أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - كيف سمحنا بأن نسقط؟














المزيد.....


كيف سمحنا بأن نسقط؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5206 - 2016 / 6 / 27 - 17:16
المحور: المجتمع المدني
    


=============

يُحكى أن شاعرًا بدويًّا، قدِم إلى بغداد، فآثر أن يمدح خليفتَها، على عادة الشعراء في مديح الحكّام آنذاك، فأنشد يقول: “أنتَ كالكلبِ في حفاظِكَ للودِّ/ وكالتيْسِ في قِراعِ الخُطوبْ/ أنتَ كالدلوِ، لا عَدِمناكَ دلوًا/ من كبارِ الدِّلا كثيرَ الذنوبْ".والذنوب هنا هي كثرة سيلان الماء وغزارته.
أما الشاعرُ فهو "عليّ بن الجهم"، وكان صحراويًّا لم يرَ من الحضر إلا ما يجودُ به بعضُ خيال شاعر. وأما الحاكم المثقف فكان "أبو الفضل جعفر المتوكل" الخليفة العباسيّ العاشر. كان ابن الجهم شاعرًا عزيزَ النفس، ينأى بنفسه وشِعره عن الخلفاء ومجالسهم، ولم يقترب من البلاط إلا بعد تولّي المتوكّل، لتلاقيهما على محبة الإمام أحمد بن حنبل، وكان هذا أول مدحه لحاكم.
قد يندهشُ السامعُ من فظاظة المفردات: “كلب- دلو- تيس- ذنوب"، وكيف تتفق ومديح! لكن الخليفة المثقف مع عمق تواصله مع الأدباء، أدرك مقصده الطيب، على خشونة لفظه التي فطرتها قساوةُ البادية وجدب الصحراء التي لم ير سواها. فأمر له بدار جميلة تُطلّ على شاطئ نهر دجلة. بها حديقة غنّاء وزهور وثمر. وأغدق عليه بطيّب الطعام والملبس ورغد الحياة. وبعد إقامة الشاعر شهورًا ستّة في الحضر ومخالطة أدبائه، استدعاه الخليفةُ من جديد إلى بلاطه، وطلب منه أن يقول الشعر. فقال: “عيونُ المَها بين الرصافةِ والجسرِ/ جَلَبنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري/ أعدنَ لي الشوقَ القديمَ ولم أكنْ/ سلوتُ ولكن زِدنَ جمرًا على جمرِ/ سَلِمنَ وأسلَمنَ القلوبَ كأنّما/ تُشَكُّ بأطرافِ المثقّفةِ السُّمرِ/ وقُلن لنا نحنُ الأهِلَّةُ إنما/ تُضيءُ لمَن يسري بليلٍ ولا تقري/ فلا بَذلَ إلا ما تَزَوَّدَ ناظرٌ/ ولا وَصلَ إلا بالخيالِ الذي يَسري.”
هكذا أدرك الحاكمُ الفَطِنُ أن "اللسان" ابنٌ أصيلٌ لما ترى العينانُ وتسمعُ الأذنان. فإن جلبتَ توأمان أنشأت أحدهما في بيئة حوشية رثّة، والآخر ترعرع في بيئة متحضّرة راقية، ثم التقيا بعد عشرين عامًا، ستدركُ أن الفارق بين معجميْ الشقيقين، هو الفارقُ ذاتُه بين البيئتين اللتين نشآ فيهما كلاهما.
ربما هذا يقدّمُ لنا التفسير عن اختلاف معاجمنا الراهنة عن معاجم آبائنا وأجدادنا الذين تربّت آذانُهم على أم كلثوم وعبد الوهاب، وعقولُهم على طه حسين والإمام محمد عبده، وعيونُهم على أنيق الثياب نظيفِ الأمكنة، فيما عشنا نحن الزمن الصعب الذي تعجُّ فيه الآفاتُ الصوتية والفكرية والبصرية.
نحن أبناءُ بيئتنا. وألسننا مرايا لما نسمع، وعيوننا مرايا لما نشاهد، وأفكارنا مرايا لما يقتحم أرواحَنا من أناقة وجمال، أو من دمامة وقبح.
لهذا لا تبرحُ قلبي مقولةُ أفلاطون: “علّموا أولادَكم الفنون، ثم أغلقوا السجون.” ذاك أن الفنونَ تُهذِّب الروحَ وتمنع الجريمةَ. لهذا اقترحتُ أن يأتوا بالمجرمين والمتطرفين والمتحرشين والخارجين عن القانون إلى دور الأوبرا ويُسمِعوهم الموسيقى، ولو قسرًا، حتى تتنقّى أرواحُهم وتتهّذب سلوكاتُهم وتنظف ألسنُهم. سخرَ مني مَن سخر، واعتبروني أعيشُ في برج عاجي لا يمس الأرض الموبوءة بالشرور. ربما. لكن فكرتي حدثت، ونجحت. والذي صنعها مايسترو مصري اسمه “نادر عباسي”. هذّب أرواحَ مجرمين عُتاةً في أوروبا حينما زارهم بكامل فريق الأوركسترا الفيلهارموني في سجن بوميت بمارسيليا، بدعوة من الحكومة الفرنسية، وعزفوا أمام 1500 من السجناء عدّة كونشرتات عذبة بمناسبة أعياد الربيع، منها فالسات الدانوب الأزرق وكسارة البندق و بحيرة البجع وكارمن‏. بعدها بعامين كان المايسترو يسير ليلًا في شوارع المدينة الفرنسية، فاستوقفه رجلٌ على موتوسيكل، وقال له: “ألا تعرفني؟ أنا أحد سجناء بوميت. بفضلك أنا الآن مواطنٌ صالح. أحرص على زيارة الأوبرا أسبوعيًّا مع أطفالي.”
سألتُه أن يكرر التجربة في مصر، واستطعتُ أن أقتنص منه وعدًا بزيارة السجون والمدارس ودور الأيتام. فهل تبادر الحكومة المصرية بتلك الدعوة حتى يرتقي معجمُنا من جديد؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناضجون ومراهقون
- عين الطائر ودو كيخوتي
- البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م ...
- كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم


المزيد.....




- إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال ...
- مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - كيف سمحنا بأن نسقط؟