أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد المنعم عرفة - رسائل إلى السيد كمال الحيدري [5] التصوف سبيل وحدة الأمة















المزيد.....



رسائل إلى السيد كمال الحيدري [5] التصوف سبيل وحدة الأمة


محمد عبد المنعم عرفة

الحوار المتمدن-العدد: 5200 - 2016 / 6 / 21 - 08:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ
لأن الله تعالى يريد أن يظهر بأسمائه، وأسماؤه متنوعة:
1- أسماء جمال ومظهرها المؤمنون.
2- أسماء جلال: الجبار القهار المنتقم المتكبر، وهذه لا يصلح المؤمنون لأن يكونوا مظهراً لها، ولهذا فإن مظهرها هم الكفار.
3- وأسماء كمال: ومظهرها النبي ص وأهل بيته والورثة المحمديون والأنبياء والرسل وكمل الأولياء.
ولذلك فإنه لابد من وجود الكفار لكي تظهر أسماء الجلال، فوجود الكفار مراد لله تعالى.. وأهل البيت يعلمون أن وجود معاوية وأمثاله مراد لله، والله هو الذي خلقه هكذا هو وأضرابه من الفراعنة، ولم يخل نبي أو ولي من عدو من هؤلاء ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ).

هل معنى هذا أن مظلمة أهل البيت كانت بأمر الله وقضائه ؟ بالطبع، ولا يحدث في كونه أمر دون إذنه وأمره. وكم أظهر أهل البيت من كمالات الله تعالى وأخلاقه ما تعجز عن تصوره العقول والأرواح والأسرار..
فنحن علينا التسليم لله دون التدخل في قضائه وقدره، حوإنما علينا أن نتعامل مع المسئ بأخلاق أهل البيت أنفسهم لكي يحب الله ويحب أهل البيت.. وإلا فأسهل شئ هو الحقد واللطم وهذه الأمور كلها مشتهيات ومحبوبات للنفس الأمارة والنفس السبعية والنفس الإبليسية وكافة قوى النفس إلا النفس الملكية والنفس القدسية التي هي نفس أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

أهل البيت هم أنوار الله تعالى ومظاهر أسماء كماله، ولهم تجليات في كل عصر وعلى رأس كل قرن، تتمثل في الأئمة الورثة المجددين.
ووجود علم التصوف الذي يمثل أحد أركان البعثة ومقاصدها الخمسة (ويزكيهم) الذي هو أرقى علوم أهل البيت ولا بد من قيامهم هم أنفسهم على تعليمه وتربية الناس عليه: وجود هذا العلم في الأمة (لا سيما في أهل السنة) دليل على عدم احتكار مذهب معين لأهل البيت (1)، على أساس أنهم اثنى عشر في قلب جامد لا يتجاوزونه، لا من حيث العدد، ولا من حيث الزمن فلا يتخطون عام 3359 هـ حينما غاب الإمام الثاني عشر غيبته الكبرى.
هذا الشكل أو القالب الجامد لأهل البيت (الذين هم أنوار الله تعالى وتجلياته المطلقة غير المقيدة بزمن دون آخر ولا فئة من الناس دون أخرى) تسبب في مشكلة وهي: أن من لم يؤمن به خرج عن اتباع أهل البيت وصار ناصبياً أو على أقل الأحوال جاهلاً من العامة أو ضالاً تائهاً، ولو كان من الصوفية، ولو كان محي الدين بن عربي نفسه، وهناك أحد مشاهير المستبصرين الشيعة المعاصرين ألف كتاباً عنوانه (محي الدين بن عربي ليس من الشيعة) فالمؤلف يعتقد أنه من العامة ومن أعداء أهل البيت وخصومهم ربما. والسبب في هذا هو فكرة الإثنى عشر والتقيد برسوم المذهب المتوارثة كابراً عن كابر منذ زمن فتنة معاوية.
والوهابية على الطرف الآخر يرقصون طرباً وفرحاً لهذا الوضع المأساوي، ويلعبون عليه ويعزفون على أوتاره بمهارة منقطعة النظير لحساب اسرائيل، ومثلهم من الجهة الأخرى من يصطدمون معهم - أو لا يصطدمون ولكن لا يصلِحون أيضاً - من الشيعة ممن لا يملك التحرر من أساطير الأولين ومخلفات التاريخ والحروب ومكر عبيد السلطة والملك ودهائهم.
ولذلك فالوهابية المتمكنون من وهابيتهميكرهون سماحة السيد الحيدري أكثر مما يكرهون الشيخ الكوراني أو العميل ياسر الحبيب، بما لا يقاس.. لأن الأخير ومن قبله يعملون في نفس خندق الوهابية في تفرقة الأمة وتمزيقها إرباً إرباً، وهو المشروع الذي أسسه معاوية وأبيه وابنه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والطُعم الذي ابتلعه سذج المسلمين سنيهم وشيعيهم، وهو فعلاً فخ رهيب لا ينجو منه إلا من أنار الله بصيرته بصحبة الإمام الوارث فقط.. وإلا فهذه عقيدة وأمور لا يسمح بمناقشتها منذ مئات السنين، أننا لابد وأن نظل متفرقين شذر مذر هكذا.. هذه هي الصورة الواقعية.

أما الصورة الشرعية المرادة لله تعالى فهي أن يكون للأمة قائد وحد حي حاضر، دون لف ولا دوران، وإنما قولاً واحداً، يقود الأمة ويزكي ويعلم ويحارب أعداء الله والمفسدين في الأرض، والأمة كلها تكون تحته.. وهذا لا يكون إلا الإما الوارث الذي ورث النبوة إلا أنه لا يوحى إليه، وتأمل قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) بحرب من الله : اعتاد المسلمون أن يتصوروا الله يفعل دون مظاهر كأن هناك تجسيم أو أنه يفعل بذاته، وهذا خلل في الفهم،ولكن نتماشى معهم في هذا ونمررها.. حسناً الله يحارب، لكن (ورسوله) كيف ؟!! أليس يقول السنة والشيعة معاً بأنه مات وكل شئ انتهى ؟!! أم أن الآية تخاطب أكلة الربا من الصحابة أيضاً ؟!!! وأما أكلة الربا من بعد الصحابة فلن يحاربهم الله ورسوله! كفانا تهريجاً وكذباً على الله وعلى أنفسنا... هناك إمام وارث تتجلى وتترائى فيه أنوار رسول الله ص كاملة مكملة في كل عصر، وليس هناك شئ اسمه تأقيت للإمامة، وإنما عدد الأئمة أخبرني الدكتور أحمد بحيري أنهم أربعة عشر، في كل قرن إمام مجدد وارث.

والعقبة التي تحول دون تقبل المسلمين لهذا الفهم المؤدي للوحدة من أسرع طريق: هو النفس.
والنفوس اليوم كأسوأ ما يكون بسبب البعد عن علم التصوف وعن الأئمة الورثة منذ قرون طويلة.. ولذلك فالحل هو اجتماع وانعطاف كافة الفرق والطوائف الإسلامية على الصوفية ينهلون منهم ويتعلمون آداب وأخلاق سيدنا رسول الله ص، ويعلمون أن سر الحق تبارك وتعالى في تزكية النفس مع هؤلاء الصوفية المتواضعين المنكسرين لله.
ولكن بحسب تجربة العبد الفقير: حال الصوفية اليوم لا يصلح للقيام بهذا الدور، فإنهم يسيطر عليهم التواكل والإنزواء وعدم التطلع للإصلاح والمساهمة في النهضة.. لذلك فإن الحل هو أن تجتمع الأمة على الإمام الوارث مباشرة بما فيهم الصوفية أنفسهم، ويترك كل فريق الكبر وادعاء الخصوصية وفكرة شعب الله المختار، فهذا يفتخر بشيخه ويدعي أنه القطب، وهذا يفتخر بأهل البيت على إخوانه في الدين.. ما هذا ؟!! كل هذا مسايرة للنفس الأمارة وخدمة لنعال معاوية حتى الآن، يصدق هذا على كل من يسير في هذا المشروع النكد ولو كان أكبر عمامة في الأزهر أو الحوزة.. ولا أقول أكثر من هذا.


محورية التصوف والبحث عن الرجل الفرد في حصول المقصود:
قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم في "الطهور المُدار على قلوب الأبرار":
(الجهاد بذل ما في الوسع لدفع العدو، أو قهره حتى يخضع، وهو الأساس الذي تقوم به الحجة على قوة الإيمان، والركن الذي تتضح به المحجة للسير إلى الفوز بالرضوان، وبدونه كل أعمال المؤمن دعوى تحتاج إلى دليل.

والمجاهد إما أن يجاهد المملكة الفردية وهي مجاهدة السالك نفسه في ذات الله تعالى، وهذا هو الجهاد الأكبر الذي لا يصبر عليه إلا آل العزائم من كُمّل الصديقين.

مجاهدة النفس
تعلم أيدني الله وإياك بروح منه أن السالك بين جيشين عظيمين: جيش الحق، وجيش الباطل، والجيشان في ميدان المنافسة للظفر بالملك، وجيش الباطل في الإنسان أقوى وأكثر من جيش الحق، فإن ما يجاهد عليه جيشُ الباطل ليناله: محسوس ملائم للنفس، وما يجاهد عليه جيشُ الحق غيب يُنالُ غداً. وما كان محسوسا كان أقوى في الإغراء والرغبة فيه.

لذلك يجب على السالك في طريق آل العزائم ألا يتهاون في أمر جهاد هذا العدو صابرا مصابرا مرابطا، وأن تكون يقظته أتم عند قهر هذا العدو (أي عند الهدنة)، فإن للشيطان وللحظ والهوى دسائس خفية قد تظهر في فضائل ومحاسن، فقد تلتبس عليه بحسب دسائس العدو العادة بالعبادة، والطمع بالمحبة، والرياسة بظن تجديد السنة، فيكون هاويا في مهاوي الضلال، معتقدا أنه من عمال الله.

لذلك لزم أن يهتم في حال المجاهدة بتخليص النوايا و القصود، فقد تكون المجاهدة بابا من أبواب الشيطان لجهل السالك بدسائس النفوس، كما يحصل لمن يحب الخلوة من الغرور، ووسوسة العدو، وما يتولد في قلبه من حب الشهرة والسؤدد بذلك، أو نيل الكشف والمشاهدة وعلم الضمائر، واستخدام الأرواح لجلب الخير ودفع الضرر، أو الزهو بالنفس وكرامتها من التدنس بالاجتماع على العامة، وتلك أمراض خفية. أما العلل الباعثة التي يقصدها أهل الغرور ؛ فصاحبها ليس بسالك في طريقنا هذا.

أنواع المجاهدة: أنواع المجاهدة ثلاثة:
1- مجاهدة الحس والنفس والعقل والجسم في التسليم لرسول الله (ص وآله) تسليما يكون السالك به أشبه الناس برسول الله (ص وآله) في جميع شؤونه.
2- مجاهدة السالك نفسه على نيل الكمالات التي لا تلائمها من مراقبة الله في كل أحوالها، حتى يستحي أن يعصي الله في خلوة، ومن الرضا عن الله بالقليل من الضروريات.
وهذا النوع يجب أن يكون المجاهد فيه محافظا على أدب الأئمة الهادين المرشدين، فلا يستظهر عليهم حفظا للوسط. وكفى المجاهد شرفا أن يكون منهم، أو معهم، لأن هذا النوع مزالق أقدام السالكين، فقد يتجاوز آدابهم فلا يستطيع، فينقلب والعياذ بالله، يقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) البقرة: ١٤٣. وهذان النوعان هما الجهاد في الله تعالى.
3 - النوع الثالث: وهو الجهاد في الله حق الجهاد، لا يصح حال أهله إلا بكمال مشاهد التوحيد، حتى تخلص النوايا توحيدا ومعاملة.
والواجب على المجاهد في هذا المقام إذا كان في حضانة المرشد ألا يتجاوز مقدار الشريعة إلا بإذن صريح من المرشد، خشية من أن تلوح لامعة من بوارق قدس الجبروت على قواه الروحانية فتنمحي معالم رسمه، وتنهار دعائم سوره فيقع في التيه، أو في غياهب التشبيه، لأن هذا الجهاد نهاية طريق آل العزائم في حصون أهل الملامة، ومعلوم أن أهل الملامة شيخهم الحقيقى رسول الله (ص وآله)، لأنه أول من تحمل آلام الملامة الفادحة بالرضا عن الله تعالى، والصبر على نجاة الناس من الشرك.

ولآل العزائم في هذا المقام أحوال علية، لا تخرجهم عن الآداب الشرعية، ولكنها تدل على كمال اليقين، فقد يفارقون ما لا بد لهم منه من الطعام أو الشراب والحظوظ والشهوات والمساكن والنساء والأولاد والأموال محتقرين كل ذلك في جانب أنسهم بالله تعالى، ومن أعطى الكل أخذ الكل، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) الفتح: ١٠ باعوا والله النفوس والنفائس بعزيمة وقبول، فأعطاهم الله الكل، وهذا غذاء الأرواح لا يطيب للأشباح ولا للعقول، فقد تنكره أكمل العقول، ومن قرأ تراجم من عذبوا في الله من الصحابة يعلم مقدار أنسهم بالآلام، وفرحهم بفادح المجاهدات.

وهذا المجاهد هو الذي أعانه الله على القيام بما أمره به في قوله: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) الحج: ٧٨ بدليل قوله سبحانه (هُوَ اجْتَبَاكُمْ) الحج: ٧٨ وبإقامته مقام رسله نص قوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج: ٧٨ فهو يجاهد في وجوده ونسبته إليه فيما أمده الله تعالى به ورتبته منه، فاراً من عوالم ملكه وملكوته، ومن أنسه بالمشاهد الروحانية، ومن علمه ومعلومه، و عرفانه ومعروفه كما قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات: ٥٠ وتفصيل أحوال هؤلاء لا تفي به العبارة، ولا تبينه الإشارة، قال (ص وآله): (إن الله يكره لكم أن تبينوا كل البيان) وما فوق ذلك من البيان يكون من الفم للأذن للقلب، وقد يكون بالإلهام من الله تعالى.

الطريق والحاجة إليه
ما احتياج المسلم إلى الطريق ؟
كل مسلم على يقين أنه مسافر إلى الدار الآخرة، وأهل الإيمان منهم مسافرون إلى مقر رحمة الله ودار النعيم الأبدي، وأهل الإحسان مسافرون إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأهل الإيقان مسافرون فرارا من الكونين إلى المكون جل جلاله.

ولما كان المسافر إلى مكان ناء لا يخلو حاله: إما أن يكون عالما بالطريق متمرنا عليه أولا، فإن كان عالما به احتاج إلى رفيق يعينه على مهام شئونه، حتى يكون على يقين من أنه إذا نسى ذكره وإذا ذكر أعانه، وفى الحكمة: (الرفيق قبل الطريق) وإن كان جاهلا بالطريق احتاج إلى دليل موثوق به مشهور بين الناس بتوصيل السفر.

هذا ولما كان المسافر لا بد أن يترك وراءه كل الآثار والمعالم التي تحول بينه وبين نيل المقصد من وطنه، وأهله، وأولاده، وأقاربه، حتى يتسنى له نيل هذا المقصد العظيم، فكذلك المسافر إلى مقصد من المقاصد المتقدمة لا بد أن يفارق معالم وأثارا كثيرة تحجبه وتبعده عن مقصده، والحُجُب في السفر المعنوي أكثف وأشد من الحُجُب في السفر الحسي.

فقد وصل العقل إلى مقدمات أنتجت له التكلم مع المحبوب النائي عنه بواسطة الموصل السلكي (المسرة)، وأمكن العقل أن يضبط صدى صوت حبيبه محفوظا لديه، يسمعه متى شاء بآلة تعقيب الصدى الحاكي (الفنغراف) ولكن هذا المقصد ليس للعقل اقتدار أن يقربه بآلة أو بأداة، بل لا بد من فادح المجاهدات، وعظيم المكافحات، حتى يفارق كل تلك القواطع والحجب مرة واحدة، وبدون مفارقتها لا يصل كما وصل الحس بمجهودات العقل، فسمع صوت حبيبه محفوظا أو ملفوظا، وقد يرى حبيبه بالتصوير وهو متكيء على فراشه ينظر إليه في الصورة ويسمع صوته في الآلة، وذلك لأن الذي يفارقه المسافر إلى الحق حقائق في ذات الشخص لا تفارقه إلا بفادح المجهود، وما دامت تغشى جوهر النفس، فالنفس في اللبس.

ولو حصّل المسلم علوم الأولين والآخرين ولم يظفر بدليل في مقام جهالته بالطريق أو برفيق في مقام علمه به لا يصل إلى قصده.

ولو أن الله جل جلاله قدر ذلك في أزله لأظهر ذلك في ملائكته المجردين عن المادة ولوازمها، أو منح ذلك رسله الكرام، فإن الله تعالى ألزم الملائكة أن يتلقوا من آدم، وأمر الرسل أن يتلقوا من جبريل، وقد صحب جبريل رسول الله (ص وآله) في إسرائه وفى سيره وهو من تعلم جلالة وقدرا حفظا للناموس الإلهي، حتى ينفرد جل جلاله بالعلم بذاته لذاته.

هذا من حيث ما يتعلق بهذا الموضوع عقلا، أما من حيث الذوق فيه، فإن العلم كالمال والعافية والجاه يكسب النفس غرورا وعلوا، وهما العقبتان القاطعتان عن الله تعالى، ولو أن العلم ينفع في السير إلى الله تعالى لكان أول منتفع به إبليس، وهو من تعلم علما ومعرفة بقدر نفسه وعلمه، ولما لم يكن له مرشد يرشده ضل وهوى.

إن الله أرسل الرسل وهو الحكيم العليم لأنه خلق الخلق خطائين بأنفسهم، جهلاء بحسب حقائقهم، وإنما المرشد للسالك منزل منزلة القوت للروح والعقل علما، والغذاء للجسم عملا، ومنزل للواصل منزلة الشمس المبينة للحقائق، ومنزل لأهل التمكين بمنزلة الاتحاد، حتى يكون المتمكن مع المرشد هو هو، حالا وعقيدة وعملا وشهودا، وأنت تعلم ياولدى أن الجسم الحي يفقد حياته بفقد الغذاء، وأن العين المبصرة تخفى عليها الحقائق باحتجاب الشمس، وأن المتمكن قربا من الله تعالى يفقد كرامة الله له بفقد ما به وصل إلى الله تعالى.

وإنما سميت مجاهدة النفس وتهذيبها، وتجملها بمحاب الله ومراضيه طريقا ؛ لأن الإنسان في هذا المقام يفارق عوائده المهملة، وأخلاقه الوحشية، وهمته الإبليسية، وصفاته البهيمية الشهوانية، حتى يكون أشبه برسول الله (ص وآله). وما أعظم هذا الذي يفارقه وما أشد احتياجه إلى معين قوي مؤثر معتقد فيه.

وهناك فوق الذوق إشارة فسلم: إن الله تعالى ظهر لملائكته في مظهره، وظهر جل جلاله للسالك المخلص آمرا ناهيا مبينا في مظهره الأكمل خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله، وظهر (ص وآله) في المرشد فيصل لصاحبه حتى تبلغ العقيدة به مبلغ أنه يرى مخالفته مخالفة لرسول الله (ص وآله).

لذلك كان لا بد من الرفيق في الطريق.

يقول (ص وآله): (اللهم ارحم خلفائي) وخلفاؤه (ص وآله) هم العلماء الربانيون الذين يحيون سنته بعد مواتها. ويقول الله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: ٨٣ وأولوا الأمر منهم هم الذين منحهم الله الفقه في دينه لأنهم أهل أمر الله تعالى، ومن لم يعتقد أن له مرشدا يصحح عليه حاله فهو مغرور بعيد عن الحق.

وهنا أنبه السالك أن يحفظ الموازين مع أكمل المرشدين، وألا يقبل من المرشد في كل مرتبة من مراتب السلوك إلا ما يعلمه من كتاب الله وسنة رسوله (ص وآله) صريحا أو تأويلا، حتى يبلغ مقام الإلهام، ولديها يجب أن يؤول للمرشد، فإن لم يبلغ بتأويله فهم الحكم سلم له، ووقف عن العمل، حتى يمنحه الله نورا تستبين له به الحقيقة، فإن المرشد إنما يزكي نفوس المريدين، فهو طبيب روحاني يجب على السالك أن يتعاطى عقاقيره التي لا تخرجه عن آداب الشريعة، مهما كانت ؛ كما إذا أمره بالأسباب وهو في التجريد، أو بالتجريد وهو في الأسباب، وأمثال ذلك.

ما يناله السالك بانتسابه للطريق:
الطريق والصراط والمنهج ألفاظ مترادفة يراد بها ما يسهل به الوصول إلى المقصد، آمنا سالكه على نفسه وماله من وعثاء السفر، أو سوء المنقلب. وقد قررنا فيما سبق أن السالك إلى الله تعالى يفارق حقائق كثيرة، لا يتسنى له الوصول ما دام واقفا عندها، وكل حقيقة من تلك الحقائق كجبل سَدّ مَسلَكَ المسافر إلى الله تعالى.

ولما كانت أسس الدين أربعة: العقيدة، والعبادة، والمعاملة، والأخلاق. وكانت النجاة متوقفة على الأساس الأول الذي هو العقيدة، وعلى قدر قوتها يكون الوصول، فإن أصحاب رسول الله (ص وآله) سبقونا بقوة الإيمان وسبقنا التابعون بوسعة العلم ونحن جئنا بكثرة العمل. ولا تسو بقوة الإيمان شيئا، فنحن في حاجة إلى قوة الإيمان ولو جهلنا كل شيء إلا ما لا بد منه لنا، وتركنا كل عمل إلا ما فرضه الله علينا، إذ وسعة العلم وكثرة العمل مع ضعف الإيمان لا تجدي شيئا، ولكن العقيدة الحقة تنتج العبادة الحقة والأخلاق الجميلة والمعاملة الحسنة، والرعاية التي تجعل المسلم حاضرا مع الله أو موقنا بحضور الله معه، يقول (ص وآله): "....... فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".

هذا والقائمون بالدعوة إلى الله أنواع، فخيرهم وأنفعهم من جمله الله تعالى بقوة الإيمان، وبمعرفته سبحانه، وبعلم حكمته وأيامه وأحكامه، وهذا هو وارث رسول الله (ص وآله)، وهو السعادة العظمى لمن سلم له، وحصن الأمن لمن اقتدى به، وهو المعنى بقوله (ص وآله) في الحديث القدسي عن الله: (من آذى لي وليا آذنته بالحرب)، لأنه الصورة الكاملة لرسول الله (ص وآله)، والخليفة القائم لله بالله، مجدد المنهاج، ومقيم الحجة، ومبين المحجة، وهو المراد بقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر: ٢٨.

ثم يلي هذا الفرد رجل منحه الله الورع في دينه والخشوع في عبادته، وهو الزاهد العابد.
ثم يلي هذا رجل منحه الله الرحمة في قلبه والشفقة على عباد الله وهو من أهل المعاملة.
ثم يلى هذا رجل زكى الله نفسه، وطهر أخلاقه حتى ذلت نفسه في عينه، وهو المتخلق بالأخلاق الجميلة.

وكل واحد من هؤلاء يُجَمّل السالكَ على يده بما جمله الله به، وكلنا نعلم أن الله يهب على الأخلاق ما لا يهبه على غيرها، فكل مسلم لا يتربى على يد مرشد لا يذوق لذة الإيمان، ولا لذة التقوى، وربما اغتر بأعماله فأفسد إبليس عليه حاله، وكم سالك زلت به قدمه، وواصل ارتد على وجهه، ولا أمان لمكر الله، فالسالك على يد المرشد في حصون الأمن من وسوسة الشيطان وخدع النفس، وبه ينال الرقي إلى مقامات اليقين من التوبة، والخوف، والرجاء، والمحبة، والتوكل، والمشاهدة، والرضا، والصبر، وغيرها، حتى يبلغ مقام المقربين، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

إذا يتعين على كل مسلم أن يتلقى تلك الأسرار، وأن يقتدي بالمرشد في الأعمال ليكون أشبه الناس برسول الله (ص وآله)، وكل مسلم لم يتلق العلم من العالم الرباني ولم يقتد بالمرشد الكامل يخشى عليه من الشرك الخفي، أو الأخفى، من الغرور بالنفس والعمل والنسب والجاه، نسأل الله السلامة من الآفات في الهجرة إلى الله تعالى، إنه مجيب الدعاء.

أنواع الإنسان أربعة:
إنسان كلي: وهو رسول الله (ص وآله).
وإنسان كامل: وهم الرسل القائمون مقامه (ص وآله)، قبل إشراق شمسه المحمدية في عالم الإمكان، وأبداله صلوات الله عليه المجددون لسنته بعد رفعه عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى.
وإنسان روحاني: وهم السالكون المقتدون.
وأما الرابع: فحيواني عاص من المسلمين، أو شيطاني غاو كافر أو منافق.

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان وسطا بين العالمين، وأن يخفى عنه ما به سعادته الروحانية، وأن يلهمه ما به سعادته الدنيوية، قال سبحانه: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل: ٧٨. ومعلوم أن السمع والأبصار والأفئدة آلات لتحصيل العلم بالله وبأيام الله وبأحكام الله، فالأذن تصغى للحكمة، والعين تشهد أنواع الآيات في الكائنات والقلب يفقه تلك العلوم. أما ما يتعلق بالضروري والكمالي من الدنيا، فلا يتوقف تحصيله على مرشد، لأن كل أنواع الحيوان ألهمت بالفطرة طريق تحصيل ما لا بد لها منه، والولد يولد من بطن أمه عالما بما به حفظ حياته من الرضاع إلهاما من الله تعالى.

ولما كانت العلوم والأعمال التي بها نيل مراضي الله ومحابه ليس للعقل أن يحصلها إلا بمرشد، اقتضت الإرادة الإلهية أن يبعث الرسل مبشرين ومنذرين. ولما كان ما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، قد يخفى فهمه على أكثر الناس بعد رفعهم إلى الرفيق الأعلى تفضل الله تعالى فأناب عنهم أبدالا لهم، يقيمون حججه ويوضحون محاجه، ويبينون للناس سبله سبحانه، لنحكم على عجز العقل عن نيل ما به السعادة، بل وعن هجومه على الغيب المصون، قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة: ١٩ فهو المبين سبحانه، ولكن يتفضل تنزلا فيبين لكل مرتبة من المراتب على قدر ما تطيقه القلوب، قال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا) الأنعام: ٩ وقال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله خلفائي) وقال صلوات الله عليه وسلامه: (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها).

ومعلوم أن السالك في طريق الله تعالى إذا لم يؤسس سيره على محبة الله، ومحبة رسوله (ص وآله)، وحب الخير لخاصة المسلمين وعامتهم لم ينل خيرا، والسالك الذي لا يقوم بإخلاص عاملا لله على هدى رسول الله (ص وآله) قل أن يصل إلى مقصوده. ولما كانت محبة الله تعالى لا يظفر بها السالك إلا بسماع ما له علينا سبحانه من النعم، وفهم أنوار جماله وأسرار بهائه، وعظمة جلاله، وسواطع أنواره، وإدراك مراتب الوجود، ونسبته في مرتبته، وما تفضل الله به عليه من خلقه بيديه، ومن نفخته فيه من روحه، وسر سجود الملائكة لآدم، وحكمة جعله خليفة عنه في الأرض، وعنايته سبحانه بالإنسان حتى أعد له مالا عين رأت ولا أذن سمعت في جوار قدسه، ومنازل الأطهار من خيرة خلقه, وبذلك يحصل له الحب الجذاب إلى حضرة القرب من الله تعالى.. وكان كل ذلك لا بناله السالك إلا بصحبة لمرشد القائم مقام رسول الله (ص وآله) كان لا بد لكل سالك من مرشد، فالمرشد في الحقيقة هو صورة رسول الله صلوات الله عليه المجملة بجماله المحمدي إلا أنه لا يوحى إليه، انطوت النبوة بين جنبيه، حفظ الله قلبه ولسانه، لأنه ممد من روح العصمة، فهو النجم المضيء لأهل عصره، وقد جعل (ص وآله) المرشدين في مقام التمكين إخوانا له في الحديث الطويل: " وددت لو رأيت إخوانى الذين لما يأتوا بعد " بسند مالك بن أنس في موطئه، فأنزلهم منه صلوات الله عليه منزلة الإخوان لأن الله تعالى أكرمهم بأن جعلهم ورثة أنبيائه.

وللمرشد اقتباس من مشكاة رسول الله (ص وآله) تنكشف به غياهب البدع، وظلمات الفتن في كل زمان، فهو حجة الله تعالى القائم للحي القيوم، وهو الإنسان المجمل بجمال الصديقين قولا وعملا وعلما وخلقا وعبادة ومعاملة وعقيدة، كما قال (ص وآله): " الولى من إذا رؤي ذكر الله لرؤيته " وقال أيضا: " الولى إذا دخل بلدا كمل إيمان أهلها ".

المرشد ينوع الأفكار ويقوي اليقين الحق، وتزكو به النفوس، وتنشط الأبدان للعبادة، ومن أكمل صفاته: أن الله يلقي عليه محبة منه فلا يراه مؤمن إلا أحبه، ولا منافق إلا هابه، ولا كافر إلا خاف منه، فهو صورة رسول الله (ص وآله) والمرآة التي أشرقت فيها معانيه المحمدية.

من هو السالك ؟:
هو إنسان مسلم منحه الله النور الذي يقبل به الخير, والنور في اصطلاحنا هو القابل وحفظه سبحانه وتعالى من فعل ما يخالف ما أنزل الله على نبيه (ص وآله) وإن قبله في بدايته من غير المرشد الكامل ألهمه الله الفرار إليه سبحانه ودله على المرشد، فكان من خيرة أصحابه، لأن ما يجعله الله من النور في قلب السالك إليه جل جلاله يستبين به الحق والباطل، فيجذبه الله إلى الحق بدليل قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ البقرة: ٢٥٧ وقوله ﴿ص وآله): (يد المؤمن في يمين الله كلما وقع أقامه).

والسالك يشتاق إلى الحق، والمشتاق إلى الحق قوي المسارعة إلى الحكمة، ولشوقه إلى الحق إذا سمع كلمة حكمة تلقاها ولو من عدو الله، قال رسول الله (ص وآله): " الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها ".

وسماع الحكمة يجعل النفوس تعظم حاملها، ولكن قد يكون حامل الحكمة غير الحكيم يحفظها ولا يفقهها، قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا الجمعة: ٥، فإذا نطق الناطق بالحكمة قبلها السالك منه، ثم وزن أحواله بهذا النور المجعول له من الله، قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ النور: ٤٠. فإذا اطمأن لها قلبه، وشهد من الحكمة العمل بها أحبه واقتدى بعلمه، وعمله، وحاله. وإذا لم يطمئن قلبه ولم يشهد عمله بالحكمة أخذ منه الحكمة وفارقه. فليس كل محصل للعلم عالما، ولا كل مبين للأحكام بدلا من أبدال الرسل، قال الله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا الأعراف: ١٧٥ وقال (ص وآله): " قراء آمتى فساقها ".

إذا فهمت ياولدي هذا ؛ فلا يعتبر السالك سالكا في طريقنا إلا إذا جمله الله بكل تلك المعاني، وأنت تعلم يابني أن أصحاب رسول الله (ص وآله) كان بينهم المنافق، والشاك، والمتردد في دينه، والمظهر الإيمان لغرض من الأغراض، وكلهم يرون من رسول الله الميل والتأليف، مع إعلام الله إياه بحقيقة ما انطوت عليه قلوبهم، قال (ص وآله): " أمرت بمدارة الناس " وقد أمرنا (ص وآله) أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

فالسالك حقا من منحه الله التسليم وقدر له صحبة المرشد الكامل، فأفرده بالقصد دون غيره من الخلق، حبا في أن يفوز بمعية رسول الله (ص وآله) بنيل صحبة أشبه الناس به شوقا إليه عليه الصلاة والسلام، ويكون في الحقيقة في معية النبي عليه الصلاة والسلام، بمعنى أنه لا يعتبر للمرشد وجودا فيعظم أمره ونهيه، وإنما يكون وجوده في معية الحبيب المصطفى، فيقبل من المرشد ما يعلم أنه من السنة، ويرد ما لا يفقهه قلبه من القول والعمل، معتقدا أن السلوك هو العمل بصريح السنة والكتاب، حتى يمنحه الله تعالى المراقبة أو المشاهدة، فهو لا ينكر على المرشد الكامل ما لا يفقهه قلبه مما يعتقد أنه حق في مرتبة المرشد ما دام المرشد لا يفعل محرما ولا يقول بضلال.

مثال ذلك: أن المرشد إذا ترك الأسباب أو عمل عملا يقتضي مهانة من تغيير هيئة، أو فرار إلى الغابات، أو فارق النساء والمشتهيات، أو مالت نفسه إلى السماع، أو زار الملوك والأمراء، مما حصل للأفراد المرشدين، فلا يقلده السالك في ذلك ولا ينكر عليه. أما إذا فعل محرما، أو أمر به، أو ترك فريضة وجب على السالك مفارقته بسرعة ولو كان المرشد يريد امتحان السالك في طاعته أو يريد امتحانه في يقينه برسول الله (ص وآله) وعلى السالك في مثل هذه الحال أن يستبين الأمر منه جليا مع التمنع عن الوقوع فيما يأمره به.

أما السالك الذي لا بصيرة له إذا قلد المرشد في عمله المتقدم، أو سلم له فيما يعلم حرمته فلا يعتبر عندنا فقيرا من فقراء الطريق، فإن المراد بالسلوك تجاوز عقبة الإلحاد والانتشال من وحلة التوحيد والتخلي عن نظر النفس ونزوعها، حتى يكون السالك إنسانا مسلما مقبلا على الله بكليته.

وأهم صفات السالك إلى الله تعالى:
1- إيثاره إخوانه على نفسه.
2 - الزهد فيما في أيدي الناس إلا لضرورة مقتضية.
3 - المسارعة إلى أن يكون نافعا لإخوانه بقدر استطاعته.
4 - السمع والطاعة لله ولرسوله (ص وآله) وللمرشد ما دام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر.

ومن أخص علاماته:
قبول ما لا يلائم نفسه بانشراح صدر وفرح، والوقوف عند أدبه مع المرشد مهما أثنى عليه ورفعه، وعدم الغرور بنفسه ولو أقبل عليه العالم أجمع، ما دامت شمس المرشد مشرقة في أفقه حتى يبلغ اليقين الحق.

السالك المصاحب للمرشد: لم يبلغ درجة المرشد من العرفان. والمعرفة بها كمال التحقق في العبودية، وقد ترى بعض السالكين يعمل ما يخالف الشريعة مظهرا أنها من المعرفة، ولو أن المعرفة تبيح مخالفة الشريعة لكان أولى بذلك الخلفاء الراشدون، والمرشدون الكاملون، ومعرفة تبيح مخالفة الشريعة معرفة ولكنها معرفة الشيطان وإلهام ولكنه من إبليس ومخالفة المرشد دليل على الخيبة.

ما هي المعرفة ؟
المعرفة أن تعرف نفسك، فتعرف بمعرفتها ربك، وهل المعرفة التي تفقد العبد حقيقته حتى يكون إلها أو مخالفا لأحكام الإله معرفة ؟ هي ظلومية وجهولية، إنما المعرفة حفظ الأدب في الطلب، وكشف الحقيقة للحفظ من العطب، ومتى كان العبد المقهور يصير ربا قادرا ؟

والسالك يقف موقف الأدب مع المرشد فيعادي شهوده إن خالف عبارة المرشد، ويكره إلهامه إن أخرجه عن الأدب مع المرشد، وإنما السالك في طريقنا هذا ميت أحياه الله وجعل له نورا يمشي به في الناس من غير شك ولا إلباس، وإشارات المرشد كأشعة أنوار الشمس تظهر ما حسن، وما قبح، فتستبين النفوس الإبليسية من النفوس الملكوتية مع المرشد، وقد قال الله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ البقرة: ٢٦.

وللسالك أخلاق روحانية وآداب إحسانية، فهو في الحقيقة عين المرشد وإن كان مريدا , ومرادا لله تعالى وإن كان بعيدا , فإن السالك ليست له إرادة ولكنه مراد من الأزل، حفظني الله وإخوتي المؤمنين جميعا من صحبة المضلين، ومن الإصغاء إلى الجاهلين، وبين لنا كتابه وسنة نبيه بلسان وعمل أفراده المحصنين بحصون أمنه، إنه مجيب الدعاء) اهـ

متى سيغلق باب التوبة
قال حضرة النبي صلي الله عليه وآله وسلم (اذا طلعت الشمس من مغربها اغلق باب التوبة) وشمس الدنيا تطلع من مغربها ثلاثة أيام في القيامة الكبري. وأخبر ربنا عن القيامتين الصغري والكبري في قوله تعالي: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ . فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ . أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ . ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ).

هذه الاحداث التي ستقع في القيامة الصغري التي تشير الي الحرب العالمية الثالثة التي يظهر فيها صاحب الولاية الكبرى الأحمدية الذي بظهوره يغلق باب التوبة.

لأن شمس الرسالة تطلع من مغربها أي مع اخر امام وارث لحضرة النبي، بل في الحقيقة هو حضرة النبي في قوله تعالي (ان الذي فرض عليك القران لرادك الي معاد) فبينها حضرة النبي ص وقال (العود حق والعود احمد) اي عندما اعود مرة اخري في القيامة الصغري، ساعود في الولاية الكبري الاحمدية لأظهر الاسلام علي الارض كلها، لان لا ظهور للاسلام علي الارض كلها إلا بقبضة انوار الذات الالهية المتعالية والتي ستاتي في النهاية الرسالة

لقوله تعالي (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الي الله باذنه وسراجا منيرا) يعني شمسا منيرة بذاتها، لانها قبضة انوار الذات الالهية المتعالية، ولم يقل نيراً يعني أحدا أنارها، وهذا لا يتحقق الا بالعود في الولاية الكبري الاحمدية التي هي قبضة انوار الذات الالهية المتعالية، والتي واثق لها النبيين في الازل، وذلك في قوله تعالي (واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم واخذتم علي ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) فكل نبي اخذ قسطه من النبوة والرسالة من هذا الشهود علي قدر الوسعة الروحية، وكفي حضرته شرفا أن يكون الله مع الشاهدين ليشهد أنواره مفصلة في مرآة ذاته.

(إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ . يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) البطشة الكبري: يشير إلي "القيامة الكبري" التي قال عنها حضرة النبي (لا تقوم الساعة الا علي لكع ابن لكع، قالوا وما اللكع ؟ قال كافر ابن كافر) اي جيلان متعاقبان من الكفار ليس في الارض أحد يقول لا اله الا الله سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه واله وسلم

وهذا ما زال أمامه أمداً بعيداً لأن عدد المسلمين الآن حوالي مليار ونصف المليار كلهم يقولون الشهادة، و"القيامة الكبري" التي فيها نفخة الصعق ثم نفخة البعث ليبعث الله الموتي للحساب، لكن إغلاق باب التوبة: يكون في "القيامة الصغري" التي هي "الحرب العالمية الثالثة" والتي يظهر فيها صاحب الولاية الكبرى الأحمدية ليُظهر الاسلام علي الأرض كلها..

يقول رب العزة (يوم ياتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا).. (يوم يأتي بعض آيات ربك) قبل ظهوره، فما بالكم بعد ظهوره؟
(لا ينفع نفساً إيمانها) وهولاء الذين آمنوا بصاحب الولاية الكبرى الأحمدية وبايعوه لا لكونهم مقتنعين به، ولكن في قلوبهم نفاق آمنوا به مقهورين لأن له السلطان علي الارض كلها فلا ينفعهم إيمانهم به لنفاقهم (او كسبت في ايمانها خيرا) يعني آمنت به من فترة طويلة ولكنها لم تفعل لانها منافقة لم تنشر دعوته ولم تبلغ عنه، فلا ينفعهم ايمانهم القديم.

وبيعته الكبري بالمدينة المنورة كما بين الامام أبو العزائم في كتابه الجفر:
يحضر الحج أنجم مشرقـات * يظهرون الهدي بمحو المعائب
يشرق الكــوكب المـضئ * وفيه يظهر النجم بالمقام يطالب
يظهرصاحب الولاية الكبرى الأحمدية في مقام جده حضرة النبي بالمدينة المنورة يطالب بالخلافة الاسلامية ويبايع البيعة الكبري
جنده المسلمون شرقا وغربا * والكرام الانجاب منه كتائب

والانجاب من مصر..
وليس مهما الايمان به سابقا، المهم الصدق في االايمان والانفعال به وتبليغ دعوته وتوصيل رسالته، ومن لم يكن هكذا: لا ينفعه الايمان ويعتبر باب التوبة مغلق بالنسبة له لانعقاد قلبه علي النفاق (يوم ياتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا) يعني حين يظهر صاحب الولاية الكبرى الأحمدية فالكل سوف يتبعة بالقهر لأنه هو الرحمن (ويسالونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا تري فيها عوجا ولا امتا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا) عندما تدك جبال المال والشهوة وعلم ظاهر الحياة الدنيا (يعلمون ظاهرا من الحياه الدنيا وهم عن الاخره هم غافلون) التكنولوجا والأسلحة النووية والذرية وغيرها، وأي جبل يحجبهم عن الرحمن لابد من دكه في الدنيا لانه ليس هناك اتّباع ولا دعاة ولا دعوة في الاخرة ولكن الاتباع في الدنيا، فهذه الجبال التي تدك: في الدنيا، ويظهر صاحب الولاية الكبرى الأحمدية في صورة الرحمن ليحاسب الناس في الدنيا.

وهذه هي القيامة الاولي التي تحدث في الدنيا (اذا وقعت الواقعه. ليس لوقعتها كاذبه خافضة رافعة) تحدث في الدنيا وترفع المساكين المستضعفين في الدنيا (ونريد أن نمن علي الذي استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين) كل هذا الرفع والخفض يحدث في الدنيا، فيخفض اهل الباطل ويرفع اهل الحق ويعطيهم امامة الخلق ويورثهم الارض في الدنيا (واورثكم ارضهم وديارهم وارضا لم تطأوها) أرض الدول الغربية وأرض امريكا كما قال مولانا الامام ابو العزائم في كتابه الجفر:
مهدت ارض الاقامة زينت زخرفت * للمسلمين بها الامان
ما بها من آلـة من صنعــة * فهي للاسلام وهو بها يعان

وأرض الإقامة هي أمريكا، كل ما فيها من زينة ومن زخرف فهي للمسلمين وما بها من الات وصناعات فهي للمسلمين الذين سيحكمونها، وهذا هو حكم الله، ويؤكد مولانا الإمام ابو العزائم علي هذا في كتابه الجفر :
في أرض أمِرْكا بغض يؤجّجه * نار المطامع من غل ومن حرب
للمسلمن بها قرار ليجلي لهم * جمال الهدي من غير ما صعب

(وأورثكم ارضهم وديارهم وارضا لم تتطأوها) وهذا ما بينه لنا الامام المجدد السيد محمد ماضي ابو العزائم (*).

___________________________________
(1) خير من يملك الفهم السديد لهذه المسألة (أنه لا يوجد شئ اسمه سنة ولا شيعة وإنما هي أمة واحدة ورب واحد): هو من تعلمتها منه وهو إمام هذا العصر السيد محمد علاء الدين أبو العزائم.
(*) دكتور أحمد بحيري 00201000617901



#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبادة الملائكة الروحانيين.. [1] الصوم كما يراه الإمام أبو ال ...
- أدعية الغفران في شهر القرآن للإمام أبي العزائم - الجزء الأول
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [4] الدابة والمسيح الدجال
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [3] ذو القرنين
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [2] استفت قلبك
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [30]
- الإمام أبو العزائم ونظرية داروين
- سيكولوجية المشركين ودجل الوهابيين
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [1] الإمامة وصلتها بتجلي الأسما ...
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [29]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [28]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [10] متى سيغلق باب التوبة
- روح الإسلام وخلاصة الدين [3] الحرب العالمية الثالثة
- روح الإسلام وخلاصة الدين [2]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [27]
- روح الإسلام وخلاصة الدين [1]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [9] الوسيلة
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [26]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [8] ويزكيهم
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [7] ذو القرنين


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد المنعم عرفة - رسائل إلى السيد كمال الحيدري [5] التصوف سبيل وحدة الأمة