محمد عبد المنعم عرفة
الحوار المتمدن-العدد: 5205 - 2016 / 6 / 26 - 04:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المحور الرابع
موقف اليهود والمتمسلفة من الأمة الإسلامية
فضائل الأمة الإسلامية
إن الله سبحانه وتعالى خص الأمة الإسلامية وشرفها بمزايا, منها ما انفردت به عن الأمم السابقة, فلم يشاركها فيه مشارك ولم ينافسها منافس.. ومنها ما شاركها فيه غيرها, ولكنها متميزة عنهم بالكمال والتمام.. وعلى هاتين القاعدتين تنبنى كل المزايا والفضائل.
وأول مزية بل هى أم المزايا والفضائل رصيد هذه الأمة من الإيمان وكمال يقينها بالله.
- أما رصيد الأمة من الإيمان فعظيم ونصيبها منه كبير وذلك لأنها تؤمن بكل كتاب أنزله الله, وبكل رسول أرسله الله, وبكل ملك خلقه الله بلا تفريق بين أحد.. وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ (البقرة: 285).
فرصيدنا من الإيمان أكبر من غيرنا من الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض, ولهذا المعنى كانت قيمة المسلم فى الموازنة أعلى من قيمة غيره لأن التفاضل إنما هو بالإيمان.. ومن هنا جاز للمسلم أن يتزوج بالكتابية ولم يجز للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم لأنها أفضل منه بإيمانها, أما إيمانه فأنقص منها.
- وأما كمال يقين هذه الأمة فهو بشهادة المعصوم ﴿ص وَآلِهِ﴾ إذ قال: (ما أعطيت أمة من اليقين أفضل مما أعطيت أمتى) رواه الحكيم الترمذى.
أى ما ملأ الله قلوب أمة نوراً شرح به صدورها لمعرفته تعالى ومجاهدة أنفسهم على سبيل الاستقامة عليها بحيث تصير الآخرة لهم كالمعاينة أفضل مما أعطيت أمتى ولا مساوياً لها، فإن الأولين لم ينالوا ذلك إلا الواحد بعد الواحد, وقد حبا الله سبحانه هذه الأمة بمزيد التأدب، وقرب منازلهم غاية التقرب, وسماهم فى التوراة صفوة الرحمن, وفى الإنجيل حلماء علماء أبراراً أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء.. فالفضل الذى أعطيته هذه الأمة النور الذى به انكشف الغطاء عن قلوبهم حتى صارت الأمور لهم معاينة.. قال تعالى: ﴿قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم﴾ (آل عمران: 73).
الخصائص العامة للأمة الإسلامية
أولاً : رفع الإصر:
وذلك بنص القرآن الكريم قال تعالى: ﴿الذين يتبعون النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم﴾ (الأعراف: 157). والإصر أصله الثقل الذى يأصر صاحبه فلا يقدر على التحرك, ومعنى ذلك أن الله تعالى لم يوجب على هذه الأمة الإسلامية شيئاً فوق طاقتهم ولم يجعله من شرعهم كما كان ذلك على من قبلهم من الأمم.. وذلك كبنى إسرائيل مثلاً, الذين كلفوا بجملة من الأعمال الصعبة والتكاليف الشاقة هى أشبه ما يكون بأطواق الحديد التى تحيط بالأعناق (وهى الأغلال).
تلك الأغلال والأثقال كثيرة منها:
1 - قطع موضع النجاسة: فإذا أصابت النجاسة ثوب أو جسد أحدهم فإنه عليه أن يقطعه ليطهره ولا يكفى غسله.
أما هذه الأمة: فإنه يكفى فى شرعها فى مثل ذلك إراقة الماء وغسل المحل فقط سواء كان ذلك مسجداً أو ثوباً أو بدناً.
2 - عدم مؤاكلة الحائض : وذلك أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يخالطوها ولم يساكنوها فى بيت واحد بل يتركوها فى البيت منفردة.
أما هذه الأمة: فقد أبيح لها فى دينها معاشرة الحائض فى المأكل والمشرب والمضاجعة ونهى عن النكاح, والاستمتاع بما بين السرة والركبة احتياطاً.. وهكذا راعى الإسلام بهذا الحكم ميول الإنسان وبشريته بجانب نورانيته وروحانيته, فيربط بين نزوة الجسد العارضة وغاية الروح.
3 - تعيين القصاص فى العمد والخطأ: فقد كان محتماً على بنى إسرائيل القصاص حتى فى الخطأ، ولم تكن فيهم الدية فى نفس أو جرح.
فخفف الله لهذه الأمة بمشروعيته الدية بدلاً عن القتل لمن عفا من الأولياء.
4 - التوبة بقتل النفس: وذلك أنهم لما عبدوا العجل بين لهم سيدنا موسى طريق التوبة بعد العزم عليها وهو أن يقتل البرئ منهم المجرم, وذلك أيضاً هو طريق التوبة فى جملة المعاصى يكون بقطع الأعضاء الخاطئة كاللسان فى الكذب, والذكر فى الزنا, وفقأ العين فى النظر للأجنبية.
أما الأمة الإسلامية: فإن الله سبحانه سهل لهم طريق التوبة, وأخبر أنه يقبلها ويعفو عن السيئات, وأنه يفرح بها أشد من فرح الأم بولدها الرضيع الغائب عنها.
5 - افتضاح أصحاب المعاصى منهم: فقد كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنباً أو فعل معصية فإنه إذا أصبح يجد مكتوباً على باب داره فلان فعل كذا وكذا, وكفارتها كذا وكذا, ويرى ذلك الخاص والعام.
أما الأمة الإسلامية: فإن الله تفضل عليها بالستر كما ثبت عن رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ أنه قال: (كل أمتى معافى إلا المجاهرين أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) متفق عليه.
6 - المؤاخذة بحديث النفس مما لم تعمله الجوارح: وذلك أن الله تعالى ما بعث من نبى ولا أرسل من رسول أنزل عليه الكتاب إلا أخبره أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه فى صدورهم, فكانت الأمة تأتى على أنبيائها ورسلها يقولون: نؤاخذ بما تحدثنا به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا فيكفرون ويقولون سمعنا وعصينا.
ولما قال المؤمنون من هذه الأمة: سمعنا وأطعنا وأسلمنا وآمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله, طمأنهم الله بأنه تجاوز عنهم حديث النفس إلا ما عملت الجوارح: ﴿لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ (البقرة: 286).
بل إن الفرد فى هذه الأمة إذا حدثته نفسه بسيئة ولم يفعلها كتبت له حسنة كما قال ﴿ص وَآلِهِ﴾: (من همَّ بسيئة ولم يفعلها كتبت له حسنة, فإن فعلها كتبت عليه سيئة).
7 - المؤاخذة على الخطأ والنسيان: وذلك بتعجيل عقوبته من تحريم شئ من مطعم أو مشرب عقوبة على حسب ذلك الذنب من كبر وصغر.
أما الأمة الإسلامية: فإن الله وضع عنها الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه, كما ثبت فى الحديث الذى رواه أحمد وابن حبان والحاكم وابن ماجة والطبرانى والدارقطنى.
8 - تحريم اشتغالهم يوم عيدهم: وهو يوم السبت, إذ أخذ عليهم العهد والميثاق بتعظيم يوم السبت والقيام بأمره وعدم اشتغالهم وعملهم فيه, ولذلك لما خالفوا وتحايلوا على اصطياد الحيتان فيه قال الله لهم عقاباً: ﴿كونوا قردة خاسئين﴾ (البقرة: 65).
أما الأمة المحمدية: فإن الله تعالى رفع عنهم هذا الإصر, فهم يتعاملون حتى فى يوم عيدهم يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله﴾ (الجمعة: 9, 1).
9 - الطاعون عذاب على الأمم السابقة: وقد أخبرنا ﴿ص وَآلِهِ﴾ أنه كان حبساً وعذاباً, أرسل على طائفة من بنى إسرائيل وغيرهم، أما هذه الأمة: فإن الله جعله رحمة بهم, وشهادة لهم.
10- تحريم بعض الطيبات من الأطعمة: وهذا كان من العقوبات التى عاقب بها الله بنى إسرائيل بسبب بغيهم وظلمهم وتلاعبهم بشرائع الله وأشرتهم التى جعلتهم يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا.. قال تعالى: ﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً﴾ (النساء: 16). وقد بين الله تعالى أنواع ما حرمه عليهم وهو:
أ - كل ذى ظفر, أى: ما ليس بمنفرج الأصابع, من البهائم والطير كالإبل والنعام والأوز والبط فهى عليهم حرام.
ب - الشحم، أى: المادة الدهنية التى تكون فى الحيوان, فهو عليهم حرام فى البقر والغنم, وأباح لهم منها الشحوم المختلطة بالعظم, وكذا ما تحويه البطن, وكذا ما عليه الظهر من الشحوم كما فى آية الأنعام.
أما الأمة المحمدية: فإن الله تعالى أباح لها كل طيب ﴿اليوم أحل لكم الطيبات﴾ (المائدة: 5).
11 - تحريم الغنائم: كانوا إذا اغتنموا شيئاً من أعدائهم لم يحل لهم أن يأخذوه ويتصرفوا فيه, بل يجمعونها وتنزل نار من السماء فتحرقه, فيكون ذلك علامة قبول غزوتهم.
أما الأمة المحمدية: فإن الله تعالى لشرف نبيها ﴿ص وَآلِهِ﴾ عنده أحل لهم الغنائم كما ثبت فى الحديث الصحيح المتفق عليه, وجعلها حلالاً طيباً كما فى قوله تعالى: ﴿فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً﴾ (الأنفال: 69).
12 - تحريم الصلاة إلا فى مواضع مخصوصة: وذلك أن من مضى من الأمم كانوا لا يصلون إلا فى أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع والكنائس, فمن غاب منهم عن موضع صلاته لم يجز له أن يصلى فى غيره من بقاع الأرض حتى يعود إليه ثم يقضى كل ما فاته.
أما الأمة المحمدية: فإن الله جعل لها الأرض مسجداً, أى: موضع صلاة لا تختص الصلاة منها بموضع دون غيره كما ثبت فى صحيح البخارى.
13 - تخصيص الطهارة بالماء: وذلك أن من مضى من الأمم كان فى شرائعهم وجوب الاقتصار على الماء فى الطهارة, وعدم جواز الاكتفاء بغيره, فإن عدم أحدهم الماء لم يصل حتى يجده ثم يقضى ما فاته.
أما فى هذه الأمة: فإن الله تعالى جعل لها الأرض طهوراً فأيما رجل أتى الصلاة ولم يجد ماء وجد الأرض طهوراً كما ثبت فى صحيح البخارى.
ثانياً : الإكرام بالرحمة الخاصة
ومن خصائص هذه الأمة إكرامهم فى الآخرة بالرحمة الخاصة, فقد وصف القرآن الكريم هذه الأمة بأنه جعل السابق منهم سابقاً، والمقتصد لاحقاً, والظالم لنفسه مغفوراً له.. قال تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومن سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير * وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب﴾ (فاطر: 32 - 35).
قال سيدنا عبد الله بن عباس : (السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب, والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله, والظالم لنفسه يدخل الجنة بشفاعة سيدنا محمد ﴿ص وَآلِهِ﴾).
ففى هذه الآيات إكرام بالفضل فى الجزاء حتى لمن أساء, وتقليد بأمانة الوراثة للكتاب والاصطفاء.
ثالثاً : جعلهم أمة وسطاً
ومن خصائص هذه الأمة أنهم هم الأمة الوسط, وأنهم هم الشهداء على الناس بنص القرآن الكريم: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (البقرة: 143).
وهكذا يحدثنا القرآن من حقيقة هذه الأمة فى الكون, وعن وظيفتها فى هذه الأرض, وعن مكانتها العظيمة فى هذه البشرية, وعن دورها الأساسى فى حياة الناس, مما يقتضى أن تكون لها شخصيتها وذاتيتها المستقلة.. إنها الأمة الوسط التى تشهد على الناس جميعاً فى الدنيا والآخرة.
رابعاً: يسر الشريعة المحمدية
ما من فريضة من الفرائض إلا ويسرها الله سبحانه وتعالى بفتح باب الرخصة والعذر, وهذا التيسير هو الصفة العامة لهذه الشريعة المطهرة قال تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ (البقرة: 185).
وهذه هى القاعدة الكبرى فى تكاليف هذه العقيدة كلها فهى ميسرة ولا عسر فيها, وهى توحى للقلب الذى يتذوقها بالسهولة واليسر فى أخذ الحياة كلها, وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التى لا تكلف فيها ولا تعقيد مما كان على من قبلهم من الأمم.
خامساً: كمال الشريعة المحمدية
من خصائص هذه الأمة أن شريعتها أكمل الشرائع قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (المائدة: 3).
وهذا إعلان صريح من الحق سبحانه وتعالى بإكمال العقيدة وإكمال الشريعة فلا نقص يستدعى الكمال, ولا قصور يستدعى الإضافة, ولا محلية أو زمانية تستدعى التطوير أو التحوير, وهذا الكمال هو من حتميات العمومية المكانية والزمانية فى هذه الرسالة.
سادساً: نورهم يسعى بين أيديهم
ومن خصائص هذه الأمة أن نورهم يسعى بين أيديهم فى الدنيا والآخرة.. ففى الدنيا يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم﴾ (الحديد: 28).
وفى الآخرة يقول تعالى: ﴿يوم لا يخزى الله النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا﴾ (التحريم: 8).
سابعاً: كونهم خير أمة
ومن خصائص هذه الأمة الخيرية بنص القرآن الكريم قال تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ (آل عمران: 11).
وبنص السنة كما قال ﴿ص وَآلِهِ﴾: (أنتم توفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل) رواه أحمد والترمذى وحسنه وابن ماجة.
وقد ذكر الله تعالى من أوصاف هذه الأمة المحمودة إقامة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الخاص والعام, وهذا بمثابة الشرط الذى يؤهل للاتصاف بتلك الخيرية, كما قال سيدنا عمر بن الخطاب فى خطبة له فى الحج: (من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها).
وتتضح صورة هذه الخيرية الإلهية فى الأمة المحمدية فى جلالة أكثر وعظمة أكبر عند ذكر ما يقابلها بالنسبة لغير هذه الأمة كاليهودية مثلاً.. فإن الله لما امتدح الأمة المحمدية بأنها خير أمة أخرجت للناس ووصفها بأوصاف كريمة هيأتها لهذه الخيرية, ذم اليهود بأقبح الصفات وتوعدهم سوء المصير وضرب الذلة عليهم والمسكنة لكفرهم بآيات الله وقتلهم لأنبيائه وتعديهم حدوده.
وبجانب هذه الخصوصية الجليلة التى دلت عليها هذه الآيات فإنها تحمل هذه الأمة بشارة صادقة- صدق القرآن- بأن هذه الكثرة من أعدائهم لن يضروهم ضرراً بليغاً ﴿لن يضروكم إلا أذى﴾ (آل عمران: 111), أى: لا يضروكم إلا ضرراً يسيراً, كأن يؤذوكم بألسنتهم، ويلقوا الشبه بينكم ليصدوا من ضعف إيمانه عن الحق وهو الأذى, وهذا الضرر فى الواقع لا يؤدى إلى هدم كيان الأمة، ولا يؤدى إلى اضمحلال قوتها، فهو ضمان حق، ووعد صدق، من الحق سبحانه وتعالى أكده بعده بوعد ثان وهو أن أهل الكتاب لو قاتلوا المؤمنين الصادقين فإن المؤمنين سيكون لهم النصر عليهم فقال: ﴿وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار﴾ (آل عمران: 111).. ثم ختم بوعد ثالث وهو أنهم بعد نصرهم عليهم لن تكون لأهل الكتاب وعلى رأسهم اليهود قوة أو شوكة للأخذ بثأرهم بعد ذلك ﴿ثم لا ينصرون﴾ (آل عمران: 111).
إلا أن هذه الضمانات العظيمة التى هى بشارات كريمة, مشروطة بمحافظة الأمة الإسلامية على أصلين عظيمين وهما:
1 - ﴿تؤمنون بالله﴾.
2 - ﴿تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾.
فالأمة إذا أرادت أن لا تصاب من جهة اليهود بما يأتى على كيانها فعليها بإخلاص العبادة لربها، والعمل بسنة نبيها، والتقيد بأحكام كتابها، وإعداد العدة الكاملة لقتال عدو الله وعدوها, فإذا لم تلتزم بذلك أصابها الضرر من جهة أعدائها، وأثر فى كيانها، ومكن عدوها منها. وإن الأمل يملأ القلوب فى أن يتم البعث الإيمانى الإسلامى فيربط الحاضر بالماضى, ويروى حديث المجد العزيز المشهود متصلاً مسنداً مرفوعاً.
ثامناً : ثبوت الفضل لآخر هذه الأمة كما ثبت لأولها
روى أحمد وأبو داود عن ابن عمر قال: سئل رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ فقيل: أرأيت من آمن بك ولم يرك, وصدقك ولم يرك, قال: (أولئك إخوانى أولئك معى طوبى لمن رآنى وآمن بى, وطوبى لمن آمن بى ولم يرنى- ثلاث مرات).
وجاء عن عمر بن الخطاب قال: كنت جالساً عند رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ فقال: أتدرون أى الخلق أفضل إيماناً؟ قلنا: الملائكة, قال: يحق لهم بل غيرهم. قلنا: الأنبياء. قال: وحق لهم بل غيرهم. قال ﴿ص وَآلِهِ﴾: (أفضل الخلق إيماناً قوم فى أصلاب الرجال يؤمنون بى ولم يرونى فهم أفضل الخلق إيماناً) رواه الطبرانى بإسناد حسن, وأبو داود, وحسنه ابن عبد البر.
تاسعاً : وجود روضة نبيها ﴿ص وَآلِهِ﴾ بالتعيين
ومن فضل الله الذى شرف به هذه الأمة فامتازت به على من سواها من الأمم هو أن روضة نبينا وسيدنا محمد ﴿ص وَآلِهِ﴾ معلوم عندنا بيقين وتواتر لا شك فى ذلك ولا ريب.. هذا الشرف وهذا المجد لم يثبت لنبى غيره ﴿ص وَآلِهِ﴾، ولا لأمة غير هذه الأمة الإسلامية, وفى هذا يقول ابن حجر:
ولم تعلم مقابرهم بأرض
يقيناً غير ما سكن الرسول
عاشراً : لا تجتمع الأمة على ضلالة
اختص الله هذه الأمة بأن لا تجتمع على ضلالة, ونشأ من ذلك أن إجماعهم حجة وبأن اختلافهم رحمة، فكان اختلاف من قبلهم عذاباً.. أخرج أحمد والطبرانى عن رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ قال: (سألت الله أن لا تجتمع أمتى على الضلالة فأعطانيها, وسألته أن لا يظهر عليهم عدواً فأعطانيها).
وأخرج الشيخ نصر المقدسى فى كتابه الحجة قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (اختلاف أمتى رحمة), والمقصود اختلافهم فى الفروع وليس فى الأصول.
الحادى عشر : لا يهلك الله الأمة بجوع ولا غرق
اختص الله هذه الأمة بأن لا يهلكها بجوع ولا بغرق، ولا يعذبون بعذاب عذب به من قبلهم، ولا يسلط عليهم عدواً غيرهم يستبيح بيضتهم.
أخرج مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها, وإن ملك أمتى سيبلغ ما زوى لى منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض, وإنى سألت ربى لأمتى أن لا يهلكها بسنة عامة ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم فأعطانى).
الثانى عشر: تمنى الأنبياء أن يكونوا أفراداً منها
ما من نبى سابق أو رسول إلا وتمنى أن يكون فرداً فى هذه الأمة لما أعده الله لها من الخير العظيم.. وقد أشار إلى ذلك سيد الأولين والآخرين ﴿ص وَآلِهِ﴾ بقوله: (لو أدركنى موسى بن عمران ما وسعه إلا اتباعى).
بل إن الله تعالى جعل من أفراد هذه الأمة نبياً عظيماً من أولى العزم وهو المسيح عيسى , فإنه حين ينزل يكون من هذه الأمة اتفاقاً مع بقائه على نبوته, بل ذهب جمع من العلماء إلى أنه صحابى لاجتماعه بالنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ مؤمناً به ومصدقاً.. وإذا نزل فإنما يحكم بشريعة نبينا ﴿ص وَآلِهِ﴾ فهو تابع لنبينا ﴿ص وَآلِهِ﴾, ولذلك فإنه يصلى مأموماً مع جماعة المسلمين كما جاء فى الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).
وليس فى الرسل من يتبعه رسول عاملاً بشريعته تاركاً للشرع الذى أوحى إليه به إلا نبينا ﴿ص وَآلِهِ﴾ لأنه رسول الأنبياء كما ورد فى آية الميثاق: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول﴾ (آل عمران: 81).
يقول الإمام أبو العزائم:
الرسل من قبل الحبيب محمد نوابه * وهو الحبيب الهادى
عيسى وموسى والخليل وغيره * يرجون منه نظرة بوداد
رغبوا يكونون أمة لمحمد * وبحبه فازوا بكل مراد
وبمحكم القرآن عاهدهم له * أن يؤمنوا بسراجه الوقاد
والمطلوب هنا: ما هو موقف اليهود والمتمسلفة من فضائل الأمة الإسلامية التى تتزاحم فى كتاب الله وسنة رسوله ﴿ص وَآلِهِ﴾:
أولاً: موقف اليهود من الأمة الإسلامية
كان موقف الإسلام من اليهود فى بداية الدعوة الإسلامية يمتاز بالتسامح العظيم, والإنصاف التام, والمعاملة الطيبة, ودعوتهم إلى الحق بالتى هى أحسن, وإقامة الأدلة الساطعة, والبراهين القاطعة, على صدق النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾, وإباحة طعامهم والتعامل معهم, والزواج منهم, وقبول الجزية منهم دون المشركين, ومعاملتهم بمقتضى قاعدة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا).
ولكن اليهود لم يكونوا عند حسن الظن, فلقد وقفوا من الدعوة الإسلامية موقف المشكك فى صحتها, المعادى لرسولها, المثير للفتن بين أتباعها, وسلكوا فى سبيل القضاء عليها عدة مسالك نذكرها إجمالاً، ومن أراد الاطلاع عليها تفصيلاً فليرجع إلى كتابنا (شكراً نتنياهو) ص 3-16 :
1 - مسلك المجادلات الدينية والمخاصمات الكلامية.
2 - تعنتهم فى الأسئلة لإحراج النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾.
3 - محاولتهم الدس والوقيعة بين المسلمين.
4 - محاولتهم رد المسلمين عن دينهم.
5 - تلاعبهم بأحكام الله تعالى ومحاولتهم فتنة الرسول ﴿ص وَآلِهِ﴾.
6 - تحالفهم مع المنافقين ضد الإسلام.
7 - تحالفهم مع المشركين ضد الإسلام.
8 - إيذاؤهم للرسول ﴿ص وَآلِهِ﴾ بالقول القبيح.
9 - استهزاؤهم بالدين وشعائره.
1 - محاولتهم قتل الرسول ﴿ص وَآلِهِ﴾.
وكان رد فعل الرسول تجاه كل هذه المسالك الخبيثة يتضمن الأمور التالية:
1 - مواصلة دعوتهم إلى الدخول فى الإسلام.
2 - ردهم إلى الصواب فيما جادلوا فيه أو سألوا عنه.
3 - نهى المؤمنين عن موالاتهم ومصافاتهم.
4 - نهى المؤمنين عن سؤالهم.
5 - تحذير المؤمنين أن ينهجوا نهجهم.
6 - تذكيرهم بنعم الله عليهم وعقوباته لهم.
7 - إنذارهم بسوء المصير إذا استمروا فى طغيانهم.
ولكن اليهود ما كفوا عن ذلك, ولا استمعوا للنصح الكريم الذى وجه إليهم, ولا اعتبروا بما أصاب من كان على شاكلتهم من عقوبات, بل استمروا فى طغيانهم وفسوقهم وكيدهم للإسلام, ومحاولتهم القضاء عليه بكل وسيلة.. ولذلك كان لابد من اتخاذ موقف حازم يكون فيه تأديب لهم, ومنع شرورهم.. فكانت غزوة بنى قينقاع, وغزوة بنى النضير, وغزوة بنى قريظة, وغزوة خيبر.
وأوصى الرسول ﴿ص وَآلِهِ﴾ قبيل انتقاله إلى الرفيق الأعلى بإخراج اليهود من جزيرة العرب حتى لا يبقى بها دينان.
وقد اتسع إفساد اليهود فى الأرض منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى اليوم, ولم يكفوا عن الكيد للإسلام والمسلمين, هذا الإفساد أمر قد اتسع نطاقه, وعم بلاؤه, وتعددت أساليبه, وتنوعت وسائله ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى كتابنا (شكراً نتنياهو) ليطلع على الملف الأسود للصهاينة فى قتل المسلمين على مدار التاريخ القديم والحديث ص 52 - 72.
وقد سلكوا أيضاً أساليب أخرى لكيد الإسلام والمسلمين منها: أسلوب التجسس, والتستر خلف الشريعة الإسلامية لإفسادها, ولم يكفوا عن إثارة الفتن والحروب والثورات, وأنشأوا الجمعيات السرية, وأشاعوا الرذائل والفواحش لمسخ كل القيم والأخلاق والمثل العليا.. ويستعدون اليوم لاجتياح بلاد المسلمين وإفنائهم ما بين عام 2- 23 م فى معركة تسمى الهرمجدون.. بعد أن التقطوا أنفاسهم فى مرحلة بدأت منذ عشرين عاماً تسمى مرحلة السلام.. وبعد أن استعدوا للقاء الحاسم بينهم وبين المسلمين نقضوا كل عهودهم ومواثيقهم كعادتهم وكما وصفهم القرآن بقوله: ﴿أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون﴾ (البقرة: 1).
ويتحالفون اليوم مع المشركين الوثنيين الهندوس ضد كشمير وباكستان المسلمتين, كما فعل أسلافهم ضد رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ وأصحابه بالاتحاد مع قريش وقبائل العرب المشركة, وأيضاً يتحالفون مع المنافقين- العلمانيون والمتمسلفة- فى بلاد الإسلام للكيد ضد الإسلام والمسلمين.
ومما سبق يتبين لنا أن اليهود لم يهدأ لهم بال منذ فجر الإسلام للقضاء على الإسلام والمسلمين, وسلكوا فى ذلك كل مسلك, وازداد خطرهم حين جندوا فى بلادنا أعواناً بأسماء إسلامية ليضربوا الإسلام والمسلمين من الداخل.
ثانياً: موقف المتمسلفة قتلة المسلمين من الأمة الإسلامية
بعد أن رأينا فضائل الأمة الإسلامية وخصائصها العامة وهى تتزاحم وتتعدد قاطعة الطريق أمام كل من تسول له نفسه أن يفكر مجرد التفكير فى أن يتهم أحد أفرادها بالكفر أو الشرك أو الزندقة أو المروق, ويدعى لنفسه أن الإسلام ينحصر فيما يراه ويفهمه هو.
فى وسط هذه الفضائل تعلو صرخة مدوية ينقلها لنا البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ وهو يحذر من أن يشهر مسلم على أخيه سلاح التكفير فيقول: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما).
فالنفوس الخبيثة التى فطرت على العناد وبطر الحق- رأيناها فى الشخصية اليهودية وهى تقطر حقداً وغلاً على الإسلام وأهله- زرعت فى داخل الأمة الإسلامية أعواناً لها بأسماء إسلامية يقومون بنفس الدور اليهودى فى محاولة تدمير الإسلام والمسلمين. هؤلاء العملاء جعلوا لفكرهم أصل معلن وآخر خفى..
أما المعلن فهو: إخلاص التوحيد لله, ومحاربة الشرك والأوثان, ولكن ليس لهذا الأصل ما يصدقه من واقع الحركة المتمسلفة.
وأما الخفى فهو: تمزيق المسلمين وإثارة والفتن والحروب فيما بينهم خدمة للمستعمر الغربى.
وهذا هو المحور الذى دارت حوله جهود الوهابية منذ نشأتها وحتى اليوم.. فهو الأصل الحقيقى الذى سخر له الأصل المعلن من أجل إغواء البسطاء وعوام الناس.
فلا شك أن شعار (إخلاص التوحيد ومحاربة الشرك) شعار جذاب سيندفع تحته أتباعهم بكل حماس, وهم لا يشعرون أنه ذريعة لتحقيق الأصل الخفى.
ولقد أثبت المحققون فى تاريخ الوهابية أن هذه الدعوة قد أنشئت فى الأصل بأمر مباشر من وزارة المستعمرات البريطانية. [انظر مثلاً: (أعمدة الاستعمار) لخيرى حماد, و (تاريخ نجد) لسنت جون فيلبى أو عبد الله فيلبى, و (مذكرات حاييم وايزمان) أول رئيس للكيان الصهيونى, و (مذكرات مستر همفر) و (الوهابية نقد وتحليل) للدكتور همايون همتى].
ويعتقد هؤلاء المتمسلفة أنهم وحدهم أهل التوحيد الخالص, وأما سائر المسلمين فهم مشركون لا حرمة لدمائهم وذراريهم وأموالهم, ودارهم دار حرب وشرك!!
ويعتقدون أن المسلم لا تنفعه شهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ما دام يعتقد بالتبرك بمسجد الرسول ﴿ص وَآلِهِ﴾ - مثلاً- ويقصد زيارته ويطلب الشفاعة منه.
ويقولون: إن المسلم الذى يعتقد بهذه الأمور فهو مشرك وشركه أشد من شرك أهل الجاهلية من عبدة الأوثان والكواكب.
[انظر مثلا من أمهات كتبهم: (الرسائل العملية التسع) لمحمد بن عبد الوهاب: 79, و (تطهير الاعتقاد) للصنعانى: 7, 12, 35, و (فتح المجيد) 4, 41, و (رسالة أربع القواعد), و (رسالة كشف الشبهات) لمحمد بن عبد الوهاب.. وغيرها].
ففى رسالة (كشف الشبهات) أطلق مؤسس الوهابية لفظ الشرك والمشركين على عامة المسلمين- عدا أتباعه- فى نحو 24 موضعاً, وأطلق عليهم لفظ: الكفار, وعباد الأصنام, والمرتدين, وجاحدى التوحيد, وأعداء التوحيد, وأعداء الله, ومدعى الإسلام, فى نحو 2 موضعاً, وعلى هذا النحو سار أتباعه فى سائر كتبهم.
فهل جاءوا بعقيدتهم هذه من إجماع السلف, أم هى بدعة منكرة؟.
الرد عليهم سيكون من كلام شيخهم ابن تيمية الذى صرح فى مجموعة فتاواه 13: 2 بأنه لم يكفر المسلمين بالذنوب والاجتهادات إلا الخوارج.
إذن ليس لهؤلاء المتمسلفة سلف يقتدون به فى بدعتهم هذه سوى الخوارج!!.
بين الخوارج والمتمسلفة
مما يثير الدهشة كثرة أوجه الشبه بين المتمسلفة والخوارج فى ما شذوا به عن جماعة المسلمين, فهؤلاء من أولئك وإن تباعد بينهم الزمن. ومن أوجه الشبه والتوافق بين الطائفتين:
1- شذ الخوارج عن جميع المسلمين فقالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر.
وشذ الوهابية فكفروا المسلمين على ما عدوه من الذنوب. (انظر كشف الشبهات , - وتطهير الاعتقاد, ).
2 - حكم الخوارج على دار الإسلام إذا ظهرت فيها الكبائر أنها دار حرب, وحل منها ما كان يحل لرسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ من دار الحرب, أى: تهدر دماؤهم وأموالهم.
وهكذا حكم الوهابية على دار الإسلام- وإن كان أهلها من أعبد الناس لله تعالى وأكثرهم صلاحاً- إذا كانوا يعتقدون جواز السفر لروضة النبى ومشاهد الصالحين ويطلبون منهم الشفاعة.
ويلاحظ فى النقطتين معاً أن الوهابية شر من الخوارج, فالخوارج نظروا إلى أمور أجمع المسلمون على أنها كبائر, بينما ركز الوهابية على أعمال ليست هى من الذنوب أصلاً, بل هى من المستحبات التى عمل بها السلف الصالح والتابعين ومن بعدهم بلا خلاف, كما تقدم بيانه.
3 - تشابه الوهابية والخوارج فى التشدد فى الدين والجمود فى فهمه, فالخوارج لما قرأوا قوله تعالى: ﴿إن الحكم إلا لله﴾, قالوا: من أجاز التحكيم فقد أشرك بالله تعالى, واتخذوا شعارهم (لا حكم إلا لله) كلمة حق يراد بها باطل, فقولهم هذا جمود وجهل كبير, فالتحكيم فى الخصومات ثابت فى القرآن الكريم، وفى بداهة العقول، وفى السنة النبوية، وسيرة الرسول والصحابة والتابعين.
وكذلك الوهابية لما قرأوا قوله تعالى: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ وقوله تعالى: ﴿من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه﴾ و ﴿لا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾. قالوا: إن من قال بجواز طلب الشفاعة من النبى والصالحين فقد أشرك بالله, ومن قصد زيارة النبى وسأله الشفاعة فقد عبده واتخذه إلهاً من دون الله, فكان شعارهم (لا معبود إلا الله) و (لا شفاعة إلا لله), وهى كلمة حق يراد بها باطل, وهى جمود أيضاً وجهل كبير, وجواز هذه الأمور ثابت فى سيرة الصحابة والتابعين كما تقدم.
4 - قال ابن تيمية: (الخوارج أول بدعة ظهرت فى الإسلام فكفر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم) (مجموعة الفتاوى 13: 2).. وهكذا كانت بدعة الوهابية، وهى آخر بدعة ظهرت فى الإسلام.
5 - الأحاديث الشريفة التى صحت فى الخوارج ومروقهم من الدين, انطبق بعضها على الوهابية أيضاً.. ففى الصحيح عنه ﴿ص وَآلِهِ﴾ قال: (يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, سيماهم التحليق) (صحيح البخارى, كتاب التوحيد, باب 57 ح 7123).
قال القسطلانى فى شرح هذا الحديث: (من قبل المشرق: أى من جهة شرق المدينة كنجد وما بعدها) (إرشاد السارى 15: 626 طبعة دار الفكر سنة 141 ه).
و(نجد) هى مهد الوهابية وموطنها الأول الذى منه ظهرت وانتشرت.. وأيضاً فإن حلق الرءوس كان شعاراً للوهابية يأمرون به من اتبعهم وحتى النساء.. ولم يكن هذا الشعار لأحد من أهل البدع قبلهم؛ لذا كان بعض العلماء المعاصرين لظهور الوهابية يقولون: (لا حاجة إلى التأليف فى الرد على الوهابية, بل يكفى فى الرد عليهم قوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (سيماهم التحليق), فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم. (فتنة الوهابية لزينى دحلان مفتى مكة ص 19).
يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان
6 - جاء فى الحديث النبوى الشريف فى وصف الخوارج: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) (ذكره شيخهم ابن تيمية فى مجموعة الفتاوى 13: 32).
- وهذا هو حال الوهابية تماماً, فلم يشنوا حرباً إلا على أهل الإسلام, ولم يعرف فى تاريخهم أنهم قصدوا أهل الأوثان بحرب أو عزموا على ذلك, بل لم يدخل ذلك فى مبادئهم وكتبهم التى امتلأت بوجوب قتال أهل الإسلام!!.
جاء فى كتاب (مصر فى القرن التاسع عشر) تأليف إدوار جوان, تعريب محمد مسعود الفصل الثامن ما يلى: [كان الوهابيون لا يتسامحون مع أضدادهم فى المذاهب إذ كان لايزعهم وازع عن إيذائهم ومعاملتهم بالعسف والشدة, كلما تحيونا الفرصة؛ لذلك فقد كانوا يتعدون على الحجاج ويسلبون السابلة, ويريقون دماءهم, وبعد أن ينهبوا السفينة يلقون بنوتيتها فى البحر ثم يمضون كما لو كانوا عائدين من مصاد لؤلؤ أو غرس نخل لبث دعوتهم, والوقوف بين الناس موقف الوعظ, أو الصلاة لحمد الله على ما أولاهم من نعمة القناعة والتطهير من أدران العبث والفساد.
وكان إذا عارضهم أحد أو وقف فى سبيل نشر دعوتهم, أو أنكر خطتهم فى غاراتهم ذبح بلا رحمة.. ولولا تحكيمهم البتار فى الرقاب لما استطاعوا نشر عقيدتهم, أو ألقوا الفزع فى القلوب تمهيداً لقبولها, وهاك مثالاً من الدعوة التى كانوا يدعون بها جيرانهم المسلمين إلى مذهبهم (معنى لا مبنى): (بسم الله الرحمن الرحيم, من خير القبائل إلى فلان أو فلان من أعيان البلد الفلانى.. إن الإسلام هو الإيمان حقاً بالله وبرسالة نبيه, وبه يتميز المسلم الصادق من الكافر, والذين يتولون الحكم عليكم وتأتمرون بأوامرهم قد ملأ الفساد والظلم وارتكاب المنكر قلوبهم, أما نحن فعلى غير ذلك ننصح إليكم بالعودة إلى الإيمان والإسلام, وقد جئنا إليكم بجيوش من المؤمنين, فمن منكم أراد الإسلام فليكتب لنا بما أراد فإننا نترك له أملاكه ونقيمه فيما تحتويه من عرض الدنيا. واعلموا أننا وصلنا بسلامة الله وسنجئ إليكم بحشد حشيد من الجنود للجهاد على بركة الله وحسن معونته, وهذا بلاغ إليكم فمن منكم تخلف عن الكتابة إلينا بموافقتنا جرد مما يملكه, ولا يعترف به أحد منا, وسنصل إليكم إن شاء الله فى هلال الشهر المقبل.. وهذه آخر مرة ندعوكم فيها إلى الدين الصحيح فتكون بلادنا وبلادكم سواء.. والسلام على من اتبع الهدى).
فإذا بقى البلاغ الأول والذى يليه بلا إجابة, بعث الوهابيون بلاغاً ثالثاً كهذا, جعلوه عنواناً على فتح باب الخصومة التى لا واقى من شرها, إذا أخبر كبير الوهابيين جنده وقتئذ بأنه لم يبق مجال للتسامح, وأطلق لهم حرية النهب والقتل, وإذا كانت ثمة وسيلة واحدة لافتداء الحياة, وصيانة شئ من المال فهو دفع مال الزكاة إلى جباة معينين لهذا العمل يباشرونه فى كل شتاء بالبلاد الخاضعة للوهابية, وجبايتها بنسبة رأس واحد من المعز من كل أربعين رأساً, وقرش واف عن كل خمسة جمال, وما يعدل ثمانية فرنكات عن كل رأس من الخيل, ويجب على دافع الزكاة الإقرار فى عهد يؤخذ عليه بأنه قد تحول عن عقيدته الأولى, ويجهر فيه بأنه كان إلى وقت تحوله فى غير طريق الهدى, وأن القبور التى تضم رفات آبائه وأجداده إنما تحتوى بقية قوم كانوا على ضلال وفساد] أ. ه.
وجاء فى جريدة الصفا بتاريخ 21 أغسطس 1924: (والوهابية يستبيحون دم المسلمين فقد دخلوا إلى شرقى الأردن فذبحوا النساء والأطفال حتى بلغ عدد القتلى 275 من المسلمين) وكانوا يغنون عند قتل النساء والأطفال ويقولون:
هبت هبوت الجنة
رايح وين يا باغيها
كيف هذا؟ والرسول ﴿ص وَآلِهِ﴾ يقول: (والذى نفسى بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) رواه النسائى.
ولكن لا عجب فمؤسس الوهابية لا يرى مسلماً على وجه الأرض غير جماعته وكل من خالفه يرسل إليه من يغتاله فى فراشه لأنه يقول بتكفير المسلمين ويستحل دماءهم. (انظر كتاب السحب الوابلة ص276, وكتاب حاشية رد المحتار على الدر المختار ج4 ص 262 وغيرهما).
وأفعال الوهابية هذه تجعل أى مسلم يتهمهم بتهم ثلاث:
1 - الكفر: لقوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) (البخارى ومسلم).
2 - الزنا: لأن من يستحل المرأة الحرة المسلمة ويأخذها سبية ويتمتع بها فهو زان.
3 - السرقة: لأن من يستحل مال المسلمين فهو لص سارق.
آيات القرآن في الكفار يطبقونها على أهل الشهادتين
7 - روى البخارى عن ابن عمر أنه قال فى وصف الخوارج: (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكفار فجعلوها على المؤمنين) [صحيح البخارى كتاب استتابة المرتدين باب 5].
وورد عن ابن عباس أنه قال: (لا تكونوا كالخوارج, تأولوا آيات القرآن فى أهل القبلة, وإنما أنزلت فى أهل الكتاب والمشركين, فجهلوا عملها فسفكوا الدماء وانتهبوا الأموال).
- وهذا هو شأن الوهابية, انطلقوا إلى الآيات النازلة فى عبدة الأوثان فجعلوها على المؤمنين, بهذا امتلأت كتبهم, وعليه قام مذهبهم.
يسردون فى كتبهم كل آية نزلت فى الأصنام وعابديها, ثم يحملون الأصنام على من انتقل إلى البرزخ من الأنبياء والصالحين, ويحملون عابدى الأصنام على أهل القبلة الموحدين, المتوسلين إلى الله بأحبابه (وهذا منطق لا يقره عقل ولا دين, ولا مجرد الخلق الكريم).
* كقوله تعالى: ﴿إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم﴾ (الأعراف: 194).
* وقوله تعالى: ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾ (يونس: 18).
* وقوله تعالى: ﴿إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له﴾ (الحج: 73).. إلخ.
وحاصل ما موهوا به فى هذه الآيات ونحوها, أن الناس قد أطبقوا على دعاء صالحى أهل القبور وندائهم (كما يقولون), وكل دعاء عبادة, وفاتهم أن هذا القياس, إن صدقت صغراه, فقد كذبت كبراه, فلا تكون نتيجته إلا كذباً, فلو كان كل دعاء عبادة, لما صح الفرق بين حاضر وغائب, ولا بين حى وميت, ولكان كل مستنجد بأحد (حياً كان أو ميتا) مستغيثاً به كافراً مشركاً, فيلزم أن يكون الأحياء مشركين حتى فى نداء بعضهم بعضاً.
وبيان كشف هذه المغالطة فى أن الدعاء بمعنى النداء:
** إن كان الدعاء لمن لا يعتقده رباً, فليس من العبادة فى شئ, لا فرق فى المدعوين بين حى وميت, وبين أن يكونوا جماداً لا يسمع ولا يبصر.
** وإن كان لمن يعتقد ربوبيته واستقلاله بالنفع والضر, أو شفاعته عند الله, بغير إذن الله, فهو عبادة لذلك المدعو, ويكون به كافراً, إن قصد به غير الله تعالى.
** وهذا هو ما عليه من نزلت الآيات فيهم من المشركين, أما المسلمون عالمهم وجاهلهم؛ فليس فيهم من يعتقد استقلال أحد بنفع أو ضر إلا الله, فخرجوا بهذا من حكم هذه الآيات.
** وقد يطلق الدعاء على العبادة, وقد علمت أن معناها الخضوع التام لمن يعتقد الربوبية, أو خاصة من خواصها, وهذا ما كان عليه المشركون.
** وربما موهوا عليك بقول النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾: (الدعاء هو العبادة) (الترمذى وابن ماجة وأحمد).
وفى رواية (مخ العبادة) (الترمذى), والحديث الشريف حق, وليس الشأن فى تلاوة لفظه, ولكن فى فهم معناه, وبيانه أن لفظ (ال) فيه للعهد الخارجى عند المخاطبين, وهم المؤمنون, والمعهود عندهم إنما هو دعاؤهم ربهم عز وجل, وليست (ال) هنا للاستغراق كما توهم أولئك المخدوعون.
* وعلى هذا النحو من المغالطة استدلالهم بقوله تعالى: ﴿قل أغير الله أتخذ ولياً﴾ (الأنعام: 14). فإن الولى فى الآية هو المعبود, وهم يصرفونه إلى من تولاه الله من عباده الصالحين تغليظا وتغليطا.
* ومثله استدلالهم بما حكاه الله عن المشركين من قولهم فى أصنامهم: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ (الزمر: 3), فقالوا: إن المتوسلين بالنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ وسائر الصالحين, هم ممن تنطبق عليهم هذه الآية, وهو افتراء واضح على كتاب الله, وعلى المؤمنين, فالآية فيمن اتخذوا (من دون الله) أولياء, والأولياء هنا هم المعبودون, الذين اعتقدوا فيهم الربوبية, والاستقلال بالنفع والضر؛ فعبدوهم لهذا, وزعموا أنهم سيكونون لهم شفعاء عند شريكهم الأكبر- تعالى الله عما يشركون- فالآية فى الربوبية واستحقاق العبادة, لا تتناول بمنطوقها ولا مفهومها ولا بسبب نزولها المؤمنين المتوسلين, فبأى جامع يصح قياس موحد فى الربوبية واستحقاق العبادة للواحد المعبود بحق على مشرك به فيهما. وأى دليل, بل وأية شبهة فيها رائحة من دليل, تجعل توسل الموحد واستغاثته بصالحى المؤمنين من جملة العبادات التى يكفر من فعلها, ما دام المتوسل يعلم أنهم عباد مكرمون, يقبل الله شفاعتهم, والاستشفاع بفضله إن شاء وإذنه.
وهناك فرق جوهرى كبير بين عباد الأصنام والمتوسلين من أمة سيد الأنام, وهو أن عباد الأصنام كانوا يعتقدون أن الأصنام أعلى من الله فى الدرجة والمقام, فقال تعالى ناهياً المؤمنين عن سب الأصنام: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم﴾ (الأنعام: 18).
أما المسلمون بحمد الله بريئون من اعتقاد الربوبية فى غير مولاهم عز وجل, سواء جاهلهم وعالمهم, ورجالهم ونساؤهم وأطفالهم, ولئن سألت أياً منهم, أتريد بتوسلك عبادة غير الله؟ لفزع, فقد استقرت كل ذرة من جسمه على أن الرب المعبود الفعال هو الله, وهو يطلب إليه وحده مستشفعاً بصالحى عباده أحياء, أو أمواتا فى حياة أتم وأعلى عند ربهم يرزقون.
وما داموا قد سلموا بجواز التوسل بالحى, فقد سلموا بجواز التوسل بالميت, إذ الميت حى حياة برزخية, فهل ينكرون الحياة البرزخية ؟
أهل القبلة ليس فيهم كافر ولا مشرك
فى فورة الوباء المنتشر الآن بين أدعياء السلفية, ومن تبعهم بجهل أو نفعية, أو غفلة من الشباب المسكين, الذى عرف شيئا, وغابت عنه أشياء, والذى قرأ ما عند فريق ولم يقرأ ما عند الفريق الآخر, والذى راح بكل السذاجة والحمق والغل يوزع بسخاء صفات الشرك والكفر والزندقة بلا تورع ولا احتياط على كل من خالفهم من أهل القبلة, وفيهم الصديقون وأهل الفضل والتقى والأدب العالى, فاستحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم.
وحسبنا أن نسرد جملة من الأحاديث النبوية الشريفة سرداً بلا كبير شرح ولا تعليق, فهى على ما هى عليه, فى غنى عن كل شرح وتعليق, حيث تكشف أن أهل القبلة كلهم موحدون, وكل مساجدهم مساجد توحيد, وليس منهم كافر ولا مشرك ولا وثنى ولا مرتد, وإن أخطأ أو خالف أو تجاوز.
الحديث الأول: روى الشيخان قال ﴿ص وَآلِهِ﴾: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم, إلا بحقها وحسابهم على الله).
الحديث الثانى: روى مسلم قال ﴿ص وَآلِهِ﴾: (إذا حاصرتم أهل مدينة أو أهل حصن, فإن شهدوا أن لا إله إلا الله, فلهم مالكم, وعليهم ما عليكم).
الحديث الثالث: روى الشيخان عن المقداد بن الأسود أنه قال: (يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا فقاتلنى, فضرب إحدى يدى بالسيف فقطعها, ثم لاذ منى بشجرة فقال: أسلمت لله, أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: لا تقتله, قال: فقلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدى, ثم قال ذلك بعد أن قطعها, أأقتله؟ قال: لا تقتله. فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله, وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال).
الحديث الرابع: روى البخارى وأحمد عن ابن عمر قال: بعث النبى
﴿ص وَآلِهِ﴾ خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة, فدعاهم إلى الإسلام, فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا, فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا, أى: رجعنا عن ديننا القديم, فلم يقبل خالد منهم ذلك لعدم الصراحة فى دخول الإسلام فجعل خالد يأسر ويقتل, إلى أن قال: فقدمنا على رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: فذكرنا ذلك له, فرفع النبى يديه فقال: اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد.. مرتين).
الحديث الخامس: روى مسلم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ يغير إذا طلع الفجر, وكان يستمع الآذان, فإن سمع آذانا أمسك, وإلا أغار, فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر, فقال رسول الله
﴿ص وَآلِهِ﴾: (على الفطرة, ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, فقال: خرجت من النار, فنظروا فإذا هو راعى معزى).
[انظر إلى هذا الحديث, وقارن بين هؤلاء المتمسلفة وهم يقتلون المسلمين والآذان يرفع فيهم بالليل والنهار, وبين فعل رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾].
الحديث السادس: روى البخارى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (من صلى صلاتنا, وأسلم واستقبل قبلتنا, وأكل ذبيحتنا, فذلك المسلم, الذى له ذمة الله ورسوله, فلا تخفروا الله فى ذمته).
الحديث السابع: روى البخارى ومسلم عن أبى سعيد فى حديث الخوارج فقال ذو الخويصرة للنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ [وهو هام جدا]: اتق الله! فقال ﴿ص وَآلِهِ﴾: ويلك!! أولست أحق أهل الأرض أن يتقى الله؟ قال: ثم ولى الرجل. فقال خالد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا، لعله أن يكون يصلى, فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه, فقال رسول الله
﴿ص وَآلِهِ﴾: إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس, ولا أشق بطونهم).
الحديث الثامن: روى مالك والشافعى وأحمد عن عبيد الله بن عدى بن الخيار, أن رجلا من الأنصار حدثه أنه أتى النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ فى مجلس, فساره يستأذنه فى قتل رجل من المنافقين, فجهر رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ فقال: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال الأنصارى: بلى, يا رسول الله ولا شهادة له, فقال: أليس يشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: بلى ولا شهادة له, قال: أليس يصلى؟ قال: بلى ولا صلاة له, قال: أولئك الذين نهى الله عن قتلهم).
[تأمل هذا الحديث العظيم, فإن مجرد الظن بأن هذا الرجل المنافق ينطق بالشهادتين ويصلى حرم دمه, فكيف بالمتمسلفة الذين يحلون دم المسلم وماله وعرضه, لأنه يزور الموتى, أو يصلى فى مسجد ألحق به ضريح رجل صالح فى بناء خاص مقصور عن المسجد؟!].
الحديث التاسع: روى البخارى ومسلم عن عبادة قال: قال رسول الله
﴿ص وَآلِهِ﴾: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله, وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, وأن الجنة حق, وأن النار حق, أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).
[لاحظ معنى قوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: على ما كان من العمل؛ ففيه سماحة وسعة ويسر, لا تعرفها هذه العقول].
الحديث العاشر: روى البخارى ومسلم عن عتبان بن مالك : أن رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ قال: (إن الله حرم النار على من قال: لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله).
الحديث الحادى عشر: روى مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة أن رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ أعطاه نعليه فقال: (اذهب بنعلى هاتين, فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة).
[تأمل سعة الحديث, وما قبله وما فيه من التيسير والرفق السابغ على أهل لا إله إلا الله].
الحديث الثانى عشر: روى مسلم وأحمد عن عثمان بن عفان , قال: قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة).
[اسمعوا هذا أيها المتشددون المتفيهقون الهمفريون- نسبة إلى مستر همفر رجل المخابرات البريطانية وصديق مؤسس الوهابية- فالنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ يعنى: ولو لم ينطق بها, فالله رب قلوب لا رب ظواهر!! أفبعد هذا تحكمون على أهل الشهادتين بالنار أبدا؟!!].
الحديث الثالث عشر: روى الطبرانى والبيهقى وابن أبى الدنيا عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ يقول: (حضر ملك الموت رجلا يموت, فشق أعضاءه فلم يجده عمل خيرا, ثم شق قلبه فلم يجد فيه خيرا, ثم فك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله, فغفر له بكلمة الإخلاص).
الحديث الرابع عشر: روى الحاكم وبن حبان والطبرانى والبيهقى حديث أبى سعيد الخدرى , عن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾: (قال موسى: يا رب علمنى شيئا أذكرك وأدعوك به, قال: قل لا إله إلا الله, قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا, قال: قل لا إله إلا الله, قال: لا إله إلا أنت يا رب, إنما أريد شيئا تخصنى به, قال: يا موسى لو أن السموات السبع, وعامرهن غيرى, والأرضين السبع فى كفة, ولا إله إلا الله فى كفة, لمالت بهم لا إله إلا الله).
الحديث الخامس عشر: روى الترمذى وأحمد وابن ماجة والبيهقى وغيرهم عن عبد الله ابن عمر قال: قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (سيخلص رجل من أمتى على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر, ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتى الحافظون؟ فيقول: لا يارب. فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب. فيقول الله تبارك وتعالى: إن لك عندنا حسنة, فإنه لا ظلم عليك اليوم, فيخرج له بطاقة فيها, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, فيقول: أحضروه, فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ قال: فإنك لا تظلم, فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة, فطاشت السجلات وثقلت البطاقة, فلا يثقل مع اسم الله شئ).
الحديث السادس عشر: روى ابن ماجة والحاكم فى المستدرك عن حذيفة عن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ أنه قال: (يدرس الإسلام كما يدرس وشى الثوب, حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا صدقة ولا نسك, ويسرى على كتاب الله فى ليلة, فلا يبقى فى الأرض منه آية, ويبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة, يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة, لا إله إلا الله, فنحن نقولها, فقال صلة بن زفر لحذيفة: فما يغنى عنهم لا إله إلا الله, وهم لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة, فرددها عليه ثلاثا, كل ذلك يعرض عنه حذيفة, ثم أقبل عليه فى الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار, يا صلة تنجيهم من النار, يا صلة تنجيهم من النار).
[تأمل هؤلاء الذين يقولون: لا إله إلا الله تقليدا دون أن يقوموا بحقها من الصلاة والصيام والنسك الظاهرة ينجيهم الله من النار بها. كما فى الحديث السابق!! فكيف بمن يؤدى حق الله, ولكنه يختلف فى بعض الفروع؟].
الحديث السابع عشر: روى أبو داود والطبرانى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (ثلاث من أصل الإيمان, الكف عمن قال: لا إله إلا الله, لا تكفره بذنب ولا تخرجه من الإسلام بعمل..).
[إذا فإخراج المسلمين من الإسلام بشبهة ليست بالذنب الصريح, ولا بالعمل على المعتقد, كما يفعله المتمسلفون فليس من دين الله على الإطلاق, إنما هو التعصب والغل على أهل الإسلام باسم التوحيد والسنة].
الحديث الثامن عشر: روى البخارى ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).
الحديث التاسع عشر: روى البخارى ومسلم عن ثابت بن الضحاك عن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ قال: (من لعن مؤمنا فهو كقتله, ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله).
الحديث العشرون: روى البخارى من حديث أبى هريرة وابن عمر أن رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ قال: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما).
فهل يرعوى بعد كل ذلك أولئك الذين لا يتوروعون, ولا يستحيون من إخراج مئات الملايين من أهل الإسلام من دينهم؛ لخلافات فرعية, أما سمعوا حديث عائشة عن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾: (لا تكفروا أحدا من أهل القبلة بذنب, وإن عملوا الكبائر, وصلوا مع كل إمام, وجاهدوا مع كل أمير) رواه الطيالسى.
وأما سمعوا حديث هشام بن عروة عن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾: (رحم الله من كف لسانه عن أهل القبلة إلا بأحسن ما يقدر عليه) رواه ابن أبى الدنيا.
لعل فيما ذكرنا من أحاديث, وأقمنا من حجج, ما يجعل هؤلاء يرجعون عما هم فيه, والله الهادى إلى سواء السبيل. [راجع كتاب (أهل القبلة), لفضيلة الشيخ محمد زكى إبراهيم ص 4-56].
المتمسلفة فى خدمة من؟
- هل فكر المتمسلفة يوما بمصالح المسلمين الكبرى؟.
- هل فكروا يوما فى التصدى للمطامع الاستعمارية فى بلادنا الإسلامية؟.
- هل شغلهم الغزو الغربى لبلاد المسلمين؟.
- ماذا قدموا فى مواجهة النفوذ الصليبى والصهيونى فى بلاد الإسلام؟.
- ما هو موقفهم من الولاء للغرب, وفتح الأبواب أمامه ليبسط يديه على ثروات المسلمين وعلى سيادتهم وكرامتهم؟.
لم يعد شيئاً من ذلك خفيا على أحد, فما أن يفتح المسلم عينيه إلا ويدرك أن الوهابية هم أول خدام الاستعمار الغربى فى بلاد المسلمين.. وليس هذا فقط, بل إنك لو تتبعت تراث مؤسس الوهابية وقادة الوهابية الأوائل من بعده فلا تجد فيه أثراً لعمارة الأرض, وإقامة العدل, وإنصاف المظلوم, ومكافحة الفقر والجهل. ولا تجد فيه أثراً لتحسين وجه الحياة, وتحقيق التقدم العلمى والاقتصادى والاجتماعى, ولا أثراً للسلم والرخاء.
بل لا تجد فيه سوى تكفير المسلمين ورميهم بالشرك, وإيجاب قتالهم واستباحة دمائهم وأموالهم!!.
إن كل الذين يشغلهم هو وجود قبر هنا, ومسجد هناك, ورجل يقول: يا نبى الرحمة اشفع لى عند الله!!.
هذا هو شغلهم الشاغل لا غير, وهذا هو همهم الوحيد الذى انطلقوا تحت غطائه يسفكون دماء المسلمين ويستبيحون المحرمات ويثيرون الفتن واحدة بعد الأخرى, ولا يهمهم بعد ذلك أن تكون بلاد المسلمين غرضا للأعداء من مشركين وكفار وصليبيين وصهاينة.
وعلى هذا النهج الفاسد تسير الوهابية اليوم, بل وأصبح عداؤهم للأمة الإسلامية واضحاً وصريحاً، ونلمس ذلك فى الكتيب الذى ألفه مفتى المتمسلفة وتابعه بعنوان: (فتاوى مهمة لعموم الأمة) هذا الكتاب يقسم المسلمين إلى ثلاث طوائف: كافر, ومشرك, ومبتدع.
فالمشرك: من يحلف بغير الله حتى ولو كان بالنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾, وكذلك من يزور روضات الأولياء والصالحين, ويتوسل بهم أو بالنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾, ومن يدعو عند روضاتهم يعتبر عابدا لغير الله وهو شرك أكبر, ولا يجوز زيارة روضة النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾, بل يجوز زيارة مسجده, ويحرم تعليق الصور بالمنازل وغيرها, ويحرم زيارة النساء للقبور.
والكافر: الشيعة الذين يبلغ عددهم أربعمائة مليون مسلم- فى نظر الشيخان - رافضة, والرافضة كفار. والمرأة المتزوجة وزوجها لا يصلى- يستوى التهاون مع إنكار الصلاة- ينفسخ نكاحها لأنها صارت أجنبية عنه, ويجب عليها أن تذهب إلى أهلها حتى ولو كانت ذات أولاد منه, لأن زوجها كفر بعد إسلامه, ولا حق للزوج الكافر فى حضانة المسلم, وإن صلى زوجها عادت إليه مادامت فى العدة, وإن مرت العدة تعود إليه إن شاءت بعقد جديد.
والمبتدع: من يبنى المساجد على القبور, وكذلك القباب على القبور, ومن يقرأ القرآن عندها, والمحتفل بالموالد لإحياء ذكرى الصالحين, وكذلك من يحتفل بالمولد النبوى الشريف, أو بليلة القدر, أو ليلة الإسراء والمعراج, أو ليلة النصف من شعبان.
وعلى هذا التقسيم: لن يفلت مسلم واحد من الشرك أو الكفر أو البدعة.
فإلى متى هذا العبث بالدين وتشتيت الأمة الإسلامية؟
- ولماذا تصدر مثل هذه الكتب فى هذا الوقت الذى نحن فى أمس الحاجة إلى الوحدة ولم الشمل الإسلامى لمواجهة هذه الحملة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين؟
- هل هز مشاعر شيوخ الوهابية وأمرائهم ما جرى لبيت المقدس, ولمسلمى البوسنة والهرسك والشيشان ولبنان والعراق, كما هزهم روضة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب الذى كان الصحابة يزورونه ويصلون عنده؟!.
- أم أثارهم التسلط الأمريكى على منابع النفط فى بلادنا الإسلامية, كما أثارهم روضة ريحانة الرسول الحسين بن على الذى كان الصالحون يشدون الرحال لزيارته وحتى فى زمن الإمام أحمد بن حنبل كما تقدم نقله عن ابن تيمية؟!.
- وهل سيثيرهم الحصار المفروض على ليبيا والسودان والعراق بلا حجة وبلا أدنى ذريعة يمكن قبلوها, كما أثارهم ما وجدوه من هدايا علقت عند روضة الرسول الأكرم ﴿ص وَآلِهِ﴾ فسرقوها؟!.
إنها لمن دواعى الأسى أن تنفق كل هذه الأوقات والجهود والأموال والطاقات الفكرية فى الخوض فى سفاسف الأمور, وتوافه الكلام, التى لا ينشد لها إلا الجهلة والغوغاء والعاطلون من الناس.. وإليك بعض الأمثلة التى شغلوا أنفسهم بها:
- جاء فى كتاب التوحيد على طريقة السؤال والجواب, نشر رابطة العالم الإسلامى (الوهابية), مؤسسة مكة للطباعة والإعلام ص 79:
س: ما حكم أهل الطرق, هل هم من أولياء الرحمن أم من أولياء الشيطان؟.
ج: بل هم من أولياء الشيطان.
س: ولم قلت ذلك؟
ج: لأنهم خالفوا الله وخالفوا رسوله ﴿ص وَآلِهِ﴾ الذى طاعته طاعة لله ومخالفته مخالفة لله.
جاء فى الكتاب السابق ص 119 , 122, 138:
س: ما حكم حالق اللحية؟.
ج: حالق اللحية منافق فاسق خارج عن طاعة الله وطاعة رسوله ﴿ص وَآلِهِ﴾, والفاعل والمفعول فى ذلك سواء, الفاعل الحالق, والمفعول المحلوق له.
س: هل تجوز إمامته أم لا؟
ج: لا تجوز إمامته ولا شهادته ولا صحبته خليلا لك, لقول الرسول
﴿ص وَآلِهِ﴾: (المرء مع من أحب), وإذا قدمته إماما لك فقد عظمته وتعظيمه لا يجوز.
س: هل يجوز أن يكون حالق اللحية مؤذنا أم لا؟
ج: كما لا تجوز إمامته كذلك لا يجوز كونه مؤذنا.
س: ولم لا يجوز ذلك؟.
ج: لأنه خائن, والخيانة نقض ما جعل عليه أمينا سواء فى أمور الدين أو الدنيا.
- جاء فى الكتاب السابق ص 14:
س: ما حكم من يترك الشوارب ولا يقصها؟
ج: إنه مخالف لله ولرسوله ﴿ص وَآلِهِ﴾ مثل حالق اللحية فى جميع ما قدمناه فيه.
س: وهل تجوز إمامته أم لا؟
ج: لا تجوز إمامته ولا شهادته ولا صحبته لغير ضرورة شرعية.
س: ولم قلت ذلك؟
ج: لأنه عاص لله ولرسوله ﴿ص وَآلِهِ﴾ عصيانا ظاهرا لا شبهة فيه ولا إشكال.
يخشون الأمة الإسلامية كما تخشاها إسرائيل
لأن مصيرهم أصبح رهينا بمصير إسرائيل:
إن الذى جعل الوهابية يجدون شغلهم الشاغل فى هذه المواضع عدة أمور كلها تصدق عليهم:
منها: الضحالة الفكرية وضيق الأفق.. فهم لا يحسنون شيئا إلا هذا النوع من الكلام, ولا تستوعب أذهانهم سوى هذا المدى من التفكير.
ومنها: العجز عن فهم الحياة وعن مواكبة العصر.. فهم عاجزون تماما عن التقدم فى البحوث الدينية والعلمية والاجتماعية تقدما مقبولا فى هذا العصر الحديث, فينكبون على الكلام البالى والمهترئ فيبالغون فى تعظيمه وتقديسه لكى يجدوا لأنفسهم منفذا يطلون منه على هذا العالم المتقدم.. وياليتهم نجحوا فى تقديم المعلومات والأحكام الشرعية الصحيحة للناس إذ ليس من شروط الإمامة أو الشهادة أو الأذان أو الصحبة فى الإسلام إطلاق اللحية أو قص الشارب.. ولو كانوا صادقين فليأتوا لنا ببينة, وإن كانوا منصفين فليقرأوا شروط الإمامة والأذان والشهادة والصحبة وسوف ينقلب إليهم البصر خاسئا وهو حسير.
ومنها: ضيق صدورهم وامتلاء قلوبهم بالحقد وكراهية الخير وحب الشر لهذه الأمة.. فمن تتبع لهجاتهم ونبراتهم المتشنجة والمتوترة, وإنشدادهم انشدادا فى غير محله، وتهورهم فى الخطاب, لمس فيهم الضحالة وضيق الأفق والحقد والبغض والهمجية والتخلف بكل معانيها.
ومنها: موالاتهم الصريحة والعلنية لأعداء الإسلام.. وهذا موضوع لا يحتاج إلى بيان وليس هو بخاف على أحد, فليس بين فئات المسلمين من يدين بالولاء للصليبية والصهيونية كما يدين لهم الوهابية, واقرأ فتاواهم التى تقدمت مرة أخرى. وأفعالهم العملية تؤكد ذلك, فهم يخضعون لهم، ويتقربون إليهم، ويدافعون عن عملائهم الخونة, وما يزال هذا هو دينهم الذى لا يرتضون له بدلا, وليس أدل على ذلك من وجود قوات صليبية وصهيونية فى منطقة حفر الباطن ببلد الوهابية.
إن وجودهم فى بلاد الإسلام فتح ولا يزال يفتح الأبواب أمام الصهاينة والصليبية المعتدية لتنفذ كيف تشاء فى الكيان الإسلامى, فتمزق وتنهب وتدمر وتحاصر وتبسط نفوذها, وهؤلاء يمهدون لها كل شئ ويساندون إخوانهم الخونة فى كل مكان.
إنهم الجرثومة الخبيثة التى مهدت للغرب سابقا أن يزرع إسرائيل اللقيطة فى قلب هذه الأمة.. وهم الذين ساندوا على الدوام جميع الأنظمة العميلة للغرب ووقفوا معها بوجه حركات التحرر الأبية.
وهم الجرثومة الخبيثة التى تمهد لتثبيت أقدام المعسكر الغربى فى قلب العالم الإسلامى.. ولتثبيت إسرائيل اللقيطة حتى لا يفكر أحد فى إزالتها.
وهم الأيادى اللعينة التى يحركها الغرب لمواجهة أهل الصلاح فى الأمة الإسلامية, ومساندة الأنظمة العميلة والمنافقة التى تتولى قمعهم بالنار والحديد.
هذه هى حقيقة ما أنجزه الوهابيون وما ينجزونه اليوم وما يدينون به لمستقبلهم!!.
إنهم يخشون الأمة الإسلامية كما تخشاها إسرائيل, لأن مصيرهم أصبح رهينا بمصير إسرائيل.
تكفير الأمة باسم التوحيد عند المتمسلفة
توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية الذى اخترعه ابن تيمية, وزعم أن جميع فرق المسلمين من المتكلمين عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية, ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية, وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ, وزعم أن هذا اعترف به المشركون, فكفر به جميع المسلمين وقلده فيه مؤسس الوهابية كما قلده فيه غيره
هذا التوحيد لم يطلع عليه العلماء المعاصرون له والمتأخرون عنه الرادون عليه ردا سديدا فى كثير من شواذه, ولو اطلعوا عليه لرشقوه بسهام علومهم الصائبة.
وقد اطلعت على كلام ابن تيمية فى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية فوجدته مفرقا فى أربعة مواضع فى كتبه، أذكره كله ليراه القارئ ثم أبطله:
(1) فى الجزء الأول من فتاويه ص 219 فى تفسير قوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال: فبين فى هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما توحيد الربوبية وهو أن لامعطى لما منع الله ولا مانع لما أعطاه, ولا يتوكل إلا عليه، ولا يسأل إلا هو.. والثانى توحيد الألوهية وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع, وأنه ليس كل من أعطى مالا أو دنيا أو رئاسة كان ذلك نافعا له عند الله منجيا له من عذابه.
إلى أن قال: وتوحيد الألوهية أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا, فيطيعه ويطيع رسله ويفعل ما يحبه ويرضاه, وأما توحيد الربوبية فيدخل ما قدره وقضاه, وإن لم يكن مما أمر به وهو توحيد الألوهية ويستغفر الله على ذلك وهو توحيد له فيقول: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ (الفاتحة: 5)
(2) قال فى الجزء الثانى من فتاويه ص 275: فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذى يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه. ويحقق قوله: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وإن كانت الألوهية تتضمن الربوبية, والربوبية تستلزم الألوهية فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعناه عند الاقترن كما فى قوله: ﴿قل أعوذ برب الناسإلخ ﴾ (سورة الناس) فجمع بين الاسمين, فإن الإله هو المعبود الذى يستحق أن يعبد, والرب هو الذى يربى عبده.
(3) قال فى الجزء الثانى من منهاج السنة ص 62 بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين فى التوحيد مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله, ما نصه: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التى ذكرها الله فى كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم, ودخلوا فى بعض الباطل المبتدع, وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية, وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته, ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية, وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله﴾ (لقمان: 25)
وقال عنهم: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ (يوسف: 16) فالطائفة من السلف تقول لهم: من خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله ومع ذلك يعبدون غيره, وإنما التوحيد الذى أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية, بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا فيكون الدين كله لله.
(4) قال فى رسالة أهل الصفا ص 34: توحيد الربوبية وحده لا ينفى الكفر ولا يكفى.
الرد على المكفرين باسم التوحيد
لقد لبَّس ابن تيمية فى تآليفه على العامة وأشباههم من المتفقهة كثيرا بالسلف الصالح والكتاب والسنة، لترويج هواه فى سوقهم, ولكنه فى هذا الكلام صرح بهواه, ولم يلصقه بهما ولا بالسلف, وإنى بحول الله وتوفيقه أكيل له بصاعه الذى لبَّس به على البسطاء كيلا حقيقيا وافيا مبرهنا، فأقول كلامه هذا فى الأربعة مواضع باطل بأحد عشر وجها هى:
الوجه الأول: لم يأمر الله فى كتابه العزيز- الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- عباده بتوحيد الألوهية, ولم يقل: لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية, بل أمر بكلمة التوحيد مطلقة, قال تعالى: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ (محمد: 19) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة فى القرآن مع سورة الإخلاص التى تعدل ثلث القرآن وكان يلزم على الله أن يبين لعباده حقيقة توحيد الألوهية ولا يضلهم ولا يعذبهم على جهلهم نصف التوحيد, ولا يقول لهم: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (المائدة: 3)
الوجه الثانى: لم يأت فى سنة النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ الواسعة التى هى بيان لكتاب الله عز وجل, أن النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية, وأن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية, لأن هذا يعرفه المشركون, بل إن كتب السنة طافحة بأن دعوته ﴿ص وَآلِهِ﴾ الناس إلى الله كانت إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وخلع عبادة الأوثان, ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ إلى اليمن فقال له: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة..الحديث), وكان اللازم على هذيان ابن تيمية أن يقول لمعاذ: ادعهم إلى توحيد الألوهية, لأن توحيد الربوبية قد عرفوه.
الوجه الثالث: لم يقل أى صحابى من أصحاب النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية, وإنى أتحدى كل من له إلمام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم ولو برواية واهية.
الوجه الرابع: لم يقل أى واحد من التابعين لأصحابه أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية, فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته على أى واحد منهم لا يستطيعون.
الوجه الخامس: لم يقل أى واحد من أتباع التابعين لأصحابه أن التوحيد قسمان.
الوجه السادس: لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذى انتسب إليه ابن تيمية كذباً: إن التوحيد قسمان وهذه عقيدة الإمام أحمد مدونة فى مصنفات أتباعه فى مناقبه لابن الجوزى وغيره ليس فيها هذا الهذيان.
الوجه السابع: الإله هو الرب, والرب هو الإله, فهما متلازمان يقع كل منهما فى موضع الآخر, قال تعالى: ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم﴾ (البقرة: 21) وكان اللازم- على زعمه- حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية أن يقول الله: (اعبدوا إلهكم) وقال تعالى: ﴿ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه﴾ (البقرة: 258) وكان اللازم- على زعمه- حيث كان النمروذ يعرف توحيد الربوبية أن يقول:)ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى إلهه(, وقال تعالى: ﴿ثم الذين كفروا بربهم يعدلون﴾ (الأنعام: 1)
وكان اللازم- على زعمه- أن يقول:)ثم الذين كفروا بإلههم يعدلون(, وهو شئ كثير فى القرآن.
الوجه الثامن: زعمه أن المشركين يعرفون توحيد الربوبية غير صحيح فى مشركى العرب وحدهم فضلا عن مشركى جميع الأمم, وقد أخبر الله عنهم فى آيات كثيرة بأنهم أنكروا البعث أشد الإنكار, وأنهم ما يهلكهم إلا الدهر, ولو سلمنا أنهم يقرون بتوحيد الربوبية فإن مجرد الإقرار به لا يسمى توحيدا عند علماء الإسلام, ولو كان الإقرار بالربوبية توحيدا – كما زعم- لكان تصديق عتاة قريش النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ وتكذيبهم بآيات الله تعالى توحيدا، ولا يقول بهذا عاقل.
- أيقول عاقل فى فرعون الذى قال: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾ (النازعات: 24) وقال: ﴿يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى﴾ (القصص: 38)، أنه يعرف توحيد الربوبية؟.
- أيقول عاقل فى النمروذ بن كنعان الذى ادعى الربوبية وحاج إبراهيم فى ربه وزعم أنه يحيى ويميت, أنه يعرف توحيد الربوبية؟.
- أيقول عاقل فى الدهريين المنكرين وجود الإله, وفى الثنوية المنكرين وجود إله واحد, وفى الوثنية القائلين بكثرة الأرباب والآلهة, وفى التناسخية, وفى المزدكية, والمخرمية, والبابية, والماركسية, وكل هذه الطوائف الضالة أنها تعرف توحيد الربوبية؟! اللهم رحماك.
الوجه التاسع: حمله قوله تعالى: ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله﴾ (لقمان: 25) الواردة فى المشركين على بعض المسلمين فاسد, ودعواه أن المشركين مع إنكارهم البعث واتخاذهم الأنداد والولد له تعالى يعرفون توحيد الربوبية, تقدم إبطالها ومعنى الآية عند المفسرين ليسندن خلقها فى الحقيقة ونفس الأمر، أى: الفطرة التى فطر الله الناس عليها، إلى الله تعالى, فلو استظهر بالثقلين على إثبات أنه ﴿ص وَآلِهِ﴾ سألهم عن ذلك فأجابوه بالقول لا يستطيع.
الوجه العاشر: حمله قوله تعالى: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ (يوسف: 16) الواردة فى المشركين على بعض المسلمين فاسد أيضا, ومعناها عند المفسرين: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله﴾ فى إقرارهم بوجود الخالق ﴿إلا وهم مشركون﴾, باتخاذهم له أندادا عبدوهم من دونه, أو باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا, أو بقولهم واعتقادهم الولد له سبحانه, أو بقولهم لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك, أو بغير ذلك.
والتعبير فى جانب شركهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة, وفى جانب إيمانهم, أى: إقرارهم، بالجملة الفعلية الدالة على التجدد, دليل على أن شركهم دائم مستمر ملازم لهم, وأن إقرارهم غير دائم ولا مستمر, وإقرارهم بوجود الخالق الرازق المحيى المميت, مع ارتكابهم ما ينافيه مما تقدم من الأقوال والأفعال, دليل على أنه لا يكون توحيدا- كما زعم- ولا إيمانا لا لغة ولا شرعا.
فإن الإيمان لغة هو: التصديق بالقلب مطلقا
وشرعا: تصديق النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ فيما علم مجيئه به بالضرورة.
الوجه الحادى عشر: دل كلامه على أن التوحيد مجزأ إلى ثلاثة أجزاء: توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات, قال فيه: (وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية, وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته, ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية), وعلى هذا يكون التوحيد مثلثا, ويلزم منه تثليث الشرك, وعليه فمقتضى عدله تعالى ورحمته لعباده تثليث العذاب والثواب لهم, فيعذبون ثلثى عذاب المشركين الخالصين, ويثابون ثلث ثواب الموحدين الخالصين, لأنهم ارتكبوا ثلثى الشرك بجهلهم توحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات, وأتوا بثلث التوحيد بمعرفتهم توحيد الربوبية.
وتذبذبه فى تقسيمه التوحيد فى ثلاثة مواضع إلى قسمين, وفى موضع إلا ثلاثة أقسام يدل على جهله بأصول الدين, فإن قيل: ليس هذا تذبذبا وإنما هو تغير فى الاجتهاد ظهر له فى اجتهاده فى تلك المواضع أن التوحيد ينقسم إلى قسمين، وظهر له فى ذلك الموضع أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام, قلت: هذا فاسد فإن الاجتهاد إنما يكون فى الفروع لا فى الأصول.
ويلزم على كلا التقسيمين أنه لا يوجد فى بنى آدم عامة, وفى المسلمين- سلفهم وخلفهم- خاصة موحد خالص, ولا مشرك خالص, إلا من وافقه منهم على رأيه, فلو استظهر هو والمفتونون به بالثقلين جميعا على إثبات رأيه هذا عن أى واحد من السلف الذين يلبس بهم لم يستطيعوا.
لأن التوحيد.. لغة: هو الحكم بأن الشئ واحد, والعلم بأنه واحد.
واصطلاحا: هو إفراد العابد المعبود بالعبادة, أى: تخصيصه بها.
تكفير المسلمين وإضمار دعوى النبوة
ذكر شيخ الإسلام أحمد بن زينى دحلان مفتى مكة فى كتابه: (الدرر السنية فى الرد على الوهابية) ص 98- 1 رأيه فى الوهابية فقال: (وهذه بلية ابتلى الله بها عباده, وهى فتنة من أعظم الفتن التى ظهرت فى الإسلام, طاشت من بلاياها العقول، وحار فيها أرباب العقول, ولبسوا فيها على الأغبياء ببعض الأشياء التى توهمهم أنهم قائمون بأمر الدين, وذلك مثل أمرهم البوادى بإقامة الصلاة, والمحافظة على الجمعة والجماعات, ومنعهم من الفواحش كالزنا واللواط وقطع الطريق, فأمنوا الطرقات, وصاروا يدعون الناس إلى التوحيد, فصار الأغبياء الجاهلون يستحسنون حالهم، ويغفلون ويذهلون عن تكفيرهم المسلمين، فإنهم كانوا يحكمون على الناس بالكفر منذ ستمائة سنة, وغفلوا أيضا عن استباحتهم أموال الناس ودمائهم, وانتهاكهم حرمة النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ بارتكابهم أنواع التحقير له ولمن أحبه، وغير ذلك من مقابحهم التى ابتدعوها وكفروا الأمة بها.
وكانوا إذا أراد أحد أن يتبعهم على دينهم - طوعا أو كرها- يأمرونه بالإتيان بالشهادتين أولا ثم يقولون له: اشهد على نفسك أنك كنت كافرا, واشهد على والديك أنهما ماتا كافرين، واشهد على فلان وفلان أنه كان كافرا- ويسمون له جماعة من أكابر العلماء الماضين- فإن شهدوا بذلك قبلوهم وإلا أمروا بقتلهم.
وإذا دخل إنسان فى دينهم وكان قد حج حجة الإسلام قبل ذلك يقولون له: حج ثانيا فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشرك فلا تسقط عنك الحج ويسمون من اتبعهم من الخارج المهاجرين, ومن كان من أهل بلدتهم يسمونهم الأنصار.
والظاهر من حال محمد بن عبد الوهاب أنه يدعى النبوة إلا أنه ما قدر على إظهار التصريح بذلك, وكان فى أول أمره مولعا بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذبا كمسيلمة الكذاب، وسجاح، والأسود العنسى، وطليحة الأسدى، وأضرابهم، فكان يضمر فى نفسه دعوى النبوة ولو أمكنه إظهار هذه الدعوة لأظهرها, وكان يقول لأتباعه: إنى أتيتكم بدين جديد, ويظهر ذلك من أقواله وأفعاله, ولهذا كان يطعن فى مذاهب الأئمة وأقوال العلماء, ولم يقبل من دين نبينا ﴿ص وَآلِهِ﴾ إلا القرآن ويؤوله على حسب مراده, مع أنه إنما قبله ظاهرا فقط لئلا يعلم الناس حقيقة أمره فينكشفوا عنه، بدليل أنه هو وأتباعه إنما يؤولونه على حسب ما يوافق أهواءهم, لا بحسب ما فسره به النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ وأصحابه والسلف الصالح وأئمة التفسير, ولا يأخذ بالإجماع ولا بالقياس الصحيح.
وكان يدعى الانتساب إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل كذبا وتسترا وزورا, والإمام أحمد برئ منه, ولذلك رد عليه كثير من علماء الحنابلة المعاصرين له, حتى أخوه سليمان بن عبد الوهاب ألفَّ رسالة فى الرد عليه بعنوان (الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية), وتمسك فى تكفير المسلمين بآيات نزلت فى المشركين, فحملها على الموحدين)أهـ
صور متعددة لتكفير الأمة الإسلامية
وهذا أحدهم لم يدع فرداً من البشرية إلا وقد رماه بالردة, حتى المؤذنين فى المشارق والمغارب, لأنهم لم يثوروا على رؤسائهم الذين يحكمون بغير الشرع.. فيقول فى كتابه (فى ظلال القرآن) الجزء الثانى ص 157 ما نصه: (لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله, فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد, وإلى جور الأديان, ونكصت عن لا إله إلا الله, وإن ظل فريق منها يردد على المآذن (لا إله إلا الله), دون أن يدرك مدلولها, ودون أن يعى هذا المدلول وهو يرددها, ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التى يدعيها العباد لأنفسهم- وهى مرادف الألوهية- سواء ادعوها كأفراد, أو كتشكيلات تشريعية, أو كشعوب. فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة, فليس لها إذن حق الحاكمية.. إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية, وارتدت عن لا إله إلا الله, فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية, ولم تعد توحد الله, وتخلص له الولاء.
البشرية بجملتها, بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن فى مشارق الأرض ومغاربها كلمات: لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذابا يوم القيامة, لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد- من بعد ما تبين لهم الهدى- ومن بعد أن كانوا فى دين الله!).
الرد عليه: لقد غاب عن هذا الفيلسوف أن الحاكمية كالإمامة والخلافة هى للبشر، وليست لله، بمعنى أن الحاكم بشر يحكم بما أنزل الله وقد دعا القرآن إلى تحكيم البشر فى هدى الحج فقال: ﴿فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم﴾ (المائدة: 95)
وفى الخلافات الزوجية قال: ﴿وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما﴾ (النساء: 35) وقد ورد فى القرآن إطلاق لفظ أحكم الحاكمين (هود: 45)، وخير الحاكمين (يونس: 19) على الله تعالى، وهذا يسمح بإطلاق لفظ الحاكم على الله تعالى وعلى البشر لكن بمعنيين مختلفين
- ثم يذكر فى الجزء الثانى ص 841 ما معناه: أن من حكم ولو فى مسألة جزئية بغير الشرع فهو خارج عن الدين.
- ويذكر فى الجزء الثانى ص 94 أن الذين يقولون: إنهم مسلمون ولا يقيمون ما أنزل إليهم من ربهم، هم كأهل الكتاب هؤلاء ليسوا على شئ كذلك.
- ثم يكفر من يحكم بغير الشرع إطلاقا ولو فى قضية واحدة فيقول فى الجزء الثانى ص 972: (والإسلام منهج للحياة كلها, من اتبعه كله فهو مؤمن وفى دين الله, ومن اتبع غيره ولو فى حكم واحد، فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله, وخرج من دين الله, مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم, فاتباعه شريعة غير شريعة الله, يكذب زعمه ويدمغه بالخروج من دين الله).
- وزاد فى الجرأة إلى أن ذكر فى الجزء الثالث ص 1198: أن من أطاع بشرا فى قانون ولو فى جزئية صغيرة فهو مشرك مرتد عن الإسلام مهما شهد أن لا إله إلا الله.
الرد عليه: والعجب أن من أتباعه والمنادين برأيه المكفرين لمن حكم بالقانون ولو فى جزئية صغيرة، قسم منهم يشتغلون بالمحاماه، وقسم آخر يتعاملون بالقانون أمثال المستشار حسن الهضيبى المحامى، وعمر التلمسانى المحامى، وعبد القادر عودة المحامى فكفاهم هذا خزياً وتهافتاً ومناقضة لأنفسهم [راجع كتاب (أيها القرنيون هلا فقهتم)، للسيد عز الدين ماضى أبى العزائم، ص 385]
- ويطلق القول بعد ذلك فى الجزء الثالث ص 1257 بأن الإسلام اليوم متوقف عن الوجود مجرد الوجود, وأننا فى مجتمع جاهلى مشرك.
- ويقرر فى الجزء الرابع ص 1945 أن البشرية اليوم بجملتها مرتدة إلى جاهلية شاملة فيقول: (إن رؤية واقع البشرية على هذا النحو الواضح تؤكد لنا أن البشرية اليوم بجملتها قد ارتدت إلى جاهلية شاملة).
ويقرر فى الجزء الرابع ص 212 ما معناه أن الاشتغال بالفقه الآن بوصفه عملا للإسلام هو مضيعة للعمر والأجر أيضا, طالما الناس فى جاهلية يعبدون حكامهم.
ويذكر فى الجزء الرابع ص 2122 أنه لا يوجد اليوم رئيس مسلم ولا رعية مسلمة, ولا مجتمع مسلم, إنما هى على زعمه جاهلية شاملة فيقول: (إنه ليس على وجه الأرض دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هى شريعة الله والفقه الإسلامى).
وكلامه هذا يؤدى إلى أن الدنيا كلها بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة ليست دار إسلام بل دار حرب.
الملف الأسود للمتمسلفة فى قتل المسلمين (*)
سجل القرآن الكريم على اليهود فى كثير من آياته قتلهم الأنبياء, والذين يأمرون بالقسط من الناس..فقال تعالى:﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم﴾ (آل عمران: 21).
وكتابهم التوراة طافح بجرائمهم وشرورهم التى ارتكبوها فى حق البشرية من قتل وسلب وسبى وحرق وإبادة.
والذى يتتبع التاريخ فى جميع مراحله, يجد أن رذيلة القتل والاغتيال طبيعة عند اليهود, فى كل عصورهم, ومن يستعيد التاريخ القريب والبعيد, يدفعه إلى ذلك أنين الجرحى, وحزن الثكالى, ورائحة الدماء..يتأكد من أن الإرهاب والإجرام صفة صهيونية, حتى قبل تأسيس الكيان الصهيونى فى فلسطين..فالصهاينة يترجمون وصايا كتابهم (المقدس) على حساب العرب والمسلمين كما قال موشى ديان..وذلك يكون عبر المجازز الوحشية وحرب الإبادة. ولكن الشىء العجيب أن يتوافق فعل المتمسلفة فى القتل وسفك الدماء والسرقة والنهب والسبى والحرق مع أفعال اليهود, حيث يحذون حذوهم حذو النعل بالنع.
وإليك تفصيل هذا الأمر الخطير:
1-تدمير القرى:
- إذا كان اليهود قد قاموا بالهجوم على قرية سعسع الفلسطينية ليل14/2/1948م ونسفوا 2 منزلا على سكانها, ودمروا قرى الجودرة, وخصاص, وفعليا الجيدة, وهديبا,ودير أبو سعيد فى 27/1/1948م, وأبادوا سكانها عن بكرة أبيهم.
- فإن المتمسلفة قتله المسلمين قاموا يوم الخميس17/8/1995م فى الجزائر بمحاولة تدمير قرية صغيرة باستخدام البلدوزرات والشاحنات الضخمة بدعوى تعاونها مع قوات الأمن
وقاموا يوم الخميس 1/1/1996م بقتل 38 مدنياً فى ليلة واحدة فى منطقة الحيران قرب الأغواط جنوب الجزائر, حيث نصبوا حاجزاً عند تقاطع طرق, وأوقفوا جميع السيارات التى مرت, وقتلوا ركابها بالرصاص أو بالسلاح الأبيض.
وفى يوم السبت 2/11/1996م قام عشرين من المتمسلفة بالجزائر بالهجوم على قرية دواودة غربى العاصمة مستخدمين السلاح الأبيض, واستمرت المذبحة ثلاث ساعات, واستهدفت إحدى العائلات الكبيرة, حيث تم ذبح عشر سيدات وثلاثة أطفال, بعد أن جمع هؤلاء القتلة الضحايا فى غرفة واحدة قبل ذبحهم واحداً تلو الآخر وسط صراخ الأطفال وتوسل النساء.
وعندما دخلت حركة طالبان الوهابية منطقة مزار شريف بأفغانستان التى تقطنها أغلبية شيعية عام 1998م قاموا بمجزرة بشعة راح ضحيتها 2 شخص مسلم, من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال, وفى خرق لكافة المواثيق والأعراف قتلوا تسعة من الدبلوماسيين الإيرانيين المسلمين.
2-الفخاخ الغادرة:
- إذا كان اليهود قد استعملوا فى القضاء على خصومهم أخس أنواع الغدر والنذالة, فهم لا يواجهون أعداءهم فى وضح النهار, وإنما يرتكبون بعض جرائمهم عن طريق الخيانة والخديعة.. من ذلك أنهم فى مارس سنة 1963م أرسلوا طرداً من المتفجرات إلى ستة من الخبراء الألمان فى القاهرة, فقتلوا جميعاً
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين قاموا فى شهر فبراير 1995م بوضع سيارة مفخخة أمام مركز شرطة جزائرى, فانفجرت وقتل 68 مسلما وأصيب 258 آخرون.
وذكرت مجلة منار الهدى فى عددها رقم (69) أن المتمسلفة قتلوا مفتى داغستان محمد سعيد أبو بكروف وأخوه فى انفجار عبوة ناسفة فى العاصمة الداغستانية محج قلعة.. وكان المفتى معروفا بمواقفه التى تنتقد الوهابيين فى داغستان الواقعة على حدود الشيشان.
3- قتل تلاميذ المدارس:
- إذا كان الطيران اليهودى قد قام يوم 8/4/197م بقصف مدرسة بحر البقر فى محافظة الشرقية بمصر, فاستشهد 56 طفلا.
- فإن المتمسلفة قد قاموا يوم الأحد 5/1/1997م بنصب كمين قرب قرية بوعنان القريبة من البليدة جنوب العاصمة الجزائر ل16 تلميذا- أعمارهم بين 12-15 سنة- وسائقهم وقتلوهم جميعاً, وكانوا قبلها بأسبوع قد ذبحوا 11 مدرسة على مرأى من تلامذتهن فى سيدى بولعباس فى جنوب غرب البلاد
وإذا كانوا فى الجزائر قتلوا التلاميذ والمدرسات, فإنهم فى مصر قتلوا آباءهم خارج المدارس وذلك يوم 3/6/1995م حيث قام هؤلاء المجرمون بفتح نيران بنادقهم الآلية على المواطنين الأبرياء العزل فى قرية تندة مركز ملوى محافظة المنيا, وهم ينتظرون خروج أبنائهم من المدرسة عقب أداء امتحاناتهم فى الشهادة الإعدادية، حيث قتلوا (9) أشخاص من بينهم طفل فى الثالثة من عمره.
4- قتل المصلين فى المساجد:
- إذا كان اليهود قد شنوا هجوما بالدبابات على بلدة الدوايمة الفلسطينية فى 26/1/1948م فقتلوا حوالى 75 مصلياً فى مسجدها, ثم تعقبوا المدنيين فى منازلهم حتى وصل مجموع الضحايا إلى 58 شهيداً، قتلوا بوحشية لا توصف بهدف حمل الفلسطينيين على الفرار من بلادهم
كما قام حرس الحدود فى أكتوبر 199م بإطلاق الرصاص على المصلين بالمسجد الأقصى فاستشهد أكثر من 21مسلماً, وجرح حوالى 15, واعتقل 17 شخصاً داخل وخارج الحرم, وقد عمل حرس الحدود لمنع نقل الجرحى, ومنع وصول سيارات الإسعاف لمدة 6 ساعات, وأصيب فيما بعد أطباء وممرضين حاولوا إسعاف الجرحى.
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين قاموا يوم السبت21/1/1995م بمجزرة بشعة أثناء صلاة الجمعة بمسجد بلدة جبا بمنطقة بيشة السعودية, حيث لقى ستة أشخاص مصرعهم وأصيب مائة شخص وواحد.
وفى يوم الجمعة 2/6/1996م ألقوا قنبلة على المصلين فى بلدة بركة الجزائرية أثناء أداء المصلين لصلاة المغرب, فقتلوا مالا يقل عن ستة أشخاص.
وفى يوم السبت 15/8/1998م قتلوا الشيخ المصرى محمد صلاح عبد المطلب إمام المسجد الحسينى فى مدينة صنعاء باليمن, لأنه فضح أساليبهم, وبدلا من أن يردوا الحجة بمثلها قام أحدهم بطعنه بخنجر فأرداه قتيلاً.
5- قتل المصلين فى رمضان:
- إذا كان اليهود قاموا يوم25/2/1994م بإطلاق القنابل اليدوية وطلقات الرصاص فى جنبات الحرم الإبراهيمى الشريف فى الخليل, فاخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم وهم يؤدون صلاة الفجر فى يوم الجمعة من شهر رمضان, لتصيب أكثر من (35) بين شهيد وجريح فى أقل من (1) دقائق.
وقيل يومها: إن منفذ العملية رجل واحد هو الطبيب باروخ جولد شتاين, فيما ساعده آخرون فى تعبئة الذخيرة..وفى الخارج أطلق الجيش الإسرائيلى النار على من حاول الهرب من المسجد, ومنعوا السكان من الوصول لإنقاذ الجرح, وأطلقوا النار على الداخلين للتبرع بالدم.
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين قاموا فى رمضان 1417ه بإخراج المسلمين فى قرية جزائرية أثناء صلاة التراويح, وكان عددهم(35) مصلياً وذبحوهم أمام المسجد وقتلوا شيخاً كبيراً فى الثمانين من عمره لأنه قال: إن هذا إجرام, بعد أن أنزلوه من على المنبر وهو يخطب الجمعة وبلغ إجمالى القتلى الجزائريين فى شهر رمضان عام 1417ه من عمليات عربات مفخخة أكثر من 4 شخص مسلم (جريدة المسلمون 9/5/1997).
وفى مساء أول ليلة من رمضان 1418ه بلغت المذابح ذروتها حيث تم قتل 412 قروياً جزائرياً، منهم كثير من النساء والأطفال ذبحوا، وتم التمثيل بجثثهم بشكل بشع بالفؤوس والسيوف.
6- السرقة والقتل:
- إذا كان اليهود يطبقون ما جاء فى سفر يشوع- الإصحاح الثامن- العدد24-28: [ولما أفرغ بنو إسرائيل من قتل جميع سكان (العى) فى الصحراء , وفى البرية حتى لحقوهم وسقطوا جميعهم بحد السيف عن آخرهم, رجع جميع إسرائيل إلى العى وضربوها بحد السيف* وكان جملة من قتل فى ذلك اليوم من رجل وامرأة اثنى عشر ألفاً جميع أهل العى* ولم يرد يشوع يده التى مدها بالحربة حتى أبسل جميع سكان العى* فأما البهائم وسلب تلك المدينة فغنمها إسرائيل لأنفسهم على حسب أمر الرب الذى أمر به يشوع*وأحرق يشوع العى وجعلها تل ردم إلى الأبد خراباً إلى هذا اليوم].
تعليق:
الغنيمة التى تتحدث عنها التوراة إنما هى سرقة وسلب لأن الغنائم لم تحل إلا لسيدنا محمد ﴿ص وَآلِهِ﴾ كما جاء فى حديث صحيح: (وأحلت لىّ الغنائم ولم تحل لأحد من النبيين من قبلى).
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين قاموا يوم الثلاثاء 6/8/1996م بالهجوم على بنك مصر فرع العياط وسرقوا (4) ألف جنيه مصرى, وقتلوا حارس الأمن بالبنك عبد الحميد نادى عبد المنعم, ويتموا أولاده الستة, وناصر مصطفى عبد الحميد (مكوجى) , وصادق صديق (صاحب مصنع طوب) وسرقوا سيارته البيجو.
كما قاموا يوم الأحد 18/8/1996م بسرقة محلات الذهب فى مدينة طهطا محافظة سوهاج, بعد قتل كل من: مترى عطا عطية,وصفوت شفيق, وإصابة جورج عطا عطية, وعابدين ثابت محمد, والطفل برسوم ثروت, وقاموا بسرقة سيارة نصف نقل من سائقها أحمد الكشكى.
7- القبور الجماعية:
- إذا كانت وحدة الهاجاناه اليهودية دفنت 245 جثة من النساء والأطفال والشيوخ والرجال فى قبر جماعى بعد مذبحة دير ياسين, فيما تقدر مصادر أخرى أن العدد 36 جثة من أصل 61 هم سكان القرية.
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين فعلوا ذلك أيضاً كما تذكر مجلة منار الهدى فى العدد(74) أن السلطات الجزائرية عثرت على نحو أربعين جثة فى بئر مهجورة فى مدينة سيدى موسى الواقعة على مشارف العاصمة الجزائرية, بعد أن تعرضوا للاختطاف والتعذيب قبل اغتيالهم. وكذلك تم انتشال أشلاء نحو مائة وعشرة أشخاص فى منطقة مفتاح جنوبى غرب الجزائر فى قبر جماعى.
8- تهجير السكان:
- إذا كان اليهود يقومون بجرائم بشعة من أجل طرد الفلسطينيين من أرضهم, وقد نجحوا فى ذلك, حيث كان عدد السكان العرب سنة 1948م داخل المنطقة التى احتلها اليهود من فلسطين 3 ألف نسمة, وصلوا فى سنة 1964م إلى 22 ألف نسمة, أى أنهم نقصوا 8 ألف نسمة فى 16 سنة.
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين قاموا أيضاً بأعمال عنف واسعة النطاق فهاجر 3 ألف جزائرى من المميزين فى شتى المجالات إلى أوروبا, وهم من خيرة شباب الجزائر من المثقفين والصحافيين والكوادر.. وذلك بخلاف حوالى مليون جزائرى متفرقين فى أوروبا, يوجد فى فرنسا وحدها 932 ألفاً.
9- ضرب السفارات:
- إذا كان اليهود قد برعوا فى ضرب السفارات بقصد الفتن والدسائس بين الدول, كان آخرها ضرب السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا عام 1998م.
- فإن المتمسلفة أيضاً قاموا بذلك, حيث كان أشهرها هو ضرب السفارة المصرية فى باكستان عام 1995م.
10- اغتصاب المسلمات:
- إذا كان اليهود فى فجر يوم 1/4/1948م، انقضت عصاباتهم على قرية دير ياسين, وراحت تذبح سكانها وتحرق البيوت وهم بها نيام, وكلما احتلوا منزلاً فجروهّ بعد أن يهرب سكانه مذعورين طالبين النجاة لأطفالهم ونسائهم وعنده كانت عصابات شتيرين والأرجون تصطادهم وتحصدهم فى الطرقات, واستمرت العملية إلى ظهر 1/4/1948م. وعندما انتهت عملية تفجير القرية تم جمع من بقى حياً وقتل بالرصاص.. بعد اغتصاب البنات الصغيرات, وبقر بطون النساء الحوامل بسكين الجزار, وقطع أيدى وآذان النساء لسرقة الأساور والأقراط الذهبية.. وطافوا بالأطفال والنساء وهم عرايا.. شوارع الأحياء اليهودية فى مدينة القدس.
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين فعلوا ذلك أيضاً.. فقد نشرت جريدة الأخبار القاهرية يوم 24/2/1996م أنه بعد أن أصدر شريف قو سامى أمير المتمسلفة فى الجزائر فتوى بإباحة اغتصاب الفتيات المسلمات, قام أتباعه باختطاف آلاف الفتيات وتم اغتصابهن بحجة أنهم مجاهدون وهؤلاء غنائم لهم.. وقد اعترف أكثر من(3) سيدة وفتاة على شاشات التليفزيون الجزائرى بذلك, ولم تعترف الآلاف من النساء خوفاً من العار الذى قد يلحق بأسرهن.. ونتيجة لذلك قامت (1) ألف امرأة جزائرية بأضخم مظاهرة ضد الإرهاب القبيح.
11- ضرب الاقتصاد:
- إذا كان اليهود يقومون بحصار الفلسطينيين, وطردهم من أعمالهم, وعدم السماح لهم بتصدير منتجاتهم بهدف تدمير الاقتصاد الفلسطينى. ويحاربون الاقتصاد الإسلامى بنشر الدعارة والمخدرات والأمراض القاتلة كالإيدز فى البلاد الإسلامية.
ويدمرون السياحة فى مصر عن طريق حوادث قتل الأجانب كما فعلوا العام الماضى بالأقصر. ويقتلون النابغين فى المجالات المختلفة بقصد إصابتها بالشلل كما فعلوا بالدكتور المشد عالم الذرة المصرى.
- فإن المتمسلفة قتلة المسلمين قاموا فى الجزائر- طبقا لما أعلنته الحكومة الجزائرية ثالث أيام عيد الفطر المبارك عام 1415ه- بقتل 6833 جزائرى خلال عام 1994م, ولم توجد فئة من فئات الشعب الجزائرى نجت من هذه المذابح, فقد قتل سبعة من المسئولين الكبار, و21 صحافياً, و682 مواطناً مدنياً, و11 مدرساً, 227 عاملاً, و15 قاضياً, و52 واعظاً وإمام مسجد ومفتيا, ولم يتم الإعلان عن القتلى فى الجيش.. وأحرقت 6 مدرسة, و224 بلدية ولاية, و78 مركز تليفون, و1218 شاحنة, و356 حافلة نقل, و7 قطارات [جريدة المسلمون 2/6/1995م]. وآخر الإحصائيات تقول: إنه تم قتل 17 ألف جزائرى منذ بداية التمسلف فيها عام 1992م, أى بمعدل 66 شخصاً كل يوم.
وفى هجوم على (فرن) قرية إتقا مركز ملوى محافظة المنيا يوم الجمعة 12/5/1995م, استشهد أربعة أشخاص, وأصيب أربعة آخرون بينهم طفل عمره سنتان, وطفلة أخرى كانت تلعب فى حوش منزلها.
وفى يوم الخميس 19/11/1995م قامت مجموعتان مسلحتان بإطلاق الرصاص على قطارين سياحيين أثناء قدومهما من أسوان إلى القاهرة, وأدى الحادث إلى إصابة 13 راكباً بينهم هولندى وفرنسية.
12- جرائم أخرى:
كان حصاد جرائم المتمسلفة فى مصر فى سنة واحدة تبدأ من يونيو 1992م حتى يوليو 1993م كما يلى:
* حصاد الشهداء من رجال الأمن 81 والجرحى 98.
* حصاد الشهداء من الأهالى 71 والجرحى261.
* وفى أفغانستان حدث ولا حرج عما فعله حكمتيار الوهابى, وتبعته جماعة الطالبان الوهابية من تشريد وقتل وتخريب وتدمير لبلد مسلم, استطاع بأبنائه الصوفية أن يقهر القوة العظمى المسماة بالاتحاد السوفيتى سابقاً.
* والجهاد عند (الجماعة الإسلامية) وتنظيم (الجهاد) لتحرير المقدسات يبدأ من تحرير بلاد الإسلام من الحكم الكافر أولاً, ثم بعد ذلك الانطلاق تحت قيادة إسلامية لتحرير المقدسات, وهذه الفكرة اليهودية الخبيثة أضاعت ثروات البلاد, ومزقت المسلمين فرقاً وجماعات متنافرة, والكل يريد الوصول إلى كرسى الحكم مهما كانت التضحيات, مخالفين أمر الله تعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ (الأنفال: 64).
الوهابية يعترفون بصناعة المتمسلفة
على مدى ثلاث عشرة سنة هى عمر مجلة الإسلام وطن- لسان حال الدعوة العزمية- وهى تحذر الأمة الإسلامية من فكر خوارج هذا العصر (المتمسلفة) وأن وراءهم الوهابية تمويلاً وتضليلاً.. حيث قامت الوهابية بزرع أبواق لها فى كل البلدان الإسلامية للتخريب والإرهاب والقتل والتدمير.. ولكن تحقق مالم يكن فى حسبان الوهابية حيث قام هؤلاء الخوارج بتنفيذ مخططاتهم ضد الوهابية نفسها, وهنا انبرى كتاب الوهابية الذين كانوا يمدحون هؤلاء الخوارج ويهاجمون من يكشف حقيقتهم, بالهجوم على هؤلاء الخوارج. كان أشهرها هذا المقال الذى نشرته جريدة المسلمون الوهابية فى العدد رقم (564) السنة الحادية عشرة, يوم الجمعة 2 رجب 1416ه الموافق 24 نوفمبر 1995م فى الصفحة الأخيرة, والمقال لرئيس التحرير د. عبد الله رفاعى حيث يصف الخوارج الجدد قائلاً: (الخوارج اليوم ليسوا كخوارج الأمس.. خوارجنا يحملون سمة الدخول فى مجتمعاتنا، اليوم عاد الخوارج أشد ضلالاً من أسلافهم لا يرقبون فى مؤمن إلاّ ولا ذمة.. نماذج شديدة البؤس والقبح, ومع هذا وجدوا فى جسد الأمة الواهن اليوم مجالاً يرتعون فيه.. ينتشون بسفك الدماء, ويطربون لصوت الرصاص والانفجارات.. يعيشون فى مجاهل الظلام والضلال).
ثم يعترف بأنهم هم الذين صنعوا هؤلاء الخوارج بقوله: (بعضنا للأسف الشديد ساهم فى إلباسهم ثيابنا, وهناك من لا يزال يوفر لهم الغطاء من خلال مجاملتهم واللين فى الخطاب معهم, وإيجاد التبريرات والأعذار بحجج واهية, ليس من أتفهها حتى لا يستفيد أعداء (الصحوة) من نقد أولئك الفجرة؟!! سبحان الله.. كل من حاول كشف انحرافهم وبذل النصح الشرعى لهم, أدخلوه فى زمرة الأعداء. بالأمس قدمنا نحن أفراد الأمة تنازلاً بالغ الخطورة عندما سمحنا لهم بتكفير المجتمعات, والتلميح بتكفير الإنسان المسلم المعاصر من خلال تكفير الحكومات والأنظمة.. بعضنا تلذذ بهذا, وكأن الله سبحانه وتعالى خلقنا بهدف تكفير هذا وذاك.. وتطاول أولئك على العلماء وسكتت الألسن لطمعنا فى المكانة, ولأننا نطرب لهتافاتهم التى لا تتجاوز حناجرهم، فأوغل أولئك فى الفكر الخارجى, واستساغ الأغلبية طريق القتل وسفك الدماء).
ثم يعترف أيضا بأنهم صنعوهم كمرحلة انتقالية إلا أن العقد انفرط منهم, ويطالب بالرجوع إلى الحق وترك هذا الفكر اللعين فيقول: (البعض حاول استخدام هذا الفكر التكفيرى بشكل مرحلى, ولكن انفرط العقد, لأن الغرض سئ والقصد خبيث, إن دماء الأبرياء من المسلمين وغيرهم فى رقاب من يدعون المفكرين الإسلاميين, مسئوليتهم فى هذه الجرائم مسئولية كبيرة, لا تكفرها تمتمات فى الصحف السيارة, يجب على قادة الرأى فى الأمة أن يعوا خطورة الموقف, ويتقوا الله عز وجل بالرجوع للمنهج الحق, واتباع سنة نبيه ﴿ص وَآلِهِ﴾).
ثم يحث على ضرورة محاربة هؤلاء الخوارج لأنهم خطر على الدين والأمن فيقول: (يجب علينا العمل على فضح أولئك, لأنهم بكل بساطة يهددون أمننا واستقرارنا, وبالتالى ديننا).
ثالثاً: موقف الحنابلة من الأمة الإسلامية
كان الإمام أحمد يقف من الأمة الإسلامية كأولئك الفقهاء السالفين, لم يشذ عن طريقهم, والنصوص المنقولة عنه فى هذا كثيرة, فهو يقول فى وصف المؤمن: (أرجأ ما غاب عنه من الأمور إلى الله, وفوض أمره إلى الله, ولم يقطع بالذنوب العصمة من عند الله, وعلم أن كل شئ بقضاء الله وقدره, الخير والشر جميعاً, ورجا لمحسن أمة محمد, وتخوف على مسيئهم, ولم ينزل أحداً من أمة محمد الجنة بالإحسان, ولا النار بذنب اكتسبه, حتى يكون الله الذى ينزل خلقه حيث يشاء) [المناقب لابن الجوزى ص165, والإمام ابن حنبل للشيخ أبو زهرة ص117]
* ويقول فى موضع آخر: (لا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار, نرجو للصالح, ونخاف على المسىء المذنب, ونرجو له رحمة الله, ومن لقى الله بذنب تائباً غير مصر عليه, فإن الله يتوب عليه, ويقبل التوبة عن عباده, ويعفوا عن السيئات, ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك فى الدنيا عن الذنوب التى قد استوجبت بها العقوبة فأمره إلى الله, إن شاء عذبه, وإن شاء غفر له), [المصدر السابق ص 174]
* ويقول أيضاً فى دستور الإيمان: (لا يكفر أحد من أهل التوحيد, وإن عملوا الكبائر) [المصدر السابق 176]
والخلاصة:
إن الحنابلة لا يكفرون أهل القبلة, ولا يستبيحون دماءهم وأموالهم, ويلتمسون لهم العذر, ويرجون لهم رحمة ربهم وهم برآء من المتمسلفة قتله المسلمين الذين اتفقوا مع اليهود جملة وتفصيلاً فى الإساءة والتحقير والقتل للأمة الإسلامية الفاضلة
من المحال
* من المحال أن تكون هذه الأمة المرحومة الممدوحة فى كتاب الله تعالى بأنها خير أمة أخرجت للناس محصورة فى أقلية مكفرة لها وأن يكون الصحابة الكرام على الباطل، والمكفرون لهم على الحق، وأن يكون السواد الأعظم من أمته ﴿ص وَآلِهِ﴾ المستغفرون لهم المترضون عنهم على الباطل
* ومن المحال أن يطرد السواد الأعظم من أمته ﴿ص وَآلِهِ﴾ عن حوضه، ويرده الأقلون المبدلون السبابون المكفرون القتلة، وأن يكون الأقلون أيضاً ثلثى أهل الجنة، وأن يكونوا على الحق وهم يشبهون الله تعالى بخلقه، وأن يكون جمهور الأمة الإسلامية المنزهون الله جل جلاله عن مشابهة المخلوقات على الباطل
* ومن المحال أن يكون المروزى المفسر المقام المحمود بجلوس النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ مع ربه على العرش صادقاً، ورسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ الذى فسره بالشفاعة غير صادق، وأن يكون جماعة المسلمين المفسرون المقام المحمود بالشفاعة اتباعاً لرسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ الذى فسره بها مخطئين، والمروزى مصيباً
* ومن المحال أن تكون الأمة الإسلامية كلها مخطئة فى عملها واعتقادها أن شد الرحال لزيارة روضة النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ قربة، وأن يكون أحمد بن تيمية وحده فى قوله واعتقاده أن شد الرحال إلى زيارة روضة النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ معصية لا يجوز قصر الصلاة فيه مصيباً
* ومن المحال أن تكون الأمة الإسلامية المجوزة التوسل برسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ وبغيره من الأنبياء والصالحين، المثبتة لجاهه وجاههم عند الله تعالى أحياءً وأمواتاً كلها مخطئة مشركة، وأن يكون أحمد بن تيمية المفرق بين الحى والميت فى التوسل، المجيزه بالأول فيما يقدر عليه، المانعة بالثانى مطلقاً، النافى لجاه ومنزلة الأنبياء والصالحين عند الله تعالى مصيباً موحداً
* ومن المحال أن يكون أحمد بن تيمية فى تقسيمه التوحيد إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وفى زعمه أن المسلمين كلهم جهلوا توحيد الألوهية ولم يعرفوا إلا توحيد الربوبية الذى شاركهم فى معرفته الكفار مصيباً، موحداً، والأمة الإسلامية كلها صحابة وغيرهم إلى يوم القيامة مخطئة مشركة فى زعمه، حيث جهلوا توحيد الألوهية ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية
* ومن المحال أن يكون محمد بن عبد الوهاب صادقاً فى قوله: إن الأمة الإسلامية كفرت منذ ستمائة سنة، ومحمد رسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ الذى لا ينطق عن الهوى غير صادق فى قوله: (لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة) وحاشا أن تكون هذه الطائفة محصورة فى محمد بن عبد الوهاب ومقلديه، والنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ لم يقيدها بزمان ومكان وناس
* ومن المحال أيضاً صدق محمد بن عبد الوهاب فى قوله: إن أهل جزيرة العرب كلهم صاروا مشركين قبوريين عبدوا الأنبياء والأولياء بتوسلهم واستغاثتهم بهم، وعدم صدق الذى لا ينطق عن الهوى ﴿ص وَآلِهِ﴾ فى قوله: (أيس الشيطان أن يعبده المصلون بجزيرة العرب إلا بالتحريش بينهم)
* ومن المحال عدم صدقه ﴿ص وَآلِهِ﴾ فى قوله: (لا هجرة بعد الفتح) الذى دل كما قال علماء الإسلام على أن مكة لا تزال بعد فتحه ﴿ص وَآلِهِ﴾ لها دار إسلام إلى قيام الساعة، وصدق محمد بن عبد الوهاب ومقلديه فى زعمهم أن مكة دار شرك حتى يفتحوها هم، وأنه قد أُحل لهم القتال فيها بالرغم من قوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (إن الله تبارك وتعالى حرم مكة منذ خلقها، وأنها لم تحل لأحد قبلى، ولن تحل لأحد بعدى، وإنما أحلت لى ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها كما كانت)
* ومن المحال أن ينقب محمد بن عبد الوهاب عن قلوب المسلمين المتوسلين برسول الله ﴿ص وَآلِهِ﴾ والصالحين من أمته ويشق بطونهم فيعلم أنهم عبدوا المتوسل به من دون الله تعالى فيحكم عليهم بالشرك والكفر.
والنبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ يقول: (إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)
* ومن المحال صدق وتوحيد محمد بن عبد الوهاب فى زعمه أن التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين شرك، وعدم صدق النبى ﴿ص وَآلِهِ﴾ فى توسله بالأنبياء قبله وأمره بالتوسل به، وكيف يكون ابن عبد الوهاب على الهدى والحق والأمة الإسلامية المتوسلة بهم على الضلال والباطل بعد قوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (عليكم بالجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)
وقوله ﴿ص وَآلِهِ﴾: (إن الله تعالى لا يجمع أمتى على ضلالة ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ فى النار)[أخرجه الترمذى]
خاتمة وأمل
قدمنا بكل ما نملك من صدق فى الله، وبتأكيد تام، أننا فيما ننتقد أو نقرر من أمر دينى أو دنيوى، إنما نريد وجه الله وحده، لا نعنى بذلك هيئة بذاتها، ولا تشكيلاً بعينه، ولا فرداً محدداً، ولا شخصاً مخصوصاً، ولا بلدة، ولا منطقة أبداً
وإنما نعنى المبدأ والرأى والفكرة، أو ما قد يسمى الرسالة والدعوة، حقيقة أو مجازاً، أو اعتباطاً، أو حتى مغالطة، وهذا النقد الشريف حق كفله الدين والقانون والعقل والإنسانية المعتدلة، والضرورة الحتمية بكل ما اشترطوه وفصلوه لذلك من أدب الخطاب، وصحة الحجة، وبراءة القصد والمحجة، ولا أحقاد على أهل القبلة، ولا على الذين آمنوا، ولا استغلال للظروف أو للجهل، ولا خدمة مشبوهة لجانب مخصوص
وهذا يجعلنا نلتمس العلاج الحكيم،والعذر أحياناً (لغير المخربين أو القتلة الدمويين عملاء اليهود) تقييماً لكل حالة على حدتها
وعلى الجملة: فلو أن المسئولين أخذوا فى اعتبارهم غيرة كل مسلم على دينه، فغيروا شيئاً من الموجات المنحلة الرهيبة المستقرة فى الإعلام المقروء والمسموع والمنظور، وحاولوا تقريب القوانين من قواعد الشريعة، والحد من أسباب الاستفزاز والسخط والإثارة فى المظهريات المتلاحقة، وفى الترف والمهرجانات الفنية (كما يسمونها)، والرحلات المختلطة، والبعثات الترفيهية، والمناسبات الهامشية، مع الاهتمام بدراسة مادة الدين والأخلاق الفاضلة، والآداب الأساسية دراسة عملية إيجابية فى مراحل التعليم إلى آخر الجامعات المدنية والعسكرية، على أن تكون مادة الدين أساسية فى النجاح والرسوب تماماً كغيرها
ولو أنهم تعاونوا مع الجمعيات الإسلامية الشريفة، الداعية إلى الوسطية والعدل والنهضة الحضارية، والترابط والمحبة والسلام، وجمع الخلق على الحق بلا تعسف, ولا تخلف, ولا تطرف، ولا عمالة، ولا تكفير، ولا تشريك، ولا تفريق بين الأمة، فضلاً عن المجتمع والأسرة
ولو أن المسئولين يسروا لهذه الجمعيات أسباب الإعلام والانتقال والحركة الشعبية المكشوفة بلا خنادق ولا سراديب
ولو أنهم لم يعتمدوا فقط على العلماء الرسميين، وأصحاب الأسماء الشهيرة، نجوم الشاشة الصغيرة، التى ملَّها الناس لكثرة ما هى مفروضة عليهم، فظنوا بها الظنون بالحق والباطل، حتى فقدوا الثقة بها والاستماع إليها، والركون إلى توجيهاتها
ولو أنهم تركوا لهذه الجمعيات الشعبية المخلصة، ورجالها الصادقين مهمة إقناع المتمردين، وترويض المتشددين والمتطرفين، وكشف حقيقة العدو والصديق بوسائلها الخاصة، البعيدة عن الدعاوى والمظاهر، لكانت هذه بشأن التقريب والتجميع، وإرهاصات الاستقرار والأمن والسلام، واستمرار سير القافلة
وإذا أضيف إلى ذلك من السادة المسئولين علاج حقيقى واقعى للجوانب الاقتصادية بفروعها ومراتبها، لكان فى ذلك أكبر حركات الدفع والنهضة والولاء والانتماء والتدرج إلى بلوغ الاستقرار، وتحقيق السيادة والقيادة، والتقدم فى كل جانب ومنَّ الله تعالى علينا بإعادة مجد سلفنا الصالح، تحقيقاً لوعده تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾ (النور: 55)
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_____________________________________
(*) الكتاب تم تأليفه عام 1999 م أي منذ 17 سنة، والجرائم المذكورة فيه رققتها جرائم داعش وأخواتها الآن.. لكن من الجيد أن نلقي الضوء على جرائم (السلفية) قبل التمكين، حتى نعلم أن مكمن الداء هو الفكر وليس الظواهر.
نحن الآن في عام 2016 بعد مرور ست سنوات على ثورات الربيع العبري الذي تم تجهيزه لصالح الجماعة العميلة (التنظيم الدولي لخُوّان المسلمين) أن تحكم المنطقة لتجهيزها لقيام اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
وحتى هذه اللحظة، بعد كل هذا القتل الشنيع للمسلمين والتمثيل بالجثث والمقابر الجماعية والتهجير و مما يصنف تحت مسمى جرائم الحرب القذرة بجدارة: لا نعدم من يستنكر عمالة قادة تلك الجماعات لإسرائيل حتى اللحظة! ويقول لك يا أخي هذا بعيد والمسألة مسألة اجتهادات دينية الخ تلك المبررات الباردة.. ويحضرني هنا قول الإمام الشافعي: (لو ناظرت عالماً لغلبته، ولو ناظرت جاهلاً لغلبني) لكن الجهل هنا جهل وأمية وتجريف سياسي، وهو أشد فتكاً بصاحبه ومجتمعه من الجهل الديني، لأنه يؤدي إلى ما سماه مالك بن نبي رحمه الله بـ(قابلية الإستعمار) وقد تفشى واستفحل في أيامنا هذه حتى تجاوز الإستعمار إلى الإستحمار.
- كيف يتصور بعضنا أن الموساد والـ CIA والصهيونية العالمية نائمون في العسل دون استخدام عامل الدين ورجاله من الشواذ والمتطرفين كعامل هدم للمجتمعات الإسلامية ؟
- حتى مع ما أورده السيد علاء أبو العزائم هنا من تطابق بين العقيدتين في الله ورسله وموقفهم تجاه هذه الأمة، ربما لا يكون لهذا أي دور في إقناع ذوي السطحية الفكرية وانعدام النقد والقدرة على الإستنتاج، وربما يكون الأمر أعمق من هذا، وهو ما قال الله تعالى: (تشابهت قلوبهم).
- حتى مع تصريحات قادتهم بعد استيلائهم على الحكم من تعاطف مع اليهود (ولتعرفنهم في لحن القول) كقول محمد مرسي لسيده شيمون بيريز (صديقي العظيم!) ودعوة عصام العريان ليهود العالم إلى العودة لمصر لأخذ مستحقاتهم!! ومن قبلهم دعوة الألباني الفلسطينيين للخروج من فلسطين!! وما لا يحصى كثرة من تصريحات شيوخ وهابية السعودية المتآزرة قلباً وقالباً مع اليهود كان من أنكاها وأجلاها في تعرية يهوديتهم: فتوى تحريم نصرة حزب الله اللبناني ضد اسرائيل!! ومن آخرها فتوى الشيخ البغدادي خليفة قتلة المسلمين: أنهم سيحاربون اسرائيل في حالة واحدة، إذا دخلت الإسلام لأن الله أمرنا بقتال المنافقين ولم يأمرنا بقتال اليهود!!
الطفل الصغير اليوم يعلم أن منشئ تلك الجماعات هو العدو الإسرائيلي مختبئاً خلف أمريكا، والمؤرخ والباحث يعلم أن جماعة الإخوان المجرمين هي كذلك صنيعة بريطانيا العظمى في مصر، كما صنعت الدعوة الوهابية في نجد، وهما اللتان شكلتا الفكر الإسلامي في القرن المنصرم.
قد يقول قائل: ونحن ما دورنا ؟ هل نحن بهذه السذاجة ؟ أدوات وقطع على رقعة الشطرنج ؟
نعم.. لأنكم بدون تنظيم موحد تحت قيادة مخلصة من أهل البيت النبوي.. ونحن نستأهل أكثر من هذا، لولا ألطاف الله ورحمته بنا لتمت إبادتنا جميعاً عن بكرة أبينا.
#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟