كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 12:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الجديدة تشتد الحملة الانتخابية لكسب الأصوات وتبدأ الأصوات النشاز للقوائم التي تعبر عن الذهنية الطائفية السياسية المقيتة والتمييز الطائفي بين أبناء الشعب العراقي على أساس الدين والمذهب بالتفاقم, إضافة إلى التمييز الفكري ضد قوائم المدنيين الديمقراطيين واللبراليين والعلمانيين. وأغلب هؤلاء الناس الذين رشحوا في القوائم القائمة على أساس ديني وطائفي سياسي يمارسون دعاية تحريضية متباينة وفق المواقع والمدن التي هم فيها. فمن كان في مناطق وجود المسيحيين, بشر ضد المسيحيين وضد الدين المسيحي وأتباعه, ومن كان في مناطق وجود الصابئة, انطلقت الحناجر المسيئة للوحدة الوطنية تبشر ضد الدين الصابئي المندائي وأتباعه, ومن كان في مناطق أكثرية شيعية ووجود أقلية سنية, ارتفعت عقيرة الطائفيين السياسيين ضد أتباع المذهب السني وتوالت الإساءات ضدهم, حتى وصل الأمر بعدد من شيوخ وأتباع العشائر العراقية يطالبون بطرد طلبة الكليات السنية في المدينة من المدينة أو السكان السنة فيها إلى خارج السماوة, وكأن العراق وقفً شيعي تابع لأتباع المذهب الشيعي وحدهم لا غير. وفي المناطق التي توجد فيها أكثرية سنة, انبرت أصوات البعض منهم بالإساءة للشيعة وتهديدهم بالويل والثبور والتهجير بأساليب شتى عن تلك المناطق, وهي ترى أن العراق وكأنه وقف سني عائد أتباع المذهب السني وحدهم لا غير. وفي العراق كله يتصدر التكفيريون الجدد من أتباع وأعضاء عصابات بن لادن والظواهري والزرقاوي وجند الإسلام وجيش محمد وغيرهم بتهديد كل الناس شيعة وسنة بالقتل إن هم شاركوا في الانتخابات, بل هم يقتلون الناس لا على التعيين أيضاً, كما حصل في الآونة الأخيرة, رغم أن أتباع المذهب الشيعي حالياً هم المستهدفون من هذه الجماعات المارقة والجاهلة, في حين سيأتي دور أتباع ورجال دين المذهب السني على أيدي نفس هذه الجماعات أيضاً, أو أنه بدأ حقاً.
إننا أمام محنة مسيئة لكل العراقيات والعراقيين, محنة الطائفية السياسية والتمييز الطائفي اللعين الذي يمزق وحدة النسيج العراقي ويثير الصراع والنزاع بين أبناء الدولة الواحدة. والقوائم الكبيرة التي دخلت الانتخابات على أساس مذهبي صارخ, كما هو حال قائمة الائتلاف العراق الموحد وبعض القوائم الشيعية الأخرى التي تدخل على أساس مذهبي لا غير, وتلك القوائم التي تؤيدها هيئة علماء المسلمين السنة أو أهل العراق أو غيرها, تشكل في واقع الحال تقسيماً سيئاً وظالماً للشعب العراقي على أسس غير مقبولة في إطار مبادئ الحرية الفردية التي يحق فيها للإنسان, امرأة كانت أم كان رجلاً, أن يؤمن بما يشاء ولا فرق بين الناس على أساس الدين أو المذهب أو الفكر فهو إنسان في كل الأحوال وله حقوق متساوية وواجبات متساوية, ولا يجوز استخدام الدين أو المذهب للتمييز بين الناس, فالدين للفرد والوطن للجميع. والطائفية السياسية مرفوضة في إطار مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وكل الشرائع السماوية التي استندت وبعثت بأديان مختلفة يحق للإنسان أن يؤمن بها كما يشاء دون تدخل أو تمييز من أحد.
إن السيدات والسادة في قائمة الائتلاف العراقي الموحد ذات الذهنية الطائفية بذلت الكثير لاستدراج شخصيات دينية في الداخل والخارج للترويج لها وإصدار القرارات, كما حصل من رجال الدين الشيعة في الولايات المتحدة أن أصدروا بياناً موقعاً منهم يدعوا الشيعة في كل مكان للتصويت إلى قائمة معينة والابتعاد عن القوائم الديمقراطية والعلمانية مستندين في ذلك إلى توصية وصلتهم من مكتب السيد السيستاني, كما ورد في بيانهم المشار إليه.
إن المواطنة الحقيقية السليمة لا تقوم على أساس ديني أو مذهبي وطائفي سياسي, بل على أساس الحقوق المشروعة والمتساوية للجميع. ولهذا أدعو المواطنات والمواطنين في جميع أرجاء العراق أن ينتبهوا إلى المطب الذي يراد إيقاعهم به من خلال الادعاء بأن السيد السيستاني يؤيد هذه القائمة دون غيرها ثم لا يصدر أي تكذيب رسمي أو يجري تغيب التكذيب إن صدر ولا يسمع به إلا قلة, حيث تستمر القائمة المشكلة على أساس طائفي سياسي التبشير بما هو قائم أصلاً ومطلوب من بعض مكاتب السيد السيستاني المتحالفة مع هذه القائمة, ويستندون في ذلك إلى تأييده لهذه القائمة في الانتخابات السابقة.
إن من أخطر العلل الاجتماعية التي يواجهها العراق والتي مارستها أغلب حكومات العراق على امتداد عقود وقادت إلى الوضع الذي نحن فيه الآن, وخاصة حكومة الدكتاتور صدام حسين, هي الطائفية السياسية أو الاستناد إلى الدين والمذهب والفكر في التمييز بين الناس. ويُستكمل هذا بممارسة الفساد الوظيفي بكل معانيه من أجل كسب الناس إلى هذه القائمة أو تلك على أساس شراء الأصوات والدفع للناس الفقراء والمحرومين, في حين أن نشاط دافعي الرشاوى يصب في غير صالح الناس الفقراء والمحرومين, يصب في إملاء جيوب دافعي الرشاوى من السحت الحرام أضعاف وأضعاف ما دفعوه من رشاوى للناس. إن من يدفع الرشوة يقبل بها من غيره أيضاً, ومن يدفع الرشوة فهو فاسد ومفسد, ومن يدفع الرشوة لا يمتلك أمانة الدفاع عن حقوق المواطن, حقوق الشعب في نفطه وثرواته وحاجاته ومصالحه. من يدفع الرشوة يسرقها من خزينة الدولة أو الشعب لاحقاً, أو أنه كان قد سرقها أصلاً, فهل نشجعه على ذلك ونمنحه صوتنا. لا يمكن إصلاح العراق إن قبلنا بانتخاب من يرشنا أو يحاول رشوتنا. هذه قاعدة عامة يفترض أن لا ننساها. إن علينا رفض هؤلاء وكشف ممارساتهم لكي لا يصلوا إلى قبة المجلس النيابي الذي يفترض أن يمثل الشعب, كل الشعب.
إن التجربة التي تعيشها إيران تؤكد بما لا يقبل الشك بأن قائمة الائتلاف العراقي الموحد لا تسعى إلا إلى إقامة نظام سياسي ديني مذهبي في العراق مماثل لما هو موجود في إيران, وسيكون أسوأ من ذلك بكثير بسبب النشاط السياسي والعسكري الذي تمارسه بعض قوى الإسلام السياسي السنية التي تريد إقامة نظام سياسي ديني ومذهبي مغاير لما يريده الشيعة. وهنا تبرز المصيبة الكبرى في العراق, صراع المذاهب. ولا يتم هذا الصراع بين المذاهب ذاتها, إذ أنها أفكار واجتهاد لا غير, بل بين أتباع هذه المذاهب وما ينجم عن ذلك من خراب ودمار وموت لهؤلاء الأتباع من مختلف الأطراف. وظاهرة السماوة التي يحتج عليها طلبة الكليات بحق وعدل هي المشكلة التي ستواجهنا في العراق إن تم تنفيذ ما يسعى إليه السيد عبد العزيز الحكيم أو السيد الدكتور إبراهيم الجعفري أو السيد مقتدى الصدر. وليست ظاهرة السماوة وحدها, بل نعيش ما يماثل ذلك في مناطق أخرى أغلبية سكانها من أهل السنة الذين يسعون إلى طرد الشيعة من مناطق سكناهم في العراق.
إن على الإنسان أن يختار القائمة التي ترفض الاستناد إلى المذهبية السياسية والتمييز الديني والمذهبي, القائمة التي ترفض الفساد الوظيفي, المالي والإداري, وتحاسب عليه وتصدر القوانين اللازمة بمكافحة الفساد والمحسوبية والمنسوبية والتعيين على أسس حزبية وسياسية وليس على أساس الكفاءة. إننا أمام مرحلة جديدة في العراق وهي التي ستؤسس اللبنة الأساسية لمستقبل العراق الجديد, المستقبل الديمقراطي الحر والاتحادي.
كان على مكونات قائمة الائتلاف العراق الموحد أن ترفض الاقتصار على مرشحين شيعة في قائمتها, بل أن تشرك جميع أطياف الشعب العراقي من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية. ولكنها غير قادرة على ذلك لأنها حبيسة المذهب والطائفية السياسية لا غير, وهي المشكلة التي أتمنى أن يدرك الإنسان العراقي أنها المشكلة الأكثر إساءة لوحدة البلاد والشعب. ولا يختلف عن هذه القائمة تلك الأطراف السنية التي تمارس ذات النهج البائس.
لنعطي صوتنا إلى من يمثل مستقبل الشعب, إلى القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية. لنعبئ الناس حول القائمة العرقية الوطنية, القائمة رقم 731 رغم التباين الموجود في أطرافها, إذ من الصعب أن نتفق على جميع الأفراد فيها, ولكن يفترض أن نتفق على الأسس التي طرحتها والبرامج الذي التزمته في الانتخابات. والقوائم الانتخابية التي تمثل ائتلافاً واسعاً لا يمكن إلا أن تضم مختلفين في الفكر أو في السياسة, ولكن الجميع يتفقون على قواسم مشتركة في ما بينهم تكون الصيغة الهادية للجميع.
لو كانت القائمة تضم ظرفاً واحداً لما منحتها صوتي, ولكنها ولكونها تضم قوى عديدة اتفقت على أن تشكل تحالفاً يتصدى للمذهبية السياسية والتمييز الطائفي السياسي ويتصدى للتكفيريين والإرهابيين والبعثيين الصداميين الملطخة أيديهم بدماء الشعب العراقي الذين ما زالوا يرفعون راية الدكتاتورية والقمع والتعسف والعجرفة, راية الحرب والموت والعنصرية والشوفينية والطائفية المقيتة.
إننا أمام معركة أساسية بين أولئك الذين يريدون إقامة حكومة إسلامية سياسية مذهبية, سواء أكانت شيعية أم سنية, وبين القوائم التي ترفض اعتماد المذهب أو الدين في الحكم أصلاً, بين قوائم شيعية وسنية من جهة, وبين قوائم ديمقراطية مثل قائمة الوطنية الديمقراطية 731 وقائمة التحالف الكردستاني 730, إذ أن حصول أكثرية لهاتين القائمتين سيعني إلى حدود غير قليلة اختيار مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مع ضرورة تشديد الرقابة الشعبية على سياسات وسلوك ممثلي هاتين القائمتين, إذ أن الثقة بهم مطلوبة وجيدة, ولكن تبقى الرقابة على ممثلي الشعب أجود بكثير وضرورية أيضاً. إن حصول قائمة 731 على نسبة عالية من الأصوات وعلى عدد أكبر من الممثلين سيسهل التحالف مع قائمة التحالف الكردستاني 730 على مستوى العراق كله لضمان وصول القائمتين إلى السلطة من أجل تنفيذ برنامج مشترك لإقامة عراق ديمقراطي اتحادي حر ومزدهر ينهي الإرهاب الدموي ويستعيد سيادة واستقلال البلاد ويعمل من أجل تقليص وإلغاء البطالة الراهنة التي تصل إلى حدود 60 % من إجمالي القوى القادرة على العمل. لقد برهنت الأحداث بأن حكومة تستند إلى تحالف مع قوى إسلامية سياسية مذهبية كقائمة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية برئاسة الجعفري أو من يماثله, لن توصل البلاد إلى شاطئ السلام ولن تحارب الفساد والإرهاب كما ينبغي لأن سياسات الائتلاف تتضمن تأجيج الطائفية السياسية لأنها تستند إليها وتقوم عليها. وهي المشكلة التي ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية بسياساتها السيئة تكريسها في العراق, والشعب العراقي هو الذي يعاني منها.
إذن لندخل الانتخابات بثقة في أننا لن نكون سبباً, عبر صوتنا, في اختيار من يمزق العراق على أسس دينية ومذهبية سياسية, بل نعطي أصواتنا لمن يمكن أن يمثل الوحدة الوطنية المنشودة والحرية والديمقراطية, علينا أن لا نصوت لمن يريد أن يفوز فوزاً ساحقاً, كما أعلنها السيد عبد العزيز في أعقاب ظهور النتائج لانتخابات الجمعية الوطنية المؤقتة الأخيرة ويسحق الجميع. إن تجربة إيران تذكرنا بالسحق المحتمل, إذ ما تزال السجون الإيرانية, وما تزال أحداث وزارة الداخلية طرية في أذهان العراقيات والعراقيين, عرباً كانوا أم كرداً, أم تركماناً أم كلداناً آشوريينً, أم من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية, الذين يحملون فكراً حراً وديمقراطياً مدافعاً عن حقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية. من يدافع عن الشهداء وعوائلهم وعن المهجرين وحقوقهم المغتصبة, من يتصدى لمكافحة البطالة وينهي حالة التهميش الاقتصادي والاجتماعي التي يعاني منها أكثر من تسع ملايين إنسان في العراق, الذين يعيشون تحت خطر الفقر المعروف دولياً. أدرك بأن الوصول إلى هذه الأهداف لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها, بل يفترض أن يكون التوجه الصارم والحازم نحوها لمعالجتها, وليس إلى إملاء الجيوب والعباءات بمزيد من الأموال من السحت الحرام على حساب عملية التنمية. إن السنة الراهنة تميزت أكثر من السنتين السابقتين بالفساد الوظيفي ونهب أموال الدولة, وهذا ما يكرسه تقرير منظمة الشفافية الدولية التي أصبح موقع العراق فيها 137 من مجموع 158 دولة, أي أنه واحداً من أكثر وأشد المواقع فساداً وظيفيا, إدارياً ومالياً, في العالم . ورغم الادعاء بمكافحة الفساد فقد ارتفع حجم الأموال المسروقة والنفط المنهوب عبر منظمات وقوى سياسية مختلفة وعصابات الجريمة المنظمة في جميع أنحاء العراق, وخاصة في جنوب العراق, حيث تسيطر قوى افسلام السياسي الشيعية على الحكم بشكل تام.
لنذهب إلى صناديق الاقتراع في اليوم الخامس عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر 2005 ولنصوت وفق ما يقرره العقل والضمير, وفق ما يحتاجه المجتمع في مرحلته الراهنة, وفق ما هو مناسب للعراق الاتحادي الديمقراطي المنشود.
9/12/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟