|
إصلاح الإسلام (6) : محمّد و الوحي (الجزء الثّاني)
ضياء البوسالمي
الحوار المتمدن-العدد: 5188 - 2016 / 6 / 9 - 09:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الله هو الذي يطمئن رسوله عن أن نسيانه المتواتر للآيات،أو نسخه المتواتر لها أيضاً ،ليس نقيصة تسمح لخصومه بالتشكيك في مصداقية مصدر رسالته،أي الله. العفيف الأخضر، من محمّد الإيمان إلى محمّد التاريخ.
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا سورة النساء، الآية 82.
إنّ تفاسير هذه الآية في كتب الموروث عموما تشير إلى أنّه لا وجود للتّضارب في الآيات و المعاني. و يقول الشوكاني في فتح القدير: ”والمعنى أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفا غير مختلف صحيح المعاني قوي المباني بالغا في البلاغة إلى أعلى درجاتها، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي تفاوتا وتناقضا، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسور؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع، وهذا شأن كلام البشر لاسيما إذا طال وتعرض قائله للإخبار بالغيب فإنه لا يوجد منه صحيحا مطابقا للواقع إلا القليل النادر.كذلك فسّر إبن تيميّة هذه الآية“ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ”فما أعلم أحدا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة إلا ولا بد أن يتناقض، فيحيل ما أوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره، إذ كلامهم من عند غير الله“. و لكن ماذا لو كان القرآن من عند غير اللّه ؟ ماذا لو كان مجرّد هلاوس و هذيان ؟ إنّ مجرّد طرح هذه الفكرة قد يصدم الكثيرين لا بل قد يجعلهم يبحثون عن وسيلة لقتل من يقدّم مثل هذه الأطروحات. و لي نكون واقعيين فإنّ مجموعة النظريّات العلميّة و المؤشّرات التي نجدها في علم النّفس تستفزّ و تحثّ على العثور على أسئلة عن طريق إتّباع منهج التّحليل النفسي و الإستعانة بالعلوم الإنسانيّة الأخرى لفكّ شفرات و طلامس النصّ القرآنيّ من جهة و تسليط الضّوء على أماكن ظلّت غامضة في شخصيّة محمّد من جهة أخرى. إنّ هذا الهذيان الذي أثّر على نبيّ الإسلام كما أشرنا في المقال السّابق جعله يدخل في مرحلة التّشريع لما يسمّى بالنسخ أي بطال آية و العمل و الأخذ بآيات بعدها ناسخة لها (كما هو واضح في مثال الآيات التي نجد كتب الموروث تفسّرها على أنّها تحريم للخمر على مراحل). إنّ الحالة النفسية و الإضطراب الذي يعاني منه نبيّ الإسلام إنعكس بطريقة آليّة على النّص لا من خلال التّداخل بين الواقع و المتخيّل فقط بل أيضًا من خلال ثغرات في الذّاكرة و عجز عن تذكّر أجزاء من النصّ. هذا ما جعل محمّد يلجأ إلى عمليّة النّسخ و سدّ الثّغرت التي كانت موجودة و التي خَلُصَ نبيّ الإسلام إلى إعطائها طابعا إلاهيّا لا يمكن أن يقع لتّشكيك في صحتّها بعد ذلك، أي أنّه و بعبارة أخرى سيكون اللّه كما قُدِّمَ في ثنايا النّص القرآني على أنّه الواجد و المتعالي عن الزّمن و لا يمكن إدراكه قادرا على التّجسد في كلّ مرّة من خلال النصّ ليغيّرالأحكام و التّشريعات الواردة في الآيات حسب مجموعة من الأحداث الفرديّة المعزولة! كما تجدر الإشارة إلى أنّ تعدّد الأصوات في القرآن – كما شرحه نصر حامد أبو زيد – يطرح مجموعة من الإشكاليّات لعلّ من أبرزها هذا التّداخل بين ضّمائر فتارة ما يخاطب النّبي ”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا“ (الأحزاب / الآية 59) و في نفس هذه الآية – كما في غيرها من الآيات الأخرى – يتحدّث الإلاه بضمير الغائب. و نجد في آيات يصدر فيها الخطاب من الإلاه بصيغة الجمع ”مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ“ (طه / الآية 2) إنّ هذا التّداخل في الضمائر بالإضافة إلى مسألة النّاسخ و المنسوخ تعزّز نظريّة الهلاوس التي إنعكست على النّص و جعلت محمّد يلتجأ إلى إبتداع تقنية التّدخّل المباشر للإلاه لتغيير( نسخ ) معاني الآيات لسدّ ثغرات الذّاكرة و التي تسمّى في لطبّ لنّفسي هذيان النّسيان، و لكي يضفي هالة من القدسيّة على النّص فتتحوّل تلك الفراغات النّاتجة عن إضطرابات إلى نصوص لا يمكن تكذيبها و لطعن فيها لإقترانها المباشر بالإلاه. لقد كان محمّد رغم كلّ شيء متفهّما لضعف العقل الدّيني – خصوصا في بداية تأسيس الدّيانة – أمام المعجزات و الخوارق فقد كانت كلّ التحدّيات التي تطرح أمامه لا يتجاوزها إلاّ من خلال الإيهام بإعجاز الفعل الصادر عنه و بإتصاله المباشر بالإلاه. لقد كان تجمع كلّ هذه العوامل مساعدا على تمهيد الطريق أمام مسألة الوحي و النّص اٌلمُعْجِزِ فالعقل الدّيني و المؤمن الذي تخلّى عن ديانات أبائه و أجداده ظلّ لوقت طويل غارقا في الماديّة لذلك فإنّ محمّد تفطّن مبكّرا لهذه النّقطة و جعل مشروعه قائما أساسا على النصّ المُؤَسِّس/ المُعْجِز و الذي قدّمه لأنصاره كبديل حسّي عن آلهتهم المختلفة. و ما يمكن أن نلاحظه في هذا الصدّد إمتناع العديد من المقرّبين عن إتّباع محمّد و ذلك لأنّ الحجج التي قدّمها نبيّ الإسلام إعتبروها لا عقلانيّة و أعلنوا الحرب. إنّ هذيان النّسيان يجعل مسألة الوحي / النّص تساعدنا على فهم الشّخصية المحمّدية إذ أنّ تطابق بعض الآيات في القرآن مع ما جاء في الكتاب المقدس يؤكّد إمكانية سماع محمّد لهذه النّصوص و إستقاء مجموعة من النّقاط التي كرّرها في نصّه و التي – كما أشار المستشرق البريطاني وليام واط – لم تكن عمليّة ناجحة لأنّ الحالة النّفسيّة لنبيّ الإسلام كانت عبارة عن مجموعة من الهلاوس التي تؤدّي إختلاط الواقع بالخيال و إنعدام لقدرة على التّمييز و إذا ما أضفنا إطّلاع محمّد على ما جاء في الكتاب المقدّس فإنّنا سنجد مجموعة من الأخطاء في صلب النص و التي أشار لها ”واط“ ففي القرآن كان هامان وزير فرعون و الواقع أنّ هامان هو شخصية تاريخية فارسية كما يوجد مثال مريم هي أخت هارون في القرآن في ين أنّه بينهما 1500 عام [لمزيد التّعمق في هذه النّقطة يمكن الإطّلاع على كتابات ”وليام واط“ أو كتاب العفيف الأخضر ”من محمّد الإيمان إلى محمّد التّاريخ“.]
#ضياء_البوسالمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
راب تونسي : فريد المازني ( المُهَاجِر )
-
إصلاح الإسلام (5) : محمّد و الوحي
-
لاَ لأَسْلَمَةِ المجتمع … لاَ للقرآن في مدارس الجمهوريّة
-
مقداد السهيلي : عندما يصبح الفنان رمزا للفشل و الرجعيّة
-
راب تونسي : كلاَيْ بِي بِي جِي
-
راب تونسي : دَابْ أَمْ دِي
-
حول تقهقر منظومة التّعليم في تونس
-
راب تونسي : فِينِيكْسْ
-
”إنتصاب أسود“ أو عندما تتحوّل الرّواية البورنوغرافيّة في تون
...
-
راب تونسي : رَادْستَارْ رَادِي
-
إصلاح الإسلام ( 4 ) : هل توجد مساواة بين الجنسين في الإسلام
...
-
سائق الحافلة
-
فيلم شبابك الجنة: إبداع في تجسيد المعاناة
-
إصلاح الإسلام ( 3 ) : المنطلقات الفكريّة للخطاب الدّيني ( ال
...
-
نَحْوَ تَحْلِيلٍ أُنْترُوبُولُوجِي لِلْبُورْنُوغْرَافِيَا (1
...
-
إصلاح الإسلام ( 2 ) : نقد الخطاب السّلفي
-
القانون عدد52 : وسيلة لتكميم الأفواه !؟
-
حول فيلم “اُلزِّينْ إِلِّي فِيكْ” : عندما تضعنا السّينما أما
...
-
إصلاح الإسلام
-
الإسلام … دين إرهاب ؟
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|