أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عبدالله بنسعد - التعدّدية النقابيّة آليّة بورجوازيّة لضرب وحدة الحركة العمّاليّة















المزيد.....


التعدّدية النقابيّة آليّة بورجوازيّة لضرب وحدة الحركة العمّاليّة


عبدالله بنسعد

الحوار المتمدن-العدد: 5190 - 2016 / 6 / 11 - 17:16
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


تصدير : «إنّ عدد العمّال هو القوّة الإجتماعيّة الوحيدة التي يمتلكها العمّال ، لكن قوّة العدد تلغيها التفرقة. وهذه التفرقة بين العمّال تولّدها وتديمها المزاحمة بين بعضهم البعض» - من قرارالرابطة الأمميّة للشغيلة حول النقابات ، جينيف 1866 –
بعد إنتفاضة 17 ديسمبر/14 جانفي عاد الحديث بقوّة في تونس حول التعدّدية النقابيّة الشيء الذي فتح مجالا خصبا للنقاشات من ناحية وأدّى إلى إنقسام الرأي العام إلى قسمين إثنين قسم يدافع وبكل شراسة عن التعدّدية النقابية (وإن كانت المنطلقات مختلفة لهذا وذاك) وقسم آخر يعتبرها مؤامرة من طرف النظام الرجعي العميل لضرب المنظمة النقابية ذات السبعين سنة من الوجود ألا وهي الإتحاد العام التونسي للشغل. فالنظام أو لنقل الطبقات الرجعية الحاكمة (طبقة الإقطاع التي تمثّلها حركة النهضة وطبقة الكمبرادور التي تمثّلها حركة نداء تونس) من مصلحتها أن تضعف دور الإتحاد وتقلّص من تأثيره بالتشجيع على التعدّدية النقابيّة عملا بمقولة "فرّق تسد". والتاريخ القريب جدّا شاهد على عديد المحاولات خلال حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة لمحاولة ضرب الإتحاد أو تدجينه وإن ننسى فلن ننسى إعتداء 4 ديسمبر 2012 في ذكرى إغتيال فرحات حشّاد على النقابيين في بطحاء محمد علي وكذلك إلقاء الفضلات أمام مقراته في عديد الجهات في شهر فيفري من نفس السنة ولن ننسى أيضا بعث "المنظّمة التونسية للشغل" (أو المعروفة لدى النقابيين بالنقابة الإسلاميّة) التي تأسست في 26 أوت 2013 على يد لسعد عبيد ونصر الدين بوزراع وعمار الغيلوفي ومحمد البوخاري وكمال الفضلاوي المنتمين سياسيا لحركة النهضة رغم أنّها أنكرت وقوفها وراء ذلك. أمّا "رأس المال" (الأعراف) فمن مصلحته أيضا أن يرى الإتحاد الذي يعتبره حجر عثرة أمام جشعه اللامحدود وأمام مشاريعه المتمثّلة خاصّة في التكريس الفعلي لمرونة التشغيل وتفكيك تشاريع العمل تطبيقا لمقولة "دعه يعمل دعه يمرّ" وتطبيقا أيضا لتوصيات أحد أكبر المنظّرين الليبراليين "آدام سميث" (1723- 1790) الذي قال : «لا يمكن لأي برنامج إقتصادي ليبرالي أن ينجح دون توفّر شرطين إثنين : أوّلا وضع سياسة ثقافية ليبرالية تخدم ذلك المشروع الإقتصادي وثانيا ضرب أو تدجين الحركة النقابية لكي لا تقف حجر عثرة أمام تنفيذ ذلك المشروع».
وقد جمعتني شخصيا عديد النقاشات مع بعض الرفيقات والرفاق حول موضوع التعدّدية النقابية وكان القاسم المشترك بين مخاطبيّ هو الإستشهاد بالتجربة المغربيّة (وأغلبهم من قطاع التعليم المتابعين لنضالات الأساتذة في المغرب) من ناحية والتركيز على مسألة حقوق الإنسان من ناحية أخرى. هذا السبب دفعني للكتابة حول هذا الموضوع (من الناحية العمليّة وليس النظرية حيث سأصدر في القريب كتابا حول موضوع التعدّدية النقابية أتناول فيه هذه المسألة من كلّ جوانبها) لأنني لاحظت جهلا كبيرا لتجربة التعدّدية النقابيّة في المغرب الشقيق التي لا يمكن بحال من الأحوال إسقاطها على الواقع النقابي في تونس. أمّا في خصوص مسألة "حقوق الإنسان" فليكن واضحا أنا ضدّ حقوق الإنسان من وجهة نظر ليبرالية. فأنا ضدّ حقوق الإنسان في المطلق لأنّ الإنسان ليس شخصا مجرّدا فالرأسمالي إنسان والإرهابي إنسان والصهيوني إنسان وأنا لست مستعدّا أن أدافع عن أي من هؤلاء أنا إخترت بمحض إرادتي وبدافع إنتمائي "فرضا وسنّة" للطبقة العاملة أن أفتكّ ولو بأظافري ورموش عيوني حقوق العمّال وليس رأس المال. لذلك فإنني أرفض التعدّدية النقابيّة وسأناضل كما فعلت تاريخيا على وحدة العمّال وعلى الدفاع عن الخط المناضل داخلها تجذيرا "للنقابة المناضلة" ضدّ الخطّ المهادن الذي يدفع نحو "النقابة المساهمة".
نشأة الحركة النقابيّة المغربيّة وعلاقتها بالأحزاب
لقد نشأت الحركة النقابية بالمغرب أوّل مرّة بدفع من العمّال الفرنسيين (تماما مثلما حصل في تونس) والأجانب وخاصة من الأسبان الذين أسّسوا سنة 1930 الكنفدرالية العامّة للشغل (CGT) المرتبطة عضويّا بالنقابة الأم في فرنسا والتي لم تخرج مطالبها القصوى عن إطار تحسين ظروف العمل وبعض المطالب الثانوية الأخرى وإرتكز دورها أساسا على تاطير العمّال المغاربة حتى لا يؤسّسوا نقابات وطنية. ولم يجد هؤلاء في البداية من حل سوى الإنخراط بكثافة كبيرة في تلك المنظمة لمحاولة إفتكاكها من الداخل وقد تزامن ذلك مع تطوّر حركة التحرّر الوطني المغربية إنطلاقا من سنة 1944 وبروز "حزب الإستقلال" الذي وجّه عمله وسط الطبقة العاملة من أجل إذكاء الوعي الوطني وتوسيع نفوذ العمال المغاربة بصفة سرّية وهو ما أدّى سنة 1951 إلى إحراز أغلبية ساحقة داخل مؤتمر الكنفدرالية أدّى إلى المصادقة على قرار تكوين منظّمة نقابية مغربية مستقلة عن النقابات الفرنسية تكون أداة الطبقة العاملة من أجل الإنعتاق الإجتماعي. وفي سنة 1955 كانت المقاومة المسلّحة قد عرفت توسّعا كبيرا جعلها تسيطر في بعض المدن المغربية على الأحياء الشعبية وبدأ قادتها يفكّرون جدّيا في توسيع المقاومة داخل البادية لكنّهم أيضا قرّروا توسيع المقاومة داخل كلّ المدن المغربية فقرّروا الإسراع بتنظيم الطبقة العاملة وجعل هذا التنظيم حلقة من حلقات حركة التحرر الوطني. هذه الظروف الموضوعية ادّت إلى الإعلان يوم 20 مارس 1955 عن ميلاد "الإتحاد المغربي للشغل" (UMT) الذي إنعقد مؤتمره في حي بوشنتوف في الدار البيضاء الذي كان تحت سيطرة المقاومة المغربية (1) وقد بلغ عدد المنخرطين في هذه التنظلم النقابي الجديد في ديسمبر من نفس السنة حوالي 300 الف عامل وعالمة (2).
نلاحظ إذا أنّ الأتحاد المغربي للشغل كان مرتبطا إرتباطا تنظيميا بحزب الإستقلال وخاصة عن طريق المجلس الوطني للحزب الذي يسيطر عليه "الجناح اليساري" الذي كان يقوده الشهيد المهدي بن بركة. هذا الدور الفعال الذي قام به الإتحاد خلال مرحلة الإستعمار المباشر أدّى إلى دعم حضوره وإشعاعه داخل الطبقة العاملة المغربية. وأمام ذلك الإشعاع الذي بدأ يكسبه الإتحاد المغربي للشغل عمد النظام الملكي في المغرب بعد 1956 وفي ظل دولة الإستعمار الجديد إلى نهج خطتين إثنتين لإضعاف هذه المنظّمة النقابية الفتيّة وذلك بالعمل على تقسيم الحركة النقابية المغربية في مرحلة أولى بالتشجيع على التعددية النقابية (محاولة هاشم أمين ومحمد جورجيو سنة 1956 وتكوين رابطة التعليم سنة 1957) لكنّ هذه المحاولات التي قام بها النظام لم تمسّ من تمثيلية الإتحاد المغربي للشغل فعمد في مرحلة ثانية إلى محاولة فكّ الإرتباط بين الحركة النقابية والحركة التقدّمية وذلك بالضغط على الإتحاد من أجل أن يقتصر دوره على العمل النقابي حيث وقع تهديد قيادييه بسحب الإمتيازات التي تحصّلوا عليها مثل التفرّغ النقابي للكوادر النقابية والخصم المباشر للإنخراط من أجور العمال والإعانات المالية الأخرى التي يقدمها صندوق الضمان الإجتماعي وغيرها. وقد أتت هذه السياسة أكلها مع الأسف الشديد حيث قبلت القيادة النقابية للإتحاد بشروط النظام خاصة بعد أن وقعت تصفية الكوادر التي كانت تمثّل الجناح اليساري لحزب الإستقلال وذلك بعد إغتيال المناضل والقيادي في الحزب "المهدي بن بركة" من طرف أجهزة النظام بتواطئ مباشر من المخابرات الفرنسية بعد إختفائه في باريس بتاريخ 29 أكتوبر 1965 وعزل العديد من الوزراء المنتمين للحزب في حكومة المغرب. وإنطلاقا من ذلك التاريخ دخلت الحركة النقابية بإرادة قيادتها فيما عرف بالمغرب بـ "سياسة الخبز" أي سياسة إصلاحية تفصل بين النقابي والسياسي أي بحياد النقابات وبالتالي السقوط في "النقابوية الضيّقة" هذا الموقف الذي يعتبر العمل السياسي حكرا على الطبقة البورجوازية ويجعل من الطبقة العاملة طبقة هامشية محكوم عليها أن تخضع للإستغلال والإضطهاد. وهذا ما يؤكّده لينين عندما يقول : «إنّ المصالح الطبقية للبورجوازية تولد حتما السعي إلى حصر النقابات في نشاط صغير وضيّق في تربة النظام القائم وقطع كلّ صلة بينها وبين الاشتراكية وما نظريّة الحياد غير حلّة فكريّة لهذه المساعي البورجوازية. إنّ المحرّفين في داخل الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية يشقّون لأنفسهم طريقا بهذا الشكل أو ذاك في المجتمع الرأسمالي»(3).
هذا المنحى الجديد الذي إتّخذه الإتحاد المغربي للشغل في فترة المدّ اليساري في المغرب أدّى إلى إضعاف الحركة النقابية المغربية وتدنّي شعبية وتمثيلية تلك المنظمة النقابية بشكل كبير جدّا وهو ما خلق أزمة عويصة داخل الحركة العمّاليّة (إنسلاخات جماعية ، إستقالات من المسؤلية النقابية ...) وأدّى بقيادة حزب الإستقلال إلى بعث تنظيم نقابي جديد (يكون تحت السيطرة) يوم 20 مارس 1960 بإسم الإتحاد العام للشغل بالمغرب (UGTM). وإنطلاقا من أنّ فترة أواخر الستينات وبداية السبعينات كانت فترة المدّ اليساري الراديكالي (ظهور حركة إلى الأمام سنة 1970 كتنظيم وطني ديمقراطي محسوب على الماوية) حيث إلتحقت المئات من كوادره ومناضليه بعالم الشغل بعد تمرّسها على العمل النقابي والنضالي داخل الجامعة. وقد أخذ الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية (تنظيم ماركسي لينيني محسوب على الخوجية) على عاتقه تحقيق التجاوز بتأسيس "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل" يوم 25 نوفمبر 1978. والسؤال الذي يفرض نفسه لفهم هذه الممارسة هو التالي : «هل أنّ تأسيس الكنفدرالية تحكّمت فيه عوامل تاريخية بعيدة عن الإرادات الذاتيّة أم هو حدث ظرفي تحكّمت فيه إعتبارات تكتيكية عابرة لحزب معيّن ؟». الإجابة نقرأها فيما كتبه الدكتور عبداللطيف المنوني أحد كوادر الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والمنظر النقابي الأول للكنفدرالية حيث يقول : «قبل تكوين الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وفي خضمّ ازمة الحركة النقابية لم يكن أمام تطوّر هذه الحركة إحتمال وحيد بل إحتمالان : إمّا الإغراق في الإنحراف وتعميق الأزمة وإمّا البديل أي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وما كان هذا ليتمّ لولا حشد القدرات الذاتية في إتجاه التغيير. وكان الشرف لحزبنا بإعتباره الفصيل الطليعي في حركة التحرّرالوطني أن يزوّد هذا المخاض بأغلبية الأطر النقابية الكفأة والمخلصة التي ساهمت في عمليّة التحوّل هاته. وهذا يعني بالضبط أنّ ميلاد الكنفدرالية كان نتيجة تضافر وتداخل بين المنحى التاريخي والعامل الذاتي»(4).
هكذا إذا يتّضح أنّ التعدّدية النقابية في المغرب لم تكن وليدة إختيارات مسبقة لمؤسسي الكنفدرالية وإنما فرضتها التناقضات الداخلية للحركة العمالية المغربية بتنكّر الإتحاد المغربي للشغل للأرضية التي تأسس عليها والتي أدّت إلى إنسحاب آلاف العمال من ناحية وإستقالة مئات الكوادر النقابية من ناحية أخرى. وما يمكن إستنتاجه ممّا سبق ذكره هو أنّ الأحزاب السياسية هي التي كانت وراء بعث المنظمات النقابية في المغرب تماما مثلما هو الحال في البلدان الأوروبية مثل فرنسا.
غير أنّني أريد ، قبل ختم الحديث عن التجربة المغربية ، التأكيد على مسألة نظريّة تتعلّق بإرتكاب الكوادر النقابية اليسارية التي إستقالت من الإتحاد المغربي للشغل ، بعد إنحرافه عن المسار الذي قاده منذ تأسيسه وتنكّره لأرضية التأسيس ، خطأ جسيما تمثّل في مساهمتها في تقسيم الحركة النقابية المغربية والسقوط بالتالي في المشروع الإمبريالي الذي بدأ بتقسيم الحركة النقابية العالمية عبر تأسيس "الإتحاد الدولي للنقابات الحرة" (CISL) في 7 ديسمبر 1949 بعد إنسلاخ النقابات الفرنسية والأمريكية وحليفاتها (بما في ذلك الإتحاد العام التونسي للشغل حيث حضر فرحات حشاد ذلك المؤتمر التأسيسي) عن إتحاد النقابات العالمي (FSM) الذي تأسس يوم 3 أكتوبر 1945 بباريس في أوّل مؤتمر عالمي للنقابات. فالإمبريالية العالمية وبعد إنتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا ومساهمة الجيش الأحمر السوفياتي بقيادة ستالين في الإنتصار على النازية والفاشية ، جنّدت كلّ طاقاتها لتشويه النظام الاشتراكي وتقويضه لأنّه يمثّل الخطر الأكبر على مصالحها وخاصة على نهبها لخيرات الشعوب والأمم المضطهدة فعمدت منذ سنة 1947 إلى تطبيق سياسة أطلقت عليها إسم "سياسة الإعتراض" (Politique d’endiguement) أي إعتراض الزحف الشيوعي (ومع الأسف نجحت هذه السياسة بسقوطجدار برلين سنة 1989) ثمّ أطلقت يدها لأجهزة مخابراتها وقامت بتأسيس ما سمّي بـ "الصندوق الوطني لمساندة الديمقراطية" سنة 1974(5) الذي كانت تموله دول البترودولار وأشرفت على تسييره المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وكان يهدف بالأساس إلى عرقلة إنشاء منظمات نقابية تقدّمية والقضاء على المنظمات القائمة أو شقّ صفوفها وإضعافها وقد فرّخت في تلك الفترات (أي بداية السبعينات) المنظمات النقابية (التي كانت موحّدة في البداية) عشرات النقابية الضعيفة والغير قادرة على الدفاع عن مطالب منظورها. وقد نبّه لينين لهذه المسألة في نصّه الشهير "هل يمكن للشيوعيين العمل في النقابات الرجعيّة" حيث قال : «إنّ هذه النظريّة السخيفة القائلة إنّ من واجب الشيوعيين ألاّ يعملوا في النقابات الرجعية هي بالضبط التي تبيّن بأجلى الوضوح مبلغ ما يتّسم به موقف الشيوعيين اليساريين من طيش حيال مسألة التأثير في الجماهير ومبلغ الإساءة التي يرتكبونها حين يزعقون بكلمة الجماهير. إذا شئتم أن تساعدوا الجماهير وأن تكسبوا عطف الجماهير وتأييدها فيجب ألاّ تخشوا المصاعب يجب ألاّ تخشوا المكائد والمماحكات والإهانات والإضطهاد من جانب الزعماء (الذي يرتبطون في أغلب الأحيان الحالات بإعتبارهم إنتهازيين واشتراكيين شوفينيين بالبورجوازية والشرطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة) بل يجب بصورة إلزامية أن تعملوا حيثما توجد الجماهير. يجب أن تكونوا قادرين على كلّ تضحية على التغلّب على أعظم العقبات كي تقوموا بالدعاية والتحريض بصورة منهجية وصابرة ومستمرة وعنيدة بالضبط في تلك المؤسسات والجمعيات والرابطات - حتى الأكثر إغراقا في الرجعية – حيث توجد الجماهير البروليتارية ونصف البروليتارية وإنّ النقابات والتعاونيات العمالية هي بالضبط منظمات توجد الجماهير فيها»(6). ونظرا لما تقدّم فإننا نعتقد بأنّ الكوادر النقابية المغربية المنحدرة من حزب الإستقلال والتي كانت تنتمي للإتحاد المغربي للشغل لم تكن متشبّعة بالفكر الاشتراكي العلمي وبأدوات التحليل التي تمكّنهم من عدم السقوط فيما سقطوا فيه من إنحرافات نتيجة الطبيعة الإصلاحية للحزب الذي إنخرطوا به.
النتيجة هو أنّ الواقع النقابي والعمّالي في المغرب اليوم متشرذم بشكل كبير جدّا نتيجة الإنشقاقات المتتالية والذي مردّه نموّ الأرستقراطية النقابيّة التي باتت موصلا للنفوذ نتيجة شراء ذممها من طرف البورجوازية وبالتالي أصبحت تلك القيادات النقابية في خدمة رأس المال إذ أصبحت تحصر أهداف الحركة النقابية فقط بالنضال من أجل وضع شروط أكثر ملاءمة لبيع قوّة العمل وأصبحت النقابات المغربية تحت تأثير النزعة الإصلاحية المنادية بالتعاون الطبقي والسلم الإجتماعية.
ونتيجة لكل ذلك أصبح في المغرب اليوم وفي ظل العولمة الليبرالية الشرسة 27 منظّمة نقابية بالتمام والكمال تعرف منها 5 منظمات كبرى هي : الإتحاد المغربي للشغل (UMT) الذي تأسس كما أسلفنا الذكر سنة 1955 من طرف حزب الإستقلال لكنّه أصبح اليوم يضمّ نقابيين من مختلف الأطياف ويضمّ حوالي 200 ألف منخرط والكنفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) التي تأسست سنة 1976 وهي مرتبطة بالإتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية وتضمّ حوالي 150 ألف منخرط والإتحاد العام للشغالين بالمغرب (UGTM) الذي تأسس سنة 1960 وهو مرتبط حاليا بحزب الإستقلال ويضمّ حوالي 100 ألف منخرط والإتحاد الوطني للشغل في المغرب (UNTM) الذي تأسس سنة 1976 وهو مرتبط بحزب العدالة والتنمية الإسلامي ويضمّ في صفوفه حوالي 80 ألف منخرط والفدرالية الديمقراطية للشغل (FDT) التي إنسلخت عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 2004 وتضمّ حوالي 50 ألف منخرط. أمّا بقية المنظمات فهي منظمات صغيرة مرتبطة هي أيضا في اغلبها بأحزاب صغيرة يسارية واشتراكية ديمقراطية مثل إتحاد نقابات العمال الأحرار (USTL) الذي تأسس سنة 1963 والمرتبط بالحركة الشعبية والإتحاد المغربي للعمل (UMA) الذي تأسس سنة 1976 والمرتبط بحزب العمل والكنفدرالية العامة للعمال بالمغرب (CGTM) التي تأسست سنة 1974 والمرتبطة بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وإتحاد النقابات الديمقراطية (USD) الذي تأسس سنة 1996 والمرتبط بجبهة القوى الديمقراطية وغيرها (7).
هذه الوضعيّة نتجت عنها مسألتان إثنتان خطيرتان :
* أوّلا : حرمان الكادحين من جزء كبير من مكاسبهم الإجتماعية والسكوت عن مطالبهم المشروعة من طرف تلك القيادات البيروقراطية مثل تحسين الأجور وشروط العمل والصحة والسلامة المهنية حيث أعيدوا سنوات عديدة إلى الوراء فتردّى مستوى معيشتهم نتيجة التدهور المتواصل لمقدرتهم الشرائية وظروف عملهم وتفشّت مرونة التشغيل عبر التنقيحات العديدة التي عرفتها مجلّة الشغل وخاصّة مجلّة الإستثمارات وهو ما شجّع أكبر الشركات المتعدّدة الجنسيات على الإنتصاب في المغرب وخاصّة بعد ما عرف بـ "الربيع العربي"
* ثانيا : إنحدار نسبة الإنتساب النقابي إلى مستويات لم يسبق لها مثيل فعدد العمّال في المغرب اليوم يقارب 10 ملايين عامل وعاملة لكنّ نسبة الإنخراط لا تتعدّى 6 % فقط أي حوالي 600 ألف منخرط بينما كانت هذه النسبة سنة 1960 تساوي حوالي 76 % (8).
ملاحظة لا بدّ منها : مقارنة بين التجربة المغربية والتونسية
منذ البداية نؤكّد بأنّه خلافا للتجربة النقابية في المغرب فإنّ تأسيس المنظمات النقابية في تونس كان بمعزل تام عن الأحزاب. فمن تجربة محمد علي الحامي سنة 1924 والمتمثلة في تأسيس أول منظمة نقابية تونسية "جامعة عموم العملة التونسيين الأولى" (CGTT) إلى الإتحاد العام التونسي للشغل الذي تأسس سنة 1946 مرورا بتجربة "جامعة عموم العملة التونسيين الثانية" التي أسسها بلقاسم القناوي سنة 1937 ، لم تكن للأحزاب التونسية الموجودة وأساسا حزب الدستور بشقيه القديم والجديد أي دور في عمليات التأسيس رغم أنّ بعض الكوادر الذين تواجدوا في التجارب الثلاث لا يخفون إنتماءهم لهذا الحزب أو ذاك. والتجربة النقابية التونسية الوحيدة التي كان لها إرتباط حزبي هي تجربة "الإتحاد النقابي لعملة القطر التونسي" (USTT) الذي إنسلخ هو أيضا عن فرع النقابة الفرنسية (CGT) وتأسّس يوم 27 أكتوبر 1946 وإنتخب حسن السعداوي كاتبا عاما له. وكان السعداوي ومن معه أعضاء في الحزب الشيوعي التونسي (PCT). لكنّ تجربة هذا التنظيم والتي بقيت تقريبا منحصرة في منطقة الحوض المنجمي ، لم تدم طويلا نتيجة الإشعاع الذي إكتسبه الإتحاد العام التونسي للشغل والسمعة المتميّزة التي أصبح عليها كاتبه العام فرحات حشّاد الذي إنخرط بشكل كلّي في حركة التحرّر الوطني من ناحية بينما وقع تغييب هذا الجانب من طرف "الإتحاد النقابي لعملة القطر التونسي" إرتباطا بموقف الحزب الشيوعي التونسي من هذه المسألة من ناحية أخرى. أمّا العلاقة التي كانت تربط الإتحاد العام التونسي للشغل بحزب الدستور فقد راوحت بين التبعيّة والتحالف ثمّ المواجهة. فقد لعب الإتحاد دورا أساسيا في مقاومة الإستعمار المباشر وقام بينه وبين حزب الدستور تحالف متين خلال تلك الفترة وخاض معارك مصيرية (أوت 1974 في صفاقس ، النفيضة 1951 ...) وقدّم عشرات الشهداء وكان على رأسهم الشهيد فرحات حشاد مؤسس الإتحاد. كما كان دوره بارزا في حسم الصراع الذي قسّم الحزب إثر ما سمّي بـ "إتفاقية الإستقلال الذاتي" وذلك لفائدة الشق الذي تزعّمه بورقيبة ضدّ شق صالح بن يوسف. إلاّ أنّ تصوّر الإتحاد لمسألة التنمية بعد سنة 1956 كان مناقضا تماما لتوجّه الحزب الحاكم ممّا جعل هذا الأخير يسعى إلى تدجين الحركة النقابية حتى تبقى تدور في فلكه مثل بقية المنظمات الوطنية الأخرى (إتحاد الأعراف وإتحاد الفلاحين وإتحاد المرأة). وإنتهت بذلك مرحلة "التحالف الحرّ" لتعقبها مرحلة أخرى من "التحالف المفروض" بين سنوات 1970 و1977 (مشاركة الإتحاد في الحكومة سنة 1971 ، وقوف الإتحاد غلى جانب الحزب الحاكم في قمع الحركة الطلابية سنة 1972 ، إمضاء ميثاق الرقيّ سنة 1977) ثمّ مرحلة المواجهة فيما بعد سنتي 1978 و1985. وبعد مؤتمر سوسة سنة 1989 بدأت مرحلة جديدة في العلاقة التي تربط الإتحاد العام التونسي للشغل والسلطة بدت أكثر وضوحا بعد إنتفاضة 17 ديسمبر/14 جانفي ليس المجال للحديث عنها في هذا المقال.
وفي الختام وفيما يتعلّق بالتعدّدية النقابية نقول بأنّ العولمة الليبرالية الشرسة كرّست التناقضات الموجودة وساهمت في مزيد الفرز الطبقي بين رأس المال والعمل بشكل لم يسبق له مثيل وبذلك إحتدّ الصراع الطبقي بين الطبقتين الإجتماعيتين في كلّ بلدان العالم. لذلك فإنّ التحدّيات التي أفرزتها العولمة تجبر الحركة العمّاليّة وأدواتها التنظيمية (المنظمات النقابية) إلى مزيد من الوحدة والإندماج لا التشتّت والتشرذم من أجل إنتزاع حقوق العمّال من أنياب الرأسمالية المعولمة المنفلتة من تحت عقّالها والمهيكلة خاصة في الشركات المتعدّدة الجنسيّات التي تساوي ميزانية 15 منها فقط ميزانية 120 دولة مجتمعة.
وفي تونس فإنّ النظام الرجعي العميل الذي يمثّل طبقتي الإقطاع والبورجوازية الكمبرادوريّة يملك كلّ الأجهزة بين يديه (البوليس ، المحاكم ، الإدارة ، الإعلام ...) للدفاع عن الطبقتين اللّتين يمثّلهما بينما لا تملك الطبقة العاملة إلاّ وعيها بوضعها كطبقة مستغلّة (بفتح الغين) ومضطهدة وبضرورة الدفاع عن مكاسبها ومصالحها بوحدتها ونضاليّتها وإستقلاليّتها كما أنّها مطالبة بتوفير الشروط الطبقيّة لضمان تحقيق طموحاتها وأحلامها بتحقيق مجتمع تسوده العدالة الإجتماعيّة. لذلك فإنّ وجود منظّمة نقابيّة موحّدة وقويّة يضمن تحقيق تلك الأهداف الإستراتيجيّة.
د. عبدالله بنسعد
أستاذ محاضر للتعليم العالي
ومؤطّر بقسم التكوين النقابي والتثقيف العمّالي
بالإتحاد العام التونسي للشغل



#عبدالله_بنسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ...
- كيف السبيل لإعادة هيكلة الأراضي الدولية خدمة لجماهير الكادحي ...
- هل تعب -اليسار- في تونس من النضال حتّى يبحث عمّن يدافع عنه ب ...
- من جنون البقر إلى أنفلونزا الطّيور : مسار العولمة الليبراليّ ...
- هل إنتهى حزب البعث في العراق ؟ : لماذا يرفض حزب البعث التندي ...
- بين حزب البعث في العراق و-داعش- وبين الحقائق على الأرض والتض ...
- دستور 2014 : خدعة جديدة للعمّال وعموم الشعب وإنقلاب على مطال ...
- العولمة والتعليم في تونس : سلعنة المدرسة خدمة لرأس المال ، م ...
- في الذكرى 56 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية بتونس : المطلوب مسا ...
- ميزانية 2012 : ميزانية تفقير المفقّرين والتخلي عن -السيادة ا ...
- على هامش الإنتخابات الرئاسية الفرنسية : لا علاقة لفرنسوا هول ...
- المشروع الفلاحي السويسري بالصحراء التونسية : هل هو حقا لإنتا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- غرّة ماي مابين سنتي 1886 و1889 من إنتفاضة العمّال بشيكاغو إل ...
- الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب
- الأهداف الإستراتيجية للحرب الإمبرياليّة على العراق (الجزء ال ...


المزيد.....




- Introductory Speech of the WFTU General Secretary in the 4th ...
- الكلمة التمهيدية للأمين العام لاتحاد النقابات العالمي في الم ...
- رابط مباشر .. الاستعلام عن رواتب الموظفين في القطاعين المدني ...
- وفد برلماني سيتفقد المنشآت النووية لمراقبة تنفيذ قانون العمل ...
- الحكومة الجزائرية تعلن عن تعديل ساعات العمل في الجزائر 2024 ...
- المالية العراقية تعلن عن موعد صرف رواتب المتقاعدين في العراق ...
- “الجمل” يتابع تطوير شعبة الفندقة بالجامعة العمالية لتعزيز ال ...
- وزارة المالية.. استعلام رواتب المتقاعدين وحقيقة الزيادة في ا ...
- وزارة المالية العراقية تحدد موعد صرف رواتب الموظفين لشهر ديس ...
- حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عبدالله بنسعد - التعدّدية النقابيّة آليّة بورجوازيّة لضرب وحدة الحركة العمّاليّة