|
أثر الجطاب الديني علي القيم
ابراهيم الزيني
الحوار المتمدن-العدد: 5202 - 2016 / 6 / 23 - 05:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثر الخطاب الدينى على القيم المعروف أن الدين يعلى من شأن القيم المجتمعية بل ويحافظ على تنقيتها من السلبيات.. وهذا هو جوهر الأديان السماوية منها وحتى البشرية.. ولكن ما حدث فى مصر فى الثلاثة عقود الأخيرة كان مغايرا للاعتقاد السابق.. فكما قلنا من قبل إن هناك فرقا كبيرا بين الدين كنص قرآن أو إنجيل أو توراة وبين الثقافة المصاحبة له.. لأن هذه الثقافة ترتبط دائما بالمخزون الثقافى لرجال هذا الدين.. ولما كان الدين الإسلامى قد نشأ فى بيئة بدوية لها مخزونها الثقافى المغاير تماما للمخزون الثقافى للبيئة الزراعية أو البيئة الصناعية أو حتى البيئة الجبلية.. وعندما انتشر الدين الإسلامى فإنه انتشر عن طريق رجال هذه البيئة سواء كانوا من الفقهاء أو من الفاتحين لذلك مثلا رأينا الوثيقة العمرية التى أصدرها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وطبقها عمرو بن العاص فى مصر تخالف فى نصوصها القرآن الكريم ونفس هذه الوثيقة تم تطبيقها على كل الأقاليم التى فتحها العرب.. ورغم أن أمير المؤمنين كان من الرجال الذين يشهد لهم بالعدل وكان من أقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه رغم ذلك أصدر هذه الوثيقة العمرية نسبة إليه وكانت من الشدة بمكان على الشعوب التى تمت السيطرة عليها وتخالف تماما القرآن الكريم والسنة الصحيحة.. فإذا كان هذا قد حدث من أمير المؤمنين فما بالك بمن جاء بعده من الفقهاء أو الفاتحين أو السياسيين الذى يقلون شأنا عن أمير المؤمنين.. لقد كانت هذه الوثيقة صادرة عن مخزون ثقافى خاص بالعرب.. هذا على سبيل المثال ونستطيع أن نقيس على ذلك كل الأفكار القادمة من البلاد الصحراوية التى حملها معهم أبناء الطبقة الدنيا إلى مصر بالإضافة للخطاب الدينى الذى تصدى له التيار الدينى فى مصر أيضا والذى يحمل نفس الأفكار "فقه البداوة". ولقد اعترف أحد قادة الإخوان المسلمين بأنهم , أى الإخوان , كانوا حريصين على أسلمة المجتمع المصرى.. لكنهم أسلموا المجتمع على طريقهم وعلى نفس الأفكار التى تحدثنا عنها.. لقد انتشر الحجاب بل والنقاب على رؤوس جميع المصريات وتحولت جميع مفاتيح الراديو والتليفزيون بل والموبايلات أيضا إلى إذاعة القرآن الكريم.. ورأينا القرآن يتلى فى المساجد والمترو والأتوبيس والميكروباص والمحلات التجارية وفى البيوت ليل نهار، وانتقلت العبارات الدينية إلى المسلسلات التليفزيونية، ورأينا لاعبى كرة القدم يسجدون عند إحراز الأهداف حتى سمى الفريق القومى بـ "فريق الساجدين" بل وانتقل الدين إلى كل مناحى الحياة حتى رأينا المصلين يفترشون طرقات المكاتب التى يعملون بها.. حدث كل هذا ولكن رغم ذلك رأينا الهبوط القيمى يشد المصريين جميعا إلى الخلف ورأينا الفساد الأخلاقى لبس ثوبا سرطانيا ينخر فى جميع قواعد المجتمع.. فماذا حدث..؟؟ لقد تمت أسلمة المجتمع بطريقة سلبية جعلت المصريين جميعا يتجهون إلى السماء ويبعدون عن أرض الواقع حتى إنهم أنزلوا الله سبحانه وتعالى إلى الأرض حتى يقوم بالعمل بدلا منهم فإذا أرادوا رزقا سألوا الله وإذا أرادوا منصبا سألوا الله وإذا أرادوا شقة سألوا الله حتى إذا أرادوا رشوة أو فسادا سألوا الله حتى لا ينكشف حالهم والطالب إذا أراد نجاحا سأل الله حتى لاعب الكرة إذا انهزم فريقه أرجعه لعدم توفيق من الله وإذا أحرز هدفا أرجعه أيضا لله.. وقد يكون هذا جيدا إذا كان الإنسان يدرك الوظيفة التى خلقها الله من أجله وهى عمارة الأرض والسعى فيها وإتقان العمل.. لكن الذى حدث ان المصرى أصبح غير مهتم بالعمل أو بالسعى أو بالبحث عن الرزق متعللا بأن إرادة الله هى التى سوف تحقق له النجاح أو الفشل.. نفس الشىء ابتعد المواطن المصرى عن المشاركة المجتمعية والسياسية ولم يعد قادرا على ضرورة تحقيق الذات .. أو قادرا على الثورة فى وجه الظلم.. وأصبح يردد المقولة التى أكد عليها الخطاب الدينى مثل "كيفما تكونوا يولى عليكم" و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" و"إن ما يحدث لنا نستحقه لأننا بعيدون عن الله". واستسلم المصرى لقضاء الله ينتظره وقتما يأتى دون بذل الجهد أو العمل.. هذا الانسحاب من الأرض إلى السماء لم يمنع المصريين من ارتكاب ما حرم الله من الفساد والرشوة والنصب وأكل مال اليتيم وعدم توريث الأنثى وكل السلبيات الموجودة التى يمكن أن يرتكبها إنسان. وقد ندم الإخوان المسلمين أشد الندم على ما فعلوه فى المصريين وقد تجلى ذلك عندما قامت أحداث غزة وطالب حسن نصر الله بانقلاب المصريين والجيش على النظام.. دعت جماعة الإخوان المسلمين الشعب المصرى لمظاهرة ضخمة ضد الحكومة لموقفها من فتح معبر رفح.. فلم يستجب المصريون لهذا النداء.. مما دفع بعض قادة الإخوان المسلمين للقول بإننا أسلمنا المصريين بطريقة خاطئة وكان يجب أن نؤسلمهم سياسيا حتى يكونوا جنودا لتحقيق أهدافهم.
#ابراهيم_الزيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتي لا تصبح كلمة الله مرادفة لكلمة اه
-
الأوكسيتوس والأديان
-
رجال الدين زرعوا الكراهية وحصدت مصر الألم والحسرة
-
عندما يكون الوطن أحمق!..
-
لسنا كفار قريش
-
اسرائيل ترحب بصعود التيار الديني في مصر
-
مصر بين نزار قباني.. وابن خلدون
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|