الأحزاب وقانون الأحزاب (الجزء الثالث والأخير )
دراسة نظرية
www.Rahakmedia.com
(الأحزاب تعبير عن ماهية وطبيعة الصراع في التركيب الأجتماعي للبلد )
ولكنها لاتستند على قاعدة الصراع الطبقي فقط وأنما أيضا على أساس المنطلقات التاريخية للكفاح من أجل السيادة والتحرر من الأستعمار أو من منطلقات المتضادات بين الكنيسة والدولة في الغرب (الأسلام السياسي ضد الدولة العلمانية أو العكس الحركات العلمانية ضد الدولة الأسلامية ) أو الأقلية المضطهدة ضد الدولة المستبدة والمعادية لحرية الأديان وغيرها من الصراعات الحزبية والتي على أساسها تبنى النظم الحزبية التي تتلائم والمرحلة التاريخية التي تمر بها .
ونستطيع تقسيم النظم الحزبية الى ثلاثة أقسام أساسية :
1. النظام الحزبي التحرري
2. النظام الحزبي الطبقي
3. النظام الحزبي الديمقراطي (المواجه للديكتاتورية والفاشية )
1- النظام الحزبي التحرري وينشأ تاريخيا في مواجهة الأستعمار الأجنبي أو في خضم الصراع من أجل الحقوق القومية أو الدينية أو الصراع من أجل حقوق الأقلية المُضطهدة . وهذه النظم تكون على الغالب مؤقتة بحدود الأهداف التي يصبو اليها الحزب أو تتحول الى أحزاب طبقية إستنادا الى نظرية إقتصادية – قلسفية واضحة المعالم لأن متطلبات التطور الأقتصادي في المجتمع أيا كان حجمه يتطلب مثل هذا الموقف الطبقي .
2- النظام الحزبي الطبقي هو الأكثر تعبيرا عن تمثيل الصراع داخل المجتمع . وهذه الأحزاب أكثر بقاءاً مع بقاء أسباب وجوده وهو صراع الطبقات والنمو الأقتصادي و الفرز الطبقي المرادف له . ويكتسب الحيوية في مجاراة التنوع الذي يستوجبه التطور الأقتصادي وتعدد مجالاته الجغرافية والبشرية وأسسه المالية . وتتغير برامجه بتغير الضروف الموضوعية لتطور المجتمع . وأن الشرط الضلروري لأستمراره يكمن في الأستقرار السياسي والأقتصادي في المجتمع .
3- النظام الحزبي في مرحلة النضال الديمقراطي وهو نظام الأحزاب التي التي تنشأ كردود فعل للديكتاتورية والفاشية وهي بطبيعة مكوناتها قريبة الشبه بالتحررية وتشترك معها الأحزاب الطبقية بدرجات متفاوتة , الأحزاب القومية لأجل المنافسة على ديكتاتوريتهم لا من أجل الديمقراطية الحقيقية فالفاشية وكما هو معروف ملازم للقومية الشوفينية , الأحزاب الدينية حيث إن الديكتاتورية الفاشية كنظام صدام حسين هي بطبيعتها الأعنف في معاداة السلام والحرية والعدالة التي تنشدها الأحزاب الدينية , الضباط , المتنفذين في دوائر الدولة والهاربين من الديكتاتورية والحرب , الأنتهازيين في مرحلة ما قبل سقوط الديكتاتورية حيث إستنفذوا مصالحهم معها ويريدون إستكمالها مع الحركة المناهضة لها , المثقفين , الأدباء , الفنانين , الصحفيين الباحثين عن حرية التعبير والرأي ..وغيرها كما نراه اليوم في ساحة المعارضة العراقية الديمقراطية .
إن ما يميز هذه المرحلة هي حالة التشرذم وعدم الأستقرار التي تصيب جميع النظم الداخلية للأحزاب والقلق الذي يصاحب الوضوح للرؤية المستقبلبة لهذه الأحزاب وتناقض المصالح بالنسبة للعديد من المعارضين للديكتاتورية والذين يعتبرون الرافد الأساسي لهذه الأحزاب بسبب الأبتعاد التنظيمي عن الجماهير صاحبة المصلحة الأساسية في النضال الديمقراطي . وبودي هنا أن أطمأن المناضلين الحقيقيين من أجل الديمقراطية بأن هذا التشرذم وعدم الأستقرار هو حالة مؤقتة تزول بزوال الديكتاتورية وممكن زواله قبل زوال الديكتاتورية عن طريق خلق تحالفات شاملة أو محدودة وعلى أساس الحد الأدنى من الأتفاقات . وهذا يستلزم تفعيل الديمقراطية الداخلية وتحديد الحليف المناسب في الوقت المناسب ..ومن سيكون القائد لهذا أو ذاك من التحالف ؟ إنه الديمقراطية الداخلية للجميع . وإعادة إصطفاف قوى المعارضة الديمقراطية .
إن مؤتمر لندن هو حالة صحية لتنقية المواقف في المعارضة العراقية لفرز الفئات اليمينية والنفعية والأنتهازية عن المعارضة الوطنية الديمقراطية الحقيقية بكل(التلاوين والطوائف المختلفة الأخرى ).
إن النظام الحزبي لمرحلة النضال من أجل الديمقراطية ليس كافيا لتثبيت أواصر الحزب السياسي , فعليه أن يضع صورة معينة عن برنامجه المستقبلي أقتصاديا وسياسيا ومعالجاته السياسية المستمرة للتطورات العالمية ومستجدات الوضع في العراق وموقفه لامن الديمقراطية كمفهوما قابلا للتأويل وأنما من العملية الديمقراطية برمتها والنظام السياسي الذي يحقق الديمقراطية .
إن النظام الحزبي لهذه المرحلة هو الأكثر خمولا وتهاويا لأ ن أغلب جماهير الأحزاب هي من الهاربين اللذين يستنجدون بأي قوة سياسية لأجل خلاصهم دون توفر القناعات السياسية العميقة والمناسبة لجعلهم قوة فاعلة تعيد للحزب عافيته وتمده بأسباب القوة .
ولأطرح هنا مقارنة بين قوتين معارضتين ويحملان السلاح بوجه الديكتاتورية أحدهما مكون من أعضاء وكوادر ومثقفين حملوا السلاح بوجه الديكتاتورية وأعتمدت الأرض العراقية مرتكزا للنضال المسلح وهي حركة الأنصار الشيوعيين في كردستان وعددهم لايتجاوز المئات وقوات بدر التي يتجاوز عددها العشرة آاتف كما تدعي بعض القوى السياسية ..لقد أعاد الأنصار الشيوعيين , هؤلاء المناضلين وبمواجهة لأصعب الظروف المعيشية والعسكرية واللوجستية وقدموا من الشهداء من خيرة المناضلين العراقيين العرب والأكراد والتركمان والآشوريين واليزيديين والصابئة الحياة للحزب الشيوعي العراقي الذي تعرض لضربات مميتة وأعادوا تنظيم الحزب وحيويته وديناميكيته ..إن هذه القوة السياسية هي الآن كالجمر تحت الرماد ستتوهج ثانية عندما تهب ريح التغيير المرتقب .
وقوات بدر العسكرية المؤلفة من آلاف الأسرى والهاربين والعساكر اللذين أجبروا على التطوع لأسباب معيشية أو أمنية وبعض القناعات وقد يعدون بالآلاف وسخروا كأداة تحت أمرة الجيش الأيراني ويفتقد للأرادة المبدأية في النضال السياسي
, ملي بالمشاكل والفضائح والأمتهان للحقوق الأنسانية . وهو لم يقدم شيئا سوى تبرير عملية الأرتزاق العسكري تحت راية إسلامية معارضة . فهو ليس تعبيرا عن إرادة شعبية في المقاومة , ولا يعتمد عليه في عملية البناء الحزبي لأي قوة معارضة
بل إن المباديء الوطنية تستدعي حل هذه القوات أو إلغاء تواجدها في أراضي دولة أجنبية وإعادة ترتيب فعاليتها في الساحة السياسية العراقية حسب مبدأ الطواعية وحرية الأختيار بالنسبة لطريقة المقاومة وحرية ووعي حامل السلاح .
التشرذم
التشرذم في المعارضة من خلال العدد الكبير من الحركات والأحزاب والمنظمات الحزبية لمرحلة النضال من أجل الديمقراطية واقع موضوعي ليس في عراق صدام حسين الديكتاتوري وحسب بل جميع الديكتاتوريات في العالم وهذا يفند الرأي القائل بأن العراقيين لا يصلحون للديمقراطية أو لا يفيدهم سوى قادة أقوياء ديكتاتوريين سواء كانوا روساء أحزاب أو قادة الدولة .
إن السحق الكامل للبنية الأقتصادية والأجتماعية للمجتمع العراقي في ضل الديكتاتورية شمل جميع طبقات المجتمع وفئاته الأجتماعية وأنعكس أيضا على المعارضة وما يحمله من التنوع الهائل في مزاجية هذه قواها ومصلحتهم الأقتصادية في إنتمائاتهم الجديدة وشعورهم وخاصة الحركات والأحزاب الصغيرة منها والأفراد بفقدان موقعها ومكانتها في كلا جانبي الصراع ( المعارضة والسلطة ) وفقدانها القدرة السياسية والخبرة إضافة الى ضعف النموذج الثوري وديناميكية إستراتيجيات وتكتيكات أحزاب المعارضة الأساسية مما دفعهم الى تأسيس تشكيلات سياسية صغيرة وهشة ويغلب عليها نفوذ الأفراد أكثر من نفوذ الجماعة وكذلك المحدودية الجغرافية لوجودهم في المنفى ( رغم إدعاء البعض بتواجده داخل الوطن ).
إن هذا التشتت والشرذمة في التنظيمات السياسية هي حالة موضوعية ولكنها حالة جديرة بالدراسة والتحليل لأيجاد المنفذ الملائم لتنظيم مجمل العملية الديمقراطية والتهيءللدخول الى المرحلة البرلمانية الجديدة إذ إن بقائها بهذا التفكك لمدة طويلة يضعف من مكانتها و قوة تأثيرها ويفقد المعارضة ركنا مهما من أركانها .
إن الحل يكمن في إعادة إصطفاف هذه القوى في تحالفات مشتركة بحسب رؤيتها وعلى مباديء الحد الأدنى في باديء الأمر وتشكيل قيادة مشتركة من مسؤولي هذه المجموعات وعليهم الأتفاق على صيغة برنامجية لهذه التحالفات .
إن هذه التحالفات لا تفقد الفرد مكانته لا في التنظيم ولا في المجتمع بل بالعكس تمنحه القوة والسمعة الحسنة في حالة توحد الروافد في تيار واحد قوي .
إن مؤتمر لندن هو الأصطفاف الأول لجانبين أساسيين من المعارضة العراقية وهو مدروس بعناية في دوائر السياسة المخابراتية البريطانية والأمريكية وعلى الجانب الثاني دراسة هذه الحالة بأكثر جدية لموجهة هذه المخططات بالأعتماد على الدعم الداخلي من التكوين الديمقراطي وبقليل من التنازلات الغير جوهرية .
إن التيارات الأساسية : اليساري الديمقراطي , التيار الأسلامي الديمقراطي , التيار القومي و كذلك التيار الوطني الديمقراطي المتمثل بالضباط الأحرار والعشائر والشخصيات الأجتماعية المستقلة .
إن توحيد هذه التيارات يستوجب تحالف كل تيار منفردا على حدة كخطوة أولى .
إن الدعوة الأخيرة التي وجهها التيار الديمقراطي العراقي بعقد مؤتمر باريس هي خطوة صحيحة وقد إتفقت معها تماما ولكنها بحاجة الى لقاءات ومؤتمرات صغيرة لتوحيد التيارات ذات الأتجاهات المشتركة أولا ضمن صيغ برنامجية تعتمد على أقل تقدير الحد الأدنى من الأتفاقات وهي شرط أساسي للدخول بأتفاقات الحد الأدنى أيضا مع بقية التيارات .
,اخيرا أود أن أنهي هذه الدراسة المتوضعة بدعوة جميع العراقيين وخصوصا المترجمين أو الملمين باللغات الأجنبية الى ترجمة نصوص مايسمى ب( قانون الأحزاب ) في البلدان الديمقراطية التي يقيمون فيها لأغناء طموح شعبنا الى دولة القانون وتساعد القوى الديمقراطية الحقيقية للأستفادة من تجارب الشعوب في تجاوز المعضلات المتعلقة بعلاقة الأحزاب مع الدولة ومؤسساتها وتحدد علاقة عضو الحزب بحزبه وتبيان حقوقه وواجباته وكيفية اقرار المبدأ الديمقراطي في الحياة الحزبية الداخلية .
إن هذه الترجمات ستغني العلم السياسي والقانوني وتقدم خدمة كبيرة لجميع الأحزاب الوطنية الديمقراطية .