توفيق علام
الحوار المتمدن-العدد: 5199 - 2016 / 6 / 20 - 22:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صندوق الضمان الإجتماعي الصندوق الأسود المختفي بين الأمس واليوم
لقد ثم تأسيس نظام الضمان الاجتماعي بالمغرب في سنة 1959 لفائدة المأجورين في الصناعة والتجارة والمهن الحرة، وعهد بتسييره إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي من مهامه حماية المؤمن لهم ضد مخاطر فقدان الدخل بسبب المرض والأمومة والزمانة والشيخوخة، وكذا صرف التعويضات العائلية والتعويضات عن الوفاة ومعاش المتوفى عنهم , ويتم تمويل هذا النظام بواسطة مساهمات أرباب العمل والأجراء على حد سواء وعلى أساس الأجر الشهري الصافي الذي يستفيد منه العامل، كما أن الصندوق يقوم بإيداع الأموال المتوفرة لديه الغير لازمة لتسييره لدى صندوق الإيداع والتدبير, لقد قامت الحكومة بتحريك ملف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بان نظمت اجتماع مجلسه الإداري وشكل مجلس المستشارين لجنة لتقصي الحقائق ، بادر على اثرها الاتحاد المغربي للشغل الى إصدار ما اسماه بـ" الكتاب الأسود " يستعرض فيه رؤيته لأمور الصندوق معززة بالوثائق . نتناول فيما يلي مسألتي لجنة التقصي وكتاب الاتحاد المغربي للشغل ، على أن نتطرق مستقبلا لما أسفر عنه عمل تلك اللجنة.
يمثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي احد أكبر صناديق الحماية الاجتماعية بالمغرب، اذ يغطي أجراء القطاع الخاص الى حد ما . وهو نموذج لما يفتك بنظام الحماية الاجتماعية . وقد بلغت مشاكله مستوى طفحت من كل الجوانب : جمود مجلس الإدارة من 1992 الى 2001 ، اختلاسات من كل الأنواع استعمال أمواله لأغراض البرجوازية ( الودائع لدى صندوق الإيداع والتدبير ) ، تبذير وتسيير فوضوي و تردي الخدمات ، إقصاء القسم الأكبر من العمال المعنيين وتبديد الأموال العامة الشيء الذي نثج عنه حرمان العديد من المنخرطين الذين وصلوا سن التقاعد من إستحقاقاتهم والأرامل وتسبب مؤخرا في كارثة خطيرة بتدمير صحة عدد المنخرطين المصابين بفيروس أمراض الكبد منهم من قضى نحبه ومنهم مزال ينتظر وهو في حالة صحية ونفسية ومادية لا يحسد عليها.
كثيرة هي الجرائم المالية بالمغرب التي كان من ورائها اختلاسات بالملايير التي ضاعت في مهب الريح و من بين هذه الفضائح فضيحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، وبعد أزيد من عشر سنوات على صدور تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق حول الاختلاسات التي طالت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي انطلقت يوم الخميس 4 غشت 2011 أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستيناف بالدار البيضاء أولى جلسات محاكمة المتورطين في ملف الاختلاسات بعد أن قررت النيابة العامة إحالة هذا الملف على المحاكمة ليصل إلى قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة باستنافية الدار البيضاء الذي قرر متابعة 28 متهما في هذه القضية بجناية المساهمة في تبديد أموال عمومية طبقا للفصلين 241 و 128 من القانون الجنائي و قدرت الاختلاسات بحوالي 115 ملياردرهم تقرير لجنة تقصي الحقائق النيابية في ملف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .
كما أن تقرير اللجنة البرلمانية، فجرت فضيحة كبرى لم يسدل الستار على فصولها بعد، بين مرحلتين في تدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأولى تمتد من تاريخ إحداث الصندوق إلى سنة 1992، وتتميز بانغلاق المؤسسة على نفسها وسلوك تدبير عشوائي، وعدم الاهتمام بتتبع الانخراطات وتحصيل واجبات الاشتراك وتوسيع وعائها، حيث شابت عملية التحصيل عدة شوائب، منها تفشي الرشوة والمحسوبية، وغياب المراقبة في منح التعويضات، وتزوير الوثائق وتحريف المعطيات، وغياب محاسبة جدية، وإن وجدت كانت في شكل عدة محاسبات مبعثرة، ومفتقدة لكل مصداقية، وغياب نظام التوثيق، بالإضافة إلى تخريب ما تم تجميعه من وثائق عن طريق حرائق مفتعلة أحيانا، أو الادعاء بحدوث فيضانات أتلفت محتويات خزائن الأرشيف أحيانا أخرى، لطمس كل أثر للعمليات غير الشرعية. إلى جانب تعرض النظام المعلوماتي باستمرار للاختراق ولأعمال القرصنة لإقحام معطيات مزيفة قصد تخويل حقوق بدون موجب. بالإضافة إلى عدم تغطية المراقبة المالية لمجالات نشاط الصندوق، ورفض الحسابات الختامية منذ 1981 من طرف المجلس الإداري.
كما أن التحقيقات بخصوص ملف الاختلاسات المالية الضخمة التي شهدها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لايزال سريا ولم يفرز أي جديد يذكر. وهو ما أكدته مصادر من مجلسي النواب والمستشارين ومن الهيئة الوطنية لحماية المال العام التي تطالب بتسريع وتيرة التحقيق وضمان نزاهته من اجل اطلاع الرأي العام على أسماء الشخصيات المتورطة في اختلاس 115 مليار درهم ومتابعتها وفق مقتضيات القانون. لقد ثم فعلا إقبار بعض الوثائق التي تعتبر عصارة جهود لجنة تقصي الحقائق التي توجت عملها بصياغة تقريرها النهائي شهر يونيو من سنة 2002، متسائلا بهذا الخصوص عن السر الكامن وراء عدم تولي فرقة مكافحة الجرائم المالية والفساد الإداري بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية مهمة التحقيق لما لمحاضرها من قوة قانونية تفوق صلاحيات لجنة تقصي الحقائق.
وقد سارعت الهيئة الوطنية لحماية المال العام إلى المطالبة باختراق هذه القلاع. كما أن قطف هذه الرؤوس يمر عبر عدم ايلاء أي اعتبار لحصاناتهم ولعلاقاتهم النافدة، والشروع الآني في متابعة خلاصات لجنة تقصي الحقائق البالغ عددها 21 مستشارا برلمانيا ممثلا لمختلف الأحزاب .
منذ سنوات عديدة وجسم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي معرض لعدة تشخيصات وان كان بالفعل في حاجة الى تشخيص حالته إن لم يكن مصاب فعلا بالموت وعرضة للتشريح و إعادة التشريح : بما يمثل ذلك من خطوة ضرورية نحو علاجه ، فلا شك ان غايات أخرى كانت وراء العدد الكبير من المرات التي بحث فيها وضع الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي منها أولا الإيهام بشكل دوري ان الأمور سائرة نحو الإصلاح وثانيا البحث عن اكباش فداء لطمس مكمن الداء وثالثا تبذير مال الصندوق بإسناد البحث الى شركات خاصة تكلف غاليا. وفيما يخص الغاية الاخيرة تعرض الصندوق لعمليات تدقيق ومراقبة حساباته من طرف 8 مكاتب للدراسات اعدت 153 تقريرا. كما قامت لجنة المكتب الدولي للشغل بدراسة حول التوازن المالي لسنة 1998
لم يعد ذلك الصندوق عماليا إلا بالإسم . لقد إختلس جملة وتفصيلا بتواطؤ من البيروقراطية النقابية وبعد البرلمانيين الذين يتسترون على المدراء العامون بهاته المؤسسة الإجتماعية العمومية المتورطون في تبديد الأموال العمومية والإختلاسات بالجملة والإرتشاء والمحسوبية وبتوظيف أهاليهم وأصدقائهم داخل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي دون أي مؤهلات, وهناك أشباح يتقاضون أجور شهرية, منذ تأسيسه إلى قدوم مديره العام الحالي السيد سعيد أحميدوش الذي زاد في الطين بلة وفسادا من تفاقم الوضع بهاته المؤسسة الإجتماعية العمومية التي جعلها كأنها ملك له ولأسرته ولأ صدقائه, الذين يعبثون فسادا داخل المؤسسة, فساد المدير العام الحالي السيد سعيد أحميدوش من حيث الشكل لا يختلف عن فساد نظرائه المدراء العامون السابقون للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي, فساد بالجملة معقد ومختبأ بغاية السرية وتلاعب بأموال ومصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليس فقط في داخل الإدارة العامة بل في جميع المديريات الجهوية بالتراب الوطني, فلو كانت عندنا نزاهة المحاسبة لعينت الدولة لجنة وطنية متكونة من الفرقة الوطنية للشرطة والدرك الملكي وأعوان السلطة القضائية و مفتشون من وزارة المالية وخبراء مختصون في المحاسبات بجانب المجلس الأعلى للحسابات بإغلاق الإدارة العامة للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وكل المكاتب الجهوية بالتراب الوطني التابعة له دون إشعار أحد, فما أخفي من فسادا فهو أععظم مما هو مكشوف عنه, فلا بد من التدكير هنا بما كشفه المراقب المحلف بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي السيد عبدالحق بلعربية عن الإختلالات الموجودة بالمديرية الجهوية للرباط وسلا التي تسببت في فضيحة الفحوصات الطبية للكشف عن فيروس مرض الكبد شملت 3230 منخرط سنة 2009 في مستشفى الشيخ زايد بالرباط خصص غلاف مالي يتراوح بين 194 و240 ألف درهم دون إشعار 160 حالة بأنها تحمل فيروس الكبد نوع ب ونوع س, ولم تكلف إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أي عناء بإخبار المعنيين بالأمر قبل وفاتهم أو عائلاتهم بعد وفاتهم بفيروس الكبد, كما أن هناك فواتير مزيفة ومشبوهة ، إن صحة وحياة المواطن خط أحمر بعدم التهاون أو التلاعب بهما في الدول التي تحترم مواطنيها, لكن المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي السيد أحميدوش يطمس ملف ووثائق الفضائح في غاية من السرية لكي لا يكشف هذا الملف أمام الرأي العام الوطني والدولي, فبدل ما أن يكافئ على كفائته المهنية وضميره الإنساني إتجاه مرضى فيروس الكبد قام المدير العام السيد سعيد أحميدوش بعزله وطرده من منصبه ظلما, متسترا عن عصابته المختبئة تحث لوائه الموجودة في جميع المديريات الجهوية ليس فقط بالمديرية الجهوية بالرباط وسلا التي طالها ملف خطير أدى بحياة المواطنين من الطبقة العاملة إلى الموت وتفاقم الحالة الصحية والنفسية والمادية لمن ظل منهم على قيد الحياة وحتى يكون عبرة للأخرين لكي يركع به ويخوف به كل من له ضمير مهني يكشف به عن الفساد والإختلاسات والنهب وتبديد المال العام داخل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
نعم لقد جمع السيد سعيد أحميدوش عصابة من المفسدين من حوله يعبثون فسادا في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في ربوع التراب الوطني من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه لكي يشمل جميع المديريات الجهوية, ومعاقبة كل من يعارضه ولا ينضم إلى عصابته أو يقوم بفضح الفساد داخل هاته المؤسسة الإجتماعية التي من المفروض بأن تقوم بواجبها وبكل شفافية خالية من أي فساد أو إختلاس أو ختلال تخدم بكل صدق ونزاهة الفئة العاملة من المجتمع المغربي الذي تدفع من عرقها طيلة حياتها في العمل بمساهمة تسييرالنظام الإداري لهاته المؤسسة الإجتماعية, لكن المصيبة هو أن وزارة الشغل الوصية عن هاته المؤسسة أصابها الصم والبكم والعمي , كما أن المجلس الأعلى للحسابات الذي يقوده السيد إدريس جطو بدل القيام بمجهودات بالكشف عن إختلاسات وتبديد المال العام في داخل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي يقوم بتقييم وضعية أنظمة التقاعد بالمغرب.
عين السيد سعيد أحميدوش مديرا عاما للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في سنة 2005 بقرار عدد 1/ 05/ 145 ولم يثم أي منشور بالجريدة الرسمية طبقا للإجراءات القانونية المعمول بها إلى يومنا هذا, الشيء الذي لا يعطيه أي صفة قانونية كمدير عام, ويتيبين أن هناك لوبي من داخل الأحزاب والنقابات يتحكم في التعينات لكي تخدم مصالحهم ومن هنا يبدأ الإرتشاء والفساد والإختلاس وتبديد المال العام مقابل تبادل المصالح, أمثال النائب البرلماني بحزب الأحرار السيد مصطفى المنصوري الذي هو سند ودعم قوي للمدير العام السيد أحميدوش, كما أن هناك بعض الوزراء والنقبيين الذين يبحثون سوى عن مصالحهم على ظهور الطبقات الكادحة من العمال وهم من أصبحوا يديرون المحاكم للثأتير على مجريات التحقيقات والأحكام لإفلات المفسدين ومختلسي أموال الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي, علما أن وزير العدل والحريات السيد مصطفى الرميد هو على علم بكل تفاصيل كل ملف متعلق بإختلاسات وإختلالات وفساد وتبديد أموال العام هاته المؤسسة إلإجتماعية.
فمتى سيظل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي عرضة وفريسة لكل مفسد يعبث فيه كما يشاء وأن يظل محميا محصونا من دون أي محاسبة أو عقاب وبأوامر وتعليمات تعرقل مجريات التحقيقات والأحكام.
يجب على الحكومة المغربية التي يترأسها رئيس الحكومة السيد عبدالإله بن كيران إن كانت مجدية في محاربتها ضد الفساد بتعيين لجنة وطنية لمكافحة تبديد المال العام وأن تعطى التعليمات الصارمة بالتحقيق والبحث المعمق وقطع أي تدخلات بالكشف عن المحسوبية وموظفي الأشباح و الإختلالات والإختلاسات وتبديد المال العام لكي لا يترك الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بين أيادي فاسدة تدبر شؤون هاته المؤسسة الإجتماعية وجعلها ملك لهم يعبثون فيها فسادا والتي من المفروض أن تصون حقوق ومكتسبات الطبقات الكادحة من المجتمع المغربي بكل شفافية ونزاهة.
كما أن المسؤولية الكبرى تقع اليوم على عاتق قضاة المحاكم التي توجد بين أيديهم ملفات إختلاسات وفساد مدراء والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي, وأن يجتهدوا مع الفرقة الوطنية للشرطة لتقديم المفسدين إلى العدالة. فليعلموا أن مسؤوليتهم هي أمام الله عز وجل قبل كل شيء .
أتمنى من وزير العدل والحريات السيد مصطفى الرميد بأن يعرض هذا التقريرعلى أنظار العدالة لكي تقوم بتعيين لجنة وطنية لمكافحة تبديد المال العام بمعاقبة المفسدين وشركائهم والمتسترين على فسادهم.
#توفيق_علام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟