غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 5196 - 2016 / 6 / 17 - 14:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مــتــابــعــة خــــواطــــر ومـــلاحـــظـــات حــقــيــقــيــة...
تابع لمقالي المنشور بــالــحــوار الــمــتــمــدن يوم الاثنين 13 حزيران 2016 تحت عنوان :
(خواطر وملاحظات إنسانية حقيقية)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=520486
الجرائم الداعشية الإسلامية, تنبأت بها بهذا البلد, منذ حوالي خمسين سنة, بعد سنوات قليلة من وصولي لهذا البلد, واختياري له وطنا وارضا ومبدأ واعتناقي لمبادئه المتضاربة وحرياته وخلافاته السياسية... عرفت أن التعصب الإسلامي الراديكالي, والذي بدأ يتفاقم ويتظاهر معلنا خلافاته مع دساتير البلد وقوانينه وعاداته وتقاليده.. وخاصة ديمقراطيته وعلمانيته.. معلنا ألا قانون فوق الشريعة الإسلامية.. وأن ولاءهم (للأمة الإسلامية فقط) لا ولاء قبله ولا بعده...سوف يصبح الخطر الأول على الديمقراطية والعلمانية والحريات العامة في الدول الأوروبية.. إن تراخت حكوماتها وأحزابها وفتحت طاقات وتسهيلات وثغرات صغيرة بدساتيرها العلمانية.. مثلما تسللت خلالها كل المنظمات الإسلامية من أوائل الستينات وتمركزت واعترضت وتكاثرت وتحدت كل القوانين.. معلنة ألا قانون فوق الشريعة الإسلامية.. وتابعت.. حتى وصلنا اليوم إلى حالة إعلان حــرب... مع الأســف والحزن والأسى.. والاغتيالات والمآسي... وأصبح قسم كبير من الأحياء الأوروبية والفرنسية خاصة.. لا تدخلها ولا تطالها سيطرة الدولة والأمن... ومن هذه المناطق ــ بلا سيطرة الدولة ــ ذهب إلى أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا آلاف الفتيات والنساء والرجال والشباب, منفوخين بكراهية (الــكــافــر والــكــفار) للجهاد.. وبعدها عاد من عاد.. لمتابعة نــشــر هذه الحرب.. هــنــا بــفــرنــســا... ورأينا مراح وما بعد مراح.. من أحداث باريس وشارلي هيبدو.. وذبح العامل الذي أدى الولاء للبغدادي لمعلمه.. حتى وصلنا إلى اغتيال ضابط الأمن وزوجته طعنا وذبحا... هل سيعالج هذا الخطر على الإنسانية جمعاء دوما بالتحاليل النفسية والفلسفية والخطابات والنعوات الحزينة الرسمية.. والاهتمام بكرة القدم قبل كل شـــيء؟؟؟!!!...
تناقشت بهذه البديهية الظاهرة مع عديد من أصدقائي المسؤولين بالأحزاب اليمينية واليسارية والوسط.. وبالنقابات المختلفة.. منذ ستينات القرن الماضي.. وكان الجواب الذي يأتيني دوما آنذاك بأنني عنصري, ذي تجربة عنصرية.. جئت بها من بلد مولدي, وألا مكان للعنصرية بفرنسا.. وأن فرنسا ونظامها الجمهوري والعلماني والديمقراطي.. يستطيع تطوير وحتى استعملت كلمة " هــضــم Digérer " جميع العرقيات والقوميات والفروقات الحضارية والدينية التي تريد العيش فيها.. بأمان وسلام.. وبناء مستقبلها ...
ثـم التقيت هؤلاء السياسيين الذين كانوا شبابا لدى نقاشاتنا الأولى بمنتصف الستينات, قبل و بعد أحداث مجزرة نوفمبر تشرين الثاني 2015 ومجزرة شارلي هيبدو الباريسية.. وكلهم مخضرمون متقاعدون, ذئاب سياسات عتيقة.. وتذاكرنا تنبؤاتي القديمة عن الإسلام الذي لا يتغير ولا يذوب, رغم خطابات الباطن والظاهر لممثليه وفلاسفته ووعاظه وخطبائه الرسميين, والبارحة بعد اغتيال ضابط شرطة وزوجته من شاب داعشي طعنا وذبحا.. فاعتذروا جملة مني, لعدم استماعهم لي من خمسة عقود.. وأن نظرتهم اليوم لهذه الفواجع التي لا دواء لها.. سوى حلول راديكالية, لا تتفق مع مبادئ فرنسا وقوانينها الجمهورية والديمقراطية... وهذا ما تعرفه داعش وحاضنات داعش وأبناء داعش.
بالإضافة إلى ملايين (اللاجئين) الذين يهجمون على أوروبا منذ حوالي عشرين سنة.. بهجرات تفاقمت وتفاقمت... بأشكال فوضوية فاقت كل الاحتمالات والتصورات خلال السنوات المعدودة الماضية.. قادمة من بلاد إسلامية الأكثريات.. هجرات تفجرت مدفوعة بأسباب مآس أجتماعية وإنسانية.. بالإضافة إلى تخطيطات مدروسة لدفعها باتجاه البلدان الأوروبية... تخطيطات على ما اعتقد كانت من ضمن مــؤامــرة ما سمي ألف مرة خــطــا " الربيع العربي " والذي كان اكبر كارثة وقعت بالبلدان التي تفجر بها هذا الربيع الأسـود.. وبالتالي انجرف مهجروه نحو أوروبا.. لتحضير غزوات المستقبل...
إذن الحذر اليوم واللجوء إلى سن بعض التعديلات القانونية الوقائية.. لم يعد يكفي لحماية البلدان الأوروبية كلها من هذه الحرب الجديدة (الغزوات) التي لا تشبه أي من أنظمة الحروب المدروسة بالآكاديميات العسكرية.. لأنها بلا نظام.. مع أشباح لا تخشى الموت.. ولا الخوف من الموت الذي كان قاعدة كل الحروب.. منذ أقدم التواريخ الإنسانية.. لأن جحافل أشباح هذه الحروب لا تخشى الموت.. لأنها قانعة كليا.. أن الجنة والحوريات بانتظارهم فوريا وآنيا..
وخاصة عندما تهددهم حكومات الدول الأوروبية بأنها سوف تنزع جنسياتها عنهم.. وتفصلهم عنها.. بالنسبة لهؤلاء المقاتلين.. جنسيتهم وحدها تنتمي للأمة الإسلامية.. وأرضهم تــبــدأ من مكة.. إلى أيــة أرض يغزونها.. وبعدها الجنة... يعني الحكومات الغربية (مشربكة ).. مقيدة بقوانينها الديمقراطية, التي يعرف ويتقن داعش وأبناء داعش وحلفاء داعش براعة استغلالها لمناوراته الآثمة المؤذية.. وديمومتها...
أنا لا أريد أن يهيمن خطر التعصب الإسلامي الذي مـزق وفــجــر بلد مولدي ســـوريـا.. أن يــمــتــد إلى فرنسا التي اخترتها وطنا لأولادي ولي.. وآمــل بصدق وعــزم أن تستيقظ وتــعــي حــكومــات فــرنسا وأوروبــا وشعوبها أخــطــار هذا الــســرطــان المتسلل... وأن دعمها للمعارضات السورية والحكومات النفطية العربية والخليجية التي تعاونت وتشاركت مع داعش وأبناء داعش وحلفاء داعش.. كان خطأ استراتيجيا كاملا.. وما جرى على أراضيها من اعتداءات داعشية.. كان من نتائج هذا الخطأ السياسي... من واجبها اليوم الاتعاظ والتصحيح.. بكل الوسائل.. قبل الوقوع بجورة اللارجوع........
*********
وعن مباريات كرة القدم الأوروبية Euro
ليست داعش وحدها التي تسبب ضحايا بالعالم.. مع احترام الفوارق والمسببات... بالأولى الكلاشنيكوف والمتفجرات والمسدسات, والتي يمكنك أن تشتريها عند السمان الذي يفتح 24 ساعة على 24 ساعة بأمريكا.. 365 يوم بالسنة.. وبالثاني البيرة التي يتجرعها هائجون مؤيدون لفرق كرة القدم الأوروبية, يتبارون بالغباء وفراغ المخ.. بين بعضهم البعض... وما جرى بين ال Hooligans الروس والإنكليز, وبما وقع من مشاجراتهم وعنفهم وتفجير وحشياتهم وتفريغ عقولهم.. بمدينة مرسيليا الفرنسية مساء السبت الفائت الحادي عشر من هذا الشهر حزيران 2016.. قبل المباراة, وأثناء المباراة, وبعد المباراة.. أكبر دليل على الجنون الفكري والفراغ العقلي.. والجدبة الفوتبالية..تسببت بحوالي مائة ضحية نقلت لمستشفيات مــرســيــلــلــا............
من قــال أن الرياضة والمباريات الفوتبالية تؤاخي وتجمع الشعوب ؟؟؟... إنها اليوم أقوى مخدر شعوب جديد وجنون داعشي.. كلاهما يحتاجان إلى علاج أممي جماعي... جـــذوري... جذري... ولكن كيف نتمكن اليوم من محاربته, وكبرى الحكومات الراسمالية هي التي تشجعه.. لتهييج شعوبها وتسكينهم وتهدئتهم.. حسب حاجاتها وحسب بورصتها الحاجاتية والسياسية المحلية.. كما أصبحت كرة القدم آخر أفيون الشعوب وأغلاها.. تباع بضاعاتها و تفرعاتها التجارية التي يصنعها طفلات وأطفال الصين بأبخس الأثمان والأجور.. وتبيعها الماركات الأوروبية والغربية.. بــأغـــلاهـــا مثل Nike و Adidas وغيرها.. وغيرها!!!...
*************
عـــلـــى الــــهــــامــــش :
ــ النفخة.. والانتفاخ.. والعظمة....
فكرة الخلافة (الإسلامية) وتفرعات أماراتها.. لا تختص اليوم بداعش وحدها. بل نراها أصبحت موضة بكل قرية أو مدينة سورية أو كبيرة.. أو ما تبقى منها بعد تفجير وتهديم وخراب ثلاثة أرباعها.. أو أكثر.. ببلد مولدنا سوريا الحزينة. حتى أن هذه الموضة تصدرت لبلدان المهجر, حيث توجد جاليات سورية مختلفة الاتجاهات والولاءات... لأن البحث عن الزعامة الخالدة موجودة بجيناتنا, من مئات السنين, رغم بعدنا الكلي عن حلقات السلطات أو تزلفنا لها منذ عدة قرون, مرورا بالاجتياح العربي الإسلامي, وعبورا بالاحتلال العثماني الرهيب, حتى احتلال وانتداب معاهدة Sykes-Picot لغاية وصولنا لنهاية الحرب العالمية الثانية.. وما سمي فيما بعد الاستقلال أو جلاء القوات الإنكليزية والفرنسية, تحت ضغط الحكومة الأمريكية آنذاك.. حتى تستغل الفراغ والمكان بتوجيهاتها الاستعمارية النفطية البعيدة الأمد... ومن عقدة نقص العبودية وفقدان الأنظمة الديمقراطية والحريات العامة بهذه البلدان.. ولدت حاجات زعامية قيادية بأحشاء ورغبات كل واحد منا.. لما بدأنا نتنفس قليلا خارج البلد.. وكان كل واحد منا كلما انفرد مع نفسه أو التف حوله شخص أو شخصان.. يشعر بحاجة للتزعم عليهم وتشكيل إمارة.. وإن وصلوا لأقل من ستة أو سبعة أشخاص.. يظن أنه يمكنه أن يعلن خلافة.. أو زعامة وراثية عائلية... وبعدها يبيعنا كل صباح قــفــفــا وســـلات من الحكمة أو الزعامة.. وباقات من الوعظات الفوقية.. لا حاجة لسماعها أو فهمها.. لأنها تبقى ضائعة بقرع طبول عشرات المطبلين المداومين ليلا نهارا.. داخل الحلقة.. كرقصة الدراويش (الدوارين) Les derviches tournants...........
كم نحن بحاجة إلى آلاف الأطباء النفسيين.. لعلاج جالياتنا السورية أينما كانت... داخل سوريا وما تبقى منها.. وخارجها.. أينما تجمعت وتفرقت في العالم... ولكن كم واحد منا يقبل الاعتراف بهذه الحالة الجيناتية والاجتماعية والسياسية والفكرية؟؟؟.. وقبول الذهاب إلى طبيب نفسي؟؟؟.......
وهنا عقدة العقد...
ــ ظاهرة إنسانية :
لمن يريد أن يفهم.
عــرفــت اليوم من الزميلة الرائعة فاطمة نــاعــوت, أن مئات الشباب المصريين المسيحيين, يحملون كميات من التمر والماء البارد على مفارق الشوارع بالمدن والقرى المصرية, ليوزعوها على المارين الصائمين المسلمين ساعة الإفطار, بشهر رمــضــان... عــادة مصرية قديمة... وظاهرة إنسانية ما زالت موجودة...
آمل أن يفهم هذه الظاهرة الإنسانية المتحجرون والمتأخرون والمتعصبون... يا تــرى هل يقبلون؟؟؟!!!........
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. هـــنـــاك و هـــنـــا.. وبكل مكان بالعالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي... وأصدق وأطيب تحية إنــســانــيــة طيبة مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟