|
لماذا نكره بَعضُنَا في الخَفاء أحياناً ؟ الأسباب والمعالجات ( رؤيا نفسية ):
يوسف حمه صالح مصطفى
باحث أكاديمي، پروّفيسوّر في علم النفس / و محاولات في كتابة الشعر
(Yousif Hama Salih Mustafa)
الحوار المتمدن-العدد: 5194 - 2016 / 6 / 15 - 23:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يبدو ان البوح بمشاعر الحب في علاقاتنا الاجتماعية مسألة مقبولة في كل المجتمعات البشرية ، ربما في سياقات مختلفة ، وأشير الى الحب هنا بمضمونهِ الإنساني الواسع ، فالأشهار بحُبَنا للآخرين والتعبيرعنهُ يخلق بلاشك بيئة نفسية ايجابية ملائمة ، ولكن للكراهية وجهٌ آخر ، وَقعٌ سلبي ببعديهِ النفسي و الاجتماعي ، بأستثناء الكراهية الجمعية التي تَحضى بالقبول حينما نتضامن مع الحشد لنكره عدوٌ مشترك ! ، الا ان الامر يختلف حين يتعلق بعلاقاتنا الشخصية ، فالكراهية لقريب مهما تشدق بها الفرد فستضلُ مقيتة و منبوذة من الجماعة أو حتى من الفرد ذاتهِ ، وإلّا لماذا تقبع أغلب حالات الكُره للمقربين في الزوايا المظلمة من النفس و يواجه الإعلان عنها بالاستهجان من القاصي والداني ، إلّا في حالة وصول العلاقة الى حدود متأزمة وتكونت لدى الطرفين مشاعر من الكراهية المتبادلة والمعلنة إزاء البعض . ولا تقف مشاعر الكراهية الخافية هذهِ عند هذا الحد بل تتعدى ذلك وتتفاقم و تتحول على الأرجح الى سلوكيات عدائية وربما الى إنتقام . و لأن الانتقام شحنة انفعالية قوية تفتقر الى العقلانية فهي تتطلب التفريغ من خلال الاستخدام و التوجيه بالسبل التي تراعي استمرار العلاقة ، وطالما ان الكره مخفي فالانتقام المعبر عَنْهُ يأخذ أساليب ملتوية غير مباشرة ولكنها مكشوفة في نهاية الأمر ، ومن بين هذه الأساليب ، تشويه الحقائق من التلفيق والتقويل والاغتياب ، والهدف من كل ذلك النيل من الشخص المستهدَف والإيقاع بهِ. وبحسب نظرية العلاقات الاجتماعية و نظرية الانفعالات يفتقر الشخص المتخم بالكراهية الى الحذاقة و المهارات اللازمة التي تتطلبها معالجة الأزمة ، ولكن حتى وإن خَبِرَ الفرد هذهِ المهارات و عَلِمَ بأهميتها في تحقيق التقارب وفي تبديد الضباب ، فهو لا يألوا جهداً في الشروع بها أو إستخدامها ، يعرف لكنهُ لا يريد ! ، لأنه غير مهتم بأي تغيير نحو الأفضل في علاقتهِ هذهِ مهما امتلك من معلومة حول آليات التتغيير ، وإنما يصبح منشغلاً بإدارة انفعالاتهِ السلبية هذهِ فحسب و بالطريقة التي تُكَرِس الكراهية لديهِ و من ثم إسقاط الخصم في كل فرصة متاحة و بأساليب مُبطنة . أنا لا اتحدث هنا عن الأشخاص الذين لا يهمنا امرهم كثيراً حيث دخلنا معهم في علاقة عابرة وليدة صدفة معينة أو أقتضتها مصلحة وقتية ، بلاشك ففي هذهِ الحالةلا يترك الجفاء معهم أثراً سلبياً لدينا ، بل اقصد بالتحديد الناس المقربين والذين تربطنا بهم وشائج قوية وقَدَريّة احياناً مثل (الأقارب والزيجات) . انا أقدر أهمية التفاوت الفكري والاخلاقي والثقافي في زيادة الهوَّة بين الأشخاص المترابطين ، لكن مهما يكن مستوى و نوع هذا التفاوت فأن الحب والنوايا والتوقعات الإيجابية إزاء البعض تُعَدْ متغيرات وسيطة فاعلة في ترميم الهوَّة او ربما في تدعيم العلاقة و تقويتها وإدامتها بالاتجاه الذي يحقق الأمان للطرفين ، فالأختلاف ربما يكون ذو تأثير سلبي يفاقم سؤ التفاهم بشكل عدائي من جهة أو ربما يكون وقعهُ على العلاقة ايجابياً بشكل ودي وتناغمي من جهة أخرى . وهناك عوامل فاعلة سواء في الحد من إستفحال سؤ العلاقة بين الطرفين (مهما كانت الأسباب بيئية أو نفسية وراء ذلك) ، أو في تحديد المسار الصحيح أو البداية الصحيحة للدخول في علاقة جديدة محتملة مع الذين اختلفنا معهم . ومن بين أهم هذهِ العوامل هي التعرف على طبائع البعض ،( ان كان ذلك يهم الأطراف) ذلك من خلال الحوار الهادف والنقد البنّاء و سعة صدر الطرفين ، والطبائع تتمثل بسمات الشخصية وهي خصائص شبه ثابتة والتي تنعكس في غالبية مواقف الفرد . وتنجز هذهِ العملية بنجاح عندما نُحَركْ في أنفسنا اهم المتغيرات الفاعلة في هذا المضمار الا وهي الصدق وكشف الذات ، بالرغم من أنهما عمليتان متلازمتان الا أنهما يستخدمان احياناً بصورة منفصلة و في مواقف مختلفة ولأغراض متفاوتة ، فكشف الذات للناس المهمين في حياتنا ، هو الإفصاح عما امتلكهُ من خبرات حقيقية حول مسائل مهمة في شخصيتي للمقابل ، وكشف الذات يتطلب الصدق الا ان الصدق لوحدهِ لا يكفي لاسيما عندما يكون انتقائياً في كشف الايجابيات فحسب و اخفاء السلبيات ، ولا يمكن لهذهِ الانتقائية تحقيق الأهداف المتوخاة من عملية كشف الذات الفاعل ، وبهذا يُعَدْ كشف الذات في الموضوعات ذات الصِّلة بالعلاقة ، وثيقة نزاهة للطرفين يحول دون التفاجيء بما لا يمكن توقعهُ من الطرفين و من ثم يساعد على استيعاب السلبيات المُحتملة في العلاقة و يعزز روح التسامح إزاء البعض ، الامر الذي يمنع نمو حالات التشنج و سؤ الظن الى مستويات الرفض والكراهية غير المعلنة و ربما المعلنة فيما بعد. هناك عنصر مهم ومؤثر في كل علاقة الاو هو الزمن والذي غالباً مالا نكترث لهُ ، فالزمن يفعل فعلهُ حينما تُترَك الامور دون ان نحرك ساكناً سواء أو نفعل شيئاً لتدعيم نقاط القوة في العلاقة أو في معالجة مواقع الضعف و سؤ الفهم والتفاهم ، إن إخفاء الكراهية يجعلنا اقل جرأةً في المواجهة وهنا تعمل ( آلة) الزمن في المزيد من النخر في العلاقة التي أمست تستند الى أعمدة هشة بسبب هذهِ التراكمات الُمهملة . والافصاح عن المكنونات الخبيثة للذات أشبه بجراحة دون تخدير ، فهي مؤذية للطرفين لأول وهلة ولكن الاستمرار فِيهِ بهدف رأب الصدع لابد أن أن يحقق نتائج مذهلة . المخادع وحدهُ يخاف المواجهة والحقيقة والمصارحة ، فعندما يهمني تقويم الإعوجاجات مع الطرف الآخر عليَّ أنْ أكون صادقاً وجريئاً و شجاعاً في إبراز حصتي من السلبيات سيّما تلك المتعلقة بالخلاف ، ومن شأن هذا النموذج السلوكي العمل كحافز للمقابل على ان يحذو حَذوهُ ، هذهِ المُهمة ضرورية لِمَنْ يسعى الى تحقيق النقاء والامان في ارتباطهِ بالآخرين ، والعلاقة النقية ليسَتْ هي العلاقة الخالية من الشوائب بل هي العلاقة التي يكشف فيها كل طرف شوائبهِ للآخر بقدر الإمكان وبالشكل الذي تَقتَضيهِ النية في تلطيف الأجواء ، هذا الى جانب ضرورة إبداء الملاحظات الناقدة للمقابل بهدف نفض الغبار الذي ربما تراكم من جرّاء التباعد والمناوشات غير المرئية . لذا ، فالإخفاء و التخفي والتصنع والخوف من المواجهة و الإفراط في إستخدام الآليات الدفاعية وأيثار القطيعة التي تحقق أماناً مزيفاً لاسيما لجبناء المواجهة ( المصابون بفوبيا المواجهة ) ، كلها عوامل أو معامل تؤدي الى نمو الكراهية المخفية واستفحالها بعد أن كانت أمور بسيطة و كان بالإمكان إحتوائها بسهولة في مراحلها الاولى . فالكراهية من خلف سواتر العلاقة ذاتها تفعل فِعلَها في تضخيم سلبيات المقابل وحتى التوهم بها ( قد تكون أفكار وتصورات لا أساس لها من الوجود !) والكاره المخفي لأنه ٌ لا يَقْوى على المواجهة فأنهُ يَصر على العلاقة في ظلِ شعارٍ : ( أنا أكرهَكَ لكني لا أُريد أن أخسركَ ) وبالتالي ينشغل بأدارة الكراهية بأسلوب يُجنّبُه الضرر ، لكن الصدمة ستكون قوية حين تنكشف الامور ، وتبدأ آليات : ( العدوان والتبرير والإسقاط والإنكار ) حصرياً بالنشاط حين المواجهة . والشخص الذي يٌخفي حبهُ أو عدم حبهِ لقريب يسعى بالضرورة الى إخفاء كُرهِهِ لهُ أيضاً ، وهذا الأسلوب في التستر على المشاعر الحقيقية قد يعممَهُ الفرد على مجمل علاقاتهِ القريبة و البعيدة ، وبالتالي يستمر خزين المحبة لديهِ بالجفاف و تُفَعَّل السمات المظلمة ( الثالوث المظلم) في شخصيتهِ و المتمثلة ب( العدوانية ، و النرجسية ، و المكيافلية ) و يتمخض عن ذلك اللجؤ الى أساليب الأيذاء ( اللفظي والمادي ) والًى تضخيم وهمي لخصائص الذات و من ثم الى الحيلة والخداع . ( سوف أنشر لاحقاً بحثاً بالسمات المظلمة في الشخصية ) . فالشخص الذي تستقر لديه هذهِ السمات للتعامل السلبي مع ضغوط الحياة وأقصد يالتحديد هنا ، مشكلات العلاقات مابين الأشخاص ( كما يُسَميها العالم سويليڤان ) هو الشخص الذي نضبَتْ لديهِ آليات المصالحة والمهارات الإنسانية اللازمة في إزالة الشوائب أو في الدخول في علاقات انسانية مثمرة صافية ، و عندها لا تفلح لديهِ أية محاولات من اجل رأب الصدع في خلافاتهِ مع الآخرين ، المقربين بالذات . وحتى لو استحضرت لديه أية فكرة عن محاولة عقلانية مُجدية في هذا الصدد ستكون الإرادة سلبية هنا في الشروع بما تتطلبهُ تلك الفكرة ، لأن المحبة والتصالح مع الذات والآخرين من الصعب أن تجد لها مكاناً في هذهِ الارض البور لدىَّ هذا النمط من الشخصية ، إلّا وللأسف ستكون هذهَ الارضيّة خصبة للإضطرابات النفسية والعقلية ، إن لم تكن لهذهِ الاضطرابات مسبقاً مساهمة في خلق مثل هذا النمط السلبي في الشخصية . فالمحبة دواء لكل داء نفسي واجتماعي و بها تُصلح النفوس و الخلافات و تُذاب شوائب الضغينة و سؤ الفهم ، إلا إنَّ المحبة ليست وصفة سحرية أو مجرد كلام و إدعاء ونُصح و تفاخر ، وإنما هي خبرات انسانية راقية و مشاعر سامية وغنى النفس و ثقافة واسعة و ضمير يقظ .. كل ذلك ينبغي أن يُتَرجَمْ في ممارساتنا و علاقاتنا مع الآخرين ، فالسلوك هو محك الادعاء ، وإنما الاعمال بالنتائج . فالمحبة إذن ، هي تكريس السُّبُل النافعة بالاتجاهات الأيجابية لتنمية علاقات انسانية شفافة مثمرة مع من حولنا ، والمحبة كفاح في الاتجاه السليم يستحق المشقة من أجل تعديل إعوجاجاتنا . """""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
#يوسف_حمه_صالح_مصطفى (هاشتاغ)
Yousif_Hama_Salih_Mustafa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أضواء على زوايا معتمة
-
مسارات المزاج
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|