مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5195 - 2016 / 6 / 16 - 17:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مؤتمره الصحفي تعقيبا على "حادث أورلاندو" , عندما استعرض نهاد عوض رئيس المجلس الإسلامي الأمريكي أقليات أمريكا التي تتعرض للتهديد , تجاهل الرجل عمدا أن يذكر المثليين الذين قتل منهم للتو خمسين إنسانا , لم يذكر كلمة واحدة عن تهديد كثير من هذه الأقليات على أيدي رجال الدين المسلمين و المسيحيين على حد سواء ... رزوان جاكا , مسؤول الجالية الاسلامية في شمال أمريكا , قال في ذلك المؤتمر , أن الإسلام يحترم حياة البشر , يحترم حياة المثليين , و أن القرآن قال أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا .. هذا بكل بساطة كذب فاقع .. يعرف شيخنا "الجليل" أن القرآن , و الإسلام , يحكم على كل مثلي جنسيا بالموت , حرقا أو بأن يلقى من فوق بناء ثم بأن ترمى فوقه الحجارة .. هذا حكم القرآن و هذا هو احترامه لحياة المثليين .. من كل الذين تحدثوا عن أورلاندو و الذين أنكروا مسؤولية الإسلام عن المجزرة و أكدوا احترام الإسلام لحياة المثليين , لم نسمع دعوة واحدة لمراجعة هذا الحكم الإلهي , كما يسمونه و كما يزعمون , أو النصوص و الأحاديث التي تحكم بإعدام كل مثلي جنسيا , أو كل زان , أو كل مرتد , الخ الخ .. الفرق الوحيد بينهم و بين عمر المتين هو أنهم يرون أن حكم القتل هذا يبقى "غير قابل للتطبيق" إلا بعد التمكين للإسلام , أي فرض الإسلام بالقوة على الجميع , و الذي يشكل الهدف الأساسي لرجال الدين و المؤسسة الدينية , شيعة و سنة , و الذي يسمونه تحريرا للمسلمين , بل و حتى تحريرا للمثليين و المرتدين و الزناة و البشرية عموما .. لم يطلب أحد مراجعة القانون "الأخلاقي" الإسلامي , و لم يجرؤ أحد على التساؤل عن هذا القانون , الذي يشرعن اغتصاب الأسيرات في الحروب و استعبادهن جنسيا و يشرعن نكاح "امرأة" في التاسعة أو الحادية عشرة من عمرها , و يقتل الناس إذا استخدموا أجسادهم بإرادتهم الحرة , أو إذا فكروا خارج اوامره و نواهيه , أي ببساطة إذا تصرفوا كبشر .. و إذا كان ترامب قد سارع لاستخدم دماء "شهداء" أرولاندو ليبرر هستيريته المعادية للأجانب , فإن روزان يستخدم دماء الزنوج الذين سقطوا على يد الشرطة الأمريكية سابقا ليخفي مسؤولية الإسلام الصريحة عن مجزرة أورلاندو ... أما لمن قال أن الإسلام يأمرنا ألا نكره الآخرين , أن نخشى الله و نطيعه , يمكن القول : أن نطيع الله و نخشاه يعني بالتحديد أن نكره الآخرين , أن نكره كل من لا يؤمن بإله محمد .. و الإسلام هنا ليس استثناءا , فقد سمعنا أصوات قساوسة عبروا عن حزنهم لأن القاتل لم ينه عمله في أورلاندو , و ستالينيون حزينون لأنه مجازر ستالين لم تنه كل المعارضين في روسيا الخ .. وسط كل هذا الكذب , فإن أصدقنا اليوم , إسلاميين و علمانيين , ديمقراطيين و عشاق استبداد , كما يطيب لنا أن "نصنف" أنفسنا , هم داعش و ذلك القس الذي حزن لأن قاتل أورلاندو لم ينه عمله .. كل ما تبقى فهو كذب و تلفيق , دعوشة خجولة , مخنثة , أتفه من أن تقول أو تواجه أو ربما أن تفهم .. من فتوى إباحة دم سلمان رشدي و مذابح المسيحيين و الإيزيديين و الشيعة و السنة و البهائيين حتى أورلاندو لا نتقن إلا الكذب .. لا يجرؤ اليوم على وصف ما يجري كما هو , و إعلان نيته دون خوف أو تردد , إلا داعش , الإسلامية و المسيحية , الشيعية و السنية .. استغربت من ردود فعل الكثيرين ممن حولي عندما تحدثت عن الضحايا في أورلاندو كبشر , بينما , كما قالوا , يموت السوريون دون أن يكترث أحد ... و أتساءل : هل هذا ما أراده الضحايا فعلا , هل هذا ما يموت السوريون في سبيله , هل تأتي أورلاندو و من قبلها باريس و بروكسل و تشارلي هيبيدو و تجويع كفريا و الفوعة و مفخخات طرطوس و جبلة الخ , بالعدل للضحايا , أم أن هذا استخدام رخيص لدمائهم لأغراض لا تتعلق بتحقيق العدالة للضحايا و معاقبة قاتلهم .. قال بعضهم مع ابتسامة عند أطراف شفاههم , هؤلاء هم أحفاد من قتلوا ملايين الهنود الحمر .. هل يكترث هؤلاء فعلا للهنود الحمر , أو حتى للسوريين * .. أذكر جيدا مجزرة جديدة الفضل قرب دمشق , هؤلاء فقراء , سمر البشرة , معترين , نازحين , ينظر إليهم أولاد الشام و جيرانهم في ريفها نظرة متعالية عادة , يسخرون من فقرهم و لون بشرتهم السمراء , وحده موتهم على يد النظام النصيري أعاد لهم شيئا من إنسانيتهم المهدورة , لم يسخر كثيرون ممن كان يفترض أن يسخروا من موتهم كما سخروا من حياتهم , كما كان سيحدث لو أنهم ماتوا بحادث سيارة مسرعة أو قهرا و فقرا و مرضا , لكن عندما قتلهم نظام نصيري , تذكر الجميع فجأة أنهم سنة , و لهذا بالذات لم يسخر أحد منهم هذه المرة , بل غضبوا كما قالوا , فقد قتل النظام النصيري بعضا من السنة .. إذن لهذا يموت السوريون , و لهذا مات الهنود الحمر و هم يدافعون عن أنفسهم و وجودهم و حريتهم و حتى ثيرانهم , ماتوا كي يحكم العالم استبداد أسود لا يتورع عن أي شيء بدعوى أن غيره أيضا ارتكبوا المجازر , و أن هناك طغاة غيرهم .. يوظف المثقفون و السياسيون العرب و المسلمون الذين يدعون العلمانية كل فظائع الكولونيالية و الديكتاتوريات التي تحكمنا لتبرير استبدادات و مجازر أخرى .. و إلى جانب الكذب نمارس أيضا و بمهارة منقطعة النظير : التلفيق , علمانيتنا تلفيق , إسلامنا تلفيق .. إسلام محمد , تلفيق يهودي مسيحي وثني جاهلي ليبرر سلطته على أجساد أمهات المؤمنين و حلمه بأن يحكم , من قبره , هذا العالم , أن يمجد اسمه و أن تحكم الكآبة العالم "إلى الأبد" , عقابا للجميع على كآبته المريضة .. بعد عثمان لم يبق سوى إسلام الخوارج و إسلام بني أمية - الحجاج , لا شيء آخر , إلى يومنا هذا .. و إسلام و معارضة المعارضين أيضا هي تلفيق .. إذا تحدث عن العلمانية , التي "أؤمن" بها , إذا استثنينا قلة قليلة فقط , من طه حسين إلى فرج فودة , فإن علمانيتنا كانت مجرد تلفيق .. علمانية عبد الناصر كانت تلفيقا , لم تتجاوز تأميم الأزهر و المؤسسة الدينية لصالح النظام .. علمانية حافظ الأسد كانت تلفيقا بين علمانية مزعومة و إسلام مزعوم مصممة بالمقاس على قد حكم الأسد .. لم ينتقد أحد الإسلام فعلا , أخلاقه , سياسته , تاريخه , كل ما هو سلطوي و استبدادي فيه , موقفه من الآخر و من الإنسان و أتباعه و الحرية و العقل و الجسد و النفس الخ الخ , كل علمانيونا تحاشوا ذلك , كل سياسيونا تحاشوا ذلك , و كبار مثقفينا أيضا , إلا من "رحم ربي" , لسبب واحد يشترك فيه كل هؤلاء : لأنهم أرادوا استخدام الإسلام لمصلحتهم , بشكل يتناسب مع هيمنتهم هم .. الجميع يريد الخرافة , الدوغما , ذلك الاستسلام السلبي للأوامر و النواهي , و أيضا : إلهاء الناس عن وجود جنة على الأرض بجنة محمد في السماء .. علمانياتنا كانت مصممة دائما على مقاس غرض سياسي محدد , سلطة ما , تماما كما هو ديننا .. السرعة التي تحولت فيها النخبة السورية لتبني الطائفية يعكس مصالحها في الحقيقة لا واقعا ما .. اعتقدت تلك المعارضة , كما اعتقد النظام , أن الطائفية ستكون وسيلة مناسبة للوصول إلى غايتها .. و هكذا كان !! .. إن تلازم الطائفية و الديمقراطية عند المعارضة السورية لا يذكر إلا بتلازم النضال القومي و النضال الاشتراكي عند حزب البعث .. و كأن الأقلية و الأكثرية الطائفية هي أكثرية أو أقلية حصدت في صناديق الانتخابات في منافسة حرة بين مشروعين سياسيين اقتصاديين , و لم تفرض فرضا بالحديد و النار من قبل أنظمة سابقة , قروسطية , استبدادية , لا تقل شمولية و استبدادا و قروسطية عن نظام الأسد .. هذا إذا افترضنا أن صناديق الانتخابات يمكن أن تكون مكانا لمثل هذه المنافسة أساسا .. هم ليسوا دواعش ** , لكنهم يبررون ما فعله الدواعش في باريس و بروكسل و العقاب الإلهي الذي أنزلوه بتشارلي هيبيدو و بالمثليين جنسيا , انتقاما لضحايا البراميل في سوريا أو مجازر البيض بالهنود الحمر !! .. لا يستخدم مثقفونا الهولوكست , رغم أنه شهد سقوط أكبر عدد من الضحايا على يد نفس الغرب الكولونيالي , لكن دماء هذه الضحايا تهم سياسيون و مثقفون آخرون لتبرير جرائم أخرى , إنها نفس القصة لكن بنسخ مختلفة , قتل اليهودي هو مبرر لقتل الفلسطيني الذي يبرر قتل السوري الذي يبرر قتل المثليين جنسيا الذي يبرر قتل المسلمين الذي يبرر قتل المسيحيين .. كراهية الشيعة , السنة , العلويين , الغرب , السود , البيض , هي ما نفعله بأشكال مختلفة , و النتيجة هي حروب "عدمية" بالكامل , عدمية بالمعنى السلبي للعدمية , لا العدمية بمعنى الرفض المطلق لكل دوغما , لكل قيد , و لكل سجن .. عدميتكم هي موت و خراب لا محدودين في سبيل كرسي السلطة , جرائم في سبيل خلق قهر جديد للناس , و أكاذيب لإخفاء حقيقة كل القتلة و الجلادين و السجون أو بعضهم , عدميتنا هي تخريب كل أسوار السجون , السخرية من كل دوغما و كل مقدس .. عندكم "كل شيء مباح من أجل السلطة" , عندنا "كل شيء مباح من أجل الحرية" .. عندكم "السلطة مطلقة" , عندنا "النفي مطلق" .. بعد مقال ياسين حاج صالح المهم "في الجذور الاجتماعية و الثقافية للفاشية السورية" أضيف كم هائل من الأحداث و المجازر و الكلام يمكن أن تساعد في تنقيح الأفكار الواردة في المقال و تطويرها .. تحضرني هنا كلمات السياسيين و رجال الدين و المثقفين الذين يستخدمون هذه الكلمات عندما يتهربون من لزوم ما يلزم "إننا ننتظر المزيد من المعلومات" ... بالنسبة لي , ربما , كي أكون صادقا مع نفسي , علي أن أتحول إلى داعشي أناركي , رغم أن هذا الشيء لا يستقيم , فالاثنان ينفيان بعضهما البعض , أو أن أتحول نهائيا إلى أناركي , إلى نفي مطلق , بالممارسة و الفكر , لعل الطوفان يأتي , و لو بعد حين
* أذكر جيدا حواري مع عدد من الشباب الليبرالي السعودي عندما قلت لهم تعليقا على ربطهم عمليات القاعدة في الغرب بشعور العرب و المسلمين عموما باضطهاد الغرب الامبريالي , لفت نظرهم يومها إلى أن هناك في السعودية أقلية كبيرة نسبيا , مهمشة بشدة , مقموعة لدرجة رهيبة , بحيث أني لا أستغرب أن تقوم بعمليات مشابهة ضد النظام و حتى المجتمع السعودي .. تساءل يومها هؤلاء الشباب عن تلك الأقلية .. تحدث البعض عن أهل الجنوب , الشيعة , أهل الحجاز .. لكن كم كانت دهشتهم كبيرة عندما قلت لهم : العمال البنغال .. استهجن الجميع دون استثناء هذا الكلام .. كانوا يرون جميعا أن هؤلاء يحصلون بالضبط على ما يستحقونه .. كان غريبا جدا أن أرى نفس الدهشة في رد فعل أمريكية كانت تحدثني عن روعة إسرائيل و تقدمها عندما سألتها عن المخيمات الفلسطينية , و كلام فتاة هولندية حسناء كانت تحدثني عن جمال جوهانسبورج عندما سألتها عن الزنوج في جنوب أفريقيا , و عندما قلت لبعض المعارضين السوريين في استانبول عندما وصفوا وقوف الأكراد و العلويين الأتراك ضد حكومة إردوغان "بالمؤامرة" , عندما قلت لهم : لكنهم مواطنون أتراك و هذه بلدهم
** يحق لمتين و غيره أن يتدعوشوا , لأنه لا يوجد شيء حقيقي اليوم سوى داعش , كل ما تبقى هو هراء , دواعش مرعوبين حتى التفاهة
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟