|
صيام اللصوص . . .
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 5195 - 2016 / 6 / 16 - 15:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صيام اللصوص . . . ظاهرة الإفطار العلني في شهر الصيام الإسلامي، رمضان، تتكرر في كل عام في كل المجتمعات التي تمارس هذا الفرض الإسلامي، يرافقها تكرار الإيحاء السلطوي بفرض الصيام بالقوة من خلال ظاهرة ملاحقة مَن لم يرغب بالصيام لأي سبب من الأسباب وممارسة حقه في الحياة الاعتيادية التي لا ينغصها الإجبار على القيام بعمل ما يداهن فيه هذا او يتملق فيه لذاك او يخشى ملاحقة شرطي او داعية اسلامي مشبع بجنون ملاحقة المخالفين له ولعقيدته ولتصرفاته. وقد حدثت هذه الملاحقات في الأيام الأخيرة في بعض المدن العراقية مما يوحي بوجود سلطة قمعية تلاحق من يعمل طيلة ساعات النهار تحت اجواء صيف لاهب لكسب قوت يومه، ثم يتعرض إلى غضب السلطة الدينية لمجرد انه شرب جرعة ماء او تناول قطعة خبز ليواصل بها جهد العمل المضني والمرهق. هؤلاء الذين يلاحقون ما يسمى بظاهرة الإفطار هذه، التي لا تعبر إلا عن تصرف إنساني بحت، يبررون فعلتهم هذه بعدم احترام مَن افطر في شهر صيامهم لشعائر الدين ولمشاعر من يمارسون هذه الشعائر. تبرير ينم عن جهل بالدين وإهانة لممارسي هذا الفرض الديني. جهل بالدين لأن القائمين على هذا الدين غالباً ما يكررون النصوص الدينية التي تشير إلى ان " لا إكراه في الدين " او " مَن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر " او " لكم دينكم ولي ديني " وغيرها الكثير من التأكيد على ان ممارسة الشعائر وتطبيق الفروض الدينية إنما يتم من خلال الإيمان وبلورة العقيدة الذاتية بمثل هذه الممارسات التي لا يمكن ان تخضع للإكراه او لإتخاذ مواقف معينة من قبل الآخرين تجاه ممارسيها. وهي إهانة للصائمين بحق وعن ايمان حيث ان المفروض بمن يمارس الصيام عن عقيدة راسخة، إنما يمارسه لتحقيق غرض روحي وليس دنيوي. وإن تحقيق هذا الغرض الروحي الإيماني ليس بحاجة إلى دعم وإسناد او عطف او شفقة او مداراة من خارج الحلقة الإيمانية التي يتحرك ضمنها الصائم المؤمن بروحانية صيامه هذا وليس بعرضه على المجتمع كدليل على تدينه او ورعه او إلتزامه، إذ ان الذي يجعل الصيام او تطبيق اية شعيرة دينية وسيلة لتحقيق غرض دنيوي، اي التجارة بهذه الشعيرة او تلك، ما هو إلا منافق كذاب يحاربه نفس ذلك الدين الذي يدعي الإلتزام به. فكم من تاجر لدينا اليوم بمثل هذه الفروض الدينية صياماً كانت او صلاة او حجاً او زكاة ؟ وكم من منافق اعلن حربه على الفقراء الذين يصومون اكثر من نصف نهارهم طيلة ايام السنة، وليس في شهر الصيام وحسب، وما " إفطارهم " في هذا الشهر إلا تعبيراً عن الفرصة السانحة لهم لتناول ما يحصلون عليه من أكل او شرب في الآن وليس بعد ساعة او ساعات ؟ وحينما تربط العقيدة الدينية الإسلامية ممارسة هذه الفروض بكثير من الصفات الحميدة التي ينبغي ان يتحلى بها الفرد، خاصة وقت الصيام الذي يجب ان يتشبع فيه الصائم بروح المحبة والعِفة والتسامح، فأين التسامح إذن مع هؤلاء الفقراء الذين لا يقوون على الصيام على الطريقة التي تفرضها العقيدة الإسلامية، حتى وهم مسلمون، بل لهم طريقتهم الإجبارية الخاصة في الصيام على مدار السنة وليس في شهر الصيام فقط؟ وأين العفة من اولئك الصائمين نهاراً والسارقين ليلاً ونهاراً ؟ اين عنهم تلك القوى التي تلاحق انساناً لأنه يبتلع كسرة خبز ولا تلاحق لصاً يبتلع اموال الناس ويستولي على ممتلكاتهم ؟ الجواب على هذا السؤال الأخير يكاد يكون من البساطة بمكان بحيث يمكن الإستهزاء بطرحه اصلاً. إذ ان هؤلاء اللصوص هم انفسهم من يلاحق ذلك الذي سرقوا ماله ونهبوا ثرواته وصادروا ممتلكاته وهم صائمون قائمون لا يخشون لومة لائم لأنهم فقدوا كل ما يمَكِنَهم من الشعور ، مجرد الشعور ، بآلام الصائمين على مدار السنة ومدى حاجتهم إلى تناول كسرة خبز في الوقت الذي يحصلون فيه على هذه الكسرة رمضاناً كان ذلك الوقت او غيره. وبما ان هؤلاء اللصوص لا يمارسون اللصوصية فقط وهم في حالة ورعهم وخشوعهم وصيامهم في هذا الشهر، بل انهم يمارسون السلطة السياسية القمعية ايضاً والتي تربعوا عليها في وطننا منذ ان جاء بهم الإحتلال الأمريكي للعراق بعد إزاحة دكتاتورية البعثفاشية المقيتة، لذلك فإنه ليس من المنطق ان يلاحقوا انفسهم او ان يلاحق بعضهم البعض، فاللص ظهير للص صائماً قائماً هذا اللص ام لا. هل ينفع توجيه نداء إلى لصوص الإسلام السياسي المتربعين على السلطة في وطننا العراق بأن يكفوا، ولو في هذا الشهر فقط، الذي طالما يتبجحون بتقيدهم بشعائره التي تنم عن التسامح والمحبة، عن ملاحقة الفقراء حينما تحين لهم فرصة إلتقاط رغيف خبز او جرعة ماء في اجواء عمل مرهقة؟ لا نطالبهم الكف عن صيامهم وتعبدهم تحت اجواء مكيفات الهواء وفي غرف القصور المحاطة بالأيك والظلال، حيث ان الصوم واللصوصية لا يجتمعان. لا لا نطالبهم بذلك، إذ ان اللصوصية تجري في دمهم، فليصوموا ما شاء لهم من صوم اللصوص. اننا نطالبهم فقط بأن لا يتمادوا في لصوصيتهم فيسرقون حرية الناس بعد ان سرقوا اموالهم وصادروا ممتلكاتهم. الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وهم التمييز بين التطرف والإعتدال في فكر الإسلام السياسي
-
مَن هم المفسدون ... ايها الصغير ؟
-
النص الديني كسلَّم للجريمة ... الأنفال مثالاً
-
النص الديني كسُلَّم للجريمة ... الأنفال مثالاً
-
المَزْعَطة
-
فتاوى الفقهاء في عَورَة ونقص النساء **
-
الإسلام السياسي جرثومة العصر
-
مجرمو شباط
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الرا
...
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الثا
...
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني القسم الثا
...
-
إشكالية السياقين التاريخي واللغوي في النص الديني
-
مصطلحات رثة ... - الأقليات - مثالآ ...
-
تصور الأمر معكوساً ... يا شيخ جعفر ...
-
إحذروا غضب الشعوب ...
-
دولتي الخلافة والتخلف وجهان لعملة صدئة
-
الهجرة ... اللجوء ... وماذا بعد ؟ القسم الثاني
-
الهجرة ... اللجوء ... وماذا بعد ؟
-
- اشلون انعيش بامان ... والداعشي بالبرلمان ...؟ -
-
إتق الله فيما تقوله يا شيخ
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|