أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سمكة وحصان ... وسجني














المزيد.....

سمكة وحصان ... وسجني


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5184 - 2016 / 6 / 5 - 16:13
المحور: المجتمع المدني
    


(هل تعرفون مستشفى "بروك"؟)

هل يُكلّفني إشفاقي على الحيوانات ثلاث سنوات من عمري؟ أقولها مبتسمة. وماذا لو كنتُ لا أشفق على حيوان ولا طير ولا إنسان، وكان قلبي فظًّا غليظًا؟ هل كنتُ أُكافأ؟ ربما!
أحبُّ البحر، ولا أحبُّ الصيد. وإن اضطُررتُ أن أشارك الأصدقاء تلك الهواية، أصطاد السمكة، أداعبُها برهةً، ثم ألقيها للماء من جديد لتعود إلى أطفالها وأسرتها. أما "كارلا"، فهو اسمُ سمكةٍ بريطانية تعيش في "أكواريوم لندن" منذ عشر سنوات. خضعتْ كارلا لعملية جراحية دقيقة في المَعِدة لإنقاذ حياتها. وضع الجراحون الإنجليز السمكةَ، ذات ال 25 سم طولا، على طاولة جراحة خاصة، لتعمل أصابعُ الجرّاح البيطريّ سيو ثورنتون، مع طاقم مساعديه، في الجسد الضئيل، بعد تخديرها وإدخال أنبوب في فمها يضخُّ المياه في خياشيمها كي تتنفس، ثم أجريت تلك الجراحةُ الاستثنائية، التي تحملُ في عمقها عديدَ الرسائل الوجودية الكبرى. بعدها، وضِعَت السمكةُ تحت المراقبة فترة من الوقت، إلى أن تعافت تمامًا، لتعودَ إلى لجّة الماء تلهو فرحةً بصحتها، وبحبّ البشر لها وحنوّهم عليها!
خبرٌ طيّرته وكالاتُ الأنباء، جعلني أستعيدُ بذاكرتي رحلةً قمتُ بها لمدينة "الأقصر" أثناء مشاركتي في مؤتمر "طيبة" الدولي. ركبتُ الحنطور، وتجاذبتُ خيوطَ الحديث مع حسين، سائق الحنطور. سألته عن اسم الحصان الذي يجرُّ عربتنا، فقال: "شَجِيّ". فرحتُ بثقافة السائس الذي بدا لي أُميًّا، إذْ يمنح حِصانَه هذا الاسمَ البليغ! سألته: هل صوتُه جميلٌ وحزين فأسميتَه: "شجيّ"، من الشَّجو؟ فنظر إلى الوراء حيث أجلسُ، ومنحني نظرةَ من تلك التي نمنحُها للأغبياء، وقال: "شجي يعني شجيان، عشان من صباحية ربنا يشجى حتى المساء!" كنتُ قد نسيت أن لهجة الجنوبيين في صعيد مصر تحوِّلُ حرفَ "القاف" جيمًا. كان يقصد أن حصانه "يشقى"، فوهبه اسم "شقيّ"!
وحين أخبركم أن ثمة مستشفى بمصر، منذ العام 1934، متخصصٌ في علاج الحيوانات "الشقيانة"، سوف تقولون إن مصر بلدٌ متحضّر، يعرفُ مواطنوه كيف يعاملون تلك الكائنات التي تتألم في صمت، وتبكي في صمت، ثم تموتُ وادعةً في صمت، دون شكوى! فهل هذا هو الحال؟
المستشفى اسمه بروك"، نسبه إلى "بروك دورثي"، زوجة أحد جنرالات الجيش الإنجليزي. لم تحتمل السيدةُ مرأى خيول الحرب المريضة، يتمُّ تشغيلها في أعمال شاقة، بعد فصلها من الجيش لسوء حالتها الصحية. فاستعانت بزوجها لجمع التبرعات. ثم اشترت خمسة آلاف فَرَس مريض، أخضعتهم للعلاج في إسطبلات مخصصة، تلك التي توسعّت فيما بعد لتغدو أولَ مستشفى بمصر يقوم بعلاج الحيوانات العاملة. يضمُّ المشفى، شأنه شأن كل المشافي البشرية، عيادةً خارجية لعلاج الحالات البسيطة، وقسمًا داخليًّا يضمُّ عشرين "بوكسًا" Boxes لإقامة الحالات طويلة الأمد، عدا غرفة للعناية المركّزة للحالات الحرجة. لكن الأهم، برأيي، هو تلك النصائح التي يوجهها الأطباء لأصحاب تلك الحيوانات، من ضرورة تنظيفها والعناية بها وإطعامها غذاء صحيًّا وماء نقيًّا، ثم شيء من الرفق بها!
ومن المشاهد المألوفة على بوابة المستشفى: رجلٌ مصدومٌ صامت، وامرأةٌ تنتحب وتلطم الوجه، لأن "الفرس" خاصتهما نَفَقَ بعدما فشل الأطباءُ في إنقاذ حياته! لكن حزنهما في واقع الحال ليس حُنوًّا ورأفةً، إنما بكاء على ضياع "رأس مال" كان يضمن لهما ولأولادهما لقمة العيش. حزنٌ لا يشبه حزن البريطانيين على السمكة كارلا، التي أجريت لها جراحة دقيقة لاستعادة حياتها، ولا يشبه حزن الأوروبيين على كلابهم وقططهم وسناجبهم، بل وثعابينهم وفئرانهم، وعداها من الحيوانات الأليفة، والشرسة، التي يربيها الغرب، من باب تأمل كائنات لا تشبهنا، بقدر ما تشبهنا، ومن باب التعلّم منها، وفي الأساس من باب الرحمة بكائنات قُدِّر لها ألا تشكو، وإن شَكَتْ لا يُنصتُ الإنسانُ "الشرسُ"، لشكواها.
يقول العمّ محمد، أحد عمّال المستشفى: "الخيول تضحك وتمازح بعضُها البعضَ مثلما البشر!" وأقول: صدقتَ أيها العمّ، لكن أصحابها يعاملونها كأنما هي جوامدُ لا تشعرُ ولا تتألم ولا تمرض، بل لا يحقُّ لها أن تموت، وإن جُوّعِت وعُذِّبَت بالسياط، وحُمِّلَت فوق ما تطيق الجبالُ من أثقال!
هنا، في بلادي، يضربون الخيولَ والحميرَ بالسياط الغليظة، وحينما تنفقُ، يزرفون عليها الدمع السخين!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
- الضعيف والمُستضعَف
- جلباب سعاد وأُذُن أيمن
- حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
- في الغُربة... الجول باثنين
- كيف وأدت الإماراتُ أخطبوط الطائفية؟
- صباح الخير يا مايسترو
- من فوق غيمة
- سيبيهم يحلموا يا طنط عفاف
- جمال السويدي يحذّر من السراب
- عينُ الطائر... والزّمارُ البدين
- مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا
- بناءُ الإنسان في الإمارات
- اليماماتُ مذعورةٌ في بلادي!
- قراءة في كتاب -دفتر العمر-
- تحت شرفة عبد الوهاب … كَم تُرتكب من جرائم!
- السير يعقوب وليلى ابنة الفقراء
- الإمارات تكسر شرانقهم |الأسبوع العالمي للتوّحد


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
- أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
- معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية ...
- البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني ...
- الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات ...
- الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن ...
- وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ ...
- قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟ ...
- أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - سمكة وحصان ... وسجني