|
الفلوجة مدينة عراقية، نعم ، لكن تحريرها ليس شأنا عراقيا !
عارف معروف
الحوار المتمدن-العدد: 5182 - 2016 / 6 / 3 - 03:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفلوجة مدينة عراقية، نعم ، لكن تحريرها ليس شأنا عراقيا ! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال المكتب الاعلامي لرئاسة الوزراء ان الفلوجة مدينة عراقية وتحريرها شأن عراقي بحت، لكن هذا القول الذي يبدو وفق قواعد المنطق السليم من بديهيات الاشياء ليس كذلك في الحالة العراقية. فالفلوجة وتحريرها ، مثل كل امر عراقي يمكن ان يكون ذا شجون وشؤون معقدة ،تتعدى العراق وانقساماته الى الاقليم وصراعاته بل ويمكنها ان تكون عقدة او بؤرة تفاعلات اوسع نطاقا ! فالمدينة التي تقع في خاصرة بغداد ، بالفعل ، اريد لها ان تشكل ، باستمرار ،ورقة ضغط مميته وتهديد قد يكون ماحقا في اية لحظة تشاء فيها ، ذلك ، القوى التي مكنّت لها وخلقتها كحالة .والتي ابعدتها ، طوال اكثر من سنتين ، من ان تكون هدفا لتفكير وقرار سياسي وعسكري يكاد يكون في حكم البديهي، بالرغم من ضرورته الملزمة والحاحه الشديد كونها مصدرا لتهديد يومي مميت يحصد العشرات من الارواح البريئة من المدنيين الذين يستهدفون بالمفخخات التي ينطلق الكثير منها من قواعد داعش في هذه المدينة ، ناهيك عن غيرهم من العسكريين الذين يستهدفون عند كل هجمة وكما حصل في الهجوم الذي استهدف مركز شرطة ابو غريب قبل فترة قليلة ،وقبله بمدة التعرض الاوسع نطاقا الذي شمل بضعة مواقع عسكرية ومدنية كان من ابرزها سايلو الحبوب في ابو غريب، اضافة الى اختطاف سكانها واستعبادهم والسيطرة على مصائر ووعي اجيالهم الشابة بما يدمر امكانية توافقهم وسوّيتهم الاجتماعية . ، مرشحة اهداف اخرى ، مثل الموصل ، التي لا يمكن وصف الذهاب اليها وترك الفلوجة الا ّ بالصفاقة ومنتهى الغباء على احسن الفروض ، ان لم نقل انه كمين مميت ، واضح الغاية ، في أسوئها . الفلوجة مدينة عراقية و شأن عراقي بحت ، هكذا تقول حقائق التاريخ والجغرافية والاجتماع ،و لكن من يعبأ بذلك في عالم او على الاقل شرق أوسط مستباح تُرسم خرائطه المستقبلية وتهيأ كياناته السياسية والاجتماعية المقبلة وفقا لمعادلات النفط والغاز وأمن اسرائيل وهيمنتها المستقبلية ؟! شرق اوسط بكيانات هزيلة وأمارات متناحرة على اسس عرقية ومذهبية ودينية تنفع كقبائل لحراسة مصادر الطاقة واسواق استهلاكية لكل شيء وسوق رائجة للسلاح لأنها ستكون مسارح لصراعات دموية لن تنتهي ! وفي الطريق الى ذلك ، وكمرحلة انتقالية لابد منها ، تفكيك الدولة الوطنية و تمزيق المجتمعات القائمة بأثارة كل اشكال النفرة والصراعات العرقية والمذهبية والفئوية وتعزيزها بما يلزم من الصيغ القانونية المناسبة والمال والمصالح والسلاح . هناك ، بالطبع ، ارادة وطنية في استعادة ليس الفلوجة من اسر الدواعش التي تحولت على ايديهم الى مصنع للذبح والتفخيخ وخنجر في خاصرة الوحدة الوطنية واللحمة الشعبية فحسب ،بل واستعادة العراق كله مما يغرق فيه ويعاني من وطئته من استلاب وتمزق ومصادرة للإرادة وفساد ، لكن بإزاء هذه الارادة وبالضد منها تقف ارادات ولكل منها دوافعه وغاياته ووسائله : 1-الادارة الامريكية وخططها للعراق والمنطقة، وهي صاحبة اليد الطولى ، بالطبع ، عبر هيمنتها على العملية السياسية وقواها النافذة من جهة ، ووجودها العسكري المباشر وقدراتها الستراتيجية من جهة اخرى و نفوذها الاستخباري وامتداداته في الكثير من المفاصل العسكرية والامنية والسياسية والاجتماعية والاعلامية العراقية ، من جهة ثالثة. 2-دول الاقليم ومصالحها المتناقضة وصراعاتها التي تنعكس في تدخلات مباشرة واخرى غير مباشرة والتي تتمثل في طيف واسع يمتد من ايران في جهة ليشمل تركيا والسعودية ودول الخليج في جهة اخرى ناهيك عن الاطراف الابعد ، ولدى كل من هذه الاطراف وسائله وقواه السياسية المرتبطة بأجندته وشخصياته التي تدين بالولاء السياسي غير المشروط ونفوذه الاجتماعي . 3-القوى المحلية ذات المرامي والاجندات المتناقضة بل والمتناحرة والمصالح المالية والسياسية والاجتماعية المتنامية التي تجد داينمو بقائها واستمرارها وتعاظم قوتها في استمرار حال العراق من ضعف وتفكك كما هو عليه منذ 2003 ، والتي قد تصل قدرات بعضها الى قدرات وعلاقات دولة شبه مستقلة، كما هو الحال مع القيادة الكردية متمثلة في السيد البرزاني ، او دون ذلك بقليل، مثل المجلس الاعلى او التيار الصدري مرورا بالعشرات من المسميات الاخرى والاذرع المسلحة وانتهاءا بالقوى السياسية " السنية " التي تقولبت مع دور ينفع ، باستمرار ، ورقة ضاغطة بيد الادارة الامريكية من جهة وحليفها العربي التركي من جهة اخرى ويحاول عبر كل نشاطاته عزل المواطنين " السنة " وتنميطهم اجتماعيا بروح الغيتو والشك والولاء للخارج بأسم عروبة مستحدثة ذات نفس وغايات معادية لجوهر ومسيرة العروبة التحررية . ان معظم هذه القوى تجد في استعادة العراق لعافيته تهديدا مؤكدا لها وتسعى ، عبر كل الوسائل المتاحة ، الى الحيلولة دون ذلك ، ووجود تهديد مثل داعش اهون عليها من وجود دولة وتعزيز واقع ومبدأ احتكارها للقوة و السلاح وضمان الحياة الدستورية الحقيقية للوطن والمواطن ، بل ان وجود هذا التهديد ضمن اطر مقبولة ومسيطر عليها يمكن ان يعزز هذه القوى ويعود عليها بالنفع ! ان تحرير الفلوجة، اذن ، لم يكن ولن يكون شأنا مرتبطا بالقدرات العسكرية للدولة او المجتمع، على اهميته ، او منعة وقوة داعش ، وقد برهنت معارك بيجي وتكريت والرمادي واجتياح الكرمة ، مؤخرا ، على ذلك . وانما هو شأن سياسي بحت تشترك في تقريره ومدى جديّته وسرعة تنفيذه و" نظافة " هذا التنفيذ وعواقبه ، كل عوامل وقوى التأثير في الشأن العراقي التي ذكرنا ، مالم تتوفر ارادة وقدرة وطنية تذهب الى ابعد بكثير من مجرد تحرير مدينة مغتصبه من قبل عصابات ارهابية ، رغم اهمية ذلك ، وضرورته كخطوة بالاتجاه الصحيح . لقد بذل الامريكان ، جهدا ، خلال الايام القليلة المنصرمة ،لكي يكون لهم دورا نافذا في عملية الفلوجة ، وامتنعوا ، حتى الان ، عن اداء دور ملموس لطيران " التحالف الدولي " في العملية ، ثم سعوا لتأمين منفذ آمن، شمال الفلوجة ، لخروج مقاتلي داعش ، ان للأمريكان غاياتهم التي تتمثل في الابقاء على توازن قلق يخدم تنمية المخاوف الاجتماعية الى اقصى مدى ممكن ريثما تصبح مسألة المطالبة بالأقاليم شبه المستقلة او الاتحاد الكونفدرالي القائم على الكراهية والدسائس ممكنة ومستحبة ، وهي تريد لاستعادة الفلوجة ، شأنها شأن استعادة الموصل ، خطوة على الطريق وقاعدة للبناء اللاحق بهذا الاتجاه ، ولذلك فهي لا تريد ولا تحبذ اية " شعبوية " يمكن ان تتصف بها معركة الفلوجة وهو ما تعنيه مشاركة الحشد الشعبي ، وتدّخر ، بالضد من نتائجه المحتمله، استثمارا اعلاميا معروف الحجج والاتهامات يمكن ان يشتعل محليا وعربيا ليؤجج موجة جديدة من الكراهية الطائفية والانقسام كما يمكنها ان تستعيض عن ورقة الفلوجة بأوراق اخرى توفرها هجمات مباغته لداعش هنا او هناك ، لكي لا يغادر العراقيون مربع المدن المتمرده كقواعد للارهاب ومثارا لنوازع ودعاوى الفتنة والانقسام . .
#عارف_معروف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سر العفو عن محمد الدايني....(2)
-
سرّ العفو عن محمد الدايني ....(1)
-
على العكس ، اللجنة قالت كل شيء وبأوضح عبارة !
-
اميّ لا تعرف البكيني ....
-
سايلو الحبوب...ام مرحلة دامية جديدة ؟
-
انا السلطان !
-
قرار السيد البارزاني ، اصلاح مالي ام فضيحة ؟
-
حسون الامريكي و- ُقبلة - الزوراء ...
-
من صحيح البخاري و نهج البلاغة ...حتى البيان الشيوعي !
-
اساطير الاولين !
-
لندون ب . جونسون واغتيال سمير القنطار ....
-
احاديث شخصية مع عبد الرزاق عبد الواحد ...(2)
-
احاديث شخصية مع عبد الرزاق عبد الواحد...
-
ماذا يحصل في كردستان ؟
-
ثورة شعب ام مؤامرة مدعومة من الخارج ؟
-
جاسم ....العنف ام الخوف؟......(2)
-
-جاسم مو مشكله- ونوري السعيد ... ! .........(1)
-
عبد الكريم قاسم والاميرة انستازيا رومانوف!
-
جريدة - الحرية - .... صفحة مجهولة من تاريخ الصحافة السرية في
...
-
-ابو جويدة - و فيصل القاسم ....
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|