ترجمة: جاسم بوشهري
فاجأ النظام الرأسمالى الكثير من المحللين بصموده ومقاومته فى وجه الأزمات الحالية ولكن لكى يستمر فى تقد يم الخدمات نفسها يحتاج الى ترميم وإعادة صيانة.
الرأسمالية تواجه أوقات صعبة, لكن ليست بصعوبة سنة 1917 عندما إنطلق ثوار سانتبطرسبورج ودشنوا شكل جديد مخالف للرأسمالية والتى إنتهت منذ عقد من الزمان فى ماعدا كوبا وكوريا الشمالية, وإذا حالفنا الحظ أيضا عندما إنهار سوق أسهم السندات فى نيويورك عام 1929 دافعا العالم إلى ركود إقتصادى عميق. ولكن رهانا لا يعلم أحد علم اليقين ما إذا كان الاقتصاد العالمى يتجه إلى الركود أم لا غير أن من الممكن أن نتذ كر سنة 2001 بانها سنة تحول من بعد عقدين من النهوض المستمر للرأسمالية إى وضع غامض وغير مضمون العواقب.
حيث لم يتراجع سوق الاسهم والسندات الامريكية منذ إزدهارها سنة 1982 إلى سنة 2001.
التى أصبح فيها العالم أقل ثراء. الثراء العالمى الممكن تسويقه يعادل جميع أصول الاسهم والسندات المتداولة فى الاسواق المالية والتى هبطت بنسبة 4% العام المنصرم حسب دراسة مقدمة من مجموعة بوسطن للاستشارات.
فقد هبط عدد الذين يملكون أكثر من 250.000 دولار من الثروة المتداولة من 39 مليون إلى 37 مليون. فمن كان يؤمن بان الثروة ستزداد و الاغنياء سيزدادون غنى قد أخطؤا.
السقوط المفاجأ لشركة إنرون من شركة طاقة إلى شركة تمويل إلى شركة غش. قد هز الثقة من نوع آخر فى الكيان ونزاهة الشركات الامريكية وفى المثال الرأسمالي المثالى لوول ستريت الرأسمالية والتى كانت تسوق نفسها للمستثمرين فى العالم أجمع. غير أن مشكلة إنهيار شركات الانترنت موضوع يختلف. فى كون الشركات المربحة على الورق لم تكن كذالك في الواقع. جاذبية الشركات الامريكية للمستثمرين كانت مبنية على أن الشركات أصبحت أكثر إنتاجية وربحية, ولكن بعد حادثة إنرون يتسائل المستثمرين عن حسابات تلك الشركات الامريكية وحتى العتيدة منها مثل جنرال الكترك والمجموعة الامريكية الدولية (AIG) وكذلك غير الامريكية. ونظرا إلى أن الاقتصاد الامريكى هو المحرك للاقتصاد العالمي ويحتذى بشركاتها كمثال للجودة فلذا الموضوع مقلق.
إذا ما كانت الشكوك في مزاعم الثورة الانتاجية والربحية أثبتت صحتها فان التراكمات المبنية على ذلك تكون ضخمة. فقد تراكمت ديون ضخمة على الشركات والافراد سواسية بناءا على التفاؤل العام للشركات الامريكية و إنعكاسها في الزيادة المستمرة لقيمة أسهم تلك الشركات.
تدفقت سيول من الرساميل الاجنبية إلى أمريكا لنفس السبب مما أتاح للولايات المتحدة الامريكية أن تمول النقص القصير الامد في ميزانيتها وفي نفس الوقت الحفاظ على قيمة الدولار القوي.
لو إنعكست هذه الاوضاع, فان الاقتصاد الامريكي سيتأثر كثيرا والنموذج الرأسمالي الامريكي سيفقد جاذبيته بالنسبة للدول الاخرى.
كثير من دول العالم تشكك في النموذج الامريكي, فالمشكلة الارجنتينية ضربت حتمية إزدهار النموذج الرأسمالي. حتى أن دول غنية كاليابان تتردد في إستخدام النموذج الامريكي في التخلص من الديون المعدومة من دفاتر البنوك. وبدرجة أقل فان أوروبا الرأسمالية مترددة أيضا. ولا يمكن
إتخاذ التطور الرأسمالي الامريكي نموذجا في كثير من دول آسيا وأمريكا الاتينية ودول الاتحاد السوفيتي السابق كما لم يكن أبدا طريقا جديا يحتذى به في معظم دول أفرقيا والعالم العربي.
أكبر هزه في العام السابق هي الهجوم الارهابي في 11 سبتمبر, وإستطاع النظام المالي أن يصمد
في وجهها جيدا وإستطاع الاقتصاد الامريكي والعالمي أن ينهض بقوت أكبر من أن يتخيله أحد, ولكن في نفس الوقت أثبت الهجوم أنه حتى في أكثر الاماكن المتأصلة بالرأسمالية عرضة لهجوم من يكرهونها ولا يمكن لأي قدر من النجاح في الحرب الحالية ضد الارهاب.
هناك مدرستان فكريتان للتنبؤ بمستقبل الاقتصاد العالمي للرأسمالية. المدرسة المتفائلة ويمثل بحيوان الثور أو بأسواق الثور وهي تقول بأن النظام الرأسمالي للسنة المنصرمة وبالذات في أمريكا تبشر بالخير للمستقبل وأن الانفجار البالوني لأسواق المال وإنهيار الشركات الكبرى تحت طائلة الغش موضع يسبب القلق ولكن لأمريكا تاريخ طويل إستفادت فيه من أخطائها وإندفاعاتها لتطور نموذجها الخاص لاقتصادها وقوانينها وذلك منذ القرن التاسع عشر عندما شرعت قوانين كسر إحتكار بارونات المطاط ولاحقا قوانين حماية المستثمرين بعد إنهيار الاقتصاد العالمي سنة
1929
فلايمنعها أن تفعل الشئ نفسه لما حدث وتنهض بالاقتصاد بعبر جديدة, فالسنتور جون كورزين والذي كان يرأس شركة جولدمن ساش سابقا يلخص فرضية المتفائلين كالتالي "في خلاصة كل سوق أوراق مالية متفائلة يوجد عناصر تطرف يتم غسلها من النظام أو يتم تطوير النظام, ولكن الحقيقة هي أننا نخرج من أضحل كساد في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية وأن النظرة المستقبلية جيدة".
إن صمود النظام المالي قد فاجأ القائمين على تنظيم ومراقبة الاقتصاد العالمي على ضفتي المحيط الاطلسي, حيث قال أحدهم "إذا كنت قد قلت لي في 11 سبتمبر إننا سنواجه الارهاب وقضية شركة إنرون وموضوع الارجنتين فانني كنت سأتوقع على الاقل إنهيار إحدى المؤسسات المالية أو صعوبات إقتصادية". ولكن ما حدث هو إنهيار بعض المؤسسات المالية على أطراف النظام المالي وبعض البنوك في الارجنين وبعض شركات التأمين ذات مشاكل مالية سابقة.
أما المدرسة المتشائمة ويمثل بحيوان الدب فتفاجئت بجلد وصمود النظام الاقتصادي ولكنهم يرون بالونا ماليا كبيرا يخشون أن ينفجر ويجر الاقتصاد الامريكي الى كساد مشابه لما حدث في الثلاثين من القرن السابق أو على الاقل كما حدث في العقد الماضي في اليابان. وأن التهديد بأعمال إرهابية أخرى والحرب الدائرة في الشرق الاوسط مع إنعكاساتها على سعر النفط وأيضا الحرب التجارية عبر الاطلسي الامر الذي يذكرنا بسوابق أشباح سنوات الثلاثينات. فهذه الامور جميعها خيمت أكثر على الكرة البلورية التي يقرأ منها المستقبل, ومع عدم قدرة الارجنتين على دفع ديونها المستحقة فان المتشائمين يشعرون بان العولمة على قمتها والانحدار قادم.
إن إنحدار قيمة أسهم شركات التقنية لم يرافقه إنحدار كبير لاسهم الشركات الاخرى كما وضح روبرت شنز في كتابه "الانفعال غير المنطقي" الانهيار أو الانفجار البالوني يستغرق وقتا أكثر للشعور بتأثيرها الكامل على الوضع الاقتصادي.
تبع إنهيار سوق الاسهم في وول إستريت في 1929 صعود ونزول متكرر قبل أن ينحدر بعد سنتين وأفرز الكساد الاقتصادي الكببير.
رئيس الخزانة الفدرالية ألن جرين سبان الذي إخترع مصطلح "الانفعال غير المنطقي" يستمر في نفخ الهواء بداخل بالونة من صنع برنامجه النقدي الفضفاض ولن يستطيع الاستمرار بهذه السياسة الى ما لانهاية بسبب عدم إستطاعته تخفيض نسبة الارباح على السندات الامريكية إلى مالانهاية.
لا سيناريو المتشائمين ولا سيناريو المتفائلين حتمية, هناك خيارات مهمة يجب أن تتخذ في أمريكا أو في بلدان أخرى تتأثر بنتائج هذه الخيارات. هل يجب وضع قوانين جديدة للجم سؤ الاستفادة من قبل بنوك الاستثمار؟
هل يمكن جعل المعلومات المقدمة من مدققي حسابات الشركات أكثر وضوحا وسهولة في الفهم؟
هل يمكن جعل مصالح مدراء الشركات تصب في إتجاه مصالح المستثمرين في أسهم الشركات؟
هل يمكن للرأسمالية أن تضرب جذورها في العالم الثالث؟
الاجابة على جميع ذلك بنعم إلى حد ما, ولكن ما يتطلب عمله لانجاز تلك النتيجة ليس سهلا, وأحد أكبر العقبات هي الارادة للتغيير وخصوصا إذا إستمر الاقتصاد العالمي في التعافي.
هناك علامات تراجع في الكونجرس الامريكي من برامج رادكالية للتغيير في حين أن بعضها لاتشكل أية خسارة.
كما كتب أندريا شليفر من جامعة هارفرد وغيره في مقالاتهم مما لايرغب به سوق وول ستريت "فمقارنة الارباح التي تحققها من أسعار السندات المرتفعة مقابل الخسائر في إنفجار البالونات لاتذكر".
إن قوى السوق كفيلة بمعالجة بعض هذه المشاكل وهي تعاقب الشركات التي تنحى بمنحنى شركة إنرون ولكن هذه ليست كافية.
بيل جروس من شركة PIMCO وهي شركة Bond Found ضخمة غير منزعج من إنعكاسات السوق فهو يقول "إن خوفي من هذه الاحترازات والشكوك الوليدة للمستثمرين, المدينين, ومستثمري السندات ستزول كما زالت غيرها من الاحترازات في المسيرة الرأسمالية.
نقل بتصرف عن مجلة الايكونومست البريطانية