكيل جماعة قبلية شكــّـلتْ (إسرائيل) حيث أنّ بعض الأسماء الواردة فى هذيْن السـِـفريْن، ترتبط بأسمائهم أساطير مطولة، بينما يمر الكاتب العبرانى بالبعض الآخر فى جملة واحدة (وحيدة) والأبطال المذكورين على أنهم عاشوا وأدوا أدوارهم فى منطقة محصورة داخل (بيت يوسف) و(بنيامين) و(يهودا) فى الشمال ، حيث كانت (أورشليم) مركز الديانة العبرية. وبعبارة أخرى فإنّ إدراج تقاليد شخصية فى سـِـفر القضاة لا يعكس سوى سيادة (أورشليم فى عملية الاختيار، ولا يتصل من قريب ولا من بعيد بالحقيقة التاريخية فى الفترة الزمنية رهن الحديث) وذلك شبيه بما عرفته (السامرة) فى شمال البلاد ، حيث أنّ من كتبوا أسفار العهد القديم يصدمون القارىء لتجاهلهم لعدد كبير من الأسماء ولم تجد لها مكانــًـا فى سـِـفر القضاة (المقدس) عند بنى إسرائيل (ص444) وبعد تقسم إسرائيل إلى 12 قبيلة (وفقــًـا لمزاعم التوراة) فإنّ هذا التقسيم مُـصطنع إلى حد كبير، ويرجع إلى معيار (تقويمى/ تحكمى) أكثر من الرجوع إلى أصول تار يخية. كما على القارىء أنْ يتذكر أنه فى التراث الفولكلورى القبلى احتلتْ ذرية (الأم راحيل) المرتفعات الواقعة إلى الشمال مباشرة من أورشليم. وتلك هى إسرائيل وقت نشأتها الأولى ، وقد أضيفتْ فى أوقات لاحقة نسبيـًـا، أقاليم أخرى تأوى عشائر تعد تقليدية، جزءًا من إطار القبائل الاثنتى عشرة إلى الفيدرالية (= الاتحاد) الاسرائيلية.. وكان المصريون يعروفون عن كثب ما يدور فى غرب آسيا القريب من حدودهم ، فى أواخر القرن الحادى عشر وأوائل العاشر ق.م... وأيـًـا كانت العلاقة التى حاول الرعامسة فى أواخر حكمهم أنْ يواصلوها مع الآسيويين ، فلا شك هناك فى أنّ الأسرة الحادية والعشرين ، كانت عاجزة عن بسط سيادتها على أى أراضٍ شرقىْ الدلتا ، وحتى بيبلوس (التى تعد أقدم دولة فى المشرق) استمالتها مصر إلى جانبها ، وقال (ذكر- بعل) حاكم بيبلوس (ردًا على القول بأنّ آباءه أرسلوا الخشب إلى مصر عن طيب خاطر، قال ((بطبيعة الحال فعلوا ذلك ، وإذا دفعتْ لى شيئــًـا فى المقابل فلسوف أحذو حذوهم. ولكن آبائى لم يقوموا بهذه الخدمة إلاّ بعد أنْ أرسل (الفرعون) له العمر الطويل والرخاء والعافية ، ست مراكب مشحونة بالمنتجات المصرية... والآن إذا كان حاكم مصر سيدًا لى ، وإذا كنتُ أنا تابعـًـا من أتباعه، ما كان ليضطر إلى إرسال طلبه مصحوبـًـا بالذهب والفضة)) (ص446) وذكر (ريدفورد) أنه إذا كان (فراعنة) تانيس أعجز من أنْ يـُـلزموا البيبليين (نسبة إلى بيبلوس) بالامتثال لطلباتهم فقد تبنوا ، عن وعى كامل ، سياسة تجارية وضعتهم فى اتحادات للمنتجين (= كارتيلات) مع الدول التى أصبحتْ مستقلة فى الساحل المشرقى، ومع تلك الدول كان الاتصال الدبلوماسى لا يزال قائمًـا مع الدول الكبرى فى عمق آسيا، بما فى ذلك آشور التى بدأ المشرق يستشعر محاولاتها فى شق طريقها نحو الساحل السورى. كما تمّ العثور فى بلاط (تانيس) على أوامر عسكرية تعكس مآثر ذوى البأس القدامى، حتى الأمراء الرعامسة الأقوياء، وتــُـصر الألقاب الخمسة التى يحملها (بيسوسنيس) على النصر الذى حققه على الآسيويين. ولكن إذا كانت الأوامر تعد دليلا على أى نشاط عسكرى قام به المصريون وقتذاك فى فلسطين، فإنه أمر مجهول تمامًـا.. حقــًـا تكشف المصادر المتاحة عن خدم ذوى أصول آسيوية ، ولكن السؤال حول ما إذا كانوا قد وصلوا مصر كأسرى حرب أو من خلال تجارة العبيد ، يظل غير محسوم.. وحقــًـا كانت مصر لا تزال تتذكر بصورة واضحة ، أراضٍ فى الشمال ، كانت تــُـبسط عليها – فى يوم من الأيام – سيادتها ، وذلك كما تــُـوضحه تفاصيل القسم الجغرافى من قوائم (آمينوبى) ونظرًا للماضى البدوى للشعوب التى تــُـشكل (الدولة القومية) لذلك مالتْ صلات القرابة إلى السيادة كالمعيار الكامن للهوية السياسية. وارتقى الإله الذى كان فيما مضى إلهـًـا للقبيلة كى يغدو ربـًـا قوميـًـا ، مع استبعاد سائر الآلهة الأخرى.. ولما كانت مرحلة التكوين بالنسبة لبنى إسرائيل ، قد شهدتْ اقتصادًا رعويًا وحياة ترحال ، لذلك كانت الحدود تحتل أهمية أقل بالنسبة لدول العصر الحديدى ، مما كانت تعنيه للمدن التى عرفها العصر البرونزى ، بل إنّ العصر الحديدى كشف عن نزوع شرير ومزعج نحو التوسع باقتلاع السكان الأصليين وحرمانهم من بلادهم. وعلى امتداد الساحل الجنوبى من (غزة) حتى جبل (الكرمل) احتفظ الفلسطينيون والتكريانيون ، الذين كانوا قد تحولوا كى يصيروا ساميين، بقبضة محكمة على السهول الساحلية العريضة ، ومارسوا نفوذًا مُـتزعزعـًـا ، وإنْ كان وقائيـًـا ، كما فعل المصريون قبلهم ، على الجبال البعيدة عن الساحل . وردًا على الوجود الفلسطينى ، شرعتْ (إسرائيل) و(يهودا) فى إقامة دولة موحدة.. بينما السكان الكنعانيون لم يحافظوا على وجودهم مصانــًـا ، إلاّ على امتداد الساحل شمالى (حيفا) وفى المدن العريقة (صيدا) و(صور) و(بيروت) و(بيبلوس) وقد ظهر هؤلاء الكنعانيون الساحليون (وقتذاك) تحت اسم الفينيقيين. ويرى (ريدفورد) أنّ مصر- خلال القرن العاشر ق.م ، وبعد الهزيمة الساحقة التى تجرعتها القبائل الليبية فى المعركة التى خاضها ضدهم ملك مصر (رمسيس الثالث) أخذتْ تلك القبائل تعود إلى طريق مُـتعرّج أقل وضوحـًـا من التسلل إلى داخل الوادى والدلتا على هيئة مجموعات صغيرة تضع نفسها فى خدمة الدولة كقوة مقاتلة من المرتزقة (ص449) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقة بين كنعان وإسرائيل
-
مصر بين التوراة وعلم المصريات
-
مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (3)
-
مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (2)
-
المسرح فى الحضارة المصرية
-
لماذا تجاهل جذر الغش المجتمعى ؟
-
لماذا يخالف المسلمون النص القرآنى ؟
-
هل سنفاجأ بجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟
-
مصر وكنعان وإسرائيل فى العصور القديمة (1)
-
لماذا يكون مدير آثار (مصرى) عبرانى الهوى؟
-
دولة بنى أيوب وما فعله صلاح الدين
-
رمضان (المصرى) ورمضان (العربى)
-
هل يجرؤ النظام على الغاء قانون (تطوير الأزهر) ؟
-
متوالية لصق اسم (الله) بالحاكم
-
ما جذر العداء لغير المسلمين ؟
-
مغزى لصق اسم (الله) كصفة للحاكم
-
هل النظام الحالى اختلف عن الأنظمة السابقة ؟
-
أليستْ المعاهد الأزهرية معامل لتخريج الإرهابيين ؟
-
قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى
-
مصر دائما مغلقة لاستقبال (الغزاة) الفاتحين
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|