|
الجذور التاريخية لأزمة التعليم بالمغرب
خالد الكزولي
الحوار المتمدن-العدد: 5202 - 2016 / 6 / 23 - 21:43
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
خلال المرحلة الكولونيالية (1912 – 1956)، استطاعت إدارة الحماية الفرنسية استنبات نظام تعليمي عصري يخدم مصالحها ويشكل دعامة أساسية لسياستها، فيتيح إنتاج نخبة عصرية مثقفة تخلف موظفي المخزن التقليدي، ويمكن من توفير قوة العمل للوحدات الصناعية الأوربية بالمدن، ولضيعات المعمرين بالبوادي. وقد انبنى هذا التعليم على خلاصات الدراسات والأبحاث الكولونيالية التي أجريت حول المغرب، خاصة أعمال البعثة العلمية التي أكدت أن المغرب قائم على ثنائيات متجدرة في المجتمع، فاتسم بالفئوية والتشتت، واستهدف بت التفرقة بين المغاربة تحت غطاء مراعاة التمايزات المجالية (قرى / حواضر) واللغوية (عرب/بربر) والطبقية (أعيان/عامة) والإثنية - الطائفية (مسلمون/يهود/أوربيون). مما يعني أن إدارة الحماية الفرنسية كانت على وعي بالوظيفة الإيديولوجية للمدرسة في إعادة إنتاج التشكيلة الاجتماعية، ومنع الحركية الاجتماعية والتحكم فيها، فجاء مشروعها في هذا المضمار منسجما مع ذاته وأهدافه. وبمجرد إلغاء "معاهدة الحماية الفرنسية للمملكة الشريفة"، دشن المغرب بشكل فعلي الانتقال من "الجهاد الأصغر" إلى "الجهاد الأكبر"، فبرز الدور المحوري للتعليم في إنجاح مشروع بناء الدولة العصرية. وتم التوافق بين مختلف الحساسيات السياسية والفكرية حول أربعة مبادئ (التعريب، التوحيد، التعميم، مغربة الأطر)، باعتبارها ركيزة أساسية لكنس تراكمات التجربة الاستعمارية، وتأكيد الاستقلال الفعلي للبلاد.. غير أن تفعيل هذه المبادئ شابته عدة تعثرات، وتأثر بالأحداث السياسية والاجتماعية التي عرفها عقد الستينات، خاصة أحداث 23 – 25 مارس 1965 بالبيضاء، واختطاف القيادي "المهدي بن بركة".. لتنفلت آلة التحكم في هذا القطاع الحساس من يد الأحزاب (الوطنية) التقليدية، ويسود بعدها التصور التقنوقراطي الوظيفي. تجلى ذلك بالأساس مع عرض الوزير "محمد بن هيمة" لمذهبه التعليمي الجديد 1966، مبررا إياه بالخضوع لإكراهات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة عدم مواكبة الدخل القومي لوتيرة نمو عدد السكان. ونظرا للأحداث التي شهدتها بداية السبعينات، خاصة اختراق الجيش بتيارات انقلابية. أبانت السلطات عن توجس كبير تجاه المدرسة والجامعة، وسعت للحيلولة دون إقبال الشباب على الانخراط في التنظيمات النقابية والسياسية، من خلال نهج سياسات ذات طابع محافظ، لضرب الروافد الإيديولوجية الأساسية للمعارضة اليسارية، والحيلولة دون تكرار أحداث 23 مارس، لكن مع ذلك، استطاع النظام التعليمي، إلى حدود نهاية السبعينات، الوفاء باحتياجات البلاد من الأطر المؤهلة، وتلبية الطلب المجتمعي على التعليم، وظلت المؤسسة التعليمية العمومية، إلى حدود هذه اللحظة، بوابة للارتقاء الاجتماعي. وبمجرد إسناد حقيبة وزارة التربية الوطنية للوزير الاستقلالي "عز الدين العراقي"، اعتبر بأن الازدواجية اللغوية هي السبب وراء تراجع مستوى التعليم، فأقر سياسة تعريب التعليم الثانوي، في حين تم الإبقاء على التعليم العالي مفرنسا، وهي بطبيعة الحال هدية فوق طبق من ذهب لأبناء الطبقات المحظوظة، وضرب في الصميم مبدأ تكافؤ الفرص. سيتواصل المسار التراجعي للمنظومة التعليمية خلال عقد الثمانينات، نظرا لعوامل اقتصادية بالأساس، حيث أدى الانخفاض الصاروخي لأسعار الفوسفاط، ومخلفات الصدمة البترولية الثانية، إلى انهيار خطير لميزان الأداءات، ونضوب احتياطي العملة الصعبة الذي لم يعد يغطي أكثر من 13 يوما، فلجا المغرب إلى الاقتراض. لكن وامام عجزه عن سداد ديونه بسبب جفاف 1977 – 1984، والانفجار الديمغرافي، فرض عليه الدائنون (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) برنامج التقويم الهيكلي، ما بين 1983 و1993، الذي منح الأولوية للاقتصادي على حساب الاجتماعي. لذلك، سنجد أن كل الإصلاحات التعليمية في الثمانينات، خاصة منها إصلاح التعليم الأساسي لسنة 1985، كان هاجسها هو تقليص ميزانية القطاع التعليمي باعتباره قطاعا باهظ التكلفة وغير منتج في تصور الدولة. وهكذا تم الانتقال من الإصلاح القائم على الدواعي الداخلية، إلى الإصلاح الموجه من طرف المؤسسات العولمية. وبالتالي، يمكن القول أن النظام التعليمي المغربي يعاني أزمة مزمنة لم تظهر بين عشية وضحاها، بل هي نتاج لتراكمات تاريخية. وطبعا من الصعب إصلاح ما أفسد الدهر، لكنه ليس مستحيلا إذا ما توفرت الإرادة السياسية، وتم إبعاد المسألة التعليمية عن التجاذبات الإيديولوجية والمزايدات السياسوية، إضافة إلى الاستثمار الإيجابي لكل الإصلاحات السابقة، وإرساء تعليم حداثي يساير المجتمع العالمي.
#خالد_الكزولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
-
إعدام المساء
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|