|
من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5187 - 2016 / 6 / 8 - 23:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قد يفهم من كلامنا هنا أن وحدة الزمن مجرد أفتراض كما هي وحدة الوجود لاسيما إذا عرفنا الزمن والوجود من خلال الوعي، الصحيح أن هذا التقرير ليس أخبارا عن حقيقية بقدر ما هو قراءة تحتاج للكثير من البحث العميق والتمحيص بالدلائل، لكن النص بمعطياته ومن خلال تفكيك الفكرة يوحي لنا أننا فعلا نعيش الثالوث كما ورد في النقاط التالية، الفكرة النهائية من التمسك بمسألة تجزئة الزمن والوجود تعود بشكل إجمالي على فهمنا لبعض التناقضات التي يثيرها البعض في خصوص التشويش والضبابية التي يراها في طرح فكرة الزمن والمكان الذي هو نتاج حركة المادة الوجودية. وأيضا قد يفهم موضوع الزمن على ما تطرحه نظرية الثالوث المتبدل المتغير بحقيقة أن لكل زمن طريقته الخاصة المرتبطة بحالة الوعي، ولكن السؤال يثار في موضوع الوجود المادي المحكوم بأس المادة وقانونها، في النص الديني لا نجد أن للمادة تبدلات نوعية فقط كما في قانون حفظ المادة والطاقة، بل هناك أكثر من هذا وأعمق حين يكون التبدل جذري والتحول مرتبط بحال الزمن المرافق لوجود المادة وحركتها، في نص أخر صادم للعقول التي تتمسك بوحدة وأبدية الوجود كشكل ومظهر يردنا قوله {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ......... وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب}، هنا النص يشير للتبدل وليس للتحول وقد يعترف النص بقانون حفظ المادة, التبدل كوني بمعنى تبدل الكينونة والماهية والتغير مرتبط بالتحولات المحافظة عليهما، هنا يتضح الفرق بين التبدل وبين التحول الذي يتكلم به قانون حفظ المادة. قانون التبدل في النص القرآني يسير إلى جنب قانون التحول ولا يتعارضان بأي حال ما خلا أن التبدل يجري في زمن غير زمن التحول، وكلاهما ملتصق بزمنه، بمعنى أخر عندما يتغير مفهوم الزمن يتغير مفهوم التحول أو التبدل ولكن لا يمكنهما أن يجتمعا في زمان واحد، أي أن قانون التحول يجري في زمن الوعي وقانون التبدل في زمن ما قبل أو ما بعد زمن الوعي، هذه الجدلية تكشف لنا على بعض التناقض الذي يراه الماديون العمليون في نصوص الدين، في الوقت الذي يحاول فيه الديني أما الالتفاف على النص أو التهرب من التفسير العلمي بمقولات أعتباطية تجانب العقلانية وتغيب عنها قصديات النص وجوهر فكرة الدين عنها. نستنتج من ذلك ما يلي: • أن المادة تتحول وتتبدل وفقا لقوانين الزمن الخاص بالكينونة الكونية الكلية التي يجري فيها الوعي الإنساني، بمعنى أن قوانين مثل الفيزياء والكمياء لا يمكن أن تطبق في زمن أخر مختلف بقوانينه عن هذا الزمن، ولا يمكن تطبيق قوانين ذلك الزمن على هذا الوجود المحكوم بكونية خاصة. • الزمن أيضا خاضع بقوانينه للكيفية التي تجري فيها قوانين الحركة الجوهرية ومصدريتها المؤسسة والباعثة لحركة الوجود، أي أن الحركة الجوهرية التي هي نتاج الكينونة الشيئية للمادة تتبدل وفقا لقانون مرتبط بكل وجود على حدة، هذا الارتباط هو مصدر صنع الزمن ومعطي له القوانين الخاصة، وبالتالي لكل وجود زمن ملائم في حركته تبعا لكيفية الكينونة الشيئية المتبلورة من إحداثياث التكوين الخاص. • الزمن والوجود كمصطلح مادي مرتبط بالنسبية ولا يمكن فصلهما وحسابهما بقانون عام شامل لأن ذلك يتعارض مع فكرة التحول والتبدل أولا، وأساسهما أن الوجود كل الوجود في حالاته الثلاث غير قابل على الثبات والأبدية المطلقة، كما ينفي ذلك عنهما الأزلية المطلقة ثانيا. • وأيضا يتضح لنا أن وعينا بالزمن والوجود نوعان، وعي حضوري مكتسب بالتجربة والملاحظة والبرهان وهو وعي علمي وعملي، وهناك وعي منقول لنا ويمكن من خلال الوعي الأول نحصل على برهان وتجربة به لكنه يبقى أفتراضا قابلا لكل الأحتمالات ولكنه بالصيغة المطروحة لا يخالف العلم ولا يجاف المنطق المادي المحض. • النص الديني في ملاحظته هذه سبق الفهم العلمي ومتقدم عليه في فهم قضية التناسب والنسبية ليس من خلال إيراد النص بل من خلال نظرية علمية حقيقية لا يمكن أن ينكرها العلم المجرد، وبالتالي يمكننا مثلا الكشف عن الكثير من الأفكار العلمية المجردة ودراستها دون أن نخضعها للتفسير الإعتباطي وأن نجردها من الواقعية الأعتباطية الذاتية. • وهنا لا يمكن فهم الكثير من النصوص الدينية عن قضايا علمية مجردة ما لم يكن المتولي مسألة التفسير والتأويل منفتحا على كل النظريات ويتعامل معها من وجهة نظر محايدة، ولا ينبغي أن نخضع الفهم العلمي لمتطلبات ما نظن أنه تفسير ديني ونعتمد تلك المخرجات الفكرية على أنها هي النتائج الأساسية وما يخلفها هو الباطل، العكس أن نجري مع الفكرة الدينية بحرية وتجرد في الأتجاه الذي يعطيها مصداقية ونبني نتائجنا على ما يتم وفقا لقاعدة العلم المجرد خاص والفكر الديني عام. ما يمكن أن نكسبه من هذه القراءة الواقعية القصدية هو تخليص النص الديني من الغيبيات الغارقة بالخيال اللا واقعي ونعيد أعتبار علمية الفكرة الدينية بدل تديين الفكرة العلمية، هذه المنهجية تعيد للعقل الديني التوازن المطلوب بين إيمانه بقضايا مثل الخلق والجزاء والتسخير وغيرها من الأفكار الضبابية، وإعادة رسم المنطق العلمي للإيمان لا سيما أن إفتتاحيات المقولة الدينية تبدأ بالحث على العلم والتعلم والتعقل والتدبر، هذا أيضا يقودنا إلى حقيقة أن المنهج المثالي المفرط في خيالاته الغيبية لم يعد قائما وصالحا لأن يقود العقل الديني للمستقبل البشري وعليه أن يتنحى جانبا طالما أنه وللمرة المليون يثبت عجزه وفشله في إدراك معنى أن الله عليم وخبير وحكيم.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من سلسلة _ جدلية الزمن والمكان في النص الديني ح1
-
لست ملحدا ... ولكنني رجل به جنون _ تمهيد لكتابي لست ملحدا 20
...
-
الدين وقضية المرأة والفهم المؤجل ح2
-
الدين وقضية المرأة والفهم المؤجل
-
الواجب والحكم الديني الأمر وقضية الإنسان أولا. ح2
-
الواجب والحكم الديني الأمر وقضية الإنسان أولا.
-
صورة الإنسان المزدوجة.... في الفهم الديني
-
وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ح2
-
وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين ح1
-
قضية رأي في التفكر والجنون ح2
-
قضية رأي في التفكر والجنون
-
فكرة الدين والوجود تناقض أو صورة ناقصة؟.
-
تنبؤات مجنونة من طفولة عاقلة
-
الفكرة المهدوية وغياب رؤية النهاية
-
الإرهاب بطريق الوهم
-
مكابدات الحزن والفرح في وطن حزين
-
آينشتاين النبي ..... مفهوم العقل في العقل
-
العمل السياسي في العراق بين المهنية والتلقائية
-
العشوائيات السكانية .... القنبلة التي تهدد الأمن الأجتماعي
-
القبانجي الليبرالي بزي السلفيين
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|