|
عن اتفاق العراق الأخير ، للدعم والمساعدة ، مع صندوق النقد الدولي
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 5180 - 2016 / 6 / 1 - 13:32
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عن اتفاق العراق الأخير ، للدعم والمساعدة ، مع صندوق النقد الدولي
تتسربُّ الينا تفاصيلُ اتفاق الدعم والمساعدة standby agreement الأخير مع صندوق النقد الدولي ، على دفعات ، ونشربها على مهل ، وبجرعاتٍ صغيرة ، ولا يتم اقحامها في افواهنا اليابسة ، بأسلوب "الصدمة" سيّء الصيت ، كما كان يحدث مع الدول المريضةِ "ماليّاً " ، والى وقتِ قريب . وهذا تكتيكٌ حكيم ، يتناسبُ ، ويتوافقُ ، مع فِهْم المنظمّات الاقتصاديّة الدوليّةِ (وفِهْم الخبراء المحليّين الذين يتعاملون معهم) لطبيعة سلوكنا في الأزمات التي تمسُّ "مصادر الرزق"، ولردود افعالنا ازاء "الترتيبات" الاقتصاديّة ، التي يحاولون من خلالها التخفيف من حدّة امراضنا الاقتصاديّة المزمنة ، الطويلة الأجل . كما انّ الظروف الراهنة (غير الاقتصاديّة) لا تسمحُ بعرض التفاصيل الكاملة للاتّفاق ، لا على عموم المواطنين ، ولا على "قادتهم" المُفتَرَضين ، ولا حتّى على ممثلّيهِم في البرلمان . و في ظروفٍ مُلتبسةٍ كهذه ، يعتقد المسؤولون عن هذا الملفّ ، أنّهُ لن يكون من الحصافةِ في شيء ، طرحُ موضوعٍ كهذا على المواطنين للتصويت عليهِ (كُلاًّ أو جزءاً) ، بعد أن يُقالَ لهم : هذا هو الاتّفاقُ نعرضهُ عليكم كما هو . فإنْ قبلتم بهِ سيترتبُ على قبولكم كذا وكذا ، بعد كذا من الوقت . وإنْ لم تقبلوا بهِ ، سيترتبُ على رفضكم لهُ كذا وكذا ، ولكذا من الوقت . لا ادري لماذا لا يتمُّ توجيه اهتمام المواطنين الى قضايا كهذه ؟. لماذا لا يتم "تحشيدهم" من اجل القبول بها او رفضها ؟ . لماذا لا نسعى الى تحميلهم مسؤولية ، لا أنْ يُقرّروا ، بل فقط انْ يعرفوا طبيعة وأبعاد وتداعيات اتفّاقيّاتٍ كهذه ،على تفاصيل حياتهم العامّة والخاصّة ؟. إنّ الأمر ليس مُعقّداً ، ولا خطيراً ، و لا سرّياً ، ولا مُخجِلاً ، الى هذه الدرجة التي يحاولُ البعض تسويقه بها (أيّا كانت الدوافعُ من وراء ذلك) . علينا التخلّي عن أحكامنا المُسبقةِ ، المُبتذلة ، حول المواطنين "القطيع" الذين يمكنُ سوقُهم دائماً الى حيث نُريد ، والذين تتحكّمُ بهم نظرية المؤامرة . إنّ إدراك الناس لمصالحهم الشخصيّة ، ودفاعهم عنها ، ليس خطيئة ، بل هو من "فضائل" الاقتصاد الحرّ التي يُفرِدُ لها دستورنا الكثير من المواد في باب "الحقوق"، وفي أبواب أخرى. الآنَ ، وفي فرنسا ، طرحت الحكومة الفرنسية مشروعا جديدا لقانون العمل أثار الكثير من الجدل ، وعرّضَ حكومة (مانويل فالس) اليسارية لانتقادات عدة حتى داخل معسكرها . وبهذا ستواجه الحكومة الفرنسية مأزقا حقيقيا، يمكن أن يعقد محاولاتها الإصلاحية لإنعاش الاقتصاد والحد من البطالة التي بلغت مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة ، بعد عزمها على إجراء تعديلات على قانون العمل الذي تكلفت بالدفاع عنه كل من وزيرة العمل من أصل مغربي مريم الخمري ، الذي حمل المشروع اسمها، ووزير الاقتصاد إيمانويل ماكرو. و حولَ هذا الموضوع أكّدَ رئيس الوزراء (فالس) : "إن الحكومة لن تتراجع عن مسعاها، لكنّهُ من الممكن إجراء بعض التعديلات على المشروع" . لقد تظاهر الفرنسيّون ضدّ مشروع القانون ، وأثار بعضهم الشغب ، وتصادموا مع الشرطة ، غير أنّ هذه ليستْ نهاية العالَم . ولمن يقولُ أنّ هذه هي فرنسا وليستْ العراق ، أقول : بقدر تعلّق الأمر بالدفاع عن المصالح الخاصّة للعاملين ، فانّ سلوك الشعوب واحدٌ ، ومتماثل ، كما هو سلوك الحكومات ، فلا تبخسونا حقّ أنفسنا ، ولا تجعلونا أقلّ تحضرّاً من غيرنا بهذا الصدد . هذا "نموذجٌ" جيّدٌ جداً لاحترام الارادات ، ولاختبارها بين الشعوب والحكومات .. فلماذا لا نجعلُ من اتفاقنا الأخير مع صندوق النقد الدولي ، ما يشبهُ "يوماً للتدريب" على تقنيات الدفاع عن المصالح الوطنية ( حكوميّةً كانت أم شعبية) ؟ لماذا لا نجعلُ من هذا الاتّفاق "مناسبةً وطنيةً" لتعريف المواطنين بحقوقهم والتزاماتهم الاقتصادية ، و تدريبهم على فهم امورٍ كهذه ، ومناقشتها ، وتعليمهم الاليات المناسبة للاعتراض عليها ، بل والطرق الملائمة للتظاهر ضدّها ، والأساليب المناسبة للدفاع عنها. لمَ لا ؟ . لماذا لا نفعلُ ذلك ؟ . إنّ "ممارسات" كهذه ستكونُ (بالرغم من كلّ ما سيشوبها في بداية الأمر من أخطاء ، وسوء فهم ، وتوظيفٍ خاطيء) مصدر قوّةٍ لنا جميعاً في نهاية المطاف(كشعبٍ وحكومةٍ وسُلُطاتٍ سياديّة) . لا أعرفُ الجواب بدقّة . غير أنّني أعرفُ أنّنا قد تعوّدنا على انماطٍ للسلوك ، تجعلنا قادرين على التعايش (والارتزاق) من المُناكفاتِ السفيهةِ ، والاشاعاتِ ، والأكاذيبِ ، والتُهَمِ المُشينةِ ، ونظريّات المؤامرة .. وأنّنا لا نُجيدُ التعاملَ مع تفاصيل محنتنا ، ولا مناقشتها في الهواء الطَلِق . ولهذا ، لو أفترضنا أنّ الحكومة قد قرّرتْ طرح اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي على مجلس النواب ، فإنّ السيد رئيس المجلس لن يتمكنَ من عرضهِ على السادة النوّاب ، إلاّ بعد عرضهِ على السادة رؤساء الكُتَل ، للحصول على "توافقٍ" بصدده .. و سينتهي أجلُ الاتفّاق دون ان يتمكن مجلس النوّاب من التوصّلِ إلى "إجماعٍ" بصدده . و سيحدثُ كلّ ذلك ، بينما يدفعُ المواطنون كلفة الاتّفّاق من رواتبهم ، وركودِ اعمالهم ، وشحّة مداخيلهم ، ومن بؤس الخدماتِ العامة المُقدّمة لهم ، دون أن يعرفوا ، أو يطَلّعوا، على الهدف النهائيّ منه ، وعلى عوائدهِ ، وأسبابهِ الموجِبة . إنّ شخصاً واحداً لن يتمكن ، لوحده ، من "تسويق" صفقةٍ كهذه . ولو فعلَ ، لحمّلناهُ جميعاً وِزرَ الاتّفاق ، وسنتعاملُ معهُ كما لو انّهُ أبرم الاتّفاقَ لأفرادِ عائلته . إنّ الموضوعات ذات الصلة بالشأن الاقتصاديّ ، بشكلٍ عام ، وهذا الموضوع ، بشكلٍ خاص ، هو أهمّ بكثير من "الكابينات" الوزاريّة ، ومن حُزَم الاصلاح ، ومن "زَعَل" نواب جبهة الاصلاح في مجلس النوّاب على رئيس المجلس ، بل وحتّى من التظاهرات والاعتصامات و "الاقتحامات" التي تفتقرُ الى أيّةِ دالّةٍ للهدف . لمَاذا لا نفعل ذلك ؟ . لماذا لا نُعيدُ ترتيبَ أولوياتنا في الاحتجاج والاعتراض ، و الدَعمِ و " الموالاة" على وفق ذلك ؟ . نحنُ ، كلّنا ، من أبسطِ الناسِ فينا ، إلى قلّتنا الهائلة ، الى أفراد " نخبتنا" .. نستطيعُ أن نفعل ذلك . و لكن .. و لكن .. و لكن ..
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلبكَ الذي لايزالُ يغنّي
-
مثل سحليّةٍ واقفة
-
هناك أكثرُ من كابوس في هذه اللحظة
-
عندما تكونُ الحروبُ جميلة
-
حتّى اذا عادَ يوسف
-
هذا الهراء الاقتصاديّ العظيم
-
معلومات و بيانات عن اتفاقية العراق الأخيرة مع صندوق النقد ال
...
-
العراق .. عندما تخذلهُ الجغرافيا ، ويخونهُ التاريخ
-
مجلس عزاء في السوشيال ميديا
-
مدري ليش
-
عندما كان البلبلُ يطيرُ .. ويُغنّي
-
داعش و أمّي
-
حتّى أنت يا بروتوس ؟
-
لا تنتَظِرْ أصابعهم الخضراء .. فوقَ صدركَ اليابس
-
عن خُضْرِ الياس و شموعهِ المُطفأة
-
عندما تريدُ أن تحكُمَ العراق
-
جمعةٌٌ مُباركةٌٌ خام برنت
-
سلاما سيّدتي و زعيمتي الاقتصاديّة .. كريستين لاغارد
-
سلاما سيدتي و -زعيمتي- الاقتصاديّة .. كريستين لاغارد
-
سأذهبُ لأصلّي .. من أجل أن يحدث ذلكَ الآن
المزيد.....
-
الخطوط الجوية الفرنسية تعلن استئناف رحلاتها إلى بيروت اعتبار
...
-
ما تداعيات استمرار حظر تصدير دواجن إقليم كردستان العراق؟
-
الاتحاد الأوروبي يستعد لحظر الألمنيوم الروسي.. الأسعار ترتفع
...
-
سعر الذهب نهاية تعاملات اليوم الأربعاء 29-1-2025
-
مصر.. قفزة كبيرة في تحويلات المصريين بالخارج
-
المنافسـة تشتعل بأقل من 3/4 مليون!! سعـر ومواصفات سيارة شيفر
...
-
مصر.. اكتشاف نفطي وأعمال حفر جديدة لزيادة الإنتاج بالبحرين ا
...
-
مهرجان ومعرض -صنع في روسيا- يقدم أفضل المنتجات الروسية في ال
...
-
ارتفاع أسعار النفط الإيراني الخفيف في الأسواق العالمية
-
الاتحاد الأوروبي يقدم 3 مليارات يورو للأردن
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|