نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 12:34
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر مؤخرا في تل أبيب العدد الثالث من دورية "ميتاعام" اليسارية الراديكالية و التي يرأس تحريرها الشاعر الإسرائيلي يتسحاك لائور. و بخلاف العددين السابقين فلقد سيطر على هذا العدد تنوع حاشد في الموضوعات التي امتازت بحجمها الضئيل نسبيا و إنما حوت مداخل متنوعة و مختلفة لنقد الصهيونية, بدءا من العلمانية الإسرائيلية مرورا بالموضوع الشرقي و تعامل الصحافة الإسرائيلية مع مقتل الفلسطينيين انتهاء إلى تقديس الموت في الثقافة الإسرائيلية.
لا تبدأ الصهيونية من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية, و لا تنتهي عنده. تكشف لنا دورية "ميتاعام" الإسرائيلية اليسارية عددا وافرا من تجليات الصهيونية في الحياة الثقافية الإسرائيلية, داخليا و خارجيا, و لنأخذ على سبيل المثال مفهوم العلمانية في إسرائيل و الذي قدمته الصهيونية منذ نشأها و إلى اليوم. يقدم لنا البروفيسور التاريخ اليهودي بجامعة بن جوريون أمنون راز كراكوتسكين رؤية نقدية له, و هو المفهوم الذي دأبت عبره إسرائيل على إخراج المواطنين العرب, مجازيا, من حدودها, و ذلك عبر تقديم هوية قومية, علمانية, "اليهود كشعب", لا تتميز كثيرا عن تلك الهوية الدينية, "اليهودية كدين", بل تستقي كثيرا من مفاهيم الخلاص المسيحاني (أي الخلاص الآتي عن طريق المسيح المخلص) و العودة لأرض الأجداد كما تبني كل أطروحاتها على العهد القديم و رؤاه. و يصبح سؤال "أنت علماني أو ديني", يعني أنك يهودي و لست عربيا. يقول كراتسوكين أن حركات قومية كثيرة قد اشتملت على ثيمات دينية, غير أن الوعي الصهيوني, الموصوف بالعلمانية, وحده يتسم بكون الأسطورة القومية نفسها هي بمثابة تفسير مباشر للأسطورة اللاهوتية اليهودية – المسيحية. فالقومية ليست بديلاً للدين, و إنما تفسير للرؤية الدينية و بشكل خاص رؤية العهد القديم. يلخص كراتسوكين, بشكل حاد, مقولة الوعي الصهيوني العلماني بأنها: "الله غير موجود و لكنه وعدنا بالأرض", وهي العبارة المفارقة, التي لا تخلو من طرافة كذلك, التي عنون بها دراسته. هذا ما يميز الصهيونية العلمانية عن الصهيونية الدينية التي حكمت بأن الله موجود فعلا, و وعدنا بالأرض كذلك. ثم يرصد كراكوتسكين في هذه الدراسة كيفية تماهي هذه الرواية العلمانية مع الرواية العلمانية, "الأخرى", البروتستانتية, التي نمت في الغرب, مما يصب أيضا لصالح ربط جديد لإسرائيل بالغرب المتقدم, و إبعادها عن الشرق, الذي تتموضع فيه جغرافيا و ديموغرافيا, فالتوجه الصهيوني مثلا القائم على الاعتراف بالعهد القديم فقط و إنكار التلمود و الكتب الدينية المكتوبة بعده, إنما يسير في أعقاب المبدأ البروتستانتي الغربي المنادي ب "اعتماد الكتب المقدسة وحدها", بدون الشروح المتأخرة لها, كما أن تخيل الصهيونيين القدامى للأرض المقدسة بشكل مشابه تماما لما وصفها به الأثريون المسيحيون الغربيون, و يتم تعريف الدولة الإسرائيلية باعتبارها تحققا للنبوءة المسيحية بمجيء المسيح, كما يتم التعبير عن العلمنة الظاهرية في منح القداسة للدولة, فرموز الدولة, و بشكل خاص العَلَم, تعبر عن النقيض المطلق لما يتم نسبته للعلمنة: العَلََم يرمز للطاليت, وهو الرمز الواضح للبعد الشخصي في اليهودية, الطاليت الذي يتغطى به اليهودي عندما يصلي و يقف أمام خالق العالم. تحويل الطاليت إلى علم يعني إنكار أي أساس للتفرقة بين المقدس والدنيوي, بين الدين و الدولة, من خلال التأكيد على القداسة المنسوبة للدولة نفسها.
و بمناسبة القداسة, تتأمل الكاتبة الإسرائيلية عنات ميتير في دراسة أخرى بالعدد القداسة الممنوحة للموت في الثقافة الإسرائيلية, عبر انطلاقها من مفهوم السمو لدى كانط ومراجعة دريدا له, فالسمو هو الأمر الذي يعجز عقلنا عن الوصول إليه, هو الذي يتطلع إليه الخيال فيحد نفسه به بل و يخصي نفسه عبره, يقف على فنائه و محدوديته عبر محاولة مقاربته المستحيلة, بهذا يضحي الخيال بنفسه لأجل محاولة الوصول إلى ما هو سامي, الأعلى من كل قدرة على الوصول إليه. هذه التضحية تنقلنا إلى أمر آخر, سواء في التضحية أو في السمو لا يوجد اقتصاد, لا يوجد إلا المطلق والنهائي, يمنع الحديث عنهما وفق مصطلحات اقتصادية, كما يمنع الحديث عن الموت وفق مصطلحات اقتصادية, حيث (الشهداء) الإسرائيليين, ماتوا لأجل حياة الأحياء, لا يسأل في هذا عن عدد الموتى و لا عن تأثير موتهم, و هو المقصود بانعدام الاقتصاد. هو الموت المقدس الذي يعطل إمكانية الفهم, الموت السامي, الأعلى من قدرة الخيال على الوصول إليه. إذن فالقداسة تمنح للموت, للتضحية, فقط لأجل الامتهان من الحياة. تذكرنا الكاتبة بالصدمة التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي لدى الكشف عن تمثيل جنود الجيش الإسرائيلي ببعض الجثث الفلسطينية. لا تعبر هذه الصدمة عن ضمير زائد في المجتمع الإسرائيلي, فلو تم التنكيل بأحياء فلسطينيين لما حدثت الصدمة. انتهاك قداسة الموت هو ما أحدث الصدمة, الموت هو ما يُمنع انتهاكه, و في ملاحظة دقيقة تلاحظ عانت ميتير أن مقتل الطفلة إيمان الهمص ليس هو ما أثار قرف الإسرائيليين و إنما أثار قرفهم كون الضابط قد أفرغ في جثتها كل خزانة سلاحه من طلقات, فتمثيله بجثتها لا بجسدها الحي هو المثير للغضب, و دعنا لا نتحدث عن الفظائع التي ينتهك فيها الفلسطينيون انتهاكا لا يمت بصلة لسمو الموت: منع الحركة, الارتزاق و التعليم, الصلات العائلية, الوجود السياسي, حجب وسائل الإعاشة عن ثلاثة مليون شخص, السير لكيلومترات في الوحل أو في الخماسين, في طرق غير ممهدة, للمستوصف أو للمدرسة, الارتباط اليومي بالجندي الذي يعيد الفلسطينيين للمكان الذي أتوا منه, أو يسمح لهم بالمرور من الحاجز, وفقا لمزاجه, الحدائق المجتثة, البيوت المهدومة, ألاف الأسرى الشباب, و منهم مئات الأطفال, الواقعين تحت رحمة منظومة قضائية أوتوماتيكية و مؤتمرة من إخمص قدميها و حتى رأسها, كما تصفها عنات ميتير.
هذا الإحساس بالصدمة في المجتمع الإسرائيلي, هو إحساس جمالي, نابع من انتهاك قداسة الموت, و ليس إحساسا سياسيا يؤدي إلى الفعل الأكثر ملائمة: الاحتجاج, المقاومة. بالضبط مثل مقولة "الاعتراف بالمعاناة الفلسطينية" التي تتردد على لسان الكثير جدا من الفنانين و المثقفين و الأدباء الإسرائيليين, هو اعتراف فارغ من المحتوي, لا يؤدي إلى شيء, هو تقديس للضحية, صبغها بالسمو, ثم عدم التحرك لتقليل معاناتها, الاكتفاء بالاعتراف الجمالي فقط على لسان ما يطلق عليه اليسار الإسرائيلي.
هذه حقيقة, فأحيانا ما تؤدي بعض قطاعات من اليسار الإسرائيلي دورا مكملا لما يقوم به اليمين, سواء عن سوء نية أو حسنها. في هذا الشأن يمكننا موافقة الكاتب الإسرائيلي الشاب درور مشعاني في مقاله المعنون ب"لماذا يحتاج الشرقيون إلى المعبرة", على أنه سواء من هللوا لرواية (المعبرة) للكاتب اليهودي عراقي الأصل شموع بلاص, بسبب من تحديها للرواية الصهيونية, أو من أزعجهم هذا التحدي, كلاهما يدعمان الصهيونية, و يتصورانها باعتبارها خلفية يمكن قراءة الرواية على أساسها. يتحدث الكاتب الإسرائيلي الشاب عن النقد الإسرائيلي الموجه لرواية (المعبرة), و الذي لم ينظر إلا إلى أجواء هذه الرواية التي تتحدث عن انتقال اليهودي الشرقيين من البلاد العربية إلى داخل إسرائيل, و الأجواء العربية, اللغة و العادات الأفكار, التي تكونت داخل المعبرة, و هو المكان المخصص لتكييف اليهود العرب على العيش داخل إسرائيل بعد هجرتهم إليها. يرصد الكاتب احتفاء النقد الإسرائيلي بالرواية باعتبار أنها الرواية الشرقية الأولى التي تكتب في إسرائيل و يتساءل عن سبب منحها هذه الشرقية, أي سبب الإشارة إلى أنها شرقية: هل هو شرقية كاتبها أم أبطالها, كونهم من أصل عراقي؟ يقرر مشعاني أن روايات كثيرة كتبت كان أبطالها و كتابها شرقيين و لم تمنح هذه "الشرقية". يقتبس مشعاني رأي الناقد الإسرائيلي الصهيوني جرشون شاكيد و الذي يرى أن رواية المعبرة (و كعادة الروايات الاجتماعية, فالتوجه الاجتماعي فيها أكثر أهمية من التوجه الفني.. و لأن في الرواية توجها اجتماعيا تعليميا, فالمؤلف يميل لمبالغة ما في وصف وضع ضحايا الوضع الاجتماعي), و لأجل التأكيد على شرقية الرواية يستخدم شاكيد صفحات الرواية التي يتم الحديث فيها عن صراع سكان المعبرة الشرقيين ضد قائدها الإشكنازي الغربي و إلى استخدام بلاص ل"الرطانة العربية", هذا بينما لم تقرأ تلك اللحظات من الرواية أو من إبداع بلاص بشكل عام, التي خرجت عن هذا الاحتجاج السياسي على الوضع الاجتماعي أو عن "الشهادة الاجتماعية" على الحاضر, تم إلغاءها من إبداعه. فكتاب بلاص الأخير "التجلي" وصفه شاكيد نفسه بأنه غير شرقي برغم أن بطله, و بالتأكيد كاتبه, قد ظلا يهوديين شرقيين. على الجانب الآخر من عدم ارتياح شاكيد لشرقية الرواية "المبالغ فيها" و النابعة من احتجاجها السياسي و ليس من طرائقها الفنية. فحانان حافير الناقد لتاريخ الصهيونية يشير إلى نفس اللحظات التي أشار إليها شاكيد عن الاعتراض الأيديولوجي على الصهيونية و يسهب مدحا في هذه المقاومة غير أنه, كشاكيد, لا يلتفت إلى فنية الرواية و إنما يتعامل معها بوصفها شهادة تاريخية فقط, و هكذا يتم تحديد حيز خطاب الهوية للشرقية في الأدب و الثقافة الإسرائيليتين كما نعرفها اليوم: هكذا تحدد له مجالات "الشهادة التاريخية" و "الاحتجاج", أي لا يسمع إلا عندما تتم صياغته بجوار القصة الصهيونية, و هكذا تتم كتابة تاريخ الصوت الشرقي: لا يصير شرقيا إلا عندما يحتج أو يعترض, ليس للشرق ثقافة أو فن يخصانه, و بالإجمال فهو لا يمكن له أن يقرأ إلا على هدي من الصهيونية, سواء كان اعتراضه عليها محمودا أو مذموما, المهم في الحالتين أن الصهيونية تظل هي المجال الأوحد لتفسير النص.
و في انحرافة حادة من حاضر الشرق الأوسط نحو تاريخ الديانتين اليهودية و المسيحية يقدم لنا في هذا العدد دانيال بويارين أستاذ التلمود الأمريكي في جامعة بركلي بكاليفورنيا, رؤية نقدية لتاريخ الديانتين الشرق الأوسطيتين, التداخلات بينهما و التداخلات بين هوية "اليهودي" و المسيحي", ثم ننتقل معه إلى تاريخ العصور الوسطى و كيف جوبه المسيحيون المنجذبون لليهودية أو اليهود المنجذبون للمسيحية بدعوات الهرطقة و الكفر. فيما بعد, وقرب نهاية مقاله, يتحدث الكاتب عن كيف الأمور تبدلت الآن لصالح تقارب غريب بين اليهود و المسيحيين, و هم الأعداء لألف عام, لأجل الحرب ضد الإسلام. فحرب التطهير الإثني التي ينتهجها شارون ضد الفلسطينيين تحظى بتعاطف من جانب مسيحيين أصوليين كما أن حروب جورج بوش الصليبية تحظى بدعم متحمس من جانب أغلب اليهود باسم الحرب ضد الإرهابيين المسلمين. يدلي الكاتب هنا بملاحظة غاية في الأهمية و المفارقة عن كيف أن العرب المسيحيين, بالضبط مثلما كان الأمر في الحروب الصليبية الأولى, يتم تغيير ديانتهم ليصبحوا مسلمين في الخطاب الحربي, سواء ذلك الخاص باليهود أو الخاص بالمسيحيين الأمريكيين, يصيروا جزءا من الشرق و من تخلفه, و من ثم, يصبحوا موضوعا للاحتقار, لا يقلون في هذا شيئا عن نظرائهم المسلمين!
ليس هذا فقط, بل إن أي يهودي يشك في الصيغة الشائعة و الغربية عن الحلف اليهودي المسيحي المعاصر أو الصيغة القائلة بأن الفلسطينيين, صدام حسين و أسامة بن لادن, هم كلهم إرهابيون يتشابهون في درجة "شيطانيتهم", يتم فورا تعريفه بأنه يهودي معاد للسامية. ثم يعترف الكاتب أن الحملات الصليبية كانت دوما في غير صالح اليهود في الشرق الأوسط القديم, و تركت خلفها الكثير و الكثير من الدم اليهودي, غير أنه, و في مفارقة مريرة, فكثيرون من اليهود يجدون في الحملات الصليبية المعاصرة, والتي يقودها بوش و من ورائه أطماع استعمارية, كما يعترف الكاتب, هدفا مشتركا لهم, فبخلاف النفط, و هو السبب الاقتصادي وراء الحرب على العراق, يقول الكاتب بأن ثم دافعا مشتركا يجمع بين الاثنين, و هو الاحتقار القديم للإسلام, و الذي كان دافعا للمسيحيين خلال مئات السنوات, و الاحتقار التقليدي للمسلمين, و الذين يعانون من عمليات شيطنة تجري لهم في العالم كله, تسانده بارانويا يهودية تحتقر الأغيار.
ترصد الباحثة بجامعة بر إيلان الإسرائيلية إلينا كورن بعدا آخر من الشيطنة التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي للفلسطينيين هذه المرة, و ليس المسلمين, ففي عام 2004 و بعد أن تحولت سياسات الاغتيالات الإسرائيلية لنشطاء فلسطينيين إلى أمر معتاد كل هذا الحد و أصبح يشار إلى كل من يتم اغتياله في الصحافة الإسرائيلية باعتباره " قياديا كبيرا" أو "قائدا لذراع عسكري" لم يعد لدى المواطن الإسرائيلي العادي الوقت و لا القدرة على التساؤل عن كيفية اشتمال تنظيم واحد على كل هذه الأذرع العسكرية كأنما الحديث هو عن جسد أخطبوطي, كلما قطعنا أعضاء منه, نمت له أعضاء و رؤوس جديدة. هذا البعد السريالي الذي تضيفه الباحثة من عندها, يسهم كثيرا في تأكيد صورة عنصرية تقليدية عن الإرهاب: تنين أسطوري, لا تنتهي أذرعه أبدا, و هي تنمو من تلقاء ذاتها لا بدافع القمع و الفقر و الاستغلال, بمساعدة هرموناته الداخلية ليس أكثر.
لا تبدأ قصة الصحافة الإسرائيلية مع سياسة تصفية النشطاء الفلسطينيين من هنا. ترصد إلينا كورن سلسلة الدم الدائرة منذ زيارة شارون للحرم الأقصى و حتى اليوم, اجتياح إسرائيلي للأراضي المحتلة يعقبه عملية فلسطينية داخل إسرائيل, و هكذا دواليك , لا تجرؤ الصحافة الإسرائيلية على الإشارة إلى أن التصفيات الإسرائيلية هي الدافع للأعمال الانتقامية الفلسطينية, و برغم أن الانتفاضة كانت متوقعة بشدة في القيادة العسكرية الإسرائيلية, حيث تباهى شاؤول موفاز, في نهاية سبتمبر 2000, و كان عندئذ رئيس هيئة الأركان العامة, بأن جيش الدفاع الإسرائيلي قدر مسبقا بأن التمرد سيندلع, بل و قد استعد له, فلقد فضلت الصحافة, برغم تصريح موفاز السابق, أن تتلقى العصيان الجماعي في الأراضي في خريف 2000 باعتباره "مفاجأة" أو "الجزء المحبط" من سلوك الفلسطينيين. كذلك تقاعست الصحافة الإسرائيلية عن الإشارة إلى أن أي تصفية إسرائيلية لنشطاء في الأراضي المحتلة سيعقبها انتقام من الجانب الآخر, و على العكس, عملت على إبراز الربط الآخر, كأن دوما أي اجتياح, أي استهداف لمدنيين فلسطينيين, أي تصفية, هو رد عادل و دقيق على عملية انتحارية قام بها فلسطينيون داخل إسرائيل. كانت هذه هي الرواية الإساسية للصحيفتين الإسرائيليتين الأوسع انتشارا, معارفي و يديعوت أحرونوت, منذ بدأت سياسة التصفيات باغتيال نشط فتح في بيت لحم, حسين عبيات, و الذي تم تصوير اغتياله و كأنه "إحباط مكثف" لعملية إرهابية كان في طريقه لتنفيذها, و نسب له بعد اغتياله المسئولية عن مقتل جنود إسرائيليين بدون توضيح إن كان فعلا مسئولا عن مقتلهم أم أنه قد نسب له لأنهم قتلوا في المنطقة التي كان فيها "عضوا كبيرا في فتح" كما تصفه يديعوت أحرونوت. الأكثر أهمية أنه لأول مرة تنسب صحيفة إسرائيلية كل هذا الاهتمام لمقتل فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي, فمنذ بداية الانتفاضة و حتى يوم اغتياله كان عشرات الفلسطينيون قد قتلوا في "اضطرابات", "مواجهات", "تبادل لإطلاق نار", أو من نار قناصة يطلق باتجاه "مشتبه فيهم". لماذا تم بسرعة تحويل الفلسطيني الميت من شخص مجهول, لا يهم موته احداً و أحيانا ما لا يشار إلى موته في الأخبار, إلى شخص إرهابي خطير, ويفرد لمقتله كل هذه المساحة في الصحافة الإسرائيلية. تقرر الكاتبة أن الجيش الإسرائيلي قد قرر تصعيد الصراع في الأراضي المحتلة, و قرر تلقي انتقام فلسطيني يؤهله ليقوم بعمليات أوسع في الأراضي المحتلة. هذا ما حدث في اغتيال الشيخ أحمد ياسين, و بتعاون مماثل بين الجيش الإسرائيلي و الصحافة الإسرائيلية: إبراز العملية الانتحارية في مطار أشدود, و التي قتل فيها عشرة إسرائيليون, تجاهل قتل ستة عشر فلسطينيا بعدها على يد الجيش الإسرائيلي, ثم إبراز بشكل واسع اغتيال الشيخ أحمد ياسين, و كأنه الرد الرقيق و المهذب على عملية أشدود, مع محو مقتل سائر الفلسطينيين من الرواية الصحفية, التي تستمد خطوطها من رواية الجيش الإسرائيلي, و من ثم, إسباغ بعد العدالة و الدقة على عمليات الجيش, كأنما هي عمليات جراحية دقيقة, تستهدف قطع, مرة واحدة و للأبد, رأس الإرهاب, لا الإسهام في تنمية أذرع إضافية متنوعة لأخطبوطه الرهيب.
بالإضافة إلى هذا فقد احتوت الدورية على قصص للإسرائيليين يتسحاك لائور و ياعيل نئمان و ليلاخ جاليل و الفلسطيني حسن خضر و اللبنانية عايدة شامي و التشيكي الأشهر فرانز كافكا, كما احتوت على قصائد للإسرائيليين هيلاه لاهاف و رونان ألتمان كيدار و إليشيفع جرينباوم و الألماني الأشهر برتولد بريخت و الأسباني نيكنور بارا, كما احتوت على مقالة للكاتبة الشابة نعاماه جيرشي عن التراسل الثلاثي بين بوريس باسترناك و ريلكه و مارينا سفتييفاه و تكتب تال فرانكل الروي عن قصيدة الشاعر الإسرائيلي دافيد أفيدان.
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟