|
كتاب ”الأيّام الأخيرة في حياة محمّد“ لهالة الوردي : رحلة البحث عن الحقيقة
ضياء البوسالمي
الحوار المتمدن-العدد: 5190 - 2016 / 6 / 11 - 00:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نّ القداسة التي أضفتها كتب الموروث على شخصيّة محمّد كانت سببا في تدهور حالة المسلمين. فمن مجرّد صاحب مشروع ديانة و قائد حربيّ (في مرحلة ثانية) تحول محمّد في كتب الحديث و كتب السّيرة إلى بطل أسطوريّ منزّه و إنسان خارق فوق التّاريخ لا يمكن أن تطاله أسهم النّقد. و كتاب ”الأيّام الأخيرة في حياة محمّد“ لهالة الوردي لا يتعرّض إلى كلّ الأحداث و الوقائع في حياة نبيّ الإسلام فهذا يتطلّب بحثا مطوّلا و إنّما سلّطت الوردي الضّوء على فترة لا نجد فيها نقاشا و جدالا بين الفقهاء و المؤرّخين بل إكتفوا بطمس الحقيقة و تجاوز الأمر و تناسيه. الكتاب يبحث في آخر أيّام محمّد و خاصّة آخر ثلاثة أيّام. دراسة هذه الفترة – حسب الكاتبة – التي كانت من أهمّ الفترات التي مهّدت للعديد من الأحداث التي عاشها المسلمون بعد ذلك – مكّنت من رصد أهمّ نوايا و ردود فعل المحيطين بمحمّد قبيل و بعد موته و كشفت عن وجود إمكانيّة للقول بأنّ نبيّ الإسلام مات مقتولا. التّحليل العقلاني و مساءلة التّاريخ لقد كان التعامل مع الأحداث التي رافقت نشأة الدّين الإسلامي تعاملا حذرا و إنتقائيّا، ففي كتب الموروث لا نجد أثرا لأيّ حسّ نقديّ لأيّ فعل من أفعال أو قرارات محمّد أو حتّى مجرّد تعليق على تصرّفاته. لقد جثمت آيات من قبيل ”وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ“ (سورة المائدة / الآية 67) على قلوب الفقهاء و المؤرّخين و أغلقت عقولهم و هو ما تسبّب في السّقوط في تناقضات متعدّدة في ثنايا النّصوص و الرّوايات بين آيات تؤكّد عبوديّته و روايات تقدّسه و ترتقي به إلى مرتبة المقدّس. لقد سعت هالة لوردي من خلال كتابها إلى الإبتعاد عن هذه القراءة المحدودة و العاجزة عن كشف الحقائق فقامت بعمليّة فرز و تنظيم للنّصوص من مختلف المراجع بشكل مسترسل و منطقيّ يتماشى مع منطق الأحداث لا كما تفرضها النّظرة التي تجعل المقدّس فوق كلّ إعتبار. لقد ظهر محمّد و من بعده الصّحابة في كتاب ”الأيّام الأخيرة في حياة محمّد“ كشخصيّات تاريخيّة يمكن أن يقع تتبّعها و نقد آرائها و تقييم أفعالها فقد فهمت الوردي أثناء بحْثِهَا أنَّ الرّجوعَ إلى العقل و تقديمه على النّقل هو السّبيل الوحيد لإعادة ترتيب الأحداث التي إختلط فيها الواقعي بالخيالي. منهجيّة الكاتبة التّونسية كانت واضحة تذكّرنا بكتابات الدّكتور هشام جعيّط : إنزال شخصيّة النبيّ و من بعده الصّحابة من عليائها و تجريدها من قدسيّتها الزّائفة التي أضفاها عليها الفقهاء و المؤرّخون القدامى. ههنا تتمكّن الوردي من توضيح الرّؤية من خلال تعاملها العقلانيّ مع ما تمّ تجميعه من كتب الموروث أثناء البحث. كذلك لا يمكن أن نتغافل على نقطة أخرى مهمّة و هي أنّ هذا البحث في حيثيّات الأيّام الأخيرة التي عاشها محمّد يعيدنا إلى فكر المعتزلة الذي إنتصر للعقل أمام النّقل و تعامل بعقلانيّة مع النّصوص و الرّوايات. إتّبعت الكاتبة التونسيّة نفس المنهج المعتزلي في تحليل الأحداث و أخضعت الصّحابة للنّقد (خاصّة أبو بكر و عمر بن الخطّاب أثناء إحتضار النبيّ و بعد موته) و بيّنت أنّ البعد الدّيني الذي أُعْطِيَ أهميّة مبالغا فيها على مرّ التّاريخ هو مجرّد وهم وجب على الباحث التخلّص منه للوصول إلى هدفه. التّنازع على الخلافة، التّوق إلى السّلطة و التّخطيط للإطاحة بالخصوم اٌلمُحْتَمَلِينَ هي الأسباب الرئيسيّة و المحرّك الأساسي الذي يتوجّب أخذه بعين الإعتبارو هو ما إستنتجته الوردي و إشتغلت عليه في كتابها. إنّ رفع مجرّد شخصيّات تاريخيّة إلى درجة التّقديس وقع تحت قناع نصرة الدّين و لكنّ كتاب ”الأيّام الأخيرة في حياة محمّد“ يكشف أنّ للبعد السياسيّ كان له دور هامّ في حياة نبيّ الإسلام و حياة من يحيطون به، و هو ما يعزّز إمكانيّة وجود الحيلة و الكذب و النّفاق بين الصّحابة لا بل إنّ الأمر قد يصل إلى طرح إمكانيّة قتل محمّد للإستيلاء على السّلطة إذ أخرج البخارى فى باب «مرض النبى صلى الله عليه وسلم ووفاته» 791/7- 4428 ما يلى: «وقال يونس، عن الزهرى: قال عروة: قالت عائشة رضى الله عنها: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى مرضه الذى مات فيه : ”يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم.”» نحن في المدينة، 8 جوان سنة 632 الرّسول يحتضر و الوضع غير مستقرّ فقد بدأت فكرة الخلافة تستحوذ أكثر فأكثر على العقول. هكذا تشرع هالة الوردي في رصد بداية الصّراع بين الصحابة و تركيزهم الكلّي على الخلافة و هو ما جعلها تتساءل عن أسباب غياب الصحابة – و هم الأكثر قربا للنبيّ – عن مراسم الدّفن. هل كان الإعداد للخلافة و التّلهف للسّلطة أسبابا كافية للتخلّي عن جثمان محمّد و تركه ملقى بدون دفن لمدّة يوميْن ؟ من هنا تنطلق هالة الوردي في محاولة البحث عن إجابات من خلال مساءلة التّاريخ عبر كتب الموروث لتكشف عن نقاط وقع طمسها و حُرّم النّقاش حولها منذ قرون. القطع مع الموروث و إعمال العقل إنّ الإشكاليّة التي تطرحها الكاتبة هالة الوردي في كتابها ”الأيّام الأخيرة في حياة محمّد“ هي إشكاليّة مهمّة خاصّة لما يمكن أن تولّده من ردود فعل عنيفة من طرف المتديّنين. و الحقيقة أنّ الإعتقاد بقداسة الأشخاص و التّعطيل الكلّي للعقل هو ما ولّد أجيالا متتالية تتناقل مجموعة من الرّوايات و القراءات الموروثة أدّت إلى رفع الصّحابة إلى مستوى المقدّس. و كتاب ”الأيّام الأخيرة في حياة محمّد“ هو محاولة لطرح نظرة أخرى لطالما رُفِضَ الخوض فيها. إنّ إنقلاب المعبد كما كتب المفكّر عبد الرزاق الجبران لن يتمّ إلاّ من خلال الثّورة على السّائد و الإنفتاح على الآراء المختلفة. سلّط كتاب هالة الوردي الضوء على حقائق جديدة يمكن أن تكون محلّ نقاش كإكانيّة مقتل محمّد أو أطماع الصحابة و إهتمامهم بالخلافة و إهمالهم لجثمان النبيّ. تجدر الإشارة إلى أنّ الكاتبة لا تأكّد أيّ شيء و لكنّها تطرح مجموعة من الأسئلة التي تستحقّ التّفكير. لقد أكّد المفكّر المصري سيّد القمني في محاضرة ألقاها أنّ المسلمين قضوا أكثر من 1400 سنة (أي منذ ظهور الإسلام إلى اليوم) في حروب حول الكلام. و هذا ما يعكس سذاجة العقل الديني عموما و الإسلاميّ خصوصا الذي يتعامل مع السّلف على أنهم في مرتبة المقدّس و هو ما سعت الوردي إلى تحطيمه ببحثها إذ لم يكن هدفها البحث عن الحقيقة و إنّما إثارة أسئلة تعيد من خلالها إحياء هذا الفكر الجامد و تكسر القيود التي وضعها الفقهاء و المؤرّخون القدامى و التي كانت سببا في تخلّف المسلمين.
العنوان : الأيّام الأخيرة في حياة محمّد عدد الصّفحات : 365 تاريخ الصدور : 2016 دار النّشر : ألبان ميشال
#ضياء_البوسالمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إصلاح الإسلام (6) : محمّد و الوحي (الجزء الثّاني)
-
راب تونسي : فريد المازني ( المُهَاجِر )
-
إصلاح الإسلام (5) : محمّد و الوحي
-
لاَ لأَسْلَمَةِ المجتمع … لاَ للقرآن في مدارس الجمهوريّة
-
مقداد السهيلي : عندما يصبح الفنان رمزا للفشل و الرجعيّة
-
راب تونسي : كلاَيْ بِي بِي جِي
-
راب تونسي : دَابْ أَمْ دِي
-
حول تقهقر منظومة التّعليم في تونس
-
راب تونسي : فِينِيكْسْ
-
”إنتصاب أسود“ أو عندما تتحوّل الرّواية البورنوغرافيّة في تون
...
-
راب تونسي : رَادْستَارْ رَادِي
-
إصلاح الإسلام ( 4 ) : هل توجد مساواة بين الجنسين في الإسلام
...
-
سائق الحافلة
-
فيلم شبابك الجنة: إبداع في تجسيد المعاناة
-
إصلاح الإسلام ( 3 ) : المنطلقات الفكريّة للخطاب الدّيني ( ال
...
-
نَحْوَ تَحْلِيلٍ أُنْترُوبُولُوجِي لِلْبُورْنُوغْرَافِيَا (1
...
-
إصلاح الإسلام ( 2 ) : نقد الخطاب السّلفي
-
القانون عدد52 : وسيلة لتكميم الأفواه !؟
-
حول فيلم “اُلزِّينْ إِلِّي فِيكْ” : عندما تضعنا السّينما أما
...
-
إصلاح الإسلام
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|