ملده العجلاني
الحوار المتمدن-العدد: 5202 - 2016 / 6 / 23 - 12:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل نحن نريد حقا قتل الارهابيين , لانهم مجرمون , ام انها حجة مجرد جديدة لبيع المزيد من الاسلحة ...... إن الثقافة , الفنون , العلم , الطب , جميع المجالات يمكنها القضاء على الارهاب من دون طلقة رصاص او قطرة دماء .. هل يمكننا ازالة الغضب و الالم والاحزان و تغيير واقع العالم نحو الافضل ... نعم نستطيع عبر تغيير الافكار و الثقافات بديل عن الاف الجثث و بلدان مدمرة و شعوب مهجرة ...
بالحقيقة هذا البحث يتحدث عن هذه الحلول التي يرفض العالم تطبيقها لانها تعيق تقدم سلطة رؤساء الشركات الكبرى بالسيطرة على العالم .. لقد حان الوقت لنقول جميعاً "توقف" للإرهاب و للخوف الذي يحيط بنا. فقد أصبح الناس يخافون من بعضهم البعض . و الكراهية تنتشر في كل مكان . نحن لسنا بخير مع هذا الخوف والظلم . ليس بالامر الرائع أن تعيش مع الخوف و ربما في الخطر . قد يبدو كما لو ان كلامي رسالة احتجاج ولكن الأمر أكثر من هذا , انه السعي لنشر الحب و معارضة الإرهاب . لذلك أنا أفضل أن نقاوم بالفن ضد ظاهرة الارهاب و الكراهية .
يشكل الفن دليلا قويا على انسانية الناس رغم الاختلافات الكبيرة بين المجتمعات فهو يجمع قيم التنوع العالمية و إنسانيتنا المشتركة او ربما يمكننا من خلال الفن ان نبنى جسر التفاهم بين خطوط الصدع في مختلف الحضارات , والتي تنبع من الاختلافات في القيم الاجتماعية والسياسية , و أما بالنسبة إلى اي توجه لنقد الآخر فقط وتغذية الاعتزاز بالنفس فإنه لن يؤدي إلا لمشكلات كبيرة بالاندماج بين الثقافات فكل ثقافة لها ايجابيات وسلبيات , و لكي لا نكون متحاملين على مجموعات بشرية يمكننا ان تعاون معها لتحقيق السلام العالمي الذي ربما يطمح اليه اغلبية الناس في العالم ؟؟ وربما يتحقق هذا من خلال تنمية الثقافة الفنية لمجتمعاتنا المحلية ..
عبر الزمن، خاضت الحضارات حروب وصراعات لأسباب عديدة . واحدى اهم اسباب هذا الصراع بين الحضارات هي الاختلافات الثقافية ، في حين أن " صموئيل هنتنغتون " في أطروحته "صدام الحضارات" يؤكد أن : الاختلافات الحضارية ، التي تنبع من القيم الثقافية والدينية المتباينة ستكون هي الأسباب الرئيسية للصراعات الإقليمية والعالمية في حقبة ما بعد الحرب الباردة . فصراع الحضارات أمر لا مفر منه , ولكن ليس بالضرورة أن تكون عنيفة .
هنالك في العالم سبعة أو ثمانية الحضارات كبرى و هذه الحضارات لديها قيم مختلفة حول العلاقات بين الله والإنسان ، الفرد والجماعة ، والمواطن والدولة ، والآباء والأطفال ، الزوج والزوجة ، وكذلك وجهات النظر المختلفة للأهمية النسبية للحقوق والمسؤوليات ، والحرية والسلطة ، والمساواة ، و التسلسل الهرمي للسلطات .
لقد حدث ما كان مرجحا من قبل الخبراء , العالم اشتبك مع الحضارة الاسلامية , لكن لماذا ؟؟...!!! ربما لسبب واحد هو ان الدين الإسلامي هو الحضارة الوحيدة حاليا التي تتطمح لان تصبح قيمها قيم كونية ... ان فرض ثقافة او دين لم يكن يوما مقبولا و اليوم ايضاً هو مرفوض تماما من قبل الحضارات الاخرى و هذه الاهداف المتطرفة تشكل تحديا كبيرا للغرب و للحضارات الاخرى بشكل عام ... وأيضاً ربما محاولة الحضارة الاسلامية تحويل الدين الى دولة هو ليس بالأمر الجديد في تاريخ الدول التي تبني سلطتها من خلال الدين و من خلال أوامر الهية ..
لعل اهم مشكلات الحضارات الاخرى مع الدين الاسلامي بانه يحض على قيام دولة ثيوقراطية شمولية تفرض قيمها على المجتمع , في حين العالم يتجه نحو دول ديمقراطية تحترم حرية افرادها الدينية والثقافية . و ربما هذا الصدع بين المفاهيم و الاهداف ادى الى ما يسمى ظاهرة الارهاب كرغبة لفرض مفاهيم و قيم على العالم بطريقة قسرية لاحداث هذا النوع من التغيير بواسطة زرع الخوف والرعب.
لكن هل يمكن مجابهة هذا الخوف ؟ او تشجيع النشاطات الثقافية لانقاذ العالم من هذه الظاهرة (الارهاب ) ؟ او محاربة أية افكار ديكاتورية تقود العالم الى حروب طاحنة يكون الانسان مهما كانت معتقداته من ضحاياها ..؟ هل من الممكن ان تكون الفنون هي الطريق لعودة انسانيتنا المفقودة بين قيم الحضارات المتصارعة ؟؟ ...
نحن نرى ان رئيس الوزراء الايطالي " ماتيو رينزي" يستجيب للتهديد المتنامي للإرهاب في بلاده بزيادة الميزانية الوطنية للثقافة . ان فكرة مجابهة الارهاب بالثقافة والفن ربما بدت فكرة غريبة بالنسبة لنا و خصوصا ان محاولة مجابهة الارهاب بالعنف هو ما نتخيله فورا و لكن مجابهة الشر بالشر ليست بالفكرة السديدة , فمواجهة الشر بالخير حتما هو الحل الافضل لمشكلات اساسها ثقافي , كانت خطة عمل الدولة الايطالية فريدة و مميزة , كما أكد رينزي مرة أخرى على ضرورة تنفيذ " رداً ثقافياً " إلى جانب التدخل العسكري . إن " قيمنا هي أهم بكثير من همجيتهم" قالها رينزي
خطة رينزي، والتي لم يتم بعد الموافقة عليها من قبل البرلمان الوطني ، تحتوي على مكافأة 500 € لكل من يبلغ عمر 18 عاما حتى يتم تمكينهم من حضور العروض في المسارح والحفلات الموسيقية , المعارض و المتاحف . وهي تشمل مجالات أخرى من الإنفاق من تخصيص الميزانيات للأحياء ذات الدخل المنخفض في أطراف المدن الإيطالية ، التي يقيم فيها المهاجرون والأماكن التي حدثت فيها مواجهات مع الايطاليين .
ان العالم العربي لديه مهمة شاقة , هي مهمة بناء جيل جديد يرفض افكار الكراهية و الحقد و لكنها ليست مستحيلة , مشاريع تربوية ثقافية في المدارس للتعريف ب (قيم المجتمعات الاخرى ) يمكنها ان تساهم بتغيير مستقبل العالم .. على سبيل المثال رسم ايقونات مسيحية من قبل الطلبة غير المسيحيين , قراءة الانجيل كما القرءان , التعريف بالثقافة اليهودية و توجيه النظر للايجابيات فيها , محاضرات و رحلات ربما للبلاد متعددة الاعراق والثقافات , للتعرف على الديانات المختلفة و كيفية تحقيق التعايش فيما بينها , زرع مفاهيم وقيم تساعد على تخفيف الجانب الدكتاتوري الذي قد تزرعه بعض القيم الاسلامية , و ربما من خلال زيارات المزارع الي تحمي حقوق الحيوانات بالحياة او التي تستقبل الحيواات التي تعاني من الاعاقة او التي ترفض قتل الحيوانات لاي سبب او تجربة تربية الحيوانات الاليفة في المنزل يمكن ان تدفع مجتمعاتنا المحلية نحو ادراك اهمية حق الحياة و اهمية الدفاع عنه مهما كانت الاسباب .
فمثلاً تعليم قيم ثقافة “ قبول الآخر” و " الحوار" تُعزز قيم التعايش والسلم الاجتماعي بديلا عن عبارات تدرس في المدارس منها : " من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ".. أو " أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون" .. والتي ربما تعزز الانقسام في المجتمع و تسمح بتغييب ثقافة التسامح الديني و التمتع بمزايا التنوع الثقفي والديني و الاستفادة من الجوانب الايجابية بالاديان والثقافات المغايرة للثقافة الاسلامية الواحدة .
و وفقا ل "فاروق اورجن" إن العولمة هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها من الحياة ، ان معظم الابحاث تدرس كيف استفاد الإرهاب من العولمة في بناء قوته من مجالات الاتصالات، والنقل ، والاستخبارات والمالية. و لكن للاسف لم يدرس احد الاستفادة من العولمة للقضاء على هذه الظاهرة . ان تجاهل تاريخ البشرية و تطوره ادى الى غياب الحلول الجدية لهذه المشكلة , العالم لم يكن يوما مقسما ممزقا الى هذه الدرجة , حرية الحركة لم تصادر يوما كما الان .. مشكلة موت اعداد كبيرة من اللاجئين ليست سوى تداعيات الغاء حقوق الانسان بحرية التنقل ... هل يمكن للبشرية ان تعود للوراء بدلاً من التقدم في مجال الحقوق و المسؤوليات ؟...
ان افكاراً بتحويل العالم الى كنتونات دينية او ثقافية كما يسعى البعض هو اشبه بصب الزيت على النار .. حلول كمنع سفر المسلمين الى امريكا كما يقول ترامب , او توطين السوريين المسلمين في السعودية كما يقول الدكتور سامي ذيب , او سياسات توطين العمالة للاستغناء عن الاجانب كما تعمد دول الخليج العربي , او زيادة اجراءات منع السفر و الفيزا والهجرة في العالم ... هيعوائق تزيد من تفاقم المشكلة و لا تساهم بحل فعال لهذه المشكلة العالمية .
التعددية الثقافية في مواجهة الانغلاق الفكري ربما تكون من اهم الحلول بالنسبة للعالم و ليس تحويل العالم باكمله الى معتزلات من الثقافات المنغلقة كما يطمح اليه البعض ...........!!!
هل يمكن للدول العربية الاسلامية فتح باب الهجرة والتوطين لتقبل الثقافات الاخرى لتصبح مجتمعاتها اكثر انفتاحا و اقل شمولية .. هل يمكن ان نرى برامج عن الثقافات الاخرى في القنوات التلفزيونية العربية و الاسلامية ذات التوجه الواحد.. او قوانين تسمح بحرية التعبير و الاعتقاد بهدف إلغاء خطوط الشد و التماس في هذه الحرب الباردة الطويلة و التي تتحول الى ساخنة ببعض المناطق ...
ان هنالك الكثير من الحلول يمكن للعالم العربي استخدامها للمساعدة في القضاء على الارهاب وترتبط هذه النصائح في المقام الأول بتغيير التوجه الثقافي للبلاد عبر :
استقبال مهاجرين من جنسيات مختلفة ومعتقدات مختلفة , الغاء قداسة نصوص دينية تدعم اعطاء حقوق غير عادلة بقتل الاخر عند اختلافه بالقيم والمعتقدات , اظهار الجوانب السلبية في الدين الاسلامي مثل اي ديانة اخرى وعدم تغطيتها تحت اية مبررات و تصحيحها, تسوية الخلافات العقائدية التاريخية بين المسلمين لتحديد الشكل النهائي لدين يحمل في طياته قيم قد يتم تفسيرها بالحض على العنف والكراهية رغم انكار العالم الاسلامي لها وتبريرها بدواعي كالانتقام او الثأر والعقاب , وأخيراً إن دفع المجتمع نحو ثقافة الفنون التعبيرية , الرقص , التمثيل , الفنون التشكيلية , للتعبير عن مشكلاتهم و حلها بطرق ودية ... هو توجيه للمجتمع لثقافة المحبة و تقبل الاخر كنوع من الغاء العنصرية و احترام معتقدات الحضارات الاخرى و حرية التعرف عليها و حتى اعتناقها ...
وفي حين أنه لا توجد وسيلة لمعرفة متى تنتهي تداعيات جريمة 11 سبتمبر على المدى الطويل ، فالشيء المؤكد أننا بحاجة للتعبير الفني خلال أوقات الأزمات . ونحن جميعا علينا الاستمرار في استيعاب المأساة من خلال الجهود والأنشطة الإبداعية ، وجعلها خطوة نحو فهم عالمنا المخفي وراء هذا الصخب الإعلامي المستمر للتراجع عن هذه الكذبة التي تقدم لنا - " العنف في مواجهة العنف " - كحل وحيد لمجابهة الارهاب ..
في النهاية , رغم ان عروق الفن ضعفت بسبب القمع و لكن الفن يمكن أن يُنتِج تحت أي نوع من الظروف . و أود أن وضع وجهة نظري الشخصية هنا : إن الفن الأقدر اليوم هو الفن الذي يساعد العالم على تخطي ازماته للعبور الى مرحلة يستطيع ان يعبرعن المحبة والسلام و في نفس الوقت ان يعيشهما . و لنتذكر جميعاً ان الارهاب يمكن مواجهته فقط من خلال التغيير الفكري ليتم رفض اي نوع من الافكار التي تؤدي الى الكراهية و القتل , ربما اليوم الارهاب يختبئ خلف عقائد مختلفة تخفي اسباب سياسية من ورائها , و ربما المستقبل سيكشف لنا الحقائق و الايدي الخفية التي تحض على الارهاب و تزرعه في البيئات الآمنة ....
#ملده_العجلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟