أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - إسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح 2















المزيد.....

إسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح 2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5199 - 2016 / 6 / 20 - 14:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المسألة الأساسية التي يجب أن ينتبه لها المسلم الديني الحقيقي الذي يشعر بأنه بموجب ما حصل ويحصل من كوارث وجودية لوجوده بهذه الصفة، أنه أصبح خارج الزمن المتحرك ومناقض لمفهوم التطور الوجوبي الضروري لكل كائن حي، تحول إلى كائن تاريخي أثاري كما هو لعنة خارجة من قبور التاريخ، ألا يجعل من هذا الشعور سهم كراهية للدين وللعقيدة، فهو بهذا الشعور والإحساس يجرد إنسانيته من حقها الطبيعي أن تكون متوافقة مع ميلها الطبيعي لاستشعار الإيمان والبحث عنه، وعليه بدل ذلك أن يبحث يكل أخلاص وتجرد عن خطوط الانحراف ونقاط الصفر التي أنطلق منها هذا التحريف والتغريب.
من المسائل الأخرى التي لها أهمية قصوى في إعادة الوعي لمن يعلم ولمن لا يعلم هي أن يحدد بدقة معنى أهل الذكر ومدى انطباقه مع من يدع انه يمثل طبقة الحرس الديني، وأن لا ينساق للمظاهر والشكليات دون فحص وتمييز وأمتحان للمقدرة العلمية، فقد تحولت جيوش من العاطلين عن العمل والفاشلين في المجالات الحياتية إلى ماكنة فقهية تردد بلا شعور ولا وعي ما يراد منها أن يشيع بين الناس، لأنهم وببساطة قد تم غسل أدمغتهم وعقولهم من أي مظاهر عقلنة وأتباع للمنطق ليكونا الطبل الذي يقرع به لضبط إيقاع الناس في ظاهرة العقل الجمعي والهوس العقيدي الذي يغيب الحقائق ويعتمد الإثارة المجنونة.
لقد تأخر المسلمون كثيرا مع مرارة التجربة في مراجعة الفكر الديني بمجمله مع إقرارهم بالمراوحة المكانية والزمانية في حدود القرنين الثاني وصولا للرابع الهجري، وبذلك يقرون أيضا أن المسلمين كأمة يراد لها أن تتحرك طبيعيا وجوهريا في ممارسة وظيفتها في داخل التجمع الكوني البشري، قد خسرت من عمرها الحضاري والفكري والعقلي ألف عام، دون أن تقدم ما هو مفيد وضروري لنفسها لتنقذها من وحل الأفكار الذاتية والتقوقع داخل عقول عدد محدود ممن يسمون أئمة المذاهب وقادة الفقه والعقيدة.
إن حركة التنوير الديني ليست مذهبا ولا هي طريقة جديدة للتدين، ولا يمكن عدها حزبا سياسيا يتنافس مع الأحزاب والشيع الدينية، بقدر ما هو شعور أخلاقي وديني وإحساس ضروري لمعالجة أزمة ألف عام أهدرها المسلمون نتيجة غياب وتغيب القصدية الأساسية في النصوص وإخراجها من مدارات المراد المحدد من الله إلى مدارات وأطر ما يسمى بالهوى الشخصي والميل الأنتقائي الفردي المدفوع بقوة الأنا، وتعرية لكل الانحرافات التي قادت إلى الضياع وساهمت في ترسيخ الأعتباطية الفكرية بشقيها المذهبي الطائفي والعقيدي السياسي.
أصبح اليوم لزاما على الإنسان الذي سعى لأن يتكامل مع الدين لصنع وخلق واقع الفضيلة والخير، أن يعيد لهذا التوافق والتكامل صورته الأساسية ويمتحن كل عقائده طبقا لمبدأ تناسب النتائج مع المقاصد، وهدر كل التخريجات والاجتهادات وانتزاعها من صور القدسية الزائفة حين تتحول إلى معرقلات لحركة النص في تدوير زوايا العقل، والسعي لتحريره من هيمنة الكهنوت وسلطة السدانة المفروضة خلافا لكل قيم الدين، هذا الإنسان الذي لم يعد معذورا ومستعذرا بعدم العلم أو العجز عن الوصول لمكامنه الأصلية وأهدافه الحقيقية، في عصر حداثي منطلق بقوة نحو الفضاء الواحد الذي يسيطر فيه العقل والمنطق على كل العمليات الحياتية الوجودية.
التنوير الديني اليوم أضحى أكثر من ضرورة وأسمى من أن يتعاطى معه بموافقة مسبقة من الكهنوت الديني الرجعي، لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن ينجز وظيفته ولا يحقق ذاته في الوجود مع أبتعاده عن النهج التنويري ويتخذ طريقا جديدا لمعرفة الله ومعرفة حدود الدين كما نزلت وكما بشر بها نبي الإسلام، لقد تحول المجتمع الديني الموثق حركته بروابط السلفية والفهم المحسوب لزمنه واللا منتمي لواقع شديد الحركة والحساسية لكل المتغيرات الكونية، وتحوله إلى كيانا متناحرة متضادة متقاتلة فيما بينها ليس لتناقض في النص الديني ولا أستجابة لمصالح شمولية، وإنما نتاج أختلاف قراءات كلها تعتمد الذاتية والمحدودية زمانا ومكانا.
وبذلك نجح العقل الكهنوتي بجدارة من أسر العقل المسلم تحت عنوان المناصرة للثانوي الذاتي الذي لن ينجح في تجاوز أزمته إلا بأقتلاع أسباب هذه التناقضات، وهي القراءات الخارجة عن ميزان المنطق القرآني التي نسميها القصدية المعنوية بشقيها الخاص المخصوص (الحكم المباشر) والعام الإرشادي الذي يعد فوق قيمته الدينية كونه قيمة أخلاقية إنسانية جامعة، وبذلك يتخلص العقل الإسلامي من الشعور بالغربة والمحدودية التي يتحسسها قبال الكم الهائل من الافكار والفلسفات والرؤى التي تسود العالم اليوم، والتي بالتأكيد الجازم أنها في معظمها لا تتناقض مع الدين في شيء، بقدر ما يمكنها أن تتكامل معه ويتكامل معها لصنع إنسان إيجابي خالق في مجتمعه الخاص وكونه العام.
في ختام هذه الرحلة البحثية التي دافعت من خلالها عن الإنسان وليس عن الدين ولا عن نصوصه، لا بد لي من التأكيد على جملة من الحقائق والاهداف والملاحظات التي لا بد لها أن تأخذ حيزا مهما في حركة التنوير التي سعى لها الكثيرون وفي مقدمتها فلاسفة ومفكرون جنى الواقع الإسلامي المريض عليهم وضيعهم، دون أن يسعى هذا الواقع للإنصات لهم ومحاولة الأخذ بالأفكار الإنسانية التي يعدها العقل أكثر جدارة من الفكر الديني في صورته المتحجرة والمتزمتة لأنها تناصر الإنسان وتسعى للإصلاح ورفع للتناقضات بين الإنسان والاخر، وهذه هي الأهداف الأساسية للدين.
من هذه الحقائق المهمة التي خرجنا بها من البحث ومن معايشة الواقع ونحن جزء من حركته هي:
• أن الفقه الديني والاجتهاد العلمي الذي سيطر على صناعة الوعي الفكري وراكم من ثراء المعرفة الإسلامية، كان سلاحا ذو حدين ففي جهة ساهم في تنمية العقل وتحريك المعرفة واخراجها من دائرة النص الخاص إلى فلك الأفكار القادرة على أستيلاد أفكار أخرى، وبذلك تحول إلى ما يشبه المتواليات الهندسية والعددية في عملها بتركيم الفهم والمعرفة.
• برغم نجاح الفقه والاجتهاد بفتح ابواب جديدة وغريبة على الواقع الإسلامي إلا أن التدخل السياسي وعدم أحترام الفقيه والمجتهد لوظيفته، حولت هذا الميدان الفكري من كونيته المعرفية المنضجة للرؤى والخيارات الفكرية إلى سجن ومقصلة للعقل المسلم دفاعا ليس عن الدين ولكن عن السياسة وأسيادها.
• القداسة التي البسها السياسي للكهنوتي الفقهي والأجتهادي وردات الفعل المقابلة من الخصوم مما يسمى مولاة السلطة ومعارضتها، كلاهما شاركا بقوة في أنتزاع النصوص من قصدياتها المحتمة وإرادة الله وتحويل مجريات هذه الإرادة إلى أدوات في خدمة الصراع المذهبي والسياسي بين أطراف المعادلة الإسلامية، فتحول الدين تبعا لذلك إلى عامل تجزئة وتشظية وتمزيق للمجتمع الإسلامي.
• وبذلك أصبحت المذاهب الدينية أديان جديدة حلت محل الدين الإسلامي مع أصرار الجميع على أنهم كجزئيات يمثلون الإسلام أفضل تمثيل، والحقيقة أن المذهبية والطائفية والتمسك بهذه المسميات أعلان صريح وواضح على الخروج من ربقة الإسلام وتبني النظرية المذهبية، ولا يشف أن يلحق الإسلام باسم الطائفة أو المذهب للتبرئة من واقع الخروج عليه.
• معالجة الطائفية والمذهبية لا تتم من خلال أعلان التخلي عنها فقط، بل بالمراجعة الشمولية والمعمقة والنقدية لكل التراث الفكري، والتبريء من كل التوجهات والمناهج التي تخرج النص عن أهدافه ومقاصده بناء على حصر منظومة أركان الدين الحقيقية، التي تتمثل في خلق واقع للإنسان ليكون إيجابيا تاما في حركته وفي وجوده، خالقا لمجتمع فاضل وليس مجتمعا يتمسك بالفضيلة من جانب ويهدم الوجود من جانب أخر بدعوى التضاد والغيرية.
• وأخيرا وتكملة لمبدأ التنوير لا بد من الفصل بين الدين كونه خطاب عقلي خصوصي متوجه للإنسان بكونه عاقل وفهيم، يستضيء بالأفكار المجردة لترتيب واقعه من خلال الفعل العقلي المسئول والمؤمن بإنسانيته، وبين الطقوس والفرائض الدينية التي هي بالمجمل أدوات لترسيخ قيم الإيمان ووسائل لتفعيل دور الإنسان الإيجابي، وألا نجعل من تلك الطقوس والعبادات والفرائض هي كل الغاية من الدين.
• التأكيد على القيم الإنسانية الجامعة والأخلاقية التي يتضمنها نداء الله للإنسان العام والمجرد، مما يخرج الدين من دائرة الأمتلاك إلى دائرة المباح العام الذي يضع الإنسان أمام مسئولياته سواء أكان مؤمنا دينيا أم خارج معاني الإيمان، أي جعل الدين للإنسان كل الإنسان لأنه هو أصلا هكذا ووجد بهذا العنوان.
• وبذلك تلغى السدانة الدينية وتنتفي مبررات الدفاع عن الله التي يتزعمها الكهنوت وبجعل من نفسه الحارس المسئول والمدافع الغيور عن ربه، ناسيا أن الله هو من أرسل الدين للناس كافة بواسطة رسله وأنبياءه دون أن يمنحهم سدانة بل جعل مجمل وظيفتهم الإنذار والإبلاغ، وترك الإنسان مخيرا بين الإيمان والكفر ومسيرا بينهما، لم ينحاز لمؤمن لإيمانه ولم يعاد كافر على أساس ما يختار بل على أساس ما يعط وما يكسب.
• إن مقولة {كل نفس بما كسبت رهين} لا بد لها أن تكون المعيار الأصلح والوجوبي في بيان الأنتساب للدين وللإيمان، دون أن يحق لأحد التذرع بخطر ما يتهدد الدين، إلا في حدود الدفاع الضروري عن المجتمع أمام التهديدات الوجودية وتحت هذا العنوان وليس دفاعا عن الله والدين، فالجميع سيقفون يوما متساوين أمام رب عادل وعليم وجامع يتحاكمون فيه على الصغيرة والكبيرة، وهذه الصورة وحدها هي التي تصنع مجتمع عادل لا سلطة فيه لغير مصلحة المجتمع الكلية التي يقدرها الدين ويحترمها بطريقة أحترام الإنسان أولا وعدم ظلمه.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح1
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح3
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح1
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح2
- ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح3
- لو أصبحت رئيسا للوزراء هذه خطواتي الأولى...ج2
- ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح2
- لو أصبحت رئيسا للوزراء هذه خطواتي الأولى...ج1
- ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح1
- ترانيم الصباح ...أمنيات لا ترفع للسماء
- من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح4
- من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح5
- من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح3
- من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح2
- من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح1
- لست ملحدا ... ولكنني رجل به جنون _ تمهيد لكتابي لست ملحدا 20 ...
- الدين وقضية المرأة والفهم المؤجل ح2
- الدين وقضية المرأة والفهم المؤجل
- الواجب والحكم الديني الأمر وقضية الإنسان أولا. ح2
- الواجب والحكم الديني الأمر وقضية الإنسان أولا.


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - إسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح 2