|
هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5191 - 2016 / 6 / 12 - 20:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأقلية الهندية في اليابان. الأقلية الكردية في الهند. الأقلية الإيطالية في أمريكا. الأقلية المصرية في أمريكا. كل ما سبق هي عباراتٌ سليمة يمكن للعقل قبولها وإدراكها، والتعامل معها ومناقشة قضاياها. الأقلية الهندية في الهند. الأقلية الكردستانية في كردستان. الأقلية الإيطالية في إيطاليا. الأقلية القبطية في مصر. كل ما سبق من عباراتٌ تمرُّ على العقل فيكتبُ العقلُ على شاشته كلمة باللون الأحمر تقول: ERROR. عبارات لا يدركها العقل، فلا يمكنه التعامل معها أو مناقشتها. وحين نترجم ما سبق للمعجم الفيزيائي، نقول: بعض السكر في الماء، أو بعض الملح. ولكن ما معنى عبارة تقول: بعضُ الماء في الماء؟! فمفردة "الأقلية" مصطلحٌ سياسي، يُطلق على جالية وافدة "من غير المواطنين" في دولة ما. لكن "المواطن"، المختلف في التوجه السياسي أو الفكري، أو المختلف عَقَديًّا، أو مذهبيًّا، أو طائفيًّا، عن بقية المواطنين "في وطنه"، لا يجوز أن نُطلق عليه مصطلح "أقلية"، حتى ولو كان عدد أولئك المواطنين المختلفين فردًا واحدًا لا غير. فلو كان هناك مواطنٌ ليبرالي في مجتمع رجعيّ، لا يجوز أن نُطلق عليه "أقلية"؛ لأنه في وطنه. ولو كان هناك مواطن "سلفي متشدّد" في مجتمع ليبرالي علمانيّ، لا يجوز أن نُطلق عليه "أقلية"؛ مادام في وطنه. ولو كان هناك مواطن يؤمن بالاشتراكية في مجتمع رأس مالي، لا يجوز أن نسميه "أقلية"؛ لأنه في وطنه. ولو أن مواطنًا إقطاعيًّا وُجِد في مجتمع اشتراكي، لا يجوز أن نطلق عليه "أقلية"، لأنه في وطنه. ولو أن ضريرًا ولِد في مجتمع من المبصرين، أو مبصرًا وجِد في وطن من العميان، لا يصحُّ أن نطلق على أحدهما "أقلية" لأن كليهما في وطنه. وينطبقُ ما سبق من تباين التوجات الفكرية والسياسية والاقتصادية والجسمانية، على التباينات في المعتنق العَقَدي، كذلك. فلو كان هناك مسلمٌ شيعي مصري يعيش في مصر، لا يجوز أن نسميه "أقلية" في وطنه مصر. ولو كان هناك بهائيٌّ مصري، لا يصحُّ أن نطلق عليه "أقلية" في مصر لأنها وطنه. وبالطبع ينطبق الحالُ على المسيحي المصري، بطوائفه الثلاث، فلا يجوز أن نسميه "أقلية" في مصر، لأن مصرَ الطيبة وطنُه، وليست دولةً وفد إليها. هذا توضيحٌ مفصّل لما قلتُه بالأمس في مؤتمر "دعم الأقباط" الذي عُقد يومي التاسع والعاشر من يونيو في واشنطن؛ من حيث أكتب لكم مقالي اليوم. وانزعج بعض الحضور من كلامي، وهتفوا في وجهي بغضب: “نحنُ الأقباط أقلية في مصر، ونُعامَل بعنصرية ونُظلم ونعاني الاضطهاد الطائفي.” اكتشفتُ فجأة أنني أمام معضلة لغوية، كنتُ أظنُّ أنها باتت واضحةً منذ سنوات ولم تعد محلّ لبس أو استغلاق. ولكن، على ما يبدو، أن مصطلح: “القبط" مازال يسبح في بحر "ارتباك المعاني"، و"فوضى التعريفات" التي نعاني منها جميعًا بعقليتنا العربية التي لا تعبأ كثيرًا بتدقيق المصطلحات والبحث العميق داخل وضوح التعريف ونصوع المعنى، وتسمية الأشياء بأسمائها العلمية الحقيقية، لا أسمائها العُرفية العامية الدارجة. منذ قرون عديدة، وحتى سنوات قليلة مضت، تستقرّ كلمة "القبطي" في عقول النخبة والبسطاء، بمعنى "المسيحي". وعبثًا حاول الشُّراح واللغويون والكتّاب عبر سنوات طوال أن يعيدوا تقديم الكلمة في ثوبها اللغوي الصحيح خلال كتبهم ومقالاتهم ودراساتهم، ولكنها ظلّت كلمة "عنيدة" لا تريد أن تتزحزح عن موضعها "الخاطئ" في الرؤوس. على أن ثورتي مصر الأخيرتين أوضحتا كثيرًا من هذا اللبس وصار الناس يفهمون المعنى الحقيقي المعجمي لكلمة "قبطي"، لهذا كانت دهشتي حين اكتشفتُ أن الكلمة لا تزال محل التباس عند بعض النخبة من حضور هذا المؤتمر الفكري الكبير في دورته السابعة هذا العام! “ها كا بتاح" معناها: “منزل روح الإله بتاح" باللغة المصرية القديمة. و"بتاح" هو إله مدينة منف أو ممفيس، وهي إحدى عواصم مصر القديمة. فكان الإغريق يستخدمون هذه الكلمة للتعبير عن مصر وأهلها، قبل دخول العرب. وحوّر الإغريق الكلمة إلى "إيجيبتوس" ومنها كلمة Egypt الإنجليزية الراهنة. وبهذا فكل مصري هو قبطي، وكل قبطي هو مصري، دون أي دخل للعقيدة في الكلمة. فهل يكون المصريُّ أقليةً في وطنه مصر؟!!! على أن عدم جواز أن نطلق على المسيحيّ في مصر مصطلح "أقلية"، لأنه مواطنٌ لا وافد، لا ينفي أنه يعاني من التمييز العنصري والعقدي على يد المتشددين الرجعيين المتطرفين الإرهابيين. كان ما سبق محاولة مني لضبط المصطلحات لغويًّا. أما بقية ورقتي البحثية في المؤتمر فقد طرحت محاولات البحث عن جذور تلك المحنة الطائفية التي تضرب مصرَ في خاصرتها: الطائفية. وقد أرجعتُ جذور المحنة إلى عوامل ثلاثة هي: تدني الحال الاقتصادية في مصر، انهيار المنظومة التعليمية، غياب تطبيق القانون بحسم على المتطرفين وشيوع ما يسمى بالجلسات العرفية. الفقر والبطالة، هما العامل الأول. وهو المادة الخصبة التي تُسهّل اجتذاب المعوزين والفقراء والعاطلين عن العمل إلى أرض الإرهاب حين تقوم الجماعات التكفيرية بتجنيدهم لجعلهم أدوات تنفيذ عملياتها الإجرامية التي تكافحها الدولة المصرية في كافة أرجاء مصر. الجهل، وهو العامل الثاني الناتج عن انهيار المنظومة التعليمية في مصر، يجعل الشباب غير المتعلم صيدًا سهلا لتلك الجماعات الإجرامية فيصيرون بدورهم أداةً طيعة في يد الإرهابيين حين يقنعونهم أنهم يرضون الله بقتلهم غير المسلمين واستباحة أموالهم وأعراضهم. أما العامل الثالث فهو غياب تنفيذ القانون بحسم سواء على مرتكب الجريمة، أو على المروّج لها فكريًّا من أرباب الفتن، وهو آفةُ حارتنا ومنبع ويلها. لن تقوم لمصر قائمة إلا بمحاربة "الإرهاب الفكري"، لكن ما أراه اليوم للأسف هو عكوف الدولة المصرية على محاربة الإرهابيين، وغضّها الطرف عن الألسن الطولى التي تُفرّخ لنا كل نهار عشرات من الإرهابيين من فوق المنابر ومن داخل الأنفاق السفلية.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كونشرتو اسمه: رمضان
-
سمكة وحصان ... وسجني
-
بيت شاهندة مقلد
-
ومات معها كل شيء!
-
فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
-
الضعيف والمُستضعَف
-
جلباب سعاد وأُذُن أيمن
-
حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
-
في الغُربة... الجول باثنين
-
كيف وأدت الإماراتُ أخطبوط الطائفية؟
-
صباح الخير يا مايسترو
-
من فوق غيمة
-
سيبيهم يحلموا يا طنط عفاف
-
جمال السويدي يحذّر من السراب
-
عينُ الطائر... والزّمارُ البدين
-
مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا
-
بناءُ الإنسان في الإمارات
-
اليماماتُ مذعورةٌ في بلادي!
-
قراءة في كتاب -دفتر العمر-
-
تحت شرفة عبد الوهاب … كَم تُرتكب من جرائم!
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|