أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - ثورة في فيزياء الجسيمات على النموذج المعياري















المزيد.....


ثورة في فيزياء الجسيمات على النموذج المعياري


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 5183 - 2016 / 6 / 4 - 20:27
المحور: الطب , والعلوم
    


ثورة في فيزياء الجسيمات على النموذج المعياري
مرت عقود طويلة دون أن يحدث أمر جوهري مزلزل في مجال الإنجازات العلمية والتكنولوجية المتعلقة بالفيزياء وعلم الكونيات ، وكان آخرها قد تمثل في اكتشاف بوزون هيغز وهو بمثابة الحلقة المفقودة والجزء الناقص من فيزياء الجسميات الأولية الدقيقة التي يتضمنها النموذج المعياري، والذي يفسر وجود الكتلة في بعض الجسيمات حيث تم اكتشافه رسمياً في عام 2012 في مصادم ومسرع الجسيمات العملاق LHC في مركز الدراسات والبحوث النووية سيرن CERN الواقع على الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من جنيف، وكذلك تم اكتشاف الموجات الثقالية أو موجات الجاذبية بعد ذلك بقليل.
ولقد اعتقد العلماء أن لا شيء مذهل سيكتشف بعد الآن بيد أن مصادم الجسيمات الدقيقة بات يعمل بطاقته القصوى قبل بضعة شهور حيث أجريت فيه العديد من التجارب المهمة . وفجأة اكتشف العلماء جسيماً جديداً غير معروف من قبلهم أسموه الجسيمإكس " X" في نهاية نوفمبر سنة 2015 من قبل كواشف المختبر الدقيقة أطلس Atlas و سي أم أس CMS. فما هو هذا الجسيم وماذا يمكن أن يمكن أن يمثله بالنسبة لأبحاث اللامتناهي في الصغر وسبر أغوار وأسرار المادة ؟
لقد عبر البعض عن ذهوله بالقول أن ظهور هذا الجسيم فجأة وبلا مقدمات، يعني أن الكون الذي نعيش فيه ليس كما كنا نعتقده، بل ما يزال مغلفاً بالغموض والأسرار والألغاز. فهل الجسيم إكس X هو القوة الخامسة الجوهرية للكون المرئي؟ أم هو البعد الرابع للزمكان الذي تحدثت عنه روايات وأفلام الخيال العلمي؟ أم هو الدليل القاطع على صحة نظرية التناظر الفائق supersymétrie؟ إنه على أية حال علامة على أن كل شيء سيتغير في الأشهر والسنوات القادمة في مجال الفيزياء النظرية وفيزياء الكونيات الكوسمولوجيا وفيزياء الجسيمات وميكانيك الكموم أو الكوانتوم.
لنتوقف قليلاً عند موضوع التناظر الفائق supersymétrie وفيزياء الجسيمات الأولية والنموذج المعماري لنفهم أهمية هذا الاكتشاف لجسيم إكس X. فمهمة علماء فيزياء الجسيمات الأولية عسيرة جداً وليست سهلة لأنهم يتعاملون مع أشياء غاية في الصغر لا يمكن رؤيتها على نحو مباشر وبالرغم من ذلك تمكنوا من اكتشاف وتشخيص جميع الجسيمات الأولية الموجودة حسب اعتقادهم ودرسوا تفاعلاتها وتوصلوا إلى مفهوم التناظر وإنه يكفي أن نعرف خصائص ومزايا التناظر لكي نحدد بنية التفاعلات الجارية بين الجسيمات وكانت النتائج المستخلصة هي التي قادتهم إلى صياغة النموذج المعياري standard modèle في فيزياء الجسيمات. وبفضل ما تراكم لديهم من معلومات تمكن العلماء من وصف سلوكيات الجسيمات في كافة الظروف الحرارية والطاقوية لكنهم لم يفلحوا في إدخال قوة الجاذبية أو الثقالة في المعادلة التوحيدية للقوى الجوهرية الكونية الثلاثة الأخرى ولذلك بقيت الثقالة أو الجاذبية خارج النموذج المعياري وحبيسة لمفهوم اللامتناهي في الكبر الخاضع لمعادلات النسبية الآينشتينية، وإن الحل الوحيد قد يكون موجوداً في نظرية التناظر الفائق التي اقترحها الفيزيائي الفرنسي بيير فايت Pierre Fayet. وهي تقيم جسراً بين المادة وعمليات التفاعلات الجارية فيها حيث يتم وصف القوى والجسيمات على نحو مماثل. لذلك يتطلب الأمر مضاعفة المادة والقول بأن لكل جسيم معروف هناك تناظر فائق حتمي وإجباري يجب أن يكون موجوداً، أي جسيمات نظيرة سميت بالشريك التناظري الفائق partenaire supersymétrique مما يعني مضاعفة عدد الجسيمات على نحو آلي، من هنا أعتقد البعض أن الجسيم الجديد إكس ما هو إلا واحد من الجسيمات التناظرية الفائقة سوبرسيميتريك غير المكتشفة بعد .
لذا مما لا شك فيه أن هذا الحدث يمثل انعطافة جوهرية في مسيرة العلم وسيكون هناك ما قبل وما بعد جسيم إكس X . لقد ظهر ما يزيد على الثلاثمائة بحث ومقالة عن هذا الحدث وكلها تدور في نطاق التخمينات والافتراضات ويحتاج الأمر إلى شهور عديدة وربما لسنوات طويلة قبل البت في أمره فليس من السهل تحديد وتشخيص طبيعة التقلبات والتأرجحات الكمومية أو الكوانتية fluctuations quantiques ، ولكن يبدو أن المستحيل قد حدث كما يقول بعض العلماء الذي اعتقدوا في السابق أنهم باتوا يعرفون كل شيء عن المادة ومكوناتها، أي الستة وعشرون جسيماً أولياً المعروفة التي يتضمنها النموذج المعياري standard modèle وهي موزعة كالآتي : 12 جسيم للمادة مثل الإلكترون électron والكواركات quarks والنيوترينوات neutrinos ، و 13 جسيم التي تنقل أو تحمل تفاعلات القوى الجوهرية الأربعة في الكون المرئي، مثل الفوتون photon والغليونات gluons والبوزونات bosons ، والغرافيتون graviton الذي يفترض أنه الناقل والحامل لقوة الجاذبية والذي لا يشك أحد بوجوده رغم عدم رصده وكشفه مختبرياً لحد الآن ، ومن بينها بالطبع بوزون هيغز الشهير الذي تم اكتشافه مؤخراً قبل أربع سنوات والذي يضمن الكتلة لبعض الجسيمات. والحال أن هذا الجسيم الجديد والغريب المسمى إكس X لا هو بجسيم للمادة ولا هو جسيم لقوة ولا هو الغرافيتون المرتبط بالجاذبية أو الثقالة، فالعلماء يعرفون كل خصائص وسمات ومزايا الجسيمات المكتشفة والمعروفة كالكتلة، واللف أي الفتل أو الدوران الذاتي المغزلي السبين spin، والشحنة، والنموذج المعياري يتكهن بجميع أنواع التفاعلات التي تقوم بها الجسيمات الأولية المعروفة وبدقة متناهية ولم يخطيء العلماء أبداً في هذا المضمار، فهم معتادون على تحليل كافة البيانات الناجمة عن تصادم الجسيمات في مسرع مصادم الجسيمات العملاق، وهم يعرفون سلفاً عدد الفوتونات المسجلة وفق جدول الطاقات الذي يتبع خطاً بيانياً أو منحنى متسق تماماً ولكن فجأة ظهر نتوء فسره العلماء بأنه علامة على ظهور جسيم جديد ذو كتلة، تجسد من حيث لا يتوقعه أحد وهو ليس جزءاً من جسيمات النموذج المعياري قطعاً . وبالتالي فهو في الوقت الحاضر مجهول الهوية فلا هو جسيم مادي كلاسيكي و لا هو جسيم قوة كلاسيكي ولا هو تنويع من بوزونات هيغز ولا هو الغرافيتون الذي ينتظر العلماء اكتشافه بشوق لأن كتلة هذا الأخير شبه معدومة مما يميزه تماماً عن الجسيم إكس X المكتشف حديثاً. لذلك فهو شيء آخر مختلف تماماً لا أحد يعرف ماهيته أو هويته بعد. الفرضيات الممنوحة له في الوقت الحاضر تنسف كلها النموذج المعياري وتقترح رؤية جديدة لعالمنا المادي. وليس بوسع أحد الحسم إلا بعد إجراء المزيد من التجارب والاختبارات والحصول على معطيات تجريبية جديدة وبانتظار ذلك بات معلوماً الآن أن هذا الاكتشاف هو إعلان عن حدوث ثورة كبيرة مقبلة في الفيزياء، سوف تكشف لنا بأن النموذج للعالم الذي نعيش فيه والمكون من المواد والنجوم والغازات والحصى الخ .. هو في واقع الأمر أعقد وأكثر غرابة بكثير مما نتصور.
طفحت خيالات العلماء بعيداً عندما تخيل البعض طوفاناً جديداً من الجسيمات الأولية المجهولة الهوية قد تصل إلى 45 جسيماً جديداً حسب بعض المختصين في هذا المجال وقد يكون الجسيم إكس X مجرد الطليعة الممثلة لنظرية التناظر الفائقة التي قبعت في مدارج النسيان في الآونة الأخيرة وهي إحدى أكثر الامتدادات المتخيلة والأكثر تألقاً للنموذج المعياري لسد ثغراته أو فجواته . وتنص نظرية الناظر الفائق على أن لكل جسيم مادي هناك نظير له من جسيمات القوة يتوجب اكتشافه والعكس صحيح. ففي مقابل الكواركات quarks هناك الأس كواركات s quarks ، وللغليونات gluons هناك الغلوينوسات gluinos، وللغرافيتون graviton هناك الغرافيتينو gravitino وهكذا.. فمقابل العالم اللامتناهي في الصغر من الجسيمات الأولية ما دون الذرية الذي نعرفه، هناك عالم خاص مماثل ومناظر له كالصورة في المرآة وهو غير مرئي بالنسبة لنا ولم يقتحمه أحد من البشر أو يلج إليه أو يستكشفه بعد. فعلى الورق نظرياً تتنبأ نظرية التناظر الفائق بوجود، ليس فقط نظير واحد لبوزون هيغز بل بخمسة نظائر أثقل أكثر فأكثر، وما جسيم إكس X سوى الثاني في هذه السلسلة والمعطيات المتوفر حالياً هن هذا الجسيم الجديد ، لا سيما فيما يتعلق بفتلته أو لفه ودورانه الذاتي المغزلي ، أي سبينه، تتوافق مع هذه الفرضية كما يقول عبد الحق جوادي الباحث في مختبر الفيزياء النظرية في أورسي. وبالتالي فإن هذا الجسيم قد يكون الرسول لرؤية جديدة للتناظر الفائق ومن المتوقع أن يرفد بجسيمات جديدة أخرى مناظرة لما نعرفه في واقعنا المادي. اعترض علماء ومنظرون آخرون على هذه الفرضية رغم مقبوليتها، وقالوا بأن هذا الجسيم الجديد لا يمكن أن يكون علامة دقيقة على صحة التناظر الفائق بل يمكن أن يكون عبارة عن جسيم مركب على غرار البروتون الناجم عن تجمع لعدد من الكواركات المرتبطة بفعل التفاعل القوي أو الشديد، والفرق هنا هو أننا هنا إزاء تفاعل مكون من جسيمات أولية غير معروفة ومجهولة تماماً وترتبط ببعضها بفعل قوة غريبة هي أيضاً مجهولة تماماً من قبلنا ولا نعرف عنها شيئاً . ولا يتجاوز هذا المضاربات أو التخمينات الافتراضية التي تشبه ما سبق أن اقترحه بعض العلماء والمنظرين من أفكار وفرضيات في سنوات السبعينات من القرن العشرين وغطاها النسيان لتعود اليوم بقوة بفضل هذا الجسيم إكس لأن المعطيات المتوافرة عن دورانه أو لفه الذاتي المغزلي أي سبينه تتطابق هي الأخرى مع هذه الفرضية ولو تحققت صحة هذه الفرضية فذلك سيعني أن هذا الجسيم هو مقدمة أو علامة لوجود قوة جوهرية خامسة في الكون المرئي إلى جانب القوى الأربعة المعروفة، وهي الثقالة أو الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية القوية أو الشديدة والنووية الضعيفة أو الواهنة. من هنا افترض البعض أن هذا الجسيم يخفي خلفه على الأقل ثلاث جسيمات مركبة أخرى ، ولكن لا أحد قادر على توضيح ما هي خصائص هذه القوة الكونية الجوهرية الخامسة وما هي ماهيتها وطبيعتها ومجال تأثيرها الخ..
الفرضية الأكثر راديكالية التي تفسر ظهور هذا الجسيم الجديد والغريب المجهول إكس هو اعتباره علامة قادمة من البعد الرابع للمكان الآينشتيني ، أي غير الزمن، وبالتالي فإن للزمكان الاينشتيني خمسة أبعاد. فالجميع يعلم أن للمكان ثلاثة أبعاد مرئية وهي الطول والعرض والارتفاع أو العمق، فأين يمكننا أن نعثر على البعد المكاني الرابع؟ قد يكون منطوياً على نفسه وغير مرئي. إن فكرة أن يكون للمكان أكثر من ثلاثة أبعاد ليست جديدة في الفيزياء بل هي موجودة في قلب نظرية الأوتار الفائقة وهي التي كانت مرشحة لأن تكون النظرية الجامعة والموحدة للقوى الكونية الجوهرية الأربعة والرابطة بين نسبية آينشتين وميكانيك الكموم أو الكوانتوم. وتقول إحدى الافتراضات أن بوسع الغرافيتون ، وهو جسيم الثقالة أو الجاذبية، أن ينتشر في الأبعاد الإضافية حتى وإن كانت غير مرئية أو غير قابلة للرصد والمشاهدة، وهذا ما يفسر سبب كون الثقالة أو الجاذبية أضعف بمليارات المليارات المليارات المرات من باقي القوى الجوهرية الثلاثة الأخرى. وبالتالي فإن نزهة الغرافيتون أو حركته في البعد المكاني الرابع يخلق نوعاً من الصدى للأبعاد المكانية الثلاثة الأخرى وفي حالة توفر طاقة هائلة ومركزة كما هو الحال في مصادم ومسرع الجسيمات العملاق LHC فإن بوسع هذا الصدى يتجسد على هيئة جسيم أولي خارج سياق منظومة الجسيمات الأولية التي يحتويها النموذج المعياري وذلك بموجب معادلة الكتلة والطاقة الآينشتينية الشهير وهي الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء E=mc2 والتي تربط الطاقة بالكتلة، من هنا قال العالم الفيزيائي ستيف غيدنغ من جامعة سانتا باربارا والذي صاغ البحث الأكثر كمالاً وقوة حسب آدم فالكوفسكي من مختبر الفيزياء النظرية في أورسي في فرنسا، :" أن الجسيم إكس الجديد يمكن أن يكون الغرافيتون ذو الكتلة ، مهما كانت ضعيفة، ويكفي أن نقيس لفه أو دورانه المغزلي الذاتي أو سبينه لأنه من بين جميع الجسيمات الأولية ، وحده الغرافيتون ونظائره أو نسخه العابرة للأبعاد هو الذي يمتلك سبين يعادل إثنين أي مزدوج وهو الدليل اللازم لإثبات أن المكان يمتلك أربعة أبعاد وليس ثلاثة ، وهذا بحد ذاته لو أقر سيمثل بلا شك ثورة لاسابق لها في هذا المجال".
ما هو السر الغامض الذي يخفيه الجزيء الدقيق أو الجسيم الأولي الغريب إكس X؟ من المبكر الإجابة على هذا التساؤل ، كل الذي يعرفه الفيزيائيون الآن هو أنهم رصدوا إشارة غريبة وغامضة بفضل الطاقة القصوى لمسرع ومصادم الجسيمات العملاق لسيرن وأطلقوا عليه تسمية الجسيم إكس X. قلنا في الحلقة السابقة أن العلماء والعالم أجمع استقبل بحفاوة بالغة وأشاد باكتشاف بوزون هيغز في 4 تموز سنة 2012 وتم تأكيده على نحو قطعي ونهائي علمياً في آذار سنة 2013 ومنحت جائزة نوبل للفيزياء للعالمين فرانسوا إنغلرت وبيتر هيغز كونهما صاحبي فرضية وجود هذا البوزون المسمى بوزون الرب، لكن الفرق بين الاكتشافين يكمن في أن بوزون هيغز كان موجوداً من الناحية النظرية منذ سنة 1964 أي قبل نصف قرن من اكتشافه عملياً، ويشكل ركناً أساسياً في النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات ، والحال أن الجسيم إكس انبثق من المجهول من حيث لا يتوقع أحد ولم يكن محسوباً له أي حساب أو توقع وبالتالي فهو ليس جزءاً من النموذج المعياري ، أي النظرية التي تصف وتتعاطى مع الجسيمات ما دون الذرية . فإما أن تتأكد الخاصية الخارقة أو الإعجازية لهذا الجسيم أو يسقط في سلة الإهمال إذا تمكن العلماء من معرفة أسباب وظروف ظهوره المفاجيء ويتأكد لهم أنه مجرد خطأ في التفسيرات والتلاعب وقصور في أجهزة الرصد والقياس والحساب و بالتالي فهو لا يحتمل كل هذه الآمال التي وضعت فيه حيث اعتقد البعض أنه يمكن أن يكون بداية لثورة حقيقية في عالم الفيزياء أو نقطة الانطلاق نحو فيزياء جديدة.
عاد مصادم الجسيمات العملاق LHC للعمل بكامل طاقته في 25 مارس آذار الماضي ،، لكي يجعل المادة تنطق بما في داخلها كما يقول العلماء مازحين. وفي 8 من نيسان أجريت تجارب التصادم للفوتونات بدرجة ثلاثة عشر تيرافولت 13 TeV، ومن المحتمل أن يبلغ طاقته القصوى في نهاية الصيف حيث ستطلق فيه نحو 3000 حزمة تحتوي على 120 مليار فوتون تدور وتتصادم داخله بالاتجاهين مما يعني حدوث مليار تصادم بالثانية و لا أحد يمكنه أن يتكهن بالنتائج التي سوف تنجم عن ذلك. وكان أول الغيث هو رصد الجسيم إكس X من قبل المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية سيرن في 15 ديسمبر الماضي في جهازي الكشف أطلس ATLAS و سي أم اس CMS، ولم يكن أكثر من نتوء غريب في الخط البياني أو المنحنى المتسق للفوتونات لا ينبغي أن يكون موجوداً، وهو الأمر الذي لم تتنبأ به أية نظرية قائمة ومتداولة حتى الآن، ولو تأكد كونه جسيم أولي بكل معنى الكلمة ووفق الأصول العملية فذلك سيعني أنه سيرمي بعالم اللامتناهي في الصغر إلى آفاق جديدة . فلقد سجل الكاشفان أن لهذا الجسيم كتلة تقدر بــ 750 GeV أي أكبر ست مرات من كتلة بوزون هيغز، في حين كان ينبغي لبوزون هيغز أن يكون أثقل من كتلته بمائة مليون مليار مرة . ولذلك لم يتم حسم الأمر على نحو نهائي لحد الآن فيما إذا كان هذا الاكتشاف هو حقاً جسيم أولي أم مجرد إشارة لتقلبات إحصائية ليس إلا fluctuation statistique .
رغم متانته وأناقته وفاعليته، فإن النموذج المعياري الحالي لفيزياء الجسيمات غير كاف كما يردد بلا انقطاع علماء وفيزيائيو الجسيمات الأولية رغم أنه وضع الأساس الكامل، لكنه ليس النهائي، في البيولوجيا والكيمياء وعلم المواد وأغلب الظواهر الفيزيائية الفلكية، إلا أن المختصين في اللامتناهي في الصغر، خاصة في معهد التكنولوجيا في ماسوشوسيت MIT أم آ تي الشهير لايكتفون بما توفره لهم نظرية النموذج المعياري.
هناك سؤال جوهري يتعين على هذا الجسيم أن يجيب عليه ألا وهو :" هل يمكن أن يتفاعل مع المادة السوداء أو الداكنة المنتشرة في الكون المرئي أو يكون قابلاً للذوبان فيها، في حالة اعتباره جسيماً أولياً من المادة المرئية؟ وبما أنه قابل للتفاعل مع جسيمات المادة الطبيعية المرئية المألوفة في النموذج المعياري فلن يكون ممكناً اعتباره من جسيمات المادة السوداء الأولية. ولكن يقدر أحد العلماء أن هذا الجسيم يتفكك إلى جسيمين ضوئيين وفي نفس الوقت يمكن في ظروف خاصة أن يتفكك إلى مكونات غير مرئية يمكن أن تكون جسيمات أولية من المادة السوداء حيث لا يترك وراءه أي أثر قابل للرصد، وهذا مجرد افتراض لم يثبت بعد مختبرياً، أو على ألأقل اعتباره بمثابة الجسيم الوسيط بين المادة المرئية والمادة السوداء .
لا ننسى أن المادة السوداء أو الداكنة أو المعتمة تعتبر أحد أهم ألغاز الكون المرئي وأكثرها غموضاً منذ أكثر من قرن. فمن المستحيل التعبير عن ديناميكية محتويات الكون المرئي المكونة من مئات المليارات من العناقيد والحشود المجرية وما فيها من نجوم وغازات وأغبرة كونية وثقوب سوداء وغيرها، ومعرفة هندستها وهيكيليتها وتركيبتها إذا لم نأخذ بالاعتبار الكم الهائل لهذه المادة غير المرئية وغير القابلة للرصد تقريباً والمجهولة الماهية المسماة المادة السوداء. والجدير بالذكر أن كل جسيمات النموذج المعياري لا تدعي أنها يمكن أن تكون موجودة في المادة السوداء أو قابلة للذوبان فيها أو التعاطي معها، فهل بإمكان هذا الكائن الجديد أن يضفي وجهاً مرئياً للمادة السوداء؟، فطبيعة وحقيقة وجوهر وماهية المادة السوداء ما يزال شكل لغزاً مستعصياً على العلماء علماً بأنها تشكل نسبة 85% من المادة الإجمالية للكون المرئي أو المرصود والمنظور.
ليس صعباً على علماء مسرع ومصادم الجسيمات LHC حسم موقفهم والانتهاء من حساباتهم العلمية الدقيقة للبت في أمر ومصير هذا الزائر الغريب الذي فتح آفاقاً كامنة قد تغير جذرياً من معطيات ومسلمات الفيزياء الحالية خاصة فيزياء الجسيمات الدقيقة الأولية وأبحاث اللامتناهي في الصغر والتي قد تسهم بدورها في حل الكثير من الألغاز الكونية العالقة اليوم. عادة ما يستند العلماء على أسس وقواعد علمية راسخة أثبتت جدارتها وصحتها في حساباتهم لكنهم قد يلجأون في حالة اصطدامهم بعقبات رياضية إلى ما يسمى بالحل اليدوي أي وضع قيم رياضية لانهائية تلغي أحدها الأخرى في إطار انسياق المعادلات لكن هذا الإجراء يعتبر بمثابة الهرطقة العلمية في الفيزياء فعلى مدى قرون عديدة حاول العلماء ومايزالون يحاولون تفسير الظواهر في الكون المادي وفق مباديء علمية دقيقة ومحددة وناجعة, فعلى سبيل المثال تستند النسبية العامة لآينشتين على المحدودية المطلقة لسرعة الضوء وهي 300000 كلم / ثانية ، ونفس الشيء بالنسبة للتماثل الرياضي symétrie mathématique لدى العالم بول ديراك الذي قاده إلى افتراض وجود المادة المضادة antimatière والتي تم اكتشافها عملياً بعد عدة سنوات ، والأمر ذاته حصل مع وضع النموذج المعياري modèle standard في فيزياء الجزيئات الدقيقة أو الجسيمات الأولية المعتمد على مسلمة أن القوانين التي تسير الكون المرئي في مستواه ما دون الذري تحترم التناظر المجرد أو التجريدي symétrie abstraite المعروف علمياً باسم قياس التماثل symétrie de jauge. بعبارة أخرى يعتقد أغلب العلماء أنه يتعين على ما يعرف بمشكلة المراتبية problème de hiérarchie أن تجد حلاً من خلال إضافة مبدأ عام جديد لنظرياتهم المألوفة والذي من شأنه نظرياً على الورق أن يضيف مصطلحات ومفاهيم رياضية جديدة توازن معادلاتها عالم كارثة أو تشوهات هيغز catastrophe du Higgs والتي تتجسد بحالات معروفة من قبيل : التماثل الفائق Supersymétrie والتكنيكولور technicouleur، ومصغرات هيغز Little Higgs، والأبعاد الإضافية dimensions supplémentaires الخ ...، وهو الأمر الذي تميل له كافة النظريات التي تتعدى النموذج المعياري منذ ما يزيد على الأربعة عقود وكلها تتوقع حدوث ظواهر جديدة سوف يتم رصدها وتسجيلها مع تقدم الوسائل التكنولوجية وبالأخص على شكل جسيم أولي جديد يتعين اكتشافه خارج منظومة جسيمات النموذج المعياري ولهذا تم تشييد صرح مصادم ومسرع الجسيمات العملاق والمكلف جداً حيث تجاوزت كلفته العشرة مليار يورو.
من هنا يعتقد علماء الفيزياء أن اكتشاف جسيم جديد من شأنه أن ينقذ الفيزياء وينتشلها من الركود والمراوحة في نفس المكان فهو قفزة حقيقية إلى الأمام باتجاه فك المزيد من الألغاز والأسرار التي تكتنف عالمنا المادي وكوننا المرئي.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جواد بشارة - كاتب وباحث اكاديمي - في حوار مفتوح مع القراء وا ...
- خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 2 -
- خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -
- السينما والأثر الأدبي وجهاً لوجه
- تطورات الكون المرئي فيزيائياً وثيولوجياً
- قراءات في كتب
- الله بين العلم والدين
- أنشودة الكون الأنيق
- الكون المرئي من كافة جوانبه
- تيار السينما الذاتية عند شاعر السينما الراحل اندريه تاركوفسك ...
- وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:
- الإستراتيجيات الدولية في الشرق الأوسط وصراع الدول العظمى سور ...
- شرخ كبير في نسيج العلاقات بين الجالية العراقية والسفارة العر ...
- حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
- السينما عندما كانت فن ورسالة
- هنا حوارية اليوم مع الأستاذ د. جواد بشارة حول ( الانسان بين ...
- الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1
- كون واحد أم عدد لامتناهي من الأكوان؟
- فرنسا بين نارين
- الله والكون جدل العلم والدين


المزيد.....




- الرغبة في مضغ الثلج قد تكون علامة على هذا المرض
- الطيران المسيّر للاحتلال يستهدف مجددا الكوادر الطبية لمستشفى ...
- أفضل نمط حياة لصحة القلب وفحوصات مهمة
- عاجل | مراسل الجزيرة: إصابات بين الطواقم الطبية في مستشفى كم ...
- إصابة 3 من الطاقم الطبي لمستشفى كمال عدوان شمال القطاع بطائر ...
- راقب لعب طفلك وانفعالاته.. علامات وعلاج اضطراب ما بعد الصدفة ...
- رويترز: المغرب يفرض غرامة على شركة أدوية أميركية عملاقة
- هل تنازلت إسبانيا عن المجال الجوي للصحراء الغربية لفائدة الم ...
- محكمة جزائرية تقبل شكوى ضد الروائي كمال داود الفائز بجائزة غ ...
- 5 علامات تحذيرية لمرض الكبد الدهني في الليل


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - ثورة في فيزياء الجسيمات على النموذج المعياري