سمير زين العابدين على
الحوار المتمدن-العدد: 5193 - 2016 / 6 / 14 - 16:21
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كفاءة "X"
نظرية X Efficiency
لــHarvey Leibenstein
أولا : مفهوم نظرية كفاءة X""
قدم ليبينشتاين نظرية كفاءة "X" الناتجة عن غياب المنافسة فى الاسواق . ونظرا لأن كفاءة X هو مفهوم يختلف عن مفهوم الكفاءة التخصيصية ، وفى الوقت الذى لم يكن باستطاعة ليبينشتاين ان يصنف هذه الكفاءة باعتبارها كفاءة تحفيزية او تقنية ، فقد اطلق عليها اسم كفاءة X . ويمثل الرمز" X " وجود عامل "Factor" غير معروف "Unknown" يكون مسئولا عن وجود نوع من عدم "الكفاءة" لا يمكن اعتبارها عدم كفاءة تخصيصية.
وهذا النوع من "عدم الكفاءة" يعنى أن هناك فرصا منخفضة التكاليف وغير مستغلة ، ولو أحسن استغلالها لزادت الانتاجية فيما بين المشروعات وانخفضت تكاليف الانتاج . وتعزى هذه الفرص الى عدة عوامل ترتبط بسلوك الانسان منها افتقاد الدافع ، الجمود ، التحيز فى اتخاذ القرارات الانسانية الامر الذى يؤدى فى النهاية الى عدم تعظيم السلوك الانسانى ، وعدم الوصول إلى الوضع الأمثل ، ناهيك عن الهدر فى الطاقات البشرية .
وهذه الفرص غير المستغلة هى نوع من أنواع "عدم الكفاءة " ولكنها ليست "عدم كفاءة تخصيصية " لانها لا ترتبط بعدم كفاءة جهاز الثمن أو اختلالات السوق ولكنها ترتبط بالانشطة البينية للمشروعات المختلفة ، والاخطاء البشرية ، بما يؤثر فى النهاية على أداء المشروع .
وتؤدى البيئة الداخلية للفرد او نمط شخصيته وكذلك البيئة الخارجية المحيطة به إلى فرز السلوكيات التى ينتج عنها فرص غير مستغلة وتندرج تحت البيئة الداخلية السمات الشخصية للفرد مثل ازدواج الشخصية التى تميز الانسان بوجه عام حيث يميل لتعظيم العائد عن طريق العمل وفى نفس الوقت يميل الى تعظيم وقت الفراغ . على حين تندرج تحت البيئة الخارجية علاقات الفرد بالاخرين ، وتأثير هيكل السوق الذى يعمل به المشروع على مستويات الجهد الجماعى لفريق العمل.
ويمكن تلخيص مفهوم كفاءة X وفقا لليبينشتاين على انها الحالة التى يكون فيها الأداء الفعلى للمشروعات والافراد العاملين بها من حيث الكفاءة أقل مما يجب ان يكون أى ان المشروعات والافراد لا تعمل بكامل طاقتها لأى سبب من الاسباب . وفى الأسواق التى تتسم بغياب الضغوط التنافسية يفضل كثير من الافراد تعظيم منفعهتم ببذل قليلا من الجهد عن العمل بكامل طاقاتهم ، أى أنهم يبحثون عن المنفعة الناتجة من العمل تحت ضغط تنافسى ضعيف ، بما يمكنهم من تحقيق وفر زمنى يستخدمونه فى تحسين علاقاتهم العامة.
وهذا يعنى ان الضغوط التنافسية تحث الافراد على بذل مزيد من العمل كما ان غيابها يؤدى الى تثبيط هممهم . وقد يعزى ذلك لطبيعة عقود العمل حيث غالبا ما تحدد هذه العقود مستوى الاجر مسبقا ، لكنها تفتقد الرقابة على مستوى الجهد اللازم بذله فى أداء العمل مما يتيح للافراد حرية التصرف فى تفضيلاتهم بين العمل الجاد والعمل بأقل من طاقاتهم الحقيقية . ويعزى التباين فى الجهد المبذول من العامل إلى سببين :
- السبب الأول هو حرية التصرف التى يتمتع بها العامل فى اختيار مستويات الجهد المبذول.
- السبب الثانى هو حرية التصرف التى تتمتع بها الادارة العليا فيما يتعلق بظروف العمل.
وينتج عن هذين السببين سيادة حالة تعرف فى نظرية الالعاب بـ" معضلة السجين" Prisoner s Dilemma وهى الحالة التى توضح وجود طرفين لا يتعاونان مع بعضهما حتى لو بدا أن تعاونهما يصب فى صالحهما معا ، والمحصلة النهائية لذلك أن يعمل المشروع عند مستوى الحد الأدنى لكلا من الاجر والجهد المبذول .
ثانيا : العلاقة بين كفاءة X وهيكل السوق
يرى آدم سميث أن الاحتكار هو العدو الاكبر للادارة الجيدة ، وان المنافسة هى الاداة اللازمة لحقيق التخصص وتقسيم العمل ، والتطوير المستمر لفنون الانتاج بما يؤدى فى النهاية لخفض الاسعار والوصول الى الرفاه الاجتماعى .
ويضمن هيكل السوق القائم على المنافسة الكاملة الوصول الى الانتاجية الحدية للعمل ورأس المال ، كما تتصف عقود العمل بالكمال وليس باللاختلال كما هو الحال فى السوق الاحتكارى. ويسعى المنتج لتعظيم ربحه فى ظل قيود التكلفة وفنون الانتاج على حين يسعى المستهلك لتعظيم منفعته فى ظل قيود الميزانية وبما يعظم فى النهاية من مستويات الرفاه . وفى حالة المنافسة الكاملة يتم التخصيص الكفء للموارد عن طريق اليات الاسعار . كما تؤدى المنافسة الكاملة الى الوصول الى الكفاءة التخصيصية ، والكفاءة الانتاجية حيث يكون منحنى النفقة المتوسطة فى الاجل الطويل عند حده الادنى .
على حين يعكس هيكل السوق الاحتكارى عدم كفاءة تخصيص الموارد حيث ينتج المحتكر كميات أقل ويبيع بأسعار تزيد عن التكلفة الحدية ويحقق ارباحا احتكارية. وبذلك يتصف هيكل السوق الاحتكارى بغياب الكفاءة التخصيصية والكفاءة الانتاجية وايضا بسيادة ما يعرف بعدم كفاءة " X " ، أو غياب كفاءة "X".
وتختلف النفقات فى حالة المنافسة الكاملة عن حالة الاحتكار. فإذا اخذنا فى الاعتبار ان تزايد تكاليف المحتكر لا تعنى افلاسه ، فيترتب على ذلك تراخى المشروع الاحتكارى فى بذل الجهد سواء من قبل الادارة أو من قبل العاملين به لتجنب ارتفاع التكاليف. ويقودنا هذا المفهوم الى حقيقة أن هيكل التكاليف يختلف من سوق الى سوق وفقا لدرجة الاحتكار او المنافسة التى تعمل هذه السوق من خلالها فعلى سبيل المثال يربتط سوق المنافسة الكاملة بهيكل تكاليف منخفض نسبيا مقارنا بنظيره فى سوق الاحتكار . وقد ربط ليبينشتاين نظريته عن كفاءة "X " بحالة ارتفاع التكاليف فى اسواق الاحتكار .
ويوضح الشكل رقم (1) المرفق بالورقة اختلاف منحنى التكلفة الحدية فى حالة المنافسة الكاملة عنها فى حالة الاحتكار . حيث يعكس المحور الافقى الكمية المنتجة من السلعة على حين يعكس المحور الراسى التكلفة . ويظهر من الشكل ان منحنى التكلفة الحدية فى حالة المنافسة يبعد عن المحور الرأسى بمسافة تزيد عن تلك التى يبعد بها منحنى التكلفة الحدية فى حالة الاحتكار عن نفس المحور وهو ما يعنى أن فى حالة المنافسة الكاملة يستطيع المشروع انتاج كمية من الناتج اكبر من تلك التى ينتجها المشروع المحتكر عند نفس تكلفة مدخلات الانتاج .
شكل 1 – التكلفة الحدية فى سوق المنافسة الكاملة وسوق الاحتكار
وبذلك يعمل المشروع الاحتكارى على انتاج كمية تقل عن تلك التى يمكن انتاجها فى سوق المنافسة عند نفس مستوى التكلفة . ويرى ليبينشتاين أن السوق الاحتكارى يتصف بوجود فجوات فى اسواق المدخلات والمخرجات بسبب عنصر المعلومات بعض فنون الانتاج ممكن الا تكون معروفة بدرجة كافية حتى لو توافرت المعلومات والمهارات المطلوبة لانتاج السلعة او الخدمة مما يؤدى لاختلاف سلوك المشروع عما كان يجب ان يكون لو توافرت شروط المنافسة الكاملة.
ثالثا : المنهج البيانى لنظرية ليبينشتاين عن كفاءة X" "
شكل رقم (2) – كفاءة "X "
ويعكس الشكل البيانى رقم 2 المرفق بالورقة مفهوم ليبنشتاين عن كفاءة X" " فى الاسواق الخاضعة للاحتكار ، حيث يعبر المحور الافقى عن مستوى الاجر الممنوح لعنصر العمل على حين يعبر المحور الرأسى عن الجهد المبذول من نفس العنصر . ويعكس المنحنى الممثل للخط 45 درجة العلاقة الطردية بين مستوى الاجر ومستوى الجهد المبذول حيث يزيد الاجر كلما زاد الجهد المبذول والعكس صحيح ، وتعكس كل نقطة على المنحنى توليفة معينة بين الاجر والجهد المبذول .
تعكس المنطقة يمين المنحنى خللا فى علاقات الانتاج لصالح العامل حيث يحصل العامل على أجر يفوق ما يبذله من جهد . على حين تعكس المنطقة يسار المنحنى خلالا فى علاقات الانتاج لصالح إدارة المشروع حيث تحصل إدارة المشروع من العامل على جهد أكبر مما تدفعه له من أجر .
ويعكس التقاء المحور الافقى مع المحور الرأسى بما يعرف "بالحل الصافى لمعضلة السجين" أو الحل الصفرى حيث يتلاشى كلا من الاجر و الجهد المبذول ، أى أن مستوى الاجر = مستوى الجهد المبذول = صفر .
وتعكس الدائرة حول النقطة c سيادة حالة " معضلة السجين" Prisoner s Dilemma حيث لا تتعاون الادارة العليا مع العاملين بعضهما مع بعض حتى لو بدا أن تعاونهما يصب فى صالحهما معا . الأمر الذى يؤدى الى ان يعمل المشروع عندى مستوى توازنى يحقق الحد الأدنى للاجر المدفوع والحد الأدنى للجهد المبذول ، وهو وضع توازنى غير مرغوب فيه . ويرجع ليبينشتاين سيادة هذا الوضع الى طبيعة عقود العمل فضلا عن ظروف العمل ، والأعراف والتقاليد السائدة فى المجتمع الذى يعمل فى نطاقه المشروع.
رابعا : تطبيقات النظرية
استخدم ليبينشتاين نظريته فى التطبيق على عدة مجالات منها فائض العمل الزراعى أو حالة البطالة المقنعة فى القطاع الزراعى بالدول النامية . حيث أفترض ليبينشتاين أن معدل الأجر الصريح أو الضمنى الذى يحصل عليه العامل الزراعى موجب . ولأن الاجر موجب فلابد وأن تكون قيمة الانتاجية الحدية للعمل موجبة ، ونتيجة لذلك لو تم الاستغناء عما يعرف بفائض العمالة فان معنى هذا هو الاستغناء عن الانتاجية الحدية " الموجبة" المرتبطة بهذه العمالة ، ومن ثم فان ما تبقى من القوى العاملة الزراعية لا يمكنهم انتاج نفس مستوى الناتج الذى كان ينتج فى السابق وقبل استبعاد العمالة الفائضة وبفرض ثبات مستوى مدخلات الانتاج الاخرى .
وباستخدام مفهوم كفاءة X"" المتعلقة بجهد عنصر العمل ، وعن طريق تطوير بعض النماذج مثل النموذج الاسـاسى للانتاجية والجـــــــــــــــــــــهد Basic-Productivity-Effort Model, The
ونموذج ذروة الطلب على العمل Peak Labor Demand Model توصل ليبينشتاين الى انه يمكن ان يكون هناك فائض فى قوة العمل فى القطاع الزراعى مع تزامن ذلك بسيادة معدلات اجور موجبة بشرط ان يفسر ذلك بوجود مستوى معين من الجهد يقل عن أقصى جهد يمكن الحصول عليه . ونظرا لان الجهد متغير فان متوسط الجهد يمكن ان يتغير نتيجة هجرة بعض العمالة من الريف الى الحضر. ويخلص ليبينشتاين الى ان نظريته لا تتفق مع الاراء القائلة بانه يمكن الوصول الى مستوى أعلى من الناتج باستبعاد العمالة الزائدة ، بل يرى ان السبب فى الانخفاض النسبى للناتج الزراعى ليس بسبب فائض قوى العمل ولكن بسبب عدم الاستخدام الكامل للجهد المبذول من هذه القوة العاملة.
خامسا: الانتقادات الموجهة لنظرية كفاءة "X "
يعتبر بعض الاقتصاديين ان كل الفواعل الاقتصادية تتصف بالرشادة واى تباطؤ فى بذل الجهد هو سلوك رشيد لانه يعكس مفاضلة بين العمل والفراغ لدى العامل . ويرى اخرون ان مفهوم كفاءة X" "غير دقيق حيث ان التزايد فى الناتج نتيجة تزايد الجهد المبذول لا يعد زيادة فى الكفاءة بل مجرد زيادة فى الناتج .
وهناك مجموعة انتقادات اخرى موجهه لنظرية كفاءة X وهى ما يعرف "بمزايا الاحتكار" حيث يرى البعض ان الاحتكار المولد لانعدام كفاءة X" " يمكن ان يولد رفاه اجتماعى أعلى مما تولده المنافسة الكاملة فمع وجود الارباح الاحتكارية يجنح المحكتر الى الابتكار والتطوير ،وإعادة الاستثمار فى منتجات جديدة وفنون انتاجية أكثر تقدما لا تتاح بالضرورة فى حالة المنافسة الكاملة ذات منحنيات الطلب الافقية.
ومن الانتقادات الاخرى الموجهة للنظرية ما اثبتته التجارب العملية من وجود تراخى فى الدوافع لبذل الجهد حتى فى المشروعات العاملة فى ظل ظروف المنافسة . وقد أشار ليبينشتاين بنفسه الى مثال لمشروعين من المشروعات العاملة فى مجال البترول فى مصر يبعد الواحد منهما مسافة نصف ميل فقط عن الاخر ، أحدهما لم يكن كفء لسنوات ، وبعد تغيير الادارة زاد الناتج زيادة كبيرة دون حدوث تغيير فى المدخلات. ولذلك فقد يكون للضغط الداخلى - الناتج عن عوامل قد تكون دينية أو معنوية أو ثقافية - تأثيرا أقوى بكثير من الضغوط الخارجية فيما يتعلق بتحفيز الافراد على تدنية التكلفة لصالح صاحب العمل الذى يعملون لديه . وهذا يختلف عما اثاره ليبينشتاين من التركيز على ما يعرف بأثر نمط السيطرة كأساس لغياب كفاءة "X" حيث يرى ليبينشتاين انه عندما لا يتوافر للرؤساء بالادارة العليا كفاءة "X" لاى سبب كان ، وما يعنيه ذلك من تباطؤ فى بذل الجهد ، فإن هذا التباطء من قبل الادارة العليا سيؤثر بدوره على العاملين المرؤسين . وعليه يمكن تفسير غياب كفاءة "X" فى السوق التنافسية نتيجة العوامل الداخلية المتعلقة بالمشروع وليس بالضرورة نتيجة ضغوط المنافسة الخارجية كما يرى ليبينشتاين .
ومن الانتقادات الأخرى الموجهة للنظرية أنها لا تتوافق مع النظرية الجزئية للنيوكلاسيك حيث يصعب الاعتقاد بوجود نظام اقتصادي يفضل فيه الأفراد التراخي في بذل الجهد بدلا من تعظيم منافعهم . ولكنها حالة قد تنطبق على مصر مقارنا بدول أخرى لا تعانى من غياب كفاءة اكس.
References
1. Frantz, Roger, 1992, “X-Efficiency and Allocative Efficiency: What Have We Learned?” American Economic Review, Vol. 82, #2.
2. Frantz, Roger. 1997, X-Efficiency: Theory, Evidence and Application, second edition, Boston/New York: Kluwer Academic Publishers.
3. Frantz, Roger, 2004, “The Behavioral Economics of George Akerloff and Harvey Leibenstein”, Journal of Socio-Economics, Vol. 33, issue 1.
4. Hosseini, Hamid, 2003, “ The Arrival of Behavioral Economics: From Michigan,´-or-the Carnegie School during the 1950s and The Early 1960s”, Journal of Socio-Economics, Vol. 32, issue 4.
#سمير_زين_العابدين_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟