العراق الى أين ؟
أسرار مخبراتية وعشائرية ومأساة حلبجة .
"القسم التاسع "
*يقول " ابو امنه كان الهدف من سلسلة التفجيرات ، هو تمكين عدنان نوري ، من اعطاء داعميه ماليا في وكالة المخابرات المركزية انطباعا جيدا عن مدى قابليات الحزب الذي ينفقون عليه ، ثم يضيف : " عمل نوري على تضخيم تلك المخاطر عن طريق اصراره على تسجيل بث المنشورات - المضادة للدولة في شوارع بغداد - على شريط فيديو ، ليقول ان هذه المنشورات كلفتنا كثيرا " ويؤكد ابو امنه متذمرا : " ان هذه المسألة تكلفنا مخاطرة اكثر من مخاطر قنبلة ، حيث القنبلة يحملها شخص ما ويتركها في مكان ما ، لكن المنشورات تحتاج الى شخصين ، احدهم يصور والاخر يفرقها " راجع ص 353 ، وكذلك اللواء عدنان نوري ، يطلب من مجنديه بذل الكثير دون اعطاء المال الكافي له يقول ابو امنه ايضا : " ان عدنان نوري يثير دائما مسألة احتمال الامريكان " بقطع المساعدة المالية عنا " ثم يضيف : " عقب قيمنا بتفجير سيارة مفخخة توقعنا الحصول على " 2000 $ " لكن عدنان اعطنا مبلغ " 1000 $ " ؟ ! راجع ص 353 .
ويقول ابو امنه ايضا " احيانا لم يعد " نوري قادرا على شراء سيارة لتنفيذ عمليته او الفع لدزينة من الرجال ، وفي احدى المرات دفع له عدنان نوري بالدولار ، واكتشف بعدها انها مزورة " ؟ ! ثم كلفه ذات مرة باغتيال احمد الحلبي ، يقول ابو امنه شارحا ذلك بالتفصيل : " لمرة واحدة فقط رفضت القيام بمهمة كلفني بها عدنان نوري ، حيث طلب الشروع بالعمل فورا لاغتيال احمد الجلبي - زعيم فصيل معارض اخر ، مدعوم من قبل وكالة المخابرات المركزية ، فقد اقترح نوري استخدام عربة مفخخة لهذا الغرض ، ورفضت ذلك ، كون هذا المقترح سيجعل من الجلبي شهيدا يضيف : " يمكنك القول بانه لص " راجع تفصيلات ذلك على ص 354 .
• تصوروا هكذا "رد " يصدر من قاتل مأجور ، بينما اللواء عدنان نوري ، تربو عيناه الى اسياده في مقر " سي أي ايه " لينال الثناء والتفرد بالهبات المالية ؟ ! - يا عيني على هيك قيادات سياسية معارضة ؟ !
* ومن الضباط الكبار الذين تخلص صدام حسين منهم اللواء محمد مظلوم الدليمي ، فقد اثيرت اشاعات مختلفة حول النظام وتزايدت علامات عدم الارتياح في صفوف القبائل السنية الشديدة الولاء سابقا ، وخصوصا قبائل الدليم ، فبعد ان اعتقد صدام " بقيام مؤامرة تهدف اغتياله ، اوائل عام 1991 القي القبض على اللواء محمد مظلوم ، وفي شهر مارس / 1995 م ، سلمت الحكومة جثته الى ذويه مشوهة من اثار التعذيب " وقد اثار هذا الحادث عشيرته فاخلوا بالامن وهاجموا مراكز الشرطة ، مما اقتضى ارسال - صدام - قوات النخبة من حرسه الخاص ، لاخماد الفتنة والقضاء عليها / راجع تفصيلات ذلك في ص 322 .
لم يمض عام واحد على " تصفية اللواء محمد مظلوم " من قبل صدام ، حتى لاحت في سماء المؤسسة العسكرية غيوم القلق والاضطرابات النفسية والخوف الملازم لكبار الضباط من كون " صدام " يأخذ الناس " على الظن " كجزء من تركيبته النفسية لاسيما بين اوساط الضباط الكبار ، ففي اذار من عام 1996 م ، قدم الفريق اول نزار الخزرجي ، رئيس اركان الجيش العراقي السابق الى الاردن ملتحقا في " حزب الوفاق " معلنا بأن " سياسة صدام قادة الى تجزئة وانحلال ارضنا وشعبنا وجيشنا " مؤكدا عزمه على العمل مع حزب الوفاق و " الاخوان الخلصون في المؤسسة العسكرية العراقية ، راجع ص 368 . ونظرا لكونه من الذين اسروا وجرحوا في انتفاضة اذار 1991 م ، الا انه بقي على قيد الحياة ، لذلك لم يلقى ارتداده ترحيبا واستحسانا من قبل اعداء صدام كما توقع ، وعند وصوله الى عمان ، اجرت معه مجموعة من ضباط المخابرات المركزية " السي أي ايه " مقابلة مكرسة لمصلحة فصيل " ايادي علاوي " حيث الحوا عليه لوضع نفسه تحت تصرف وامرة زعيم حزب الوفاق " ولكونه ضابطا كبيرا ، يعرف تقاليد عمله العسكري ، رفض ذلك بشدة قائلا : " لما علي ان افعل هذا ، فأنا لا اعرف هذا الرجل " لذلك - كما يقول كوكبورن ، " فقد ترك ليقرر مصيره وتحديد رغبته بالانضمام الى الفصيل المعارض الذي يجده ملائما لرغبته ، وقد استقر في منزل صغير في عمان ، من دون امتياز الحماية الضرورية لامثاله " راجع ص 368 .
* ثمة امر مثير للارتباك ، يسيطر على عقلية قوى المعارضة العراقية ، هو الاذعان المطلق لتوجيه المخابرات المركزية الاميريكية ، والتي تتعامل معهم " بدونية واضحة وسلوك متعجرف ، متناسية " هذه المعارضة المزعومة " روح المواطنة العراقية ومعنى الاستقلال بالقرار ، اضافة الى معاملتهم للهاربين من الضباط الكبار ، معاملة ملؤها " الثأر والاحقاد والضغائن المدفونة " ناسين انهم كانوا مع " النظام " في مركب واحد ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية يحسون وكأنهم قد استولوا على عرش العراق ، وهم لا يفهمون كيف تخطط لهم دوائر البيت الابيض من دهاليز مظلمة ، وهم بهذا السلوك الغير واعي ، قد وضعوا اسوارا بينهم وبين بقية الضباط والجنود ، الذين يودون الخلاص ايضا من ركب صدام ، فعندما يعلم البقية من هؤلاء ، ما حل في الضباط الكبار - امثال الخزرجي ، فلربما احجموا على الاقدام للتمرد على النظام ، او الالتحاق بقوى المعارضة ، وبالتالي فالمستفيد الاول هو صدام حسين ووكالة المخابرات الاميريكية .
* عموما ، يمكن القول ، ان هذه " النخبة " من الضباط الكبار " برتبة لواء او فريق " لو احسن استغلالها بالكل الصحيح ، ولمسألة قضية الشعب العراقي ، لما دام نظام الحكم طوال هذه المدة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى يكشف هذا " الهروب لهؤلاء الضباط ، بان - صدام - قد خلق المعارضة لنفسه داخل المؤسسة العسكرية ، ومن " رفاق الدرب الذين تربوا على " عقائدية الجيش ، ويعطي الانطباع ايضا بان صدام ونظامه ، بدأ منبوذا داخل الجيش العراقي ، بعد ان نبذه الشعب في انتفاضة اذار 1991 م ، وبالتالي فان لا مناص من زحف هذه المعارضة داخل الاسرة الحاكمة بالضرورة ، على اعتبار ان - تنافس الاقطاب في العائلة - ضمن وعيها القبلي - سيقود الى ذلك ، وهذا موضوع النقطة القادمة في هذا المحور .
3- التناقد والصراع داخل الاسرة الحاكمة :
لم تكن العائلة الحاكمة تعي معنى " السلطة السياسية والحكومة المدنية " فهم ما زالوا تحت تأثير " العرف القبلي " العلاقات البطريركية " الابوية " وضمن هذا العرف التكريتي ، كانت العلاقات في قبيلة " ال بوناصر " قبيلة صدام حسين ، ترسم علاقاتها الاجتماعية ، وتسحب ذيول هذا " الرسم " على كل العراق ، ناظرين اليه كمقاطعة زراعية يتحكمون فيها ، فقد قال احد التكارته : " لا يوجد هناك أي غموض او سر فيما يخص الطريقة التي ندير بها العراق ، بالضبط نديره كما اعتدنا على ادارة تكريت " *14 ، " كأثبات منطقي هذا الوعي والسلوك ، يورد كوكبورن الحكاية التالية لمسلكية صدام حسين ، وقبله احمد حسن البكر - الرئيس الاسبق وحسين كامل - وزير التصنيع العسكري ، وكلهم من عشيرة واحدة ، تقول الحكاية : " اما في حالة الراحة والاسترخاء فحاله / يقصد صدام حسين - حال جميع التكارته ، معجب بالرقص الغجري ، والذي يعرف في العراق باسم " الكاوليه " فقد اعتاد البكر على الاتصال تلفونيا بالتلفز العراقي ، طالبا منهم ، عرض برامج عن الرقص الغجري ، وعند انتهاء البرنامج ، يتصل ثانية شاكر لهم وطالبا المزيد وغالبا ما يحتاج المشاهد العراقي لالغاء التلفاز هو فقط في حالة تغطية مباراة في كرة القدم ، عارضا بدلا منها " برنامج الكاوليه " وعندما هرب اللواء حسين كامل الى الاردن في العام 1995 قال احد العراقيين متنبأ : سوف يعود الى العراق نهاية الامر ، فلا يمكنه العيش بدون الكاوليه ، وعندما تولى صدام السلطة فقد عادت برامج التلفاز تباشر بثها بصورة اعتيادية ، ليس بسبب كونه لم يعد متيما " بالكاوليه " بل لاقتنائه جهاز فيديو " راجع ص 139-140 .
وصدام حسين ، مذ كان نائبا للرئيس ، كان يتخذ لنفسه موكبا خاصا به ، وشلة تحيطه وحماية امنية واستخباراتية ، وبدلات انيقة صباحية ومسائية ، وما ان اصبح رئيسا للدولة ، وبحكم ظروف العراق السياسية ، وحالة العسكرة التي فرضها عليه ، اصبح لابسا للبدلة العسكرية ، بشكل دائم اكثر من غيرها .
وبغيت " التشبيه بالاب القائد " فأن النجل الاكبر " الاستاذ عدي " كما يسميه العراقيون مكرهين اخذ يقلد ابيه في السير والسلوك ، والبطش والارهاب وخلق " الشللية " الخاصة به ، مطبقا المثل العربي الشهير من شابه اباه بما ظلم " . فقد كان هذا " الاستاذ " عند دخوله مطعم فندق الرشيد الفاخر ، فأن الجلبة تحدث قبله ، ورجال الامن يملأون المكان ، وينفرون الجالسين فيغادرون المطعم خشية على انفسهم " .*15
* يتحدث كوكبورن عن " الاستاذ عدي " بالقول : " بصرف النظر عن والده ، يتمتع عدي بشخصية ممقوتة ومخيفة من جل طبقات الشعب العراقي ، فبامكان كل فرد عراقي ان يروي لك ، وبصورة مطولة روايات واحداث تبين مدى وحشيته الشديدة وميله الى العنف " ويضيف: " قرب الطريق العام توجد مطبعة لعدي تعمل على طبع العملة الورقية على مدار الساعة " راجع ص 247 .
تتسم شخصية عدي بالانا الطاغية وحب السيطرة على الاخرين وكثيرا ما تروي الحوادث عنه بانه " ادب سيز " كما يقول البغداديون ، فقبل ست سنوات - أي في عام 1986 - اطلق عدي النار على احد ضباط الجيش العراقي ، بعد ان حاول الدفاع عن صديقته من محاولة عدي الاستئثار بها في احد حانات الرقص في بغداد ، وارداه على الفور قتيلا ، ولذلك ترى سواق السيارات يتحاشون حتى المرور في الشارع الكائن فيه مكتبه " راجع ص 247 .
* ولد عدي في 18/حزيران / 1964 م عندما كان والده سجينا في بغداد ، وقد اشرف جده " خيرالله طلفاح " على تربيته .
* تنبع وصول الاسرة الحاكمة من فرعين لقبيلة صدام - البيجات ، والتي شكلت بدورها فرعا من قبيلة البوناصر ، اولى هذه الفروع كان فرع اولاد عمه المجيد ، اولاد اخ ابيه ، حسين المجيد " حيث يجهل اصله وقلة المعلومات المتوفرة عنه ، ان لم تكن معدمة " راجع ص 250
* اما الفرع الثاني حيث ينتمي صدام هم - ال ابراهيم - اخوانه غير الاشقاء برزان - وطبان ، وسبعاوي ابناء امه من زواجها الثاني من ابراهيم الحسن ، وهؤلاء لعبوا دورا حيويا في اجهزة الاستخبارات والامن ، على الرغم من افول نجمهم بعد وفاة والدتهم " صبحة " في العام 1983 م ، لكن سرعان ما عادوا الى الظهور والبروز مجددا بعد حرب الخليج " راجع ص 250 .
وكما المحنا في مستهل هذه النقطة فانا الرابطة العشائرية " رابطة الدم " هي التي تحكم علاقاتهم الاجتماعية ، والتي لم تكن حميمية بما فيه الكفاية ، لذلك ارتأى صدام بان تقوية هذه الروابط بين ابناء عمومته تحت كنفه لا يتم الا بواسطة اواصر الزواج ، لذلك زوج ابنتيه رغدة و رنا الى ابناء عمومته من ال المجيد الشقيقين حسين كامل وصدام كامل ، واللذان بزغ نجميهما داخل الاسرة الحاكمة ، مطلع الثمانينات . اما بالنسبة الى اخيه برزان فقد تزوج من الحان - اخت ساجدة - زوج صدام وابنة خاله – خير الله طلفاح ، وتزوج عدي بنت عمه برزان - سجى - بعد زواج قصير الامد من ابنة عزة ابراهيم الدوري ، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس قبيلة الدوريين - حلفاء صدام القدماء / راجع ص 250 .
*اثمرت علاقات صدام العشائرية تقوية نفوذه ومركزه ، على حساب بقية القوى والشخصيات السياسية داخل حزبه ، وشدت من عضده في اوقات المحن والازمات ، فقد اعتمد كليا - وقت انلاع الانتفاضة الشعبية جنوب العراق وشماله في اذار عام 1991 م على شخصين من ال المجيد ، علي حسن المجيد وابن اخيه حسين كامل المجيد ، في اخماد اوار الانتفاضة .
* علي حسن المجيد - كان بالاصل - جندي سائق ، ليس لديه مؤهلات علمية او ثقافية اكتسب سمعه سيئة في منطقة كردستان العراقية ، بعد اشرافه على تنفيذ ابشع الجرائم التي ارتكبها النظام .
* في عام 1987 م ، عين امينا عاما لمكتب فرع الشمال لحزب البعث / انظر الى سيطرة ابناء العائلة على مقدرات الحزب والدولة / - الغرض من تأسيس هذا المكتب ، كما يقول كوكبورن ، " هو لقمع وكبت الشعب الكردي ، والذي استغل فترة الحرب العراقية - الايرانية للقيام بانتفاضة . تولى علي حسن المجيد امرها وقمعها ، فخلال سنتين اشرف على قتل ما ينوف على / 600000 الى 2000000 / مواطن كردي مستخدما الغزاة السامة ، وزمر الاعدام " ويضيف كوكبورن : " عندما انتفض الاكراد في العام 1991 م ، استولوا على بيانات وملفات تابعة لجهاز الامن العراقي ، من ضمنها اشرطة تسجيل لعلي حسن المجيد مخاطبا اتباعه ومواليه ، في صوته الطنان الجهوري ، حاثهم على ، ارتكاب اعمالا وحشية اضافية ، وقد سمع في احد اللحظات مجيبا على منتقديه لقتله الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ عام 1988 م - حادثة حلبجة- قائلا : " هل يفترض بي ان ادعهم احياء ؟ ويرد : " كلا يجب ان ادفنهم بالبولدزرات " ص 251 .
كما سمع - وفق كوكبورن : في شريط تسجيل اخر ، مخاطبا كوادر حزب البعث ، ناصحهم بعدم الاكتراث لردود الفعل الدولية الخاصة باستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد الشعب الكردي قائلا : " من يستطيع النطق باي شيء؟! المجتمع الدولي ؟ انهم اولاد زنا !! " ص 251 .
* في 5/اذار / 1991 م ، عين وزيرا للداخلية ، ومسؤولا عن امن الدولة ، وهو يبلغ من العمر خمسين عاما ، وكان يعتبر مصدر قوة للاسرة الحاكمة برغم وجود منافسين اكفاء على هذا اللقب - راجع ص 250-251 - ص 252 .
وللحديث صلة في القسم القادم