|
لا بطولة في عملية تل أبيب !
سامي النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 5190 - 2016 / 6 / 11 - 13:02
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس هذا المقال سياسياً وإن بدا كذلك، بل هو مساهمة فكرية تتعلق بمنظومة القيم والأخلاق العربية المنهارة، والمتخفية تحت طلاء كثيف من طقوس التدين الشكلي الكاذب والمشاعر الوطنية البدائية، البعيدة كل البعد عن المنطق الإنساني والأخلاقي.
طوال اليومين المنصرمين، ضجت صفحات الأصدقاء بمواقع التواصل، بمواقف مختلفة من عملية تل أبيب التي قام بها فدائيان من قرية يطا قضاء الخليل. أغلب صفحات من يسموا أنفسهم بمثقفين ونخب، كانت تهلل للعملية بوصفها بطولة منقطعة النظير، متجاهلين، أو لربما يجهلوا، تاريخ العمل الفلسطيني طوال 68 عاماً !
قبل الشروع في مناقشة الموضوع، أود تذكير أولئك المراهقين، بأن جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، قد مارست العنف المسلح وقتل العزل الإسرائيليين، على اعتبار أنه لا حق للصهاينة بأرض فلسطين، وبأنهم موجودون في المكان الخطأ، وأن عليهم أن يرحلوا من بلادنا !! هكذا بكل بساطة وعفوية !
الأغرب من كل هذا، أن ثلة من النشطاء وحملة الشهادات الجامعية قد اعتبروا العملية " بطولية "، مفتونون بنجاح الفدائيين في اختراق منظومة الأمن الإسرائيلية، ومغرمون بمنطق الروايات البوليسية ومغامرات أرسين لوبين ! وهذا يعني أن علينا وبكل جدية تفحص مناهج الطلبة الدراسية بدءاً من الصف الأول الابتدائي وحتى مناهج فقه ابن تيمية في الجامعات المحلية.
الإرهاب بتعريف الأمم المتحدة، هو " قتل غير المحاربين "، والمحاربون هم أولئك الجنود أثناء الخدمة، والمؤهلون في حالة قتالية للدفاع والهجوم. حتى الجندي الذي يلقي سلاحه ويعود إلى تل أبيب لقضاء إجازة مع أسرته، وبعد أن يكون قد تخلى عن حالته القتالية، فأن قتله والاعتداء عليه يعتبر إرهاباً !
الكلام السابق لن يعجب المراهقون الذين عشقوا فيلم 21 ساعة في ميونخ لمجرد وجود فدائيين يمتشقون البنادق الرشاشة ويجهزون على كامل الفريق الرياضي الإسرائيلي عام 1974 ! لربما كانت هنا مناسبة لتذكير ( أو لتعريف ) المراهقين والمغامرين، بأن جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي قد مارست هذا النوع من العمليات، بدءاً بحركة فتح، ومروراً بالجبهة الشعبية والديمقراطية، ومؤخراً حركتي حماس والجهاد. بل لقد شاهدنا ما هو أكبر بكثير من هذه العملية، شاهدنا عمليات خطف الطائرات وتحرير رهائن ( الشعبية ) وشاهدنا تصفية الفريق الأوليمبي الإسرائيلي في ميونخ بألمانيا ( فتح ) وشاهدنا اقتحام شارع يافا بالقدس ( الديمقراطية )، بل شاهدنا أيضاً عمليات إنزال بحري وجوي ( دلال المغربي / خالد عكر / ليلى خالد )، ولكن ما فات المثقف الشعبي الفلسطيني وما تسمي نفسها بنخب متعلمة، أن المعركة الدائرة مع الحركة الصهيونية منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 وحتى الآن، هي معركة يلعب فيها الإعلام الدور الأساسي والمفصلي، ذلك أن إسرائيل عندما قامت كدولة، قامت بالقانون الدولي، حيث تمكنت الحركة الصهيونية من مخاطبة العقل الغربي وإقناعه بأن اليهود يلزمهم وطن قومي للعيش فيه. أقنعوا العالم بعبارة " وطن قومي " .. هكذا مصطلح نكرة غير معرفة، وبعضهم كان يفضل الأرجنتين أو أوغندا، ولكن كان للرواية الدينية التوارتية وأسطورة أرض الميعاد رأي آخر، فكانت النتيجة اختيار فلسطين بالذات لتصبح وطناً قومياً لليهود !
يجب الاعتراف بأن اليهود كانوا أكثر قدرة وتحضراً على مخاطبة العقل الغربي والرأي العام الدولي. لغاية العام 1999، وفي زيارة جماعية لبريطانيا، دخلنا متحف إذاعة ال BBC الذي يحتوي كافة الكاميرات وأجهزة الإرسال التي تم استخدامها منذ انطق الإذاعة. كان مبنى المتحف يتألف من 4 طوابق، يتخللها صالات صغيرة لعرض أفلام وثائقية من إنتاج ال BBC . جلسنا للاستراحة في إحدى الصالات لنشاهد فيلماً يبث على مدار 24 ساعة، عن قمع واضطهاد اليهود على يد القوات النازية. هم جلدوا الضمير الأوروبي وحملوه مسؤولية المحرقة، وما زالوا يجلدون الرأي العام الغربي، ولم يسأل أحد في الغرب نفسه، ولماذا يدفع الشعب الفلسطيني بالذات ثمن جريمة ارتكبها الألمان ؟؟! أين العدل في هذا المنطق ؟؟! نحن فشلنا في اقتحام الرأي العام الغربي، وبدلاً من استثمار جزء من أموال منظمة التحرير في إنتاج أفلام وثائقية تبرز النكبة الفلسطينية، تم امتصاص تلك الأموال للفساد والنهب المنظم لملايين ومليارات الشعب، وتحولنا في العالم إلى مشبوهين ومطاردين لأننا خاطبنا العالم بالعنف والبنادق ولم نخاطبه بالأقلام والأفلام، ولعل اغتيال ماجد أبو شرار واغتيال غسان كنفاني كان سببه بدايات بروز أقلام فلسطينية ثائرة تخاطب العالم الغربي بلغة النكبة والمحرقة الفلسطينية !
بالمقابل فإن دولة الاحتلال خاطبت العالم بلغة حضارية يفهمها. إسرائيل قدمت للعالم أبحاثها الزراعية والتكنولوجية. اليهود رغم قلة عددهم في العالم، هم أكثر من حصلوا على جوائز نوبل في الطب والعلوم. فهل نواجه " إسرائيل " النووية بأقمارها الصناعية الثمانية بسلاح بدائي نهاجم فيه أناس عزل يجلسون في مقهى ؟؟! لابد من التوضيح أن هذه العملية لم تكن مقبولة عالمياً، ولكي ننجح يجب أن نخاطب العالم بلغته التي يفهمها، وهي الديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان. علينا التخلص من الإرث " الداعشي " في العقل الفلسطيني، علينا أيضاً، أن نعود إلى مسألة التفوق الأخلاقي على العقلية الصهيونية، فالعالم الذي لا يقل بقتل العزل، يستنكر أيضاً عمليات الإعدام الميداني للأطفال، وهنا يجب التذكير بأن الجمعية الأمريكية للعلوم والتي تضم نحو 7500 عالم وباحث، قد قررت مقاطعة الجامعات الإسرائيلية كون إسرائيل دولة تمييز عنصري. مؤخراً قام عالم الفضاء والفلك الشهير ستيفن هوكنغ باتخاذ قرار مقاطعة الجامعات الإسرائيلية. خسائر الاقتصاد الإسرائيلي جراء حملة المقاطعة ( BDS ) بلغت 31 مليار دولار. إنها معركة الإعلام والأقلام والأفلام لاستقطاب الرأي العالم العالمي والذي خسرناه بكثير من العنجهية والشعارات الجوفاء، والكثير من الاستهتار بالقانون الدولي والرأي العام الغربي.
وبما أن هذا المقال موجه للشعب الفلسطيني، فإنه يجدر التنويه إلى أن العالم الآن يرى قضيتنا كقضية " حقوق "، بينما يراها اللصوص والفاسدون قضية " حلول ". الفرق كبير وخطير، ذلك أن الشعب الفلسطيني يجب أن يكافح لنيل حقوق. الحق في العودة، والحق في العمل، والحق في السفر والسكن والتنقل، والحق في العلاج والحق في تعليم مجاني راقي، أما البحث عن حلول والذي احتل العقل الفلسطيني من خلال طاحونة الإعلام الرسمي المضلل والفاسد، فهو لا يتحدث عن حقوق. الحلول عبارة عن صفقة تتم بين طرفين وليس من الضرورة أن تكون عادلة. فمثلاً صفقة أوسلو ( الرشوة الكبرى ) كانت عبارة عن حل ولكن من دون حقوق. نحن لا يهمنا من يحكمنا. جنسية الحاكم والتعصب القبلي العرقي والديني هي هرطقة مضللة. يهمنا العيش في دولة ديمقراطية تحقق شعار ( الحرية والعدالة والمساواة )، لا مزرعة بهائم لشركة جوال والاتصالات والكهرباء وغياب أبسط الحقوق الإنسانية .. نريد حقوق وليس حلول !!
أخيراً، وبما أنه من المفترض أن يكون الشعب مصدر السلطات، فلماذا لا يتم إجراء استفتاء شعبي عام في الضفة وغزة على مسألة العنف المسلح ؟؟! لماذا يتم تجاهل حياة 6 ملايين نسمة محاصرون ومطاردون ومحرومون من أبسط الحقوق الإنسانية ؟!
#سامي_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|