أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3














المزيد.....

جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5199 - 2016 / 6 / 20 - 12:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



أين أقفُ الآن؟ على رُقعة الكفر والضلال؟ أم أُحلِّق مثل طائر في ملكوت الجنون؟ عليهم أن يحدَّدوا موقعي حتى أتعامل. مَن؟ الأشاوسُ العارفون بما نجهل.
اِتُهمتُ بالجنون لأنني قررتُ العدول عن الالتحاق بكلية الطب بعد زيارة واحدة للمشرحة في كلية الطب جامعة عين شمس، وشاهدتُ شقيقي، طالب الطب المتفوق، يُخرج من صندوق الفورمالين جزع امرأة بلا رأس ولا أطراف؛ ثم يضرب مِشرطه في جسدها حتى بانت الكُلية اليسرى. دخلتُ في غيبوبة يومين ثم نقلت أمي أوراقي من قسم العلوم إلى الرياضيات لأدخل كلية الهندسة التي لا تعرف التشريح ولا الدم ولا المشارط. واتُهِمتُ بالجنون لأنني صادقتُ نملةً فارسية ظلّت تزور مطبخي في موعد محدد كلَّ يوم على مدى أسبوع، وأسميتُها "أنَس". وحين اختفتْ من مطبخي، رغم إطعامي لها كل يوم حَبّةَ سُكّر، حزنتُ وكتبتُ فيها قصيدة “أسدلُ الشرفة” في ديوان “اسمي ليس صعبا”/2009. واتُهمتُ بالجنون لأنني حاربتُ على مدى يومين كتيبة من الموظفين القُساة، في محل بيع حيوانات، حتى رضخوا وحسّنوا شروطَ أَسْرِ قردة اسمها "بندقة"؛ وعدّلوا وضع السلسلة حول رقبتها، على نحو غير مؤلم لعمودها الفقري. واتُهمتُ بالجنون حين حكيتُ عن طفولتي لما كنتُ أنظر من الشرفة على أطفال الحي الأشرار الذين يعذبون الكلاب والقطط حين يربطون أعناقها بالحبال ويركضون، فأنام ليلتي أبكي. حتى توصلتُ أخيرًا إلى صفقة معهم: أعطيهم كل يوم نصف مصروفي ويكفّون عن هوايتهم القاسية. واتهمت بالجنون لأن اضطرابًا نفسيًّا ضربني وأنا في الجامعة حين دهستُ، دون قصد، رقبةَ قطة وليدة فالتوى عنقُها. ورغم علاجها وشفائها التام على يد جارنا الطبيب البيطري أنكل اسطفانوس؛ إلا أن التواءً في عنقي لازمني شهرين حتى أبرأني د. عادل صادق، أستاذ الطب النفسي، وشخّص حالتي بـ"Unconsciously Self-Punishment “ (عقاب العقل الباطن).
اعتدتُ، كما ترون، على أن أسمع اتهام الجنون كثيرًا حتى بات لا يزعجني. وكنتُ أبرّر الأمر لنفسي بأن الشِّعرَ الذي نكتبه ضربٌ من الجنون. نحن نكتب في قصائدنا كل ما لا نستطيع أن نفعله في الواقع. فنطيرُ ونحلّق ونبدّل في الخرائط ونجعل الصحراء فردوسًا والفردوس بركانًا والبركان جناح طائر. كل الشعراء مجانين. وجميع البشر يحتاجون شيئًا من الجنون، بين الحين والآخر. لا بأس، شيءٌ منه لن يفسد العالم. لكنني لم أتصور أن تتبدّل التهمةُ من خانة إلى خانة. من الخانة التي يقولها الأصدقاء والأهل ونحن نضحك، إلى الخانة التي يقولها الناس وهم يعدّون لك الكفن. أحد أبناء محمد مرسي العياط وجماعته وإخوانه قرّر فجأة أن ما كان يسميه الأصدقاءُ جنونًا، ليس جنونًا، إنما هو الكفرُ، والعياذُ بالله!
اليوم أُتهَم بالكفر وازدراء الأديان، أعوذ بك ربيّ! لماذا؟! لأن جملاً مسكينًا مزّق قلبي وهو يتألم من التعذيب المبرّح قبل نحره في عيد الأضحى بنصل بارد، كانوا ينخزون به الحيوان الأعجمَ في مختلف أنحاء جسده، دون الإجهاز عليه سريعًا كما أمرنا الرسولُ أن نفعل! فما أحسنوا القتل وما أحسنوا الذبح! فصرختُ مع صرخة الجمل؛ وقلتُ إنها مذبحةٌ وحشية تتكرر سنويًّا في شوارع مصر وحواريها دون انضباط ولا رحمة، وليست أضحيةً تُقدّم قربانًا للسماء التي لا تقبل تعذيب الإنسان والحيوان والطير والشجر. وانتهى بي الأمرُ إلى أن أواجه إصبعَ الاتهام جوار القتلة والسفاحين والإرهابيين واللصوص! وقضى قاضٍ عدل (لم يسمعنى ولا سمع دفاعي) بثلاث سنوات سجن، أستأنفُ عليها الآن.
والسؤال: هل أنا كافرةٌ تستحقُ القتلَ، أم مجنونةٌ تستحقُّ المصحة النفسية؟ أم أنا طفلةٌ أستحق قطعة شيكولاته حتى تعود أمي من السماء لتُكمل ما فاتها من تنشئتي وتربيتي على النحو القويم الذي يُرضي جماعة الإخوان، فأرى ما يؤلم، ولا أتألم، وأرمقُ ما يُبكي ولا أبكي، وأنظر إلى الدماء المُهرقة أنهارًا، ثم أبتسم مع الباسمين؛ شأنَ الأسوياء الأتقياء الناضجين المؤمنين.


وللحديث بقية الأسبوع القادم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
- الضعيف والمُستضعَف
- جلباب سعاد وأُذُن أيمن
- حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
- في الغُربة... الجول باثنين
- كيف وأدت الإماراتُ أخطبوط الطائفية؟


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3