|
من أجل تنسيقية وطنية للقوى الديمقراطية و التقدمية .
محمد المناعي
باحث
(Manai Mohamed)
الحوار المتمدن-العدد: 5190 - 2016 / 6 / 11 - 00:34
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كشفت الأزمة الشاملة الأخيرة التي تشهدها البلاد التونسية عن عجز الائتلاف اليميني الحاكم في ادارة دواليب الحكم و عن عقم خياراته التي واصل اتباعها والتفافه الواضح لا على أهداف الثورة فحسب بل أيضا على ارادة الناخبين . فتفشي الارهاب وسياسة التداين دون حدود و لا غاية و الارتهان للصناديق الدولية والدوائر الامبريالية و استفحال الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و انتشار الفساد حتى داخل مكونات الائئتلاف الحاكم و سياسة الافلات من العقاب ... أكدت جميعها فشل اليمين المتستر بالدين الممثل في حركة النهضة و اليمين المدني الممثل في نداء تونس و حزيبات المال التي تدور في فلكه بل و تحولت هذه الأطراف إلى سبب أساسي في الازمة ، ولعل ما أطلقه زعيمي القوتين الحاكمتين مؤخرا من اعادة النظر في الحكومة و الاقرار بفشلها و محاولة اقتسام و توزيع هذا الفشل على قوى أخرى لدليل على المأزق الذي وضعت فيه الأطراف الحاكمة نفسها ، بين مطرقة املاءات صندوق النقد الدولي و الجهات الدائنة و المصالح الفئوية و الشخصية للمجموعات الحاكمة من ناحية و بين سندان قوة اجتماعية نقابية فاعلة و محددة و حرية اعلام كاشفة لواقع الأزمة و الخيارات المختلفة . في هذا المشهد تبدو المعارضة الديمقراطية و التقدمية التي أفرزتها انتخابات 2014 ضعيفة و مشتتة ،تتعامل مع الأحداث برد الفعل و في أفضل الحالات الاحتجاج و المقاطعة ،لم تعي مكوناتها بعد بالحجم الكافي طبيعة المرحلة التي تقتضي تفكيرها الجدي في بديل للحكم وقبل ذلك تعميق الحوار داخلها لتجاوز خلافاتها و رص صفوفها وتجاوز حالة الوهن و الاسترخاء و العجز عن الفعل التي تميزها . هذه المعارضة المتكونة من أطياف متنوعة يسارية و عروبية و ديمقراطية وحداثية - طبعا دون الحديث عن معارضة أقرب للسلفية تورطت مكوناتها في دعم عصابات العنف و تغذية التطرف - لها من نقاط القوة ما يجعلها قادرة على بناء الخيار و البديل الثالث لليمين المدني و الديني ، خيار اجتماعي مرتكز على ارث من النضال الوطني و مقارعة الاستبداد متجذرة في النضال العمالي لها من الخيارات ما يتناسق مع توجهات القوة الاجتماعية الأبرز الاتحاد العام التونسي للشغل ، قوى لها مجتمعة في مؤسسات الدولة ما يزيد عن 20 نائبا بمجلس نواب الشعب ، لها حزام نقابي فاعل كما لها في الاعلام و المجتمع المدني و الحركة الحقوقية و الطلابية و الشبابية و النسوية و الثقافية ما يجعلها مؤثرة في الرأي العام والواقع،كما لبعض مكوناتها امتدادات في جهاز الادارة و الدولة و لها كفاءات قادرة لا فقط على صياغة البرامج و تقديم البدائل بل ايضا على ادارة دواليب الدولة و الحكم . ورغم المد و الجزر الذي طبع العلاقة بين هذه المكونات و القوى الديمقراطية و التقدمية تاريخيا وفي السنوات الأخيرة الا أن عدة مفاصل و محطات فارقة أكدت وطنية هذه القوى و التقائها و تنازلها عن المصالح الحزبية و الزعاماتية الضيقة و لو نسبيا كلما كانت المصلحة العليا للوطن مهددة و لا أدل على ذلك من التقائها في الهيئات الوقتية التي تشكلت غداة سقوط رأس النظام سنة 2011 و في جبهة الانقاذ و اعتصام الرحيل و الحوار الوطني اثر الأزمة التي عرفتها تونس بعد الاغتيالات السياسية و فشل الاخوان في الحكم ، ودور هذه القوى في تقويم ملامح الدستور نحو صياغة دستور مدني حداثي و مؤخرا التحرك ضد قانون المصالحة الاقتصادية و محاولة السلطة الانقلاب على منظومة العدالة الانتقالية . وحاليا تعاملها مع الأزمة الشاملة التي تشهدها تونس بالمبادرة لعقد مؤتمر وطني للانقاذ وهو ما طرحه حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي أو مبادرة للانقاذ والبناء الموجهة حصرا للقوى الديمقراطية والتقدمية ! وهو ما طرحته الجبهة الشعبية والتفاعل الواسع عموما مع فكرة ضرورة الحوار الوطني لضبط الأولويات و بدائل الحكم و الخروج من المحاصصة الجوفاء التي أدت الى الفشل و الأزمة و ابرز التفاعلات الايجابية حول هذا الطرح الوطني كانت من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قدم وثيقة عملية حول البدائل العاجلة و الآجلة و تفاعل قوى ديمقراطية وتقدمية أخرى على غرار الحزب الجمهوري و مكونات ائئتلاف الميثاق والذهاب أشواطا في تنسيق المواقف والانفتاح على مكونات وطنية أخرى . هذا الحس الوطني الذي يميز القوى الديمقراطية و التقدمية ،السياسية و الاجتماعية يجعل من التنسيق بينها ومأسسة هذا التنسيق ضرورة وطنية على المدى القريب و على المدى الاستراتيجي البعيد. على المدى القريب يعتبر اخراج تونس من أزمتها مسؤولية لا الاغلبية الحاكمة التي تحولت الى جزء من الأزمة فقط بل تحديدا مسؤولية هذا القوى الديمقراطية و التقدمية لذلك فان مسار التنسيق الذي انطلقت فيه المكونات السياسية المتمثلة في حزب المسار و الجبهة الشعبية و الحزب الجمهوري و ائئتلاف الميثاق واحزاب أخرى لتوحيد المواقف من موضوع حكومة الوحدة الوطنية يعتبر بداية جيدة خاصة بالتنسيق مع الاتحاد العام التونسي للشغل سواء لاسناد حكومة يشارك الجميع في ضبط أولوياتها و صياغة برنامجها او الضغط على التحالف الحاكم وفرملة اتجاهه بالبلاد نحو الهاوية . هذا التنسيق يجب أن يشمل أيضا الاستعداد لاستحقاق الانتخابات المحلية و الجهوية التي تعتبر مدخل هذه القوى لخوض غمار السلطة المباشرة والاتصال بالمواطن ، خاصة و الانتخابات البلدية تمثل مدخلا اساسيا ومحددا للانتخابات التشريعية القادمة و جميع هذه الأطراف على وعي بعجزها عن ايجاد موطئ قدم في المحليات دون التنسيق مع بقية القوى والفاعلين المستقلين الذين يتقاسمون معها نفس المشروع او خطوطه العريضة . على المستوى الاستراتيجي فان المشاريع التوحيدية الحزبية أو الائتلافية التي تطرحها بعض القوى اليسارية و الديمقراطية تنطلق بالضرورة بتنسيق المواقف الراهنة وايجاد أطر لتعميق النقاش لتذليل الخلافات و الاختلافات و تقريب وجهات النظر حول استقراء طبيعة المرحلة و رهاناتها و أولوياتها و دور القوى الديمقراطية والتقدمية في تشكيل ملامحها وصولا الى الجهاز التنظيمي الأنجع و الاقدر على ضم هذه القوى وتحويل اختلافاتها الى تنوع وثراء ، تعمل على تجميع شتات الديمقراطيين و التقدميين حول مشروع وطني جامع أخذا بعين الاعتبار التنسيق المستمر مع القوى الاجتماعية والمدنية والفاعلين المستقلين من أجل بلورة بديل جدي ديمقراطي اجتماعي يستجيب لاهداف الثورة وانتظارات الشعب. هذا المسار يجعل من العاجل مأسسة التنسيق و بعث تنسيقية وطنية للقوى الديمقراطية والتقدمية تمثل اطارا للعمل المشترك .
#محمد_المناعي (هاشتاغ)
Manai_Mohamed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار التونسي : المسارات المختلفة و الفرص الضائعة
-
الفضاء الثقافي-مانديلا- زهرة تقدمية في رمال متحركة
-
داعش : الامبريالية حين تستثمر في الجهل و الدين و الدم
-
الاتحاد العام التونسي للشغل : حركة نقابية صنعت مجد شعب
-
في اليوم العالمي للعمل اللائق : واقع من العمل المهين في المن
...
-
حملة نقابية عربية مساندة للنساء الموريتانيات ضحايا الاتجار ب
...
-
الحراك الشعبي وقود المسار الثوري التونسي
-
أي خطاب ديني ممكن في مواجهة التطرف و الارهاب؟
-
دورالنقابات في مناهضة الهيمنة الامبريالية
المزيد.....
-
مواجهة التغول الرأسمالي الإمبريالي تتطلب تصعيد وتوحيد نضالات
...
-
ألعاب نارية تضيء سماء بطرسبورغ في الذكرى الـ81 لرفع الحصار ع
...
-
بغداد ترفض الحرب.. وأنقرة تضغط من أجل مقاتلة حزب العمال
-
فلنشكل جبهة شعبية لمواجهة مخططات التهجير ولدعم النضال الفلسط
...
-
تعريب العلوم: جدل الهوية والتحرر
-
تعقيب أحمد العبادي عن فريق التقدم والاشتراكية على رئيس الحكو
...
-
تلغراف: ترامب يحطم بالفعل الدولة اليسارية العميقة
-
مؤرخ ألماني يدعو برلين إلى الاعتراف بحصار لينينغراد كجريمة إ
...
-
الذكرى الـ81 لفك الحصار عن لينينغراد
-
الرفيق حنا غريب، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، في حوا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|