فرات علي
الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 11:41
المحور:
حقوق الانسان
لا اعلم لماذا تلح على ذاكرتي الاحداث التالية كلما اقترب موعد الانتخابات العراقية القادمة. ربما هي خشية من شبح قاتم كنا قد حسبنا انه بات روايات عن التأريخ الاكثر مأساوية, وربما هو خوف من السواد الذي باتت ملامحه واضحة في شوارع طفولتنا وصبانا و التي اردنا ان تعود مليئة بالزهو والفرح الآدمي المشروع. وربما هو خليط من هذا وذاك. المهم ما سأورده قد يدخل في باب التحذير المشروع من مغبة اثقال الضمير بتبعة الاشتراك في شرعنة الحزن الدائم ومنحه طابع الالزام والشمول:
1-
في مطلع الثمانينات من القرن الماضي قدر لي ان اكون في عاصمة جمهورية ايران الاسلامية في طريقي الى قواعد المجاهدين (الانصار الشيوعيين) بكردستان العراق. كانت طهران انذاك تعيش مخاض الانتقال من الحكم الملكي المطلق الى التعددية المكفولة دستوريا (ضمن الموازين الاسلامية). حينها لم يكن عسيرا رؤية صبايا نصف محجبات يوزعن صحيفة مردم الشيوعية مع ابتسامة فارسية فاتنة. وكان ممكنا اقتناء رأس المال لكارل ماركس (صرمايت ماركس) والدولة والثورة لفلاديمير لينين في مكتبات العاصمة الايرانية.
في ذات الوقت وليس بعيدا عن مركز المدينة كانت ثمة مجاميع ببدلات سوداء تجوب شوارع العاصمة مرددة بانتظام وبصوت واحد: نه شرقي نه غربي جمهوري اسلامي (لا شرقيه ولا غربيه جمهوريه اسلاميه), وممزقة كل ما تصادفه في طريقها من شعارات ولافتات قد تشكل اخلالا (بالموازين الاسلامية).
2-
بعد ذلك بفترة وجيزة صدر قانون تحريم الاحزاب السياسية (المكفول حقها دستوريا), فكان طبيعيا ان تشاهد وانت في قاعدة ناوزنك الانصارية بكردستان العراق مخيمات جديدة لمجاميع ابت ان تتخلى عن حقها في حرية الفكر والعقيدة. فيما كان التلفزيون الايراني يبث وبشكل منتظم البراءة (الطوعية) للشيخ كيانوري سكرتير حزب توده الايراني عن افكاره ومعتقداته الشخصية.
3-
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي عدت الى العاصمة طهران لغرض العلاج. كل شئ كان مغايرا ومهولا. فقد عمم الحجاب حتى طال الرسوم المتحركة في افلام الكارتون, وكانت الصحافة من لون وطعم واحد, والموسيقى ممنوعة قانونا تحت طائلة العقوبة الجنائية.وفي بارك شهر (متنزه المدينه) كان عدد المتسكعين من المدمنين (المعتادين) على المخدرات كبير جدا رغم عقوبة الاعدام المنصوص عليها قانونا. وكان من ضمن ما حذرت منه هو عدم ارتداء ربطة العنق لأنها علامة الاستكبار, وان اطلق لحيتي و اتواضع في الملبس كي ابدو
من المستضعفين, وان لا اصطحب انثى لأن علي اثبات انها والدتي او شقيقتي, واذا كانت زوجتي فعلي ابراز عقد زواجي الشرعي منها, لأن لشرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قواعدها في ضبط حياة الناس الشخصية ومراقبة سلوكهم. وفي جولة لي مع صديق من الاكراد الفيلية المهجرين قسرا من ديارهم رأيت ثمة اكوام من الجبس حول قواعد كونكريتية اخبرني صديقي انها بقايا لتماثيل ومنحوتات كانت تزين بارك ملت (حديقة الامة) تم تهشيمها في حملة للقضاء على الاصنام. وفي ذات العام شاهدت بام عيني مكبرات الصوت وهي تدعو الناس لحضور تنفيذ عقوبة الجلد العلني بحق مخالفين.
4-
تتوارد هذه الايام اخبار مقلقة عن قيام بعض القوى بتمزيق شعارات وبوسترات الحملة الانتخابية للقوى المنافسة وخصوصا العلمانية منها, واغلاق محطات الاذاعات لبثها الاغاني (كما حدث في الديوانية الباسلة). فيما تقوم مجاميع من ذوي البدلات السوداء باغتيال الناشطين السياسيين وحتى المرشحين منهم لخوض الانتخابات القادمة. وتكاد تكون هذه الممارسات رسمية في مدن الفرات الاوسط والجنوب العراقي. وفي ذات المناطق اصبح الحجاب احد الشروط لدخول المدارس والجامعات او التعيين في دوائر الدولة الرسمية. وشهدت البصرة اعتداءات في وضح النهار على طلبة الجامعة لتنظيمهم سفرة طلابية بريئة. وقبل اقل من شهر تم تهشيم الكثير من التماثيل في شوارع بغداد ومتنزهاتها, تماما مثلما كان يحدث في طهران منتصف الثمانينات وفي افغانستان طالبان في نهايات القرن الماضي.
5-
في بداية العام الماضي واثناء عودتي الى مدينتي بعد ثلاثين عاما من الغربة استوقفتني مفرزة للشرطة بين الدغارة والديوانية, حيث قرر آمرها الذي كان بالكاد يتهجى وثائقي توقيفي لعثوره في صندوق سيارتنا على علب للبيرة, رغم اني لم اكن انوي تناول محتويتها علنا, ورغم اني لم اعثر على ما يمنع ذلك في القوانين العراقية السارية. كدت اجلد حينها نهارا وعلى ظهور الاشهاد لولا وصول مدير شرطة المحافظة الشاب بمحض الصدفة. وكنت قد طلبت من آمر المفرزة مقابلة احد مسؤولي الشرطة لكني أجبت وبصريح العبارة بأن (شرطتنا) تتلقى الاوامر ليس من مدير الشرطة وانما من مكتب احد الاحزاب الدينية.
6-
واليوم اذ نقف جميعا على عتبة الانتخابات المصيرية اجد نفسي ملزما بالتصويت ودفع احبتي للتصويت لواحدة من اكثر القوائم تلبية لطموحاتي المشروعة بالعيش الكريم وحصانة حياتي الشخصية وحفظ حريتي بالتفكير والمعتقد, وان لا اكون مضطرا لاستخدام اسماء مستعارة خشية زيارة ذوي البدلات السوداء فجرا لبيتي... ألا وهي القائمة الوطنية العراقية (731).
فرات علي
#فرات_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟